الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدولة الاسلامية ومفهوم السيادة ( ١ )

اسماعيل شاكر الرفاعي

2024 / 1 / 19
مواضيع وابحاث سياسية


الدولة الاسلامية ومفهوم السيادة

برهنت دولة نظرية ولاية الفقيه الشيعية - بعد ميلادها في إيران عام ١٩٧٩ ، على إثر ثورة شعبية - بانها لا تختلف عن دولة الخلافة السنيّة : من حيث هرمية بنيتها ، وجلوس حاكم مدى الحياة على قمتها ، ولا تختلف من حيث علاڨتها بمحكوميها في الداخل ، وعلاقتها بالمحيط الدولي . ومثلما دولة الخلافة مقدسة في نظرة فقهاء المذهب السني ، كون ابو بكر ومن جاء بعده من الخلفاء هم خلفاء النبي في إدارة دولة كان قد بناها النبي في المدينة وهو يستلهم ظروف المدينة المحيطة وتوجيهات السور والآيات القرآنية التي هبط بها الوحي الإلهي ، فالخلفاء يديرون دولة كانت قد تكونت ، ولم يكونوا من مبدعي مؤسساتها ( ومؤسسة الدواوين أو ترجمتها لا تضيف شيئاً إلى جوهر الدولة ولا تنقص من جوهرها شيئاً اذ يظل جوهر الدولة عند التأسيس متكوناً من تشريعات ومؤسسة عسكرية ) أو طريقة اشتغال آلياتها ، ولا يحق لأحد منهم تغيير شرائعها ( وهنا احب أن أشير إلى أنني لستُ من اتباع علي عبد الرازق في كتابه : الاسلام وأصول الحكم ، ورؤياي هنا اقرب إلى رؤية الإخوان المسلمون وجميع التيارات الإسلامية التي ترى أن الإسلام : دين ودولة ، وهذا صحيح ، ولكن دولة الإسلام فرضتها الظروف والملابسات التي أحاطت بالدعوة المحمدية في المدينة بعد الهجرة ، وشرائعها غير صالحة لكل زمان ومكان ) ولأنها دولة النبي يطالب فقهاءُ السنة الأمةَ الإسلاميةَ : بطاعة شريعة الدولة وطاعة أولي الأمر فيها ، ومثلهم يحث فقهاء مختلف طوائف الشيعة ومللها ( الزيدية والإسماعيلية والفاطمية ) اتباعهم على طاعة أُولي الأمر من شيعتهم ، ويحث مذهب الشيعة / ١٢ أعضاء طائفته على طاعة اولي الأمر ممن يديرون دولة الامام المهدي بالنيابة عنه . وقد انتشر رأي الإثني عشرية بعد الثورة الإيرانية ١٩٧٩ ، اذ وضع خطوطها العريضة الامام آية الله الخميني في كتاب : الحكومة الإسلامية ، وأخذت تجسيدها العملي في هيكل الحكم في إيران ...
( ٢ )

الدولة الدينية : سواء كانت يهودية أو مسيحية أو إسلامية : دولة شديدة المركزية ، لا تعترف بالاختلاف القومي والثقافي والديني ، ولا بالسلطات المنبثقة عن انتخابات تقرير المصير أو الحكم الذاتي أو الإدارة اللامركزية . ولا تعترف بالفيدرالية كإطار لتنظيم العلاقة داخل الدولة التي تضم قوميات واديان ولغات وثقافات متعددة . ودائماً تكون الدولة المركزية ملكاً صرف لحاكمها يتصرف بوارداتها ومؤسساتها كما يشاء ( هو وأفراد عائلته وحاشيته ) وقد تجسدت الدولة الاسلامية في التاريخ ملكاً صرفاً لإحدى عوائل قبيلة قريش : هاشمية ، اموية ، عباسية وفاطمية . يتوارث ذكور العائلة حكمها حكماً مطلقاً ، ولا يزحزح الخليفة عن عرش الخلافة : إلّا الموت . وتعكس الخلافة : شخصية الخليفة بما تنطوي عليه من مزاج وصفات فردية ..
( ٣ )

فالخلافة والإمامة ( وأشهرها الفاطمية ) هما السلطة السياسية لدولة الحضارة الإسلامية . لكن في تجربة الحكم الاسلامية : لا يتطابق الخليفة تطابقاً تاماً مع الدولة ( ويهمس على طريقة الملك الفرنسي : انا الدولة ) . تظل ثمة مسافة بين الخليفة والإمام يشغلها الفقهاء الذين تشير علاقتهم الطيبة بالخليفة أو بالإمام : إلى أن الشريعة الدينية بخير ولم يتم التلاعب بها . وبعكسه سيثور جمهور العامة تضامناً مع الفقهاء وهو تقليد درج تحالف الفقهاء والعامة على ممارسته منذ محنة الفقيه : الحنبلي مع الخليفة المأمون ، في العصر العباسي حول مسألة خلق القرآن . فالعلاقة السيئة مع الولاة تشير إلى أن دولة النبي قد تم التلاعب بتشريعاتها : اذ أن الدولة الاسلامية في المخيال الجماعي العام : دولة جهاد ، وجدت لكي تنشر الاسلام ( عبر غزو العالم الخا رجي ) من جانب ، والدفاع عن بيضة الاسلام ( ارض الاسلام ) من جانب ثانٍ ، وتطبيق الشريعة ، وايقاف هذه المباديء يزرع الشك بين سلطة الدولة الإسلامية وبين تحالف الفقهاء -العامة ...
( ٤ )
النمط الحضاري للسلطة السياسية في العالم الاسلامي ، المتمثل بالخلافة والإمامة . لم يتم تأسيسها محاكاة لنموذج اًجنبي ابداً ، وانما كانت ولادتها استجابة طبيعية لضرورات سياسية ودينية ، تفاعلت فيها مباديء الدين مع عادات وتقاليد المجتمع المحيط الذي يسارع إلى انتخاب رئيس قبيلة من عائلة القبيلة نفسها . وفي هذه الحالة لا نستطيع أن نصف ابو بكر بانه مؤسس لدولة الخلافة ، لانه ورث دولة ذات بنية كانت قد تكاملت على مدى زمني جاوز العقد من السنوات ، ولكنه برع في الحفاظ عليها ( والمحافظة على الشيء وتفعيل استمراريته يختلف عن تأسيسه ) باستخدام مؤسستها العسكرية لمعالجة الردة ( التي هي انتفاضة القبائل ضد السلطة المركزية ، وضد ضريبتها السنوية التي هي الزكاة ) واستعادة القبائل المتمردة ، واجبارها على الالتزام بمباديء شريعة الدولة ودفع فريضة الزكاة . تميزت سلطة ابي بكر - ومن بعده الخلفاء الراشدين الثلاثة - بكونها لا تشبه سلطات امبراطوريات زمانها الوراثية ، تم انتخاب ابو بكر قائداً للدولة لضرورات كثيرة : دينية وسياسية ، لكن لم يكن من بينها : الوراثة ، وليس من بينها : استيراد قائد من خارج جماعة الامة الدينية الجديدة التي تكونت على مدى زمني طويل ( منذ البعثة ) واصبح لها من المعتقدات والسلوكيات ما يميزها عن سواها من التجمعات المحيطة ...
( ٥ )


اذن للخليفة حق اتخاذ القرار المنسجم مع طبيعة مباديء الدولة لا أن يكون نقيضاً لمبادئها او يهيء للعمل ضدها ، فكان قراره في تعيين ١١ قائداً ( جميعهم من قريش ، باهمال واضح للأنصار ) لإحدى عشر جيشاً لاستعادة طاعة القبائل المتمردة : منسجماً تماماً مع مبادئء دولة شديدة المركزية ، لا تقبل مبادئها المركزية : الاستقلال عنها بجيش خاص او بتشريع خاص . وقد اوحى النبي محمد وهو يبنيها بانها ذات مهمات مقدسة ، فالتقديس هو من السمات الثابتة لدولة النبوة في كل عصر ( ولهذا يكثر الحكام في عصرنا مع ثلة الفقهاء القريبة منهم من الاستشهاد بالآيات القرآنية وبالآحاديث النبوية ، وبذكر بعض الأحداث والوقائع للإيحاء باستمرارية وجود دولة النبوة : تشريعاً ومؤسسات في دولهم ) ظلت القبائل الحجازية على ولائها للدولة ، لانها كانت تنظر نظرة تقديس لكل ما وضعه النبي واسسه ولم تتمرد بعد وفاته : فتطوعت لإسناد دولة النبوة في حروب الردة ، و سأندت قرار ابي بكر الجديد في غزو الخارج ، وكانت مؤيدة لتوجهات الخليفة في إسناد قيادة الجيوش لشباب قريش . وهذا هو السبب الذي يفسر لنا صمت الصحابة على الجرائم الكثيرة التي ارتكبها خالد بن الوليد ، انها حاجة خلافة أبي بكر الماسة لهذه العبقرية العسكرية وقيادتها الناجحة في جميع الحروب التي خاضتها منذ معركة " أُحد " التي انتصر فيها على قيادة النبي محمد ، رغم سيوف الملائكة التي كانت تحارب مع المسلمين . واستمرت قريش ترفد الجيوش بالقادة الذين على قلة إمكانياتهم العسكرية وقلة عدد جيوشهم : حطموا امبراطوريات الفرس وبيزنطا واحتلوا العراق والشام ... لقد أدرك شباب قريش أن بالإمكان توحيد القبائل في جيش واحد موجه من قبل قريش لغزو الخارج : دون ذلك ستدفن كثبان رمال الصحراء القاحلة : القبائل العربية ، وهو إدراك تبلور كمهمة عاجلة أثناء حروب الردة ، فكان قرار أبو بكر الثاني في غزو الخارج : قراراً منسجماً مع مبادئء دولة لا بد لها من ايجأد مصدر معيشة للقبائل البدوية التي كانت تشكل ١٠٠ ٪ قوام جيش الدولة ، اذ كانت معيشتها قبل الاسلام تقوم على غزو بعضها البعض الآخر . لقد ثبّتَ مبدأ غزو العالم الخارجي : معادلة ثابتة في علاقة الدولة الإسلامية بغيرها من دول العالم غير قابلة للنقض : تقوم على الغزو ورفض مبادئء الدبلوماسية والحوار ...

غزو الخارج هو واحد من الجذور التأسيسية الذي رضعت منه الدولة الإسلامية حليب معيشة جنودها ، وهذا يفسر لنا لمَ لم يولد على أراضي الدول الإسلامية قبل وبعد سقوط بغداد ١٢٥٨ : مبدأ السيادة ، بمعناه السياسي الذي ولد في اوربا بعد اتفاقية وستفاليا ١٦٤٨ ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة