الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف ستنتهي حرب غزة ؟

عبدالرحمن مصطفى

2024 / 1 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


بعد أكثر من 4 أشهر للحرب الإسرائيلية (المدعومة أمريكيا وغربيا) على غزة يبقى السؤال مفتوحا متى ستنتهي هذه الحرب ؟ وكيف ستكون نهايتها ؟ هناك وجهات نظر حدية متناقضة بشأن كيفية انتهاء هذه الحرب ،فإسرائيل تكاد تجمع على أن نهايتها لن تكون أقل من إقصاء حماس من الحكم والإدارة في غزة بينما الطرف المقابل يتصور أن الحرب ستنتهي بفشل كامل لإسرائيل دون قدرتها على تحقيق أياً من أهدافها ورضوخها لشروط المقاومة ..وهناك مؤيدين لهذا الطرف أو ذاك ويتبنون وجهات نظرهم دون أي نظرة نقدية فاحصة لموازين القوى وتاريخ الصراع ..ليست حروب اليوم مشابهة لحروب العصور الوسطى والعصور القديمة التي كانت تنتهي بإنتصار ساحق لطرف على حساب آخر ..وليس الموضوع رهن موازين القوى العسكرية فقط بل هناك عوامل أخرى تمارس دوراً وتأثيراً في تشكيل نتائج الحروب ،الحروب سياسة وهي لم تتجلى بهذه الصورة أكثر مما تجلت بعد العصر الرأسمالي مع مايرافقه من نزعة (عقلانية كما يسميها أنصار النظام الرأسمالي) مادية بحتة ..والسبب ببساطة أن عالم اليوم لايشبه عالم الأمس ؛فعالم اليوم مترابط متشابك و متراص أي حدث في أي مكان سيحمل عواقبه على الجوار وستتسع دائرة الحدث حتى تضم أقطاب إقليمية ودولية يتمثل هذا بصورة جلية في الأسواق المالية حيث تسود الروح الحيوانية كما أسماها كينز بين المستثمرين ويراقبون بصورة مفصلة الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويتخذون قراراتهم الاستثمارية بناءاً عليها وبذلك تضطرب الأسواق وتهوي الاقتصادات ..طبعا الأمر ليس رهن ارادات مشتتة للأفراد بل قوى واحتكارات تمارس دورها وتأثيرها وفي العلاقات الدولية نجد صورة مقاربة لهذه الصورة الفوضوية فأي حدث أو نزاع في أي مكان هو قابل للإشتعال والتطور الى نزاع أكبر ..في العالم لم تكن هذه النزعة موجودة أو على الأقل بهذه الدرجة من القابلية للتوسع وهذا يرجع لتأثير العولمة بجميع أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الثقافية ..

بطبيعة الحال لن تنتهي الحرب بهذه الصورة الوردية التي يحملها الطرف المنافح عن اسرائيل وهجامتها الهمجية على غزة ،فالحرب أظهرت فشلا واضحا لقدرات الجيش الإسرائيلي في القتال البري وعجز عن اتباع تكتيك قتالي ناجع لمثل هذه الحروب ،بالطبع تمتلك اسرائيل استراتيجية وهي أشبه بالمقامرة تتمثل في التدمير الشامل والممنهج لمدينة غزة ،تظهر تأثيرات هذه الاستراتيجية على المدى الطويل (بالنسبة لرغبة الحسم العسكري السريع للقادة الإسرائيليين وهي عقيدة قتالية اسرائيلية) لكنها قد تأتي بنتائج عكسية من ردة فعل عالمية مناهضة لإسرائيل وهذا ما يتمثل في الرفض الشعبي الغربي للحرب في غزة وعقد محكمة دولية بطلب من دولة لها وزن وثقل أخلاقي في العالم لمحاسبة اسرائيل على جرائم الحرب وما قد ينتج من قرارات حاسمة عن هذه المحكمة من إلزام اسرائيل بوقف القتال أو على الأقل التخفيف من حدتها ورفع الحصار عن غزة ..ما حدث لإسرائيل في السابع من أكتوبر هو صدمة نفسية هائلة لمجتمع مثل المجتمع الإسرائيلي مجيش ايديولوجيا وجاهز للحرب في أي لحظة مع عقيدة قتالية استباقية مصممة للجم الأعداء وايقافهم عند حدهم ،لهذا كان الرد الإسرائيلي شاملا ومدمرا فهذا الرد يعبر عن حجم الصدمة التي تعرضت لها اسرائيل في السابع من أكتوبر ،وقد قال حسنين هيكل سابقا أن اسرائيل لاتحتمل هزيمة عسكرية واحدة وهي بذلك تتفرد في طبيعتها عن الدول الأخرى وهذا نتاج لحساسيتها الأمنية المفرطة التي ترتكز على عوامل موضوعية منها طبيعة نشوئها ومحيطها العدائي وصغر عمقها الاستراتيجي وارتكازها في دعايتها على مظلومية حقيقية لليهود في أوروبا وروسيا الخ..وهذا مايجعلها حاملة لعقيدة التفوق على الآخر لأن اليهود كابدوا وعانوا وهم لهم الأحقية في التمنن على الآخرين وأن العالم مدين لهم ..كل هذا يشكل العقلية الأمنية الإسرائيلية فهي مبنية على الخوف والقلق المستمر والرغبة في ردع الخصوم ..طبعا هذه الحرب ستكون امتحان حقيقي لهذه العقيدة فما سيحدث بعد الحرب من خلافات ونزاعات سياسية واجتماعية ستضع هذه العقيدة وتماسك المجتمع الإسرائيلي على محك الاختبار ،لأن ماحدث في السابع من اكتوبر ربما يكون أشد أزمة واجهتها اسرائيل في تاريخها وبصورة أعمق مما واجهته في يوم 6 اكتوبر من عام 1973 لأن الأخيرة لم تطال المدن الإسرائيلية الداخلية وكان الصراع آنذاك صراع حدودي بواسطة جيوش نظامية ،أما أن تقوم جماعة مسلحة ومعزولة دوليا بهجوم السابع من اكتوبر وتجتاح المدن الإسرائيلية فذلك يشكل ضربة ثقيلة لعقيدة الأمن الإسرائيلية التي تقتضي أن تكون الحروب حصرا على ميدان الخصم ..لهذا كان الرد الإسرائيلي عنيفا فهو يعبر أكثر ما يعبر عن التناقضات التي تنخر المجتمع الإسرائيلي ،فالمجتمع الإسرائيلي يحتاج أن يكون معبئ ومجيش بصورة مستمرة ضد خصوم واقعيين أو وهميين وذلك يعوق اي عملية سلام في نفس الوقت لايمكن لإسرائيل أن تكون في حالة حرب مستمرة مع المحيط ..


أما على المقلب الآخر تصور الحرب بأنها فشل مستمر ومتواصل لإسرائيل فهي لم تحقق أياً من أهدافها المتمثلة في تحرير المختطفين والقضاء على حماس وردع الخصوم وتهجير السكان الخ..المشكلة أن هذه الأهداف لن تتحقق على الفور وفي خضم الصراع العسكري فالطريقة التي تقاتل بها حماس والفصائل الفلسطينية لايمكن لجيش نظامي أن ينهيها سريعا كما تقتضي عقيدة اسرائيل القتالية ،فحماس والفصائل الفلسطينية الأخرى تقاتل بوحدات صغيرة مكونة من أفراد وأسلوب القتال هذا لايستدعي ضرورة الإمساك بالأرض ولا الدفاع الجبهوي عن المناطق الحيوية فالجيش الاسرائيلي اجتاح معظم قطاع غزة ومثل هذا القتال لايتطلب تنسيق واتصال مركزي وهو أشبه بقتال القرى المعزولة لعدو مدجج بالسلاح والمعدات الثقيلة وهو لا يهدف الى أكثر من إيقاع الخسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي ،والجيش الإسرائيلي يقاتل بطريقة تقليدية ويتحدث عن مراكز قيادة وسيطرة وتوجيه الخ ...وكأنه يواجه عدو واضح المعالم كما في الحروب النظامية والوحدات القتالية الصغيرة هي أكثر ما يرهق الجيش الأسرائيلي لكنها في نفس الوقت تقتضي عدم الإمساك في منطقة وهذا ما جعل الجيش الاسرائيلي يجتاح مناطق القطاع المختلفة وتدميرها بصورة كلية بعد انسحابه منها ..استراتيجية ايقاع أكبر عدد من الخسائر في صفوف القوات الاسرائيلية الغازية لن تؤتي ثمارها الا على المدى الطويل فالجيش الإسرائيلي قد يبقى في غزة لفترة طويلة وقد يحتمل المجتمع الاسرائيلي الخسائر لفترة من الوقت بداعي أن ما فعلته حماس يتطلب ردا مناسبا ومهما كان الثمن ،وهذه الحرب ليست مثل الحروب الأخرى لإسرائيل من ناحية أن هناك اجماع اسرائيلي على خوضها وتحقيق أهدافها ..لكن مما يظهر بعد 4 أشهر من الحرب أن اسرائيل عاجزة عن حسم المعركة عسكريا وبفترة قصيرة كما تقتضي عقيدة القتال الإسرائيلية لكنها تتبع استراتيجية تدميرية شاملة بهدف تقويض قدرة السكان على العيش مرة أخرى ومن الخطأ تصوير أن هذه الاستراتيجية عبثية أو ليست هدفا بحد ذاتها ..

