الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر التونسي الكبير محمد الهادي الجزيري-يوصيني خيرا-ببعض قصائده الشعرية..والتعريف بها إن.. لا قدّر الله ...!

محمد المحسن
كاتب

2024 / 1 / 19
الادب والفن


(الشعرَ هو الكون ذاتهُ..وهو جوهر كل الكائنات..والزّمن غير قادر على إلغاء لغة هي حاجة طبيعية لإستمرار التوازن..)


لعل من أبرز الخصائص المميزة للعمل الفني عموما والملفوظ الشعري خصوصا انه عمل يستفز المتلقي ويحمله على التفكير والتامل في كل حرف وكل كلمة بل يجعله يبحث عما خلف السطور وخلف الكلمات.ومن هنا يمكننا القول أن الجمالية في الشعر جماليتان : هما جمالية الكتابة وجمالية التلقي .
فالطاقة الشعرية تتسع كلما اتسعت دائرة القرّاء لان كل واحد سيتناول النص من منظوره الخاص ويرى فيه ما لا يرى غيره .
ولا يفوتنا الإشارة الى أنه من شروط جمالية النص الشعري أن تكون المعاني والصور متمنعة مستفزة لا تسلم نفسها للمتلقي بيسر بل تحمله على أعمال فكره وقراءة القصيدة بترو،وبذلك يمكننا الإقرار بكثير من الإطمئنان أن النص الشعري نصان : نص مكتوب على ضوء رؤية صاحبه،ونص مقروء حسب رؤية المتلقي .
وهنا نستحضر قول تودوروف ”ان النظرة إلى الحدث الواحد من زاويتين مختلفتين يجعله حدثين منفصلين
وقد لا أجانب الصواب إذا قلت للشعرية أساليبها البليغة،ومؤثراتها المهمة في تفعيل الرؤية الشعرية في القصائد الحداثية المعاصرة،لاسيما حين تمتلك قوة الدلالة المكتسبة من شعرية الأساليب وتنوعها وغناها الجمالي بالتقنيات الفنية المعاصرة، فالشعرية-بالتأكيد-تثيرها الأساليب الشعرية المتطورة،ومحفزاتها الإبداعية الفاعلة في تكثيف الرؤية الشعرية،وتعميق منتوجها الإيحائي المؤثر.
في هذا السياق بالتحديد،تتجلى الرؤيا الإبداعية الخلاقة التي ترتقي بالنسق الشعري،وترقى بمستويات مؤشراته الجمالية للشاعر التونسي الكبير محمد الهادي الجزيري،الذي أوحت لي قصائده التي بين يدي (مدني ذات زمن ليس ببعيد بمختارات شعرية مدهشة،ملتمسا مني-بلطف شديد الإحتفاظ بها-والتعريف بها إن حصل له مكروه-لا قدّر الله-بإعتباره يعاني منذ زمن من مرض عضال..حتما سينتصر عليه ونحتفي جميعا بهذا الإنتصار البهيج القادم بإذن الله قريبا )
وهنا أقول للقارئات الفضليات والقراء الأفاضل: لا ترتقي الرؤيا الجمالية إلا بمنتوج جمالي، وشكل جمالي جذاب؛وهذا التفاعل والتضافر بين الإحساس الجمالي والشكل الجمالي هو الذي يرقى بالحدث الشعري،ومثيراته الجمالية..
وهذا ما تجلى بوضوح لا تخطئ العين نوره وإشعاعه في جل قصائد محمد الهادي الجزيري:
وهذه واحدة من قصائده المدهشة..فأضبطوا أنفاسكم قليلا..:
قلنا لها
قلنا لها
لا تتركينا للرصيف وللنساء الخاويات
وللرفاق الماكرين
وللفجيعة كلّما رسب الظلامْ
قلنا لها
نحتاج صوتك في الصباح لكي نفيقَ
وفي الظلام لكي ننامْ
قلنا لها
نحتاج وجهك في الزحام لكي نلاحظ فجأة
أنّ الشوارع خاليةْ
نحتاج وجهك كي نلاحظ فجأة
أنّ التسكّع ممتع جدّا
وأنّ مناخ حانات المدينة لا يطاق
وأنّ سكّان المقاهي تافهونْ
نحتاج وجهك كي نكونْ
نحتاج وجهك كي نلاحظ أنّ وجهك مستحيل كالسلامْ
نحتاج وجهك كي نصوم عن الكلامْ
قلنا لها ما لم يقلْه
طائر لجناحه
أو راهب لصليبه
أو ثائر لسلاحه
قلنا لها ما لا يقالْ
لكنّها حجر جميلْ
حجر طريّ، ناعم الكفيّن،وحشيّ الجمالْ
حجر جميلْ
أدمى جوانحنا ولم نشرك به أحدا
ومن أسمائه الحسنى دلالْ
حجر جميلْ
شرس الطباع مسالم
فظّ
رقيق
قامع
متناقض متناقض حتّى الكمالْ
حجر جميلْ
قلنا له كلّ الكلامْ
(محمد الهادي الجزيري)
*أترك للسيدات الفضليات والسادة الكرام حرية التفاعل مع هذه اللوحة الإبداعية التي نحتتها بمهارة واقتدار أنامل الشاعر التونسي الكبير محمد الهادي الجزيري.مع التمني له بالشفاء العاجل.
أما أنا فأقول : هذا الشاعر السامق (محمد الهادي الجزيري) من أصفى وأعمق الأصوات في تونس على مستوى الإبداع الشعري،وشعره يدعوك لطرح الأسئلة العميقة للشعر بما هو تخييل ولغة وتجربة ومخزون صور وتمثيلات وجسور موصولة بين خبرات جمالية متباينة من حيث تاريخيتها وجغرافياتها.
راهن محمد الهادي الجزيري على الاحتفاظ للقصيدة بمتعة الدهشة وتحفيز الذوات القارئة على التفاعل الإيجابي مع النص بإعتباره محصلة-زواج-سعيد بين وهج التجربة الحياتية والإستدعاء الواعي والذكي لصور وتمثيلات تجد أساسها في الموروث الشعري العربي القديم أو التجارب الشعرية الغربية.وهو يرى أنّ الشاعرَ الحقيقي دائم القلق،وأكثر قرباً من واقعه، وملتزم بما يدور في فلكه،يحاول دائماً أن ينبش في الأشياء،ويحفر في الأرض ويمضي حاملاً أوجاع الحياة ومرارة الواقع،ليرسم لوحةً من الكلام الشاهق،ويلُّم ما تناثر في الكوكب من رخاوة في المشهد المعاش،ويتعارك مع الكائنات ليعود لنا رافعاً تلويحة أملٍ في غبش الحياة المحاصرة بالدياجير والمواجع.
وهنا أختم : شاعرنا (محمد الهادي الجزيري) شاعر تـفـجر الشعـر في قـلبـه كما تفـجرت الصخرة بالماء لقوم موسى دون سابق عهد،فتعهده بالشكر والجهد فما انبجس كما انبجست،ومد يديه إلى السماء،ورنا ببصره إلى العلياء،واستسقى من -الوَجع-عاضا على جرحه،واستضاف القصيدة إلى -عشيرته-فجاءته تحبو..لكنها اشترطت عليه الصبر..فصبر وصابر وتجلّد وثابر..وثبت ثبوت الرواسي أمام العواصف..وطلبت منه العطاء فأعطاها،واشترطت عليه الجهد،فاجتهد،وحين حاولت (القصيدة) الفرار من قلمه..اصطدمت بصخرة سيزيف وتهاوت إبداعا خلاقا دون أن تدرك أن كاتبها الشاعر التونسي القدير محمد الهادي الجزيري،ذاك الذي شعره ليس نظما كالناظمين،بل سيل جارف من الألم والأمل،وحنان قلب مفعم بإشراقات الآتي الجليل..
هو ذا محمد الهادي الجزيري الذي حارت القصيدة في أمره وتوجعّت بين أنامله حد البكاء..
«اللهم رب الناس،أذهب الباس،واشفه وأنت الشافي،لا شفاء إلا شفاؤك،شفاء لا يغادر سقما»
رافقتك السلامة..يا محمد..يارفيق الدروب المضيئة..

*ملحوظة : تأدبت-في حضرة الجرح-ولم أبح بوجعي..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