الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(خبايا الرماد)(*) .. أمْ أوراق الخبايا (إشارات قارئ)

محمد عبد حسن

2024 / 1 / 20
الادب والفن


(1)
في روايته (خبايا الرماد) يستكمل الروائي جهاد الرنتيسي ما كان قد بدأه في (بقايا رغوة)(**).. وكأنّنا أمام متوالية رواية بدأت سرديًّا مع حدث فارق في المنطقة العربية عمومًا ومن منطقة الخليج خصوصًا، وهو الاجتياح العراقي للكويت عام 1990.. وما ترتّب عليه من تهجير جديد لبعض الجاليات العربية التي كانت متواجدة في الكويت، الفلسطينية منها على وجه التحديد؛ بعد أن كانت قد وجدت ما يشبه استقرارًا هشًّا في دول اللجوء.. استقرار تطيل من عمره، أو تقصّره، علاقات الفصائل والمنظمات الفلسطينية ببعضها ومدى ملاءمة أجنداتها لأجندات دول اللجوء وبالتالي علاقاتها بها.
وإذا كان "اللاجئون بقايا الكوارث، يتحولون مع الزمن إلى أطلال قضايا، قد يذبون وتذوب قضاياهم معهم في يوم من الأيام"(رواية خبايا الرماد).. فإن هناك، دائمًا، ما يحصل ليعيد قضاياها إلى واجهة المشهد مرة أخرى؛ وها هي حرب غزّة الأخيرة تثبت لنا ذلك.
(2)
في روايته (بقايا رغوة) يترك الروائي جهاد الرنتيسي قارئه مترقبًا ما تحتويه أوراق (سعد الخبايا): الفلسطيني المشاكس. ومع أنّ (غادة الأسمر) كانت قد تراجعتْ "ما سمعته من الرتب التنظيمية الأعلى عن فوضى الخبايا ورفاقه، عدميتهم ونزوعهم للمغامرة"(بقايا رغوة).. إلا أنّ ذلك لم يمنعها من إصدار حكم بشأن حركتهم: "كان مشروعهم محكومًا بالموت السريري منذ بداية انشقاقهم" (بقايا رغوة).
ما يُقلق (رشاد الناجي) ويعيده " إلى حيرته حول السبب الذي دفع الخبايا لاختياره دون غيره"(بقايا رغوة) للاحتفاظ بأوراقه مع أنّه لم يره إلا " مرّة في مكتب الجابرية، ........، كنت في نوبة حراسة، .......، صار يتجنّبني إذا تصادفنا في ساحة البناية". إذ ليس في ذاكرة (رشاد الناجي) غير "نوافذ شقة الخبايا المضاءة حتى ساعة متأخرة من الليل، السيارة القديمة التي كان يقودها صباحًا في طريقه إلى مكتبة وزارة الإعلام، الصحف والمجلات التي كان يحملها تحت إبطه لدى نزوله من سيارته أو اتجاهه إليها". ويتذكّر (الناجي) أنّ الخبايا دخل ملحقه، حيث يسكن، مرّة واحدة ليسلمه المغلّف، "ولم أره بعدها، خجلت من الاعتذار عن المغلف"(بقايا رغوة).
هذا التردد وعدم الوضوح الذي اتسمتْ به رؤية (رشاد الناجي) لـ(سعد الخبايا).. قابله وضوح في رؤية الأخير للأول؛ الأمر الذي جعله يستأمنه على مسودات دراسة عمل عليها الخبايا منذ سنوات ثم انشغل عنها بمحاولة لإصلاح الحال المائل (خبايا الرماد).
(3)
الأجواء في (خبايا الرماد) لا تبتعد عنها في (بقايا رغوة).. بل هي امتداد لها. فنيًّا.. يمكن قول ذلك أيضًا. وما يميّزها عن تلك هو الحضور الطاغي لـ(سعد الخبايا) عبر أوراقه التي نجح (رشاد الناجي) في إخفائها والفرار بها رغم حملات التفتيش المتعددة: "فتّش العراقيون الملحق بعد عام أو يزيد، يمر أمامه اقتحامهم للمكان كشريط سينمائي، بعثروا محتوياته القليلة خلال مداهمتهم المفاجئة، بحثا عن أثر لمتعاونين مع الكويتيين،أعاد الكويتيون بعثرتها، وهم يبحثون عن أسلحة تركها العراقيون، يغمض عينيه للحظات، محاولا قطع الشريط، بقي المغلف في منأى عن العبث"(خبايا الرماد).. حتى تمكّن أخيرًا من الدخول بأوراق الخبايا إلى الأردن مخبأة أسفل حقيبته. وهناك.. في مبنى المخابرات.. "داهمه السؤال دون أن تغيب عنه نبرة المحقق الأربعيني وخبث ابتسامته، اكتفاؤه باستفسار ضمني عن سعد الخبايا بعد ديباجة الترحيب".. ثم يقول (رشاد الناجي) موجهًا السؤال لنفسه: "ما الذي يمنعهم من اقتحام الفندق، وتفتيش الحقيبة لو كانت لديهم معلومة واحدة عن المغلف"(خبايا الرماد).
(4)
تنشغل خبايا الرماد بالشأن الفلسطيني – الفلسطيني.. العلاقة بين المنظمات والحركات الفلسطينية تحديدًا دون أن تبتعد عن متابعة تفاصيل حيوات شخوصها. والمؤلف، وإنْ لم يتناول تفاصيل هذا الخلاف لأنّه خارج موضوع روايته، فإنه يرصد تأثير ذلك عن حياة شخوصه. كما أنّه يُنتج في ذهن قارئه سؤالًا ملحًّا: لماذا الخلاف الذي قد يصل إلى حدِّ التصفية أحيانًا مادام الهدف واحدًا؟!
أمّا في ذهن الفلسطيني غير المنتظم تحت يافطة ما.. فيتجلى الحرص واضحًا على إبقاء الصفّ واحدًا. فإنّ الأمور، بشكلها الذي كانت عليه، لا تعدو عن كونها طريقًا إلى التهلكة:
"قطعتْ أم مسعود حديثه ما ابنها ذات يوم لتقول لهما إن نهاية الطريق الذي يسيران فيه التهلكة، أصغيا إليها بامتعاض، أولاد الناس يموتون دون جدوى، رددتْ على مسامعهما مرة أخرى، لا تتحملوا خطاياهم، جمعتْ عبارتها بين الأمر والرجاء"(خبايا الرماد).


(*): خبايا الرماد / رواية – جهاد الرنتيسي / دار البيروني للنشر – عمّان / الأردن – 2023.
(**): بقايا رغوة / رواية – جهاد الرنتيسي / دار البيروني للنشر – عمان / الأردن – 2021.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا