الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تطوير ماو تسى تونغ للنظرة الماركسيّة للثقافة و البنية الفوقيّة – الفصل الخامس من - المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ - لبوب أفاكيان

شادي الشماوي

2024 / 1 / 21
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


تطوير ماو تسى تونغ للنظرة الماركسيّة للثقافة و البنية الفوقيّة – الفصل الخامس من " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " لبوب أفاكيان
الماويّة : نظريّة و ممارسة
عدد 46 / ديسمبر 2023
شادي الشماوي
المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ( الجزء الثاني )
تأليف بوب أفاكيان
-------------------------------------------------------

مقدّمة الكتاب 46
المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ( الجزء الثاني )

فى ديسمبر 2015 ، ضمن العدد 22 من " الماويّة : نظريّة و ممارسة " ، قدّمنا الجزء الأوّل من كتاب بوب أفاكيان " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " ، الذى إنطوى على فصول ثلاثة من أصل سبعة ، هي الفصول المتّصلة بالفلسفة و الإقتصاد السياسي و دكتاتورية البروليتاريا و أجّلنا تعريب بقيّة الكتاب و تركنا لغيرنا المبادرة بترجمة الفصول الباقية . و اليوم ، أساسا تفاعلا مع الإبادة الجماعية الصهيونيّة الإمبرياليّة في حقّ الشعب الفلسطيني و تعريفا لجوانب أخرى من الماويّة ، وجدنا نفسنا مُجبرين على إتمام العمل الذى شرعنا فيه منذ سنوات ، سيما و أنّ فصلين من الأربعة فصول ( 1+2+5+7 ) التي عرّبناها بهذه المناسبة تتعلّق بالخطّ العسكريّ و الحرب الثوريّة و بالثورة في المستعمرات و أشباه المستعمرات . و بما أنّ بوب أفاكيان أشار في خاتمة كتابه إلى مقالين هامّين خطّهما الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكيّة عن شو آن لاي و إستراتيجيا " العوالم الثلاثة "، كان لا بدّ من القيام بواجب ترجمتهما و تقديمها كملحق أوّل و ملحق ثاني لهذا الجزء الثاني من الكتاب 46 .
و كي لا نطيل عليكم و لا نكّرر ما أعربنا عنه في فرصة آنفة ، نقترح عليكم مجدّدا مقدّمة الجزء الأوّل التي صغناها منذ 2015 :
" لقد مثّل هذا الكتاب علامة مضيئة و فارقة فى تاريخ الماويّين ليس فى الولايات المتّحدة الأمريكية فحسب بل فى العالم بأسره إذ خوّل لقرّائه أن يستوعبوا جيّدا الماركسية – اللينينية – فكر ماو تسى تونغ ( الماوية لاحقا ) و مساهمات ماو تسى تونغ العظيمة و الخالدة فى علم الشيوعية ما سلّحهم على أحسن وجه لمواجهة التحريفيّة الصينيّة و هجماتها ضد ماو تسى تونغ فى تلك السنوات و قبلها و بعدها و الردّ بسرعة وشموليّة و عمق على الدغمائيّة التحريفيّة الخوجيّة التى ستطلّ برأسها منذ أواخر 1978 و ستدحضهما الماوية و منذ 1979 .
و بطبيعة الحال ، الأفكار الواردة فى هذا الكتاب على أهمّيتها و صحّة غالبيّتها الساحقة فقد عاد إلى بعضها بوب أفاكيان وهو ينقّب فى التراث البروليتاري الثوري قصد إستخلاص الدروس الإيجابيّة منها و السلبيّة و إنجاز ما أفضل مستقبلا فعمّقها أو إستبعدها أو شدّد عليها ... و مثلا فى هذا الكتاب مع تسجيله لإختلافات حزبه مع ماو و الماويّين الصينيّين بشأن الوضع العالمي و طبيعة النضال الثوري فى البلدان الإمبريالية و علاقته بالدفاع عن الصين و مع دعوته فى الفصل الأخير لإنجاز بحث و تقييم شاملين لتجارب البروليتاريا العالميّة و تراثها ، لا يتعرّض أفاكيان للثورة الثقافية البروليتارية الكبرى بالنقد لتشخيص بعض الأخطاء الثانوية و لكن الجدّية و كشفها . هذا ما سيشرع فى القيام به فى السنوات التالية – إلى جانب قيادة خوض الصراع الطبقي محلّيا و عالميا على كافة الجبهات - ومنذ 1981 ضمن " كسب العالم ..." ، طفق يضع الأسس الأولى لعمليّة تقييم و فحص شاملين و عميقين للتجارب الإشتراكية و النضالات المتراكمة سيتواصلان لعقود و سيكونان من جملة أعمال و مؤلفات ستفرز تحوّلا نظريّا نوعيّا جزئيّا تجسّد فى " الخلاصة الجديدة للشيوعية " ، حسب أنصارها .
و تجدر الملاحظة أنّ آجيث الشهير بمعاداة الخلاصة الجديدة للشيوعية التى أطلق عليها " الأفاكيانيّة " فى مقاله " ضد الأفاكيانية " ، قد أقرّ بأهمّية الكتاب و دوره و نوّه فى ذات المقال بأنّ : " هذا الكتاب يقدّم عرضا شاملا حقّا لمساهمات ماو فى شتّى الحقول " . أمّا ليني وولف ، القيادي فى الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية و صاحب كتاب " مدخل إلى علم الثورة " و الذى قدّم تعريفا مركزّا للخلاصة الجديدة للشيوعية ( فى " ما هي الخلاصة الجديدة لبوب أفاكيان ؟ " ؛ كتاب شادي الشماوي " المعرفة الأساسية لخطّ الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتحدة الأمريكية " بمكتبة الحوار المتمدّن ) فقد أعرب فى مقال آخر عنوانه " على الطريق الثوري مع رئيس الحزب بوب أفاكيان " صدر فى 28 ديسمبر 2003 بجريدة الحزب الأمريكي " العامل الثوري " عدد 1224 :
www.rwor.org
" أرى فعلا أنّ رئيس الحزب قد عمّق أكثر المساهمات الفلسفيّة لماو تسى تونغ خاصة فى شيء من الخلاصة الأرقى . و يعود ذلك إلى كون الكثير من أفكار ماو الفلسفيّة الأخيرة و الأكثر إستفزازا – كما سجّلتها مجموعات نصوص و خطب و تعليقات غير رسميّة متنوّعة بعد 1949 – و كذلك الإنعكاسات الفلسفيّة لبعض تحاليل ماو السياسيّة الرائدة و بعض ما نجم عن القفزة الكبرى إلى الأمام و الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى ( مثل الصراع الطبقي فى ظلّ الإشتراكيّة ، و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا و دور الوعي و البنية الفوقيّة ، و تجاوز الحقّ البرجوازي ، و دور الحزب فى ظلّ الإشتراكية إلخ ) - لم يقع تلخيصها أبدا فى كلّ منسجم إلى أن كتب بوب أفاكيان " المساهمات الخالدة لماو تسى تونغ " . "
وعندما وجدنا بين أيدينا هذا الكتاب الذى صار متوفّرا على الأنترنت فى موقع الفكر الممنوع و رابطه :
http://www.bannedthought.net/USA/RCP/Avakian/MaoTsetungImmortal-Avakian.pdf
كان لزاما علينا أن نطّلع علي مضامينه عن كثب و ندرسها بتمعّن و حين خلصنا من هذه المهمّة الأوّلية تنازعتنا حقيقة مشاعر متباينة فمن ناحية نظرا لقيمته و تلخيصه الجيّد لعلم الثورة البروليتارية العالمية ، و لكونه أرقى ما ألّف فى تلك السنوات ، نهاية السبعينات، لشرح الماركسية – اللينينية – الماوية والتشديد على مساهمات ماوتسى تونغ العظيمة و الخالدة، و لمواجهته وفضحه الجريئين و الصريحين للإنقلاب التحريفي فى الصين على أيدى دنك سياو بينغ و إعادة تركيز الرأسمالية هناك منذ 1976؛ إرتفعت داخلنا أصوات و شحنة حماس تحثّنا على الإشتغال عليه وترجمته برمّته ؛ و من ناحية ثانية ، وجدنا العقل و المشاريع الكثيرة الموضوعة أمامنا وهي تنتظر الإنجاز منذ مدّة طويلة أو قصيرة مقابل الوقت الضيق تدعونا جميعها إلى الهدوء و التفكير مليّا و برويّة . و دام الصراع أيّاما بل أسابيعا و حسم على النحو التالي : الإشتغال كلّما كانت هناك فسحة من الزمن على بعض الفصول المفيدة حاليّا للماويّات و الماويّين و المناضلات و المناضلين الثوريّين فى البلدان العربية و إرجاء العمل على الفصول الأخرى لوقت لاحق حسب متطلّبات الرفيقات و الرفاق و مجريات الأحداث موضوعيّا، دون أي إلتزام بالإنجاز فى غضون مدّة معيّنة .
