الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواحس في الثقافة مقتطفات ــ 27 ــ

آرام كربيت

2024 / 1 / 20
الادب والفن


عن الجمال
الجمال أحد إبداعات الوجود، كالنهر أو البحر، يتلقاه المبدع المتناغم مع هذا الوجود، يتمثله، يهضمه ثم يعكسه أو يطابقه في تكوينه، كرموز وألوان، ثم يطلقه في الفضاء عبر أعماله، كباقة جمالية متألقة.
المبدع كائن خائف على الوجود. كينونته كامنة فيه ومنفصلة عنه، كالأم الحديثة الولادة التي تخاف على مولودها الجديد من النسمة أو الهمسة. ضميره مثل إشراقة الشمس في يوم ربيعي مشمس يرى أشعتها ولا يمكن القبض عليها.
يكمن في داخله هاجس الانتماء إلى الحرية وقيم المحبة والإخاء، إلى البراءة والحق والطبيعة والنقاء.
المبدع كائن يعيش في المستقبل، مؤمن أن الوجود حالة ارتقاء.
يقول بيكاسو:
" الفن ليس الحقيقة، الفن هو الكذب الذي يجعلنا نفهم الحقيقة"
نقول، إن قيمة الفن أو مكانته هو هذا التداخل بين الزيف والحقيقة، الشك في اليقين.
كل المفهومات الخالدة كالحرية والجمال والفن والحب هي كسر للمألوف والساكن. إنها تكوينات متحركة في ثباتها وصمتها.
وأغلب هذه المفهومات الإشكالية التي ذكرناها، كالفن والحرية والجمال والسعادة والخير والحق والحب وغيره من الحدود، ذات طبيعة عير محددة في يقين، ولا يمكن القبض عليه.
إنهم صرخة من المحدود إلى اللامحدود، من الواقع إلى الوجود اللامتناهي.
يتساءل البعض:
هل هذه المفهومات أو الحدود الصادمة عدوة الحقيقة ولا يمكن الركون إليها وإلى طبيعتها؟
هذه المفهومات أو القيم العليا خاصة الجمال هي الحاجة الضرورية للإنسان للإنسجام مع الذات العليا والرغبة في الانعتاق من المهمش إلى الكمال.
لقد دافع أفلوطين في تاسوعاته عن هذه القيم كالجمال والحق والخير على:
إنها من صفات الإله التي تتجلى من خلالها الوحدة الآلهية على أرواح البشر.
عمليًا، يبدأ الجمال من القلق. وكل المفهومات الإشكالية تخلق لدى الكائن العاقل، الإنسان، القلق قلقًا وجوديًا، ويدخل كل مفاصل الإدراك الحسي من هذه القيم العليا. هناك من يذوب في الجمال، يرتقي معه، يتذوقه دون أن يدركه فيحلق معه ويطير، وهناك البلادة الحسية والجمالية لدى البعض الآخر.
إن التذوق الجمالي لا يخضع لمقاييس التجربة المباشرة أو الحسابات العلمية كالفيزياء أو الرياضيات بالرغم من انها من التجريدات العليا.
فالجمال والفن والحرية والسعادة مفهومات لا يتأتى معرفتها بالمحسوس. هذه الماهيات العميقة والجوهرية نادرًا ما تتسم بالإقناع عبر تعريفها، نظرًا لأن الحال يذهب بنا إلى أبعد من ذلك كأن ينتهي إلى افتراض ما نسعى لأثباته.
الصنم
الصنم الذي صنعته بيدي ما زال قائمًا ومستمرًا. إنه حي يرزق.
في البدء عشقته، ركعت له مرات وغنيت مرات وبكيت مرات ومسحت دموعه مرات كثيرة.
لم تتعب النفس من هذه العبادة. وتفنت في محاولة صنع الأجمل والأكثر صلابة وديمومة.
نثرت عليه الألوان الجميلة والمبهجة والشفافة، ليتماهى مع السماء والأشجار والبحار والأنهار حتى لا يتغير ويتبدل.
إنه حال الزمن والحياة مع كل بدء. ففي كل محاولة من محاولات النقش بالأزاميل لتشكيل الأنقى والأكثر ديمومة وبقاء، أرى طحلب سام صغير نبت من داخل الصنم وانتشر وتمدد وشكل ثقوب كبيرة وصغيرة ينذر بأن بقاءه لا رهان عليه. وخرابه منه وفيه. قلت لنفسي:
إن عشق الصنم منًا وفينا، أنه يجول داخل داخل كل واحد منّا، يسرح ويلعب.
مهمتنا الوحيدة لنبقى على مسافة، أن نشغل أنفسنا في عدة أصنام حتى لا يأسرنا واحد محدد ويخنقنا.
الصنم حقيقة واقعة وواقعية وعلينا التعايش معه. وعلى كل واحد منّا الجلوس معه ويتعرف عليه بشكل جيد ويتعاون معه.
الصنم هو التاريخ، والتاريخ أعوج، ملتوي رافض للاستقامة والنبالة، يغرق في دوامته الثقيلة من لا يتناسق معه، ومع سلوكه.

الطب النفسي
ما يفعله الطب النفسي أنه يعيد تدوير المرض، أي، إعادة المريض إلى الجماعة البشرية المريضة.
إن يأخذوا أحدهم من الحضيرة المريضة، الشاذ، أو المجنون أو المتمرد كما يرى الفكر القطيعي، يدخل عليه تعديلات كما يريد، ليكون قادرًا أن يصبح مثل الجميع.
إن الشاذ في هذه الحالة هو المتمرد الرافض للبقاء في جوقة القطيع الذاهب إلى المقصلة الذاتية.
إن المتمرد على العقل القطيعي، والجوقة العامة، يعزل، لأن المرضى لا يتحملوه
. الطب النفسي حديث الولادة، غايته عزل السوي عن القطيع وإدخال تعديلات عليه ليصبح مثل الجميع. في الطبيعة لا يوجد شيء اسمه مجنون، هناك إنسان مصدوم متمزق من الداخل يعاني هيمنة الواقع الثقيل عليه.


المفاهيم التالية:
الفقر، الجوع، التشرد، الإرهاب، الضياع، التشيؤ، الانقسام الاجتماعي والطبقي، القلق، الأمراض النفسية، الخوف من الحاضر والمستقبل، عدم الإحساس بالأمان، داعش، النصرة، أردوغان، بشار، بوتين، نيرون، غاليكولا، الحروب والإبادات، خراب الطبيعة، الاحتباس الحراري، مصدرها الوحيد هو النخبة المالية والسلطة.
أنهما يبحثان عن أمنهما بالدرجة الأولى، إرضاء للذات، والتسيد في البقاء، واستمرارها إلى الأبد، وأخر همهما المجتمع والناس.
للخروج من المأزق الإنساني برمته، يجب تفكيك المفاهيم السائدة، وكسر العقل السائد وتسيده، والبحث عن بدائل حقيقية للوجود الإنساني.

يا أوروبا
أوروبا العدمية قتلت الإله الوهمي منذ عصر النهضة، بيد أنها لم تنتج إله أخر يشفي أو يرمم أو يبني الثقافة الأخرى.
لم تهدم الثقافة السابقة على الأساطير والوهم والدين.
العقلانية التي تبنتها، هي عقلانية سياسية أكثر من كونها عقلانية ثقافية إنسانية تمس كل جوانب الحياة، أو لنقل، لم تنقل نفسها، والبشرية، نقلة نوعية في البناء العام، بمجمله.
ما زالت أوروبا في البناء القديم، دون أب أو رأس حي، وعدميتها هي شكلانية، لكن بقاياه ما زال مستمرًا، بكامل أعضاءه.

الشرق
نحن الشرقيون شعوب بدائية، نعوم على بحر من الأديان والقوميات جاءوا من الماضي ولا يزالوا يعيشون في الماضي، لم يطرأ عليهم أي تغيير جذري حقيقي يذكر، من المنبع إلى المصب.
أغلبنا يستخدم المفاهيم الغربية في تحليل البناء العام للدين والقومية، تحليل يناسب العقل الأوروبي الذي تجاوز هذه العقدة القاتلة، والأمراض الاجتماعية السياسية منذ الحرب العالمية الثانية وإلى اليوم.
لنتفق أننا عشائر وقبائل، وأديان لم نسع للخروج من هذا المغطس القديم، لا على الصعيد المفهومي ولا الفكري العام، ولا الاجتماعي؟
لماذا نهرب من المواجهة بدلا من التلميع والتجميل لقومياتنا وأدياننا، ولأنفسنا وواقعنا؟
نحن قوميات وأديان شكلانية، يبدوان من البعيد أنهما فاعلان مهمان مستمران في الواقع، بيد أنهما حالة كبح للتطور والتغيير للواقع الاجتماعي السياسي الاقتصادي لبلداننا؟
من ماذا نخاف، وعلى ماذا نخاف، ولماذا لا نعالج هذه الأبنية الميتة؟ هل نخاف على الميت في داخلنا؟
نحن شعوب غبر مكتملة وطنيًا، ولم نتبلور على أي صعيد، بله نحتاج إلى إعادة قراءة كل المفاهيم التي نكتب فيها.
لم نعط للقومية حقها في البحث ولا الدين، ولا الأحزاب، الديمقراطية، الدولة، الأمة، وأين موقعنا من كل هذا؟
نحن شعوب مهيأة للحروب البينية، الحروب الأهلية، بالرغم من أننا حاربنا وسنحارب على هذه الأرضية، الأرضية الغير الموجودة على أرض الواقع، القومية والدين؟
نحن ديكور قومية وديكور دين، لأن كلاهما فاعلان سلبيان، يعيشان في الماضي بدل أن يكونا رافدًا لنا في الحرية والسلام الداخلي.

القمة
وأنت صاعد إلى القمم، ستلون ذهنك وعقلك بالكثير من الأحلام الحلوة. بالتأكيد ستضع لنفسك الكثير من الخرائط لهذا المستقبل المأمول، أغلبها جميل ورائع وفيها كم هائل من الفرح.
هل سألت نفسها، وماذا بعد القمة؟
هل تعلم ماذا سيحدث لك بعد الوصول؟
هل فكرت أن الاغتراب سيكون في انتظارك هناك، وأنه صديق غربتك في هذا المكان القاسي، وأن هذا الحلم الوردي هو مجرد تناسل مختلط من ذاك الوهم الكبير.
لهفة الصعود، لهفة التأمل والمعرفة في الوصول إلى القمة، هذا مشروع لك، بيد أنك لم تضع تصور أخر، أو أنك ستندب وصولك، لأنك لم تضع احتمال القبض على الفراغ القاتل، الذي سيلفك من رأسك حتى قدميك.
كل القمم اغتراب في اغترب

الله
لقد قتلوا الله، والله ثقافة، وصايا، أزالوا الرأس أو قصوه، بيد أنهم تركوا الجسم يعيد إنتاج رأس أخر. قصدي العقلانية دون القضاء على الثقافة المنتجة للثقافة الدينية، ربما يحدث نكوص وتراجع ويعاد إنتاج الله بشكل أخر، وربما اسوأ. ما هو قائم هو ثقافة دينية في العمق، في السطح تبدو عقلانية
أننا نتناول ظواهر العقلانية في ممارستها، بيد ان العقلانية الظاهرة والعميقة لم تقطع مع الثقافة السائدة، أنها استمرار لها. ما دام الجانب السياسي هو المهمين على كل النشاطات والفعاليات والثقافة والفكر السائد. بمعنى، لم نكسر البنية السائدة منذ آلاف السنين، هناك استمرار لها بأشكال مختلفة. ربما يحدث هذا في الزمن القادم. جميع الأخلاقيات والفضائل التي نمارسها هي فعليًا نابعة من الدين، السلطة، وهي في عمقها مجال للغش والخداع والكذب. الموضوع اعمق من عميق، يحتاج إلى نضال شرس في الفكر لتكسير الفكر السائد والبناء على فكر يعاد للإنسان مكانته الأخلاقية الحقيقية دون السعي إلى الأخلاق عبر القانون والمؤسسات القائمة. أنا أحكي عن شيء مستقبلي.
عندما أكتب عملًا إبداعيًا لا تسألني ماذا أكتب أو أقول أو أهجس، دعني أحلق وأطير. في هذه اللحظة أنا لست أنا، أنا كائن منفصل عن نفسي ومكاني وزماني.
دعني أحلق في ملكوت الله والسماء والنجوم.
في هذه اللحظة لا تقترب من حدودي ولا تسأل عن هويتي.
في هذه اللحظة أنا دون هوية أو اسم أو كيان أو عنوان.
أنا مجرد فراشة تحترق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف