الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
قصة قصيرة: المهووس
الطاهر كردلاس
2024 / 1 / 19الادب والفن

ما كان علي السبتي إلا أن يتمدد.. وأن يغيب في سبات عميق.. لقد قضي نهارا لا كالنهارات.. خاض معركة حقيقة..
كان بطلا في عرف أصدقائه.. تحدي الباطرونات الجشعين.. لم يتوان لحظة في تحريض عمال الميناء، ليطالبوا بحقوقهم المهضومة.. وما عليه إلا أن يستسلم عميقا إلي النوم.. تمدد علي ظهره.. انقلب علي بطنه.. طوي ركبتيه.. نزع الوسادة من تحت رأسه…. أرجعها بسرعة.. أغمض عينيه.. فتحهما ببطء.. لاحظ أن زوجته لا تزال تتابع أطوار الفيلم المصري احنا بتوع الأوتوبيس .. تشاءم.. لأنه يعرف خاتمة البطل.. أغمض عينيه مرة أخري..
تبا !! ما بال النوم يجفو جفنيه.. تبا للعياء والتعب !! تراخت أنفاسه قليلا.. هام فكره في ضبابية.. تراءي له شبح من بعيد.. اقترب الشبح.. يحمل في يديه عصا حديدية.. عيناه من جمر.. أسنانه من فحم.. فمه في أعلي، وعيناه في أسفل.. وجه مقلوب الملامح.. صوته كالفحيح.. صاح الصوت الفحيح بصوت اهتزت له أركان الدنيا كلها: هل تعرفني؟ أتتذكر وجهي الوسيم؟ هل تناسيت أننا نتعقب آثارك أينما وليت؟ نحن ظل ظلك.. فلا توهم نفسك أنك بمنأي عن المراقبة والترصد..
لقد زرعنا في قلبك آلة تخبرنا في كل لحظة عن مكانك أينما حللت وارتحلت.. أسرارك الدفينة لا تخفي عنا..
تكلم هل تعرفني؟
حاول السبتي جاهدا أن يصرخ.. لكنه أحس لسانه مبلوعا في حلقه.. لقد ابتلعه دون أن يشعر.. تحسس فمه..
أين فمي؟ من أين سأصرخ؟ هل زوجتي لازالت تتابع أطوار الفيلم المصري.. أم تتابع هذا المشهد الرهيب؟ هل مسها الشبح بأذي؟ ما بالها لا تحرك ساكنا؟ ركز عينيه في الشبح.. كان بلا ملامح.. لم ير في حياته أبشع من صورته.. عيناه حفرتان غائرتان، يظهر منهما لسان ناري يرسل شواظا من لهب.. هل هو حيوان أم شيء آخر؟ ليس إنسانا علي أي حال… ولكن من أين يصدر هذا الصوت..؟ فاجأه الصوت الفحيح مرة أخري: أتجعل من نفسك بطلا في معارك وهمية؟ هل تدري أن عيوننا وآذاننا أخبرونا أنك المحرض الأساسي لعمال الميناء؟
العمال لا يأبهون بك ولا بأمثالك المشعوذين.. فرغم رواتبهم الهزيلة، فهم يؤدون واجبهم بالرغم من أنف أمك..
أتري هذه العصا الحديدية.. إنها صنعت خصيصا لأمثال أمثالك.. هاك خذ !! هوي الشبح بكل قواه علي رأس السبتي.. فتطاير الدم كأنه نافورة.. شرشر الدم عاليا في الهواء، فلطخ المكان كله.. صار الدم بحرا… لم يتألم السبتي.. بل فغر فاه في الدم المسفوك.. هل جسمه يمتلك كل هذا المخزون من الدماء؟ ما فائدة هذا الدم في جسمه.. لماذا هو أحمر وليس أبيض أو أزرق؟ لعل حمرة هذا الدم لها علاقة بالجمر، أو البراكين.. أو أي شيء آخر…
عندما يذبح الديك، ويتطاير دمه ينتفض.. فلماذا لا ينتفض في هذه اللحظة ضد هذا الشبح؟
مد يده عله يتحسس شيئا يضرب به رأس هذا الشبح.. هذه حجرة ملساء.. ماهذا؟ إن بها أصابع.. هل للحجر أصابع؟
جذبته الأصابع بقوة.. سمع صوتا يناديه باسمه: قم لعملك.. فالوقت قد فاتك.. سيطردك رب العمل إن تأخرت أكثر..
فتح عينيه بصعوبة.. كانت امرأته واقفة تجذبه بقوة.. لم يصدق ما حوله.. أين الشبح؟ أين الدماء المتدفقة من رأسه؟ تحسس رأسه.. لا شيء.. قالت له امرأته: لقد كنت تهذي بصوت مرتفع..
هل عشت كابوسا في منامك؟ قم قم، فالوقت قد فاتك… حاول جاهدا أن يتململ.. كان يحس وجعا في أضلاعه.. هل أنزل الشبح عصاه علي الأضلاع؟
تنفسالهواء بصعوبة.. كان يحس اختناقا لا يدري كنهه..
هل ما رأي حقيقة أم وهما؟ وهل يسأل زوجته عن الكلمات التي كان يهذي بها أثناء غفوته العميقة..
لا يدري الآن هل هو في عالم الواقع أم في عالم الأحلام؟ هل الشبح الذي رآه أو بالأحري تراءي له في منامه كائن حقيقي أم وهمي؟
وهل سيزوره مرة أخري كلما أخلد للنوم.. أو كلما حرض عمال الميناء ليستردوا حقوقهم المهضومة؟
لعل أناسا مثله – خاضوا ما خاض – يرون هذا الشبح أثناء منامهم كلما هدهم التعب؟
لا يدري أي شيء عن أي شيء إلا أن أضلاعه توجعه في هذه الساعة، التي يوجد فيها بين النوم واليقظة
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. شرح مادة المسرح مدخل تمهيدي مح 1

.. اسامة منير وسوزان نجم الدين ودينا عبدالله في حفل زفاف هيا اس

.. -اللغة المالطية هي في الأصل عربية؛ لكنها تكيفت مع اللاتينية-

.. مهرجان كان السينمائي في دورته الـ78: خمسة أفلام عربية تنافس

.. استشهاد الفلسطينية فاطمة حسونة قبل بيوم من عرض فيلمها الوثائ