و إنكببنا على الإشتغال بكلّ ما أوتينا من جهد لكن على فترات متقطّعة لتعريب ثلاث فصول من أصل سبعة ، هي الفصول المتّصلة بالفلسفة و الإقتصاد السياسي و دكتاتورية البروليتاريا بإعتبارها تتطرّق لمصادر الماركسية الثلاثة و أقسامها المكوّنة الثلاثة و تبرز مساهمات ماوتسي تونغ فيها جميعا و بالطبع لا تخرج الفصول الأخرى عن هذا النطاق و لكنّها وفق تقييمنا ثانوية راهنا فى فهم غالبية الماويّين و الماويّات و المناضلين والمناضلات الثوريّين و تكوين أجيال من الشيوعيّين الثوريّين . و نعلم جيّدا أنّ الثانوي ماويّا لا يعنى عدم الأهمّية و إنّما يعنى أنّه لا يحتلّ الموقع الرئيسي فى الوقت الراهن و قد يصبح فى المستقبل القريب أو البعيد رئيسيّا أي قد تفرض علينا ضرورة ذاتيّة أو موضوعيّة التركيز عليه لاحقا . و الفصول المؤجّلة هي الفصل الأوّل – الثورة فى البلدان المستعمَرة ، و الفصل الثاني – الحرب الثوريّة و الخطّ العسكري، و الفصل الخامس – الثقافة و البناء الفوقي ، و الفصل السابع – ماو تسى تونغ أعظم ثوري فى زمننا .
و مع ذلك ، لا ينبغى لجهدنا الذى إنصبّ بالأساس على الثلاثة فصول المذكورة أعلاه و إمكانية تعريب الباقي جزئيّا أو كلّيا، أن يقفا حاجزا دون قيام رفاق و رفيقات آخرين بترجمة أيّ فصل يرون ضرورته ملحّة أو دون إبلاغنا مقترحاتهم المعلّلة فى الغرض .
و من نافل القول أن للرفيقات و الرفاق و المناضلات و المناضلين الثوريّين و الباحثين عن الحقيقة من المثقّفين و الجماهير الشعبيّة أن يستغلّوا أعمالنا بلا حدود و قيود – و لا نطالبهم بأكثر من ذكر المرجع – فى التكوين و الدراسة و البحث و النقد و الجدال و الصراع النظري و لهم كذلك أن ينقدوا أعمالنا و مضامينها و خياراتنا – دون شتائم رجاء فهذا لا يليق بالأخلاق الشيوعية - و يقترحوا ما يرونه صالحا لقطع أشواط أخرى و ترسيخ السابقة فى نشر النظرية الثورية ، فى إرتباط بمعارك الصراع الطبقي على كافة الجبهات بلا إستثناء قصد إنجاز المهمّة المركزيّة المرحليّة ألا وهي تأسيس فبناء الحزب الشيوعي الماوي الثوري كمحور للحركة الثوريّة و طليعتها و هدف برنامجه الأدني إنجاز الثورة الديمقراطية الجديدة و المضي بها إلى المرحلة التالية الإشتراكية كتيّار من تيّاري الثورة البروليتارية العالمية ، وهدفه الأقصى و الأسمى الشيوعية عالميّا .
و بغية أن نزيد فى تأكيد البعد الراهن لهذا الكتاب بالنسبة للماويّين وصراع الخطّين فى صفوفهم خاصة و الخوض فى مسائل الجدلية و جوهر الماويّة و الثورة الثقافيّة و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا و حرب الشعب و الحزب و الوعي الشيوعي و الجبهة المتّحدة إلخ ، راينا من الضروري أن نضيف ملحقا هو وثيقة للحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة الأمريكية صدرت سنة 1986 [ و يترتّب علينا طبعا أن نتفطّن إلى أنّ بعض المحتويات تطوّرت أو تعمّقت أو تمّ تجاوزها لاحقا ] ضمن العدد السابع من مجلّة الحركة الأممية الثوريّة " عالم نربحه " تحت عنوان له دلالته ألا وهو " الثورة فى البلدان الإمبريالية تتطلّب الماركسية-اللينينيّة - فكر ماو تسى تونغ [ الماوية ] ". و للتعريف ببوب أفاكيان أرفقنا الملحق الأوّل بملحق ثاني يقدّم الكاتب و مؤلّفاته . وفى الملحق الثالث عرض لمضامين كتب المترجم شادي الشماوي المتوفّرة بمكتبة الحوار المتمدّن .
و كيما نعطي فكرة عامة أوّلية فى هذه المقدّمة عن مضامين كتاب أفاكيان برمّته " المساهمات الحالدة لماو تسى تونغ " ، نورد بشيء من التفصيل محتويات الفصول بكلّيتها .
" المساهمات الخالدة لماوتسى تونغ " كتاب لبوب أفاكيان ، صدر فى ماي 1979 عن منشورات الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة الأمريكية ، و قد نشرت فصوله تباعا كمقالات فى مجلّة الحزب حينذاك ، " الثورة " ، بين أفريل 1978 و جانفي 1979 و مضامينه حسب الفهرس هي :
فهرس الكتاب :
الفصل الأوّل : الثورة فى البلدان المستعمرة ( من الصفحة 1 إلى الصفحة 37 )
الفصل الثاني : الحرب الثورية والخطّ العسكري ( من الصفحة 39 إلى الصفحة 82 )
الفصل الثالث : الإقتصاد السياسي ، والسياسة الإقتصادية و البناء الإشتراكي ( من الصفحة 83 إلى الصفحة 129)
الفصل الرابع : الفلسفة ( من الصفحة 131 إلى الصفحة 197 )
الفصل الخامس : الثقافة و البناء الفوقي ( من الصفحة 199 إلى الصفحة 244 )
الفصل السادس : مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا ( من الصفحة 245 إلى الصفحة 310 )
الفصل السابع : الخاتمة : ماو تسى تونغ أعظم ثوري فى زمننا ( من الصفحة 311 إلى الصفحة 324 )
==========
تفاصيل الفصول السبعة ( إضافة من المترجم ) :
الفصل الأوّل : الثورة فى البلدان المستعمرة :
- مقدّمة
- ماركس و إنجلز
- حروب التحرّر الوطني فى أوروبا فى فترة صعود الرأسمالية
- الإمبريالية تغير الثورة فى المستعمرات
- روسيا : جسر بين الشرق و الغرب
- لينين و ستالين يحلّلان التطوّرات
- ماو حول الثورة الصينية
- الإرتكاز بصلابة على التحليل الطبقي
- تشكّل الجبهة المتحدة
- النضال ضد الإستسلام
- الإستقلال و المبادرة فى الجبهة المتحدة
- الثورة الديمقراطية الجديدة
- القيادة البروليتارية
- الحرب الأهلية ضد الكيومنتانغ
- النضال من أجل الإنتصار الثوري
- المساهمات الفلسفية
- تطوّر السيرورة
- رفع راية الأممية البروليتارية
- الموقف تجاه الحركات الثورية
- الحاجة المستمرّة إلى القيادة البروليتارية
- أممي عظيم
الفصل الثاني : الحرب الثورية والخطّ العسكري :
- مقدّمة
- أسس الخطّ العسكري لماو و مبادئه الجوهرية
- أوّل خطّ عسكري ماركسي شامل
- مناطق الإرتكاز الثورية
- النضال ضد الخطوط الإنتهازية
- الهجوم و الدفاع
- حرب الأنصار
-" حول الحرب الطويلة الأمد "
- ثلاث مراحل فى حرب المقاومة
- الناس و ليست الأسلحة هي المحدّدة
- تطبيق الماركسية على الظروف الصينيّة
- تعبئة الجماهير
- مركزة قوّة أكبر
- المرور إلى الهجوم
- الجماهير حصن من الفولاذ
- حملات ثلاث حاسمة
- المغزى العالمي لخطّ ماو العسكري
- النضال ضد الخطّ العسكري التحريفي

الفصل الثالث : الإقتصاد السياسي ، والسياسة الإقتصادية و البناء الإشتراكي :
- مقدّمة
- الإقتصاد السياسي الماركسي
- مساهمة لينين فى الإقتصاد السياسي
- البناء الإشتراكي فى ظلّ ستالين
- السياسة الإقتصادية فى المناطق المحرّرة
- ماو يحلّل المهام الجديدة
- من الديمقراطية الجديدة إلى الإشتراكية
- طريقان بعد التحرير
- التعلّم من الجوانب السلبية للتجربة للسوفيات
- الكمونات الشعبية و القفزة الكبرى إلى الأمام
- إحتدام صراع الخطّين
الفصل الرابع : الفلسفة :
- مقدّمة
- الأساس الطبقي للفلسفة
- أسس الفلسفة الماركسية
- لينين يدافع عن الفلسفة الماركسية و يطوّرها
- ستالين : الماركسية و الميتافيزيقا
- التطوّر الجدلي لمساهمات ماو الفلسفية
- نظرية المعرفة
- " فى التناقض "
- وحدة و صراع الضدّين
- عمومية التناقض و خصوصيته
- التناقض الرئيسي
- المرحلة الإشتراكية
- تعميق الجدلية
- وعي الإنسان ، الدور الديناميكي
- الصراع و الخلاصة
- وحدة الأضداد هي الأساس
- الثورة الثقافية و مواصلة الصراع
- النضال بلا هوادة
- الإشتراكية بالمعنى المطلق تعنى إعادة تركيز الرأسمالية
- التناقض و النضال و الثورة .
الفصل الخامس : الثقافة و البناء الفوقي :
- مقدمة
- ماركس و إنجلز
- لينين
- ماو حول أهمّية البنية الفوقية
- خطّ ماو حول الأدب و الفنّ
- ندوة يانان حول الأدب و الفنّ
- النشر الشعبي و رفع المستويات
- القطيعة الراديكالية فى مجال الثقافة
- الفنّ كمركز للنضال الثوري
- النضال على الجبهة الثقافية فى الجمهورية الشعبية
- إشتداد المعركة فى الحقل الثقافي
- الثورة الثقافية و تثوير الثقافة
- الحقل الثقافي فى آخر معركة كبرى لماو
- قصيدتان لماو تسى تونغ
الفصل السادس : مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتورية البروليتاريا :
- مقدمة
- نظرية دكتاتورية البروليتاريا
- كمونة باريس
- نقد برنامج غوتا
- إنجلز مواصل للماركسية
- لينين
- ستالين
- التحليل الصيني لستالين
- الثورة الثقافية
- البرجوازية فى الحزب
- تعامل ماو مع البرجوازية الوطنية
- الدكتاتورية الشاملة على البرجوازية
الفصل السابع : الخاتمة : ماو تسى تونغ أعظم ثوري فى زممنا :
- مقدمة
- ماو قائد مركب فى بحار غير معروفة
- الثورة الثقافية : وميض ضوء عبر الغيوم
- الإنقلاب فى الصين و الهجومات الجديدة ضد ماو
- مكاسب عظيمة للثورة الصينية و مساهمات ماو تسى تونغ
- دور ماو و دور القادة
- التعلّم من ماو تسى تونغ و المضيّ قدما بقضية الشيوعية
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
ملاحق الكتاب : (3)
1- إستراتيجيا " العوالم الثلاثة " : إعتذار للإستسلام
2- إعتاد على مهاجمة خطّ ماو – الدور الرجعيّ الخفيّ لشو آن لاي
3- فهارس كتب شادي الشماوي
-------------------------------------------------------------------
الفصل الخامس

الثقافة و البنية الفوقيّة

مقدّمة :
في 1967 ، في أوج النهوض الجماهيري للثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى في الصين ، تقدّم ماو تسى تونغ بالتصريح التالى كأحد الخطوط المرشدة الحيويّة لهذا النضال الذى لم يسبق له مثيل : " يجب على البروليتاريا أن تمارس الدكتاتوريّة الشاملة على البرجوازيّة في مجال البنية الفوقيّة بما فيها مختلف مجالات الثقافة ." (1)( ماو تسى تونغ ، " الرئيس ماو حول مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا " مجلّة بيكين ، 26 سبتمبر ، 1969 ، صفحة 9 ؛ بالأنجليزيّة ). و هنا لا يشدّد ماو على الأهمّية الكبرى للبنية الفوقيّة عامة فحسب بل على الثقافة بوجه خاص . و كان يؤكّد ليس على حاجة البروليتاريا لممارسة الدكتاتوريّة على البرجوازيّة عامة فقط بل خاصة كنس البرجوازيّة من ميدان الثقافة وإلحاق الهزيمة بمحاولاتها السيطرة على هذا الميدان ما يلعب مثل هذا الدور الكبير في الحقل الإيديولوجي ، في تشكيل الرأي العام و التأثير على القاعدة الإقتصاديّة و الهيكلة الجوهريّة للمجتمع .
من البداية ذاتها ، أثناء الديمقراطيّة الجديدة و كذلك مرحلة الإشتراكيّة من الثورة في الصين ، أولى ماو أهمّية كبرى لدور الثقافة ، و واصل تطوير و تعميق خطّ ثوريّ لإرشاد النضال في هذا المجال . و بالفعل ، مزيد تطوير النظريّة الماركسيّة و خط أساسيّ للثقافة يمثّل بعدُ مساهمة أخرى من مساهمات ماو تسى تونغ الخالدة . و بالأخصّ ، شدّد ماو كثيرا على مجال الأدب و الفنّ و على دورهما فى الصراع الطبقيّ ككلّ . و في ظلّ قيادة خطّه ، أنجز الشعب الصينيّ قفزة نوعيّة في هذا المجال الحيويّ ، أبعد من أيّ شيء بلغته سابقا البشريّة بما في ذلك في البلدان الإشتراكيّة .
و بهذا الفصل سيجرى التركيز على مسألة الثقافة هذه و بشكل خاص على قيادة ماو في تطوير أدب و فنّ ثوريّين خدمة لنضال البروليتاريا لتحقيق مهمّتها التاريخيّة ، مهمّة بلوغ الشيوعيّة .
و طبعا ، في هذا المجال كما في غيره من المجالات ، في قيامه بمساهماته الهامة و الخالدة ، كان ماو يعتمد على أكتاف الماركسيّين الكبار الذين سبقوه و خاصة ماركس و إنجلز و لينين و ستالين . و هكذا من الصواب وضع مساهمات ماو في مقارنة بأرضيّة تطوير النظريّة الماركسيّة للفنّ السابقة له .

ماركس و إنجلز

نقطة الإنطلاق بالنسبة إلى الماركسيّين هي أن نشاطات الإنسان الواعية و كجزء منها الأدب و الفنّ لا تقف جانبا أو مستقلّة بذاتها ، و بالطبع لا تخلق الواقع بل بالأحرى كما وضع ذلك ماركس في جملة أضحت شهيرة : " ليس إدراك الناس هو الذى يعيّن معيشتهم بل على العكس من ذلك ، معيشتهم الإجتماعيّة هي التي تعيّن إدراكهم ".(2) ( ماركس ، مقدّمة الطبعة الأولى لكتاب " مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي " ، دار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين 1976 ، صفحة 3 ، بالأنجليزيّة + صفحة 127 من ماركس و إنجلز " بصدد الثوة الإشتراكيّة " ، دار التقدّم ، موسكو 1983 ، بالعربيّة )
بكلمات أخرى ، نقطة الإنطلاق هي العالم الماديّ و النشاط الإقتصاديّ للناس . فالظروف الماديّة تحدّد نشاطات و تطوّر و إنتاج الفكر البشري و ليس العكس . و مثلما شرح ماركس في " المقدّمة " إيّاها :
" تقوم بين الناس ، أثناء الإنتاج الاجتماعي لحياتهم ، علاقات معيّنة ضروريّة ، مستقلّة عن إرادتهم ، هي علاقات الإنتاج التي تطابق درجة معيّنة من تطوّر قواهم المنتجة الماديّة . و مجموع علاقات الإنتاج هذه يؤلّف البناء الإقتصادي للمجتمع، أي الأساس الواقعي الذى يقوم عليه بناء فوقيّ حقوقيّ و سياسيّ و تطابقه بصورة عامة أشكال معيّنة من الوعي الاجتماعي. إنّ أسلوب إنتاج الحياة الماديّة يشترط تفاعل الحياة الإجتماعي و السياسي و الفكريّ ، بصورة عامة ." (3) ( المصدر السابق )
و هذا يعنى أنّ المجتمع ينهض على الحاجة الأساسيّة للناس إلى الأكل و الثياب والمسكن و ما إلى ذلك ، ولأجل الحصول على هذا يجب على الناس أن يتّحدوا معا بشكل خاص ما حتّى يتمكّنوا جماعيّا من تغيير الطبيعة ، لصنع الأشياء المتنوّعة التى يحتاجونها ليعيشوا . و هكذا ، طبيعة المجتمع متجذّرة في المتطلّبات الماديّة للناس . لكن المجتمع و الطبيعة يشهدان سيرورة تغيّر مستمرّ – و ليس تغيّرا دوريّا ، يحدث بذات الطريقة التي بدأ بها بل سيرورة تغيير شبيهة باللولب تتقدّم من المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى و تتميّز بالطفرات / القفزات .
و اليوم ، لدينا أشياء لم نعلم بها حتّى قبل مائة سنة فما بالك مليون سنة أو أكثر عندما كانت الأشكال البدائيّة لحياة الإنسان تشكّل نوع المجتمع الأكثر بدائيّة . و هذا من أهمّ المؤشّرات على كيف أنّ المجتمع ليس متجذّرا فحسب في الصراع المنظّم للناس الذين يتوحّدون للصراع و تغيير الطبيعة بل كذلك يتطوّر من المستوى الأدنى إلى المستوى الأعلى . و علاوة على ذلك ، الإكتشاف العظيم لماركس ( " خيط هاد في أبحاثى " كما أحال على ذلك ) كان أنّ هذا التطوّر للمجتمع الإنسانيّ يتحدّد في نهاية المطاف بتطوّر القوى الأساسيّة التي بناها البشر في تفاعلهم مع الطبيعة لإنتاج ما يحتاجون إليه و ما يرغبون فيه – قوى إنتاج المجتمع . و شمل هذا الأدوات و الآلات التي يطوّرها الناس كما يشمل و بصفة أهمّ ، الناس أنفسهم ، بكلّ مؤهّلاتهم و قدراتهم ، الذين ينجزون عمليّة الإنتاج .
لأجل إستخدام قوى الإنتاج هذه ، من الواجب على الناس أن يدخلوا في علاقات معيّنة متّصلة بالسيرورة العامة للإنتاج في المجتمع . و طبيعة هذه العلاقات ستختلف و تتغيّر وفق تطوّر قوى إنتاج البشر . و هكذا ، سمّى ماركس هذه العلاقات علاقات إنتاج المجتمع .
و مثلما يمضى ماركس ليقول في الإستشهاد أعلاه ، تمثّل علاقات الإنتاج هذه الهيكلة الإقتصاديّة للمجتمع . وهي عادة ما تسمّى بالقاعدة الإقتصاديّة . و هذه القاعدة هي " الأساس الحقيقيّ " كما يقول ماركس ، لكامل البنية الفوقيّة القانونيّة و السياسيّة و الإيديولوجيّة و الثقافيّة للمجتمع . و المؤسّسات السياسيّة و الهياكل القانونيّة و العادات و التقاليد و الإتّفاقيّات الفنّية و الفلسفات و طُرق التفكير و النظر إلى العالم إلخ لمجتمع معطى و عصر معطى جميعها تنتمى إلى البنية الفوقيّة . و هذا يصحّ على الفلسفة و الثقافة إلخ الذين يمثّلون الطبقة / الطبقات المضطهَدَة و كذلك فلسفة و ثقافة إلخ الطبقة السائدة . لكن طبعا ، كما ألحّ على ذلك ماركس و إنجلز ، " الأفكار و الآراء السائدة في عهد من العهود لم تكن سوى أفكار الطبقة السائدة و آرائها ". (4) ( صفحة 70 من ماركس و إنجلس ، " مختارات " في أربعة أجزاء ، الجزء الأوّل ؛ دار التقدّم ، موسكو ، باللغة العربيّة ) بإختصار، لأجل تركيز هيمنتها في مجالات الإيديولوجيا و الثقافة إلخ ، على طبقة معيّنة أن تفتكّ أوّلا السلطة السياسيّة و تركّز نفسها كطبقة سائدة في الجزء الأكثر حيويّة من البنية الفوقيّة .