في جميع حروب اسرائيل ؛ كان القادة الإسرائيليون يحرصون على ألا تنتهي الحرب إلا بالخروج بمغنم يمكن أن تستخدمه كورقة ضغط على الخصم لاحقا في المفاوضات،هذا ما حدث مع أكثر الحروب شراسة في القرن الماضي في 1973 ؛ حيث حرصت اسرائيل على إحراز مكسب معين من هذه الحرب ،والضغط الذي مارسه الأمريكان والسوفييت على السادات في لإيقاف الحرب في بدايتها ما كان يمكن أن يوافق عليه الإسرائيليون إلا لالتقاط النفس والشروع في القتال مرة أخرى وهذه من مستلزمات عقيدة الردع الإسرائيلية فلم تنتهي الحرب إلا عندما كانت الفرق المدرعة الإسرائيلية تطوق الجيش الثالث واستعادت المناطق التي فقدتها في بداية الحرب مع سوريا ،ومارس الأمريكان والسوفيت ضغوطهم على اسرائيل لإيقاف الحرب بعد أن أخذت عامل المبادأة في الهجوم لكنها لم تتوقف الا بعد عدة أيام من هذه المناشدات وبعد تحذير أمريكا من إيقاف المساعدات العسكرية لها ..

الأمر ذاته سيحدث مع حرب غزة أما ما الذي سيرضي اسرائيل فذلك يعتمد على نتائج القتال والضغوط التي تمارسها الأطراف المختلفة ،ومن السذاجة أن يعتقد البعض أن الحرب ستنتهي هكذا كما انتهت الحروب السابقة مع غزة فهذه الحرب مختلفة والدمار الذي سببته اسرائيل في غزة وهو دمار كبير أكثر من 60 بالمئة من المنازل فضلا عن اخراج المستشفيات من الخدمة وتدمير كل سبل العيش في غزة وهذه نتيجة كارثية على جميع المستويات كانت اسرائيل تتجنب مثل هذا التدمير سابقا لعدم توفر التأييد الدولي وهو ما حصلت عليه في هذه الحرب ..

بعد هذا التدمير والتخريب (دون الحديث طبعا عن عدد الضحايا الذي تجاوز 30 ألف قتيل وعشرات ألآف الجرحى والصدمات النفسية التي سببتها الحرب) هل ستسمح اسرائيل بدخول المساعدات وتسهيل آلية الإعمار كما حدث في الحروب السابقة ؟ الجواب ببساطة لا اسرائيل ستستخدم ورقة الإعمار للضغط على حماس والفلسطينيين لتفكيك حكم حماس في غزة ، هناك مثال مشابه ما حدث في سوريا فرغم مرور سنوات على توقف القتال في سوريا إلا أنه لم يتبع هذه الحرب بعد كل هذه المدة أي عملية إعمار باستثناء جهود محلية متواضعة محدودة ولم يرجع اللاجئين الى بلدهم بسبب ذلك ،والأمر يعود بالدرجة الأولى لرغبة أمريكا في ممارسة الضغط على النظام الحاكم في سوريا وأمريكا تستفيد من وضع سوريا الحالي طبعا ...وهذا ما ستفعله اسرائيل غالبا مع غزة والحديث الفارغ للبعض عن فشل مخططات التهجير وغير ذلك لايمكن الحكم عليه الا بعد مرور مدة طويلة ..فسكان القطاع لم يعطوا الفرصة أصلا ليغادروا غزة ،فمصر ترفض رفضا كاملا أي تهجير للغزاويين الى سيناء ..في الغالب ستنتظر اسرائيل فترة من الوقت مع اعتبار غزة أرض حرب ومنطقة عمليات وإبقاء سكان القطاع في أوضاعهم الكارثية وتحويل هذا الى ورقة ضغط على حماس في غزة مع منع قطر أو أي دولة اخرى من اعادة إعمار غزة كما حدث في الحروب السابقة لكن هذه الاستراتيجية لن تتحقق طالما استمر القتال والقصف الهمجي فطالما استمر ذلك سيستمر غضب السكان على اسرائيل لكن بعد توقف القتال وترك غزة على حالها سيكون من السهل اثارة القلاقل في القطاع ومن المحتمل أن يتبع ذلك نفور وغضب عام على حماس من سكان القطاع هذا ما يفكر به الإسرائيليون ..

من الوهم تصور أن الحرب ستنتهي بانتصارات كاملة لطرف على آخر ،لا شك أن هذه الحرب أعادت القضية الفلسطينية الى الواجهة لكن ابقائها هكذا يتطلب تحركا سياسيا واجماعا دوليا على ضرورة ادانة اسرائيل وهو ما لايتوفر حاليا ،ويبدو أن أقصى ما تتمناه حماس والفصائل الفلسطينية في غزة هو عودة الأمور لما كانت عليه في غزة قبل السابع من اكتوبر وهذا ما لاتريده اسرائيل لهذا كل الشروط الدولية والإقليمية تصب في مصلحة اسرائيل فليس مستغربا أن تخرج بنتائج ايجابية بالنسبة اليها من هذه الحرب ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حاكم دارفور: سنحرر جميع مدن الإقليم من الدعم السريع


.. بريطانيا.. قصة احتيال غريبة لموظفة في مكتب محاماة سرقت -ممتل




.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين يضرمون النيران بشوارع تل أبيب


.. بإيعاز من رؤساء وملوك دول العالم الإسلامي.. ضرورات دعت لقيام




.. بعبارة -ترمب رائع-.. الملاكم غارسيا ينشر مقطعاً يؤدي فيه لكم