الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفريقيا التي تجعل باريس مضيئة/ فرنسا التي يجب أن نتعرف عليها

رياض قاسم حسن العلي

2024 / 1 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


فرنسا بلد الموضة والجمال والحب والعطور والنظريات الثقافية والحداثة والرواية الجديدة ومبادئ الثورة الفرنسية والإتيكيت الباريسي والصحافة وكاترين دينوف والآن ديلون وشارل أزنافور وفيكتور هيغو وغيرها من الصور الجميلة التي نعرفها جيدا وتأثرنا بها سواء من خلال المشاهدة الحية أو الأفلام أو القراءة لكن فرنسا تخفي وراء جمالها الأخاذ أقبح وجه عرفه العالم.
والغريب أن هذا الوجه تشكل في نفس الفترة التي ظهرت فيها مبادئ الثورة الفرنسية، ففي الوقت الذي كانت فيه باريس تهدي الولايات المتحدة نصب الحرية سنة 1886 كانت فرنسا تقود أشرس هجمة لاحتلال الكثير من الشعوب الآمنة وقتل سكانها وسلب ثرواتهم ويبدو أنها استفادت من التاريخ الاستعماري لبريطانيا وأسبانيا والبرتغال لكن بشكل أشرس وأكثر لصوصية.
واستفادت فرنسا كثيرا من علاقتها المتميزة مع الولايات المتحدة ومن تدهور الإمبراطورية البريطانية في الإبقاء على نفوذها في مستعمراتها.
والاستعمار الفرنسي المستمر إلى يومنا هذا لم يكتف بالاستيلاء المادي على ثروات الشعوب بل عمد إلى طمس الهوية الوطنية لتلك الشعوب وإنهاء ثقافاتها ولغاتها وما حدث في الجزائر أبشع مثالا على ذلك.
وتمكنت فرنسا من إيجاد نخب إفريقية دافعت عن الاستعمار وحاربت الأفكار الاستقلالية، ونشأ تيار فكري بين الأفارقة يدعى "الأوربة الإفريقية"، ركز على مناهضة الحركات الاستقلالية، مسلطا الضوء على فوائد الاستعمار ،وفي نفس الوقت صارت لدى النخب الأفريقية الشابة التي لم تشهد فترات التحرر من الاستعمار قناعة أن الوجود الاقتصادي والمالي الفرنسي في أفريقيا هو فقط مؤشر لتصرفات نيوكولونيالية من المفترض أنه تم تجاوزها بُعَيْدَ الاستقلال، بل إن كثيراً منهم يرى أن التأثير الفرنسي هو عامل إحباط بدل أن يكون عامل انطلاقة وإقلاع كما يذكر لحسن حداد حيث تزامنت فترة التحرر من الاستعمار مع ظهور حركات فلسفية وفكرية في فرنسا قلبت عالم الجامعة والإنتاج الفكري رأساً على عقب، قادها مفكرون ناصروا حركات التحرر والعالم الثالث، أمثال جان بول سارتر، وسيمون دي بوفوار، وجاك دريدا، ولويس ألتوسير، وميشال فوكو، وجان بودريار، وغيرهم. استلهمت النخب الأفريقية هذا الخطاب وطورته وصارت باريس قِبْلَة للثورة والحداثة وما بعد الحداثة والتفعيل النظري للعالمثالثية في الوقت ذاته.
ومن ابرز الهيمنة الثقافية الفرنسية ما يسمى بالفرانكفونية حيث فرضت فرنسا نوعا من الأبوية السياسية والاقتصادية من خلال اللغة التي أنتجت بها "الاستعمار الثقافي" الذي ساعدها على خلق ما يسمى بـ"مجتمع الفرانكوفونية" الذي مكّنها من هندسة النخب وأنظمة الحكم في الدول الإفريقية كما جاء في جريدة الصحيفة.
واذا كان القدر جعل باريس الوطن المفضل للجرذان في اوربا وأوسخ مدينة فيها والمدينة التي لا يتواصل سكان مربعاتها مع بعض فلربما ذلك بسبب اللصوصية والجشع الذي مارسته فرنسا على الشعوب الأخرى.
وهذه اللصوصية مستمرة لحد الأن ففي افريقيا مثلاً تسيطر الشركات الفرنسية على مفاصل الأقتصاد لكثير من الدول من مالي، مرورا ببوركينا فاسو، وصولا للنيجر ، بل ان ديغول الذي قبل على مضض أستقلال عدد من هذه الدول الأفريقية الا أنه افرغ هذا الأستقلال من مضمونه حيث دعا الى ما يسمى بافريقيا الفرنسية وكانت عنوانا لإستراتيجية تقوم على تحقيق الهيمنة والتبعية معا. وفي 1962 قرر وضع سياسة أكثر تفصيلا، فعهِد إلى مستشاره في حينها جاك فوكار، الذي أُطلق عليه لقب "مهندس الاستعمار الفرنسي الحديث في أفريقيا"، وضع الآليات اللازمة لتنفيذ هذه الإستراتيجية تتمثل في حصول الشركات الفرنسية على عقود استغلال الموارد الطبيعية بهذه الدول، مقابل حماية باريس لهذه الأنظمة. هذه العقود تقدر بملايين الدولارات لموارد؛ مثل: اليورانيوم والنفط والذهب وغيرها، وكان من نتيجة ذلك التغلغل الفرنسي الكثيف في اقتصاديات هذه الدول، من خلال الشركات التابعة لها، حيث تنشط في القارة الأفريقية 1100 شركة كبرى و2100 شركة صغرى، حسب التلفزيون الألماني دويتش فيلا. ويرتبط بهذه النقطة -أيضا- ربط باريس اقتصاديات هذه الدول بها من خلال "الفرنك الأفريقي" CFA الذي يُطبع في البنك المركزي في العاصمة الفرنسية، ويربط السياسة النقدية لهذه الدول بباريس ودول اليورو. ويعدّ "السيفا" العملة الرسمية في 13 دولة هي أغلب بلدان أفريقيا الوسطى وغرب أفريقيا، حيث تضع هذه الدول قرابة 70% من احتياطاتها النقدية من العملات الأجنبية في الخزينة الفرنسية كما يذكر الدكتور بدر شافعي.
ويمكننا القول إن الفرنسيين يجمعون في أيديهم أهم الأصول الاقتصادية الكبرى الموجودة في معظم المستعمرات الفرنسية السابقة، وعلى سبيل المثال، في ساحل العاج، تتحكم الشركات الفرنسية في جميع الخدمات الرئيسية مثل المياه والكهرباء والهاتف والنقل والموانئ والبنوك الكبيرة. وينطبق الشيء نفسه في التجارة والبناء والزراعة.
يرى جاك شيراك أنه "من غير خيرات أفريقيا ستتراجع فرنسا إلى مصاف دول العالم الثالث" وكان سلفه فرانسوا ميتران يردد "بدون أفريقيا لن يكون لفرنسا تاريخ وحضور في القرن 21"حتى ربما مقعد في مجلس الأمن ومجموعة السبع وسادس أكبر اقتصاد في العالم.
وتحدث الرئيس جاك شيراك عن علاقات بلاده بالقارة السمراء قبل أن يستدرك “لكننا نسينا شيئا واحدا فقط، وهو أن جزءا كبيرا من الأموال الموجودة في خزانتنا يأتي على وجه التحديد من الاستغلال لقرون لقارة أفريقيا”.
تستورد فرنسا الذهب من غينيا، واليورانيوم من النيجر، والنفط من الغابون، والكوبالت من الكونغو، وحديد السيارات من موريتانيا، والشكولاتة من كاكاو ساحل العاج، والخشب من الكونغو، والذهب والمنغنيزيوم والمنغنيز، وحتى كثير من الرياضيين الذين ساهموا بفوز فرنسا بكأس العالم وبطولات رياضية هم من مستعمراتها الأفريقية ،لهذا ترفض فرنسا ترك أفريقيا، والتخلي عن المصادر الطبيعية لضرره الكبير على مصالحها واقتصادها ومكانتها وشركاتها كما جاء في تقرير نشر بجريدة القدس العربي كتبه عبد الله الشايجي.
وتتولى فرنسا الإشراف على تصدير 80 في المئة من كل ما يتم استخراجه من الموارد والثروات المعدنية في أفريقيا نحو القارات الأخرى، فيما يتم أكثر من 80 في المئة من عمليات تعدين الذهب في العالم في القارة الأفريقية ويتم استخراج 70 في المئة من ألماس العالم من مناجمها.
وفي مقابلة مع DW يقول الحقوقي السنغالي إبراهيما كين، الباحث في "مؤسسة المجتمع المفتوح" أنه "لم تتغير نظرة الفرنسيين لسكان البلدان الإفريقية. إنهم دائما يعتبروننا مواطنين من الدرجة الثانية. ويعاملون الأفارقة خاصة من البلدان الفرانكفونية عن نحو مغاير، لذا ترغب بلدان غرب أفريقيا في تغيير هذا الوضع".
ووجه العقيد عبد الله مايغا الذي عينته السلطة العسكرية في مالي، رئيسا للوزراء، في 2022، انتقادات قاسية لفرنسا إذ وصف سياسات فرنسا تجاه بلاده بأنها "استعمارية، ومتعالية، وأبوية وانتقامية"، زاعما أن فرنسا تخلت عن "القيم الأخلاقية الكونية"، وطعنت مالي "في الظهر".
ووضع الخبير الاقتصادي الفرنسي البارز فرانسوا إكزافيي فيرشاف، مصطلح "فرانسافريك" مشيرا إلى العلاقة الاستعمارية الجديدة التي تختفي وراء "الإجرام السري في الدوائر السياسية والاقتصادية الفرنسية العليا". ويزعم أن هذه الروابط أدت إلى "اختلاس" مبالغ مالية كبيرة كما ورد في تقرير في موقع بي بي سي.
ولا يزال لفرنسا نفوذ سياسي واقتصادي في منطقة غرب إفريقيا، إلا أن تركيز باريس على دول المنطقة يتفاوت بحكم اعتبارات التاريخ والاقتصاد والمصالح الجيوستراتيجية.
وربما ابشع مافعلته فرنسا كان في الحزائر حيث يقول مؤلفو كتاب "جرائم الاحتلال الفرنسي في الجزائر"، على لسان أحد الضباط الفرنسيين: "لقد كانت حملتنا تدميراً منظماً أكثر منها عملاً عسكرياً، نمضي أوقاتنا في حرق القرى والأكواخ"، ويقول: "آه أيتها الحرب، كم من نساء وأطفال تجمعوا في جبال الأطلس العالية المكسوة بالثلوج فماتوا هناك من البرد والجوع".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتياح رفح.. هل هي عملية محدودة؟


.. اعتراض القبة الحديدية صواريخ فوق سديروت بغلاف غزة




.. الولايات المتحدة تعزز قواتها البحرية لمواجهة الأخطار المحدقة


.. قوات الاحتلال تدمر منشآت مدنية في عين أيوب قرب راس كركر غرب




.. جون كيربي: نعمل حاليا على مراجعة رد حماس على الصفقة ونناقشه