لكن مرّة أخرى ، كما لخّص ماركس في رسالة في بدايات تطوّره كماركسيّ :
" خذ درجة معيّنة من تطوّر قوى الناس المنتجة ، تحصل على شكل معيّن للتبادل و الإستهلاك . خذ درجة معيّنة من تطوّر الإنتاج و التبادل و الإستهلاك ، تحصل على نظام إجتماعي معيّن ، و تنظيم معيّن للعائلة أو الفئات أو الطبقات ، - و بكلمة مجتمع مدنيّ معيّن ." (5) ( ماركس و إنجلس ، " رسائل مختارة " ، الطبعة العربية لدار التقدم موسكو ، صفحة 32 )
و كما تعلّمنا الماركسيّة كذلك ، لنفترض نظاما إجتماعيّا معيّنا و مجتمعا مدنيّا و نظاما سياسيّا إلخ و سنحصل على نوع معيّن من الإيديولوجيا و الحياة الفكريّة بما فيها نوعا معيّنا من الثقافة ، بالأدب و الفنّ كجزء هام جدّا منها . و تشتمل الحياة الفكريّة كما لاحظنا ذلك قبلا ، الأفكار التي تمثّل المضطهَدين و أيضا الطبقة الحاكمة – لذكر مثال بارز، ماركس نفسه نتاج للمجتمع الرأسمالي . لكن ، مثلما جرى التأكيد للتوّ على ذلك أعلاه ، فقط عندما تصعد الطبقة المضطهَدَة إلى موقع الطبقة الحاكمة – فقط عندما تُطيح بالسلطة السياسيّة القائمة و تركّز سلطة دولتها الخاصة – يمكن لأفكارها أن تغدو الأفكار المهيمنة في المجتمع .
و هذا المنهج في دراسة و فهم المجتمع و التاريخ الذى أقام مبادءه الأساسيّة أوّل ما أقامها ماركس ، معروف ب " الماديّة التاريخيّة " . و قد لخّصها إنجلز على النحو التالي :
" ... مفهوما عن مجرى التاريخ العالمي يرى السبب الأوّل و القوّة المحرّكة الحاسمة لجميع الأحداث التاريخيّة الهامة في تطوّر المجتمع الاقتصادي ، في تغيرات أسلوب الإنتاج و التبادل ، في إنقسام المجتمع إلى طبقات مختلفة منجرّاء ذلك ، في الصراعبين هذه الطبقات . " (6) ( صفحة 14 من إنجلز ، " الإشتراكيّة الطوباويّة و الإشتراكيّة العلميّة " ، دار التقدّم ، موسكو ، بالعربيّة )
و هذه النظرة و منهج الماديّة التاريخيّة هذا هما الإطار الأساسي للفهم الصحيح لمعنى الأدب و الفنّ و لدورهما . الأدب و الفنّ و الثقافة عامة جزء من البنية الفوقيّة . لكن يجب إعادة التذكير و التشديد مجدّدا على أنّ العلاقة بين القاعدة و البنية الفوقيّة ليست متصلّبة ، ثابتة أو تسير بإتّجاه واحد . فبينما الماركسيّة ماديّة هي أيضا جدليّة . و البنية الفوقيّة تأثيرها ليس سلبيّا على القاعدة ، ذلك أنّه ثمّة تفاعل مستمرّ بينهما . و قد تكلّم إنجلز بقوّة عن هذه النقطة وهو يقاتل الميكانيكيّة كنقيض للجدليّة و الماديّة :
" وفقا للمفهوم المادي عن التاريخ ، يشكّل إنتاج و تجديد إنتاج الحياة الفعليّة النصر الحاسم ، في آخر المطاف ، في العمليّة التاريخيّة . و أكثر من هذا لم نؤكّد في يوم من الأيّام ، لا ماركس و لا أنا . أمّا إذا شوّه أحدهم هذه الموضوعة بمعنى أنّ العنصر الاقتصادي هو ، على حدّ زعمه ، العنصر الحاسم الوحيد ، فإنّه يحوّل هذا التأكيد إلى جملة مجرّدة ، لا معنى لها، و لا تدلّ على شيء . إنّ الوضع الإقتصادي إنّما هو الأساس ، و لكن مختلف عناصر البناء الفوقيّ تؤثّر هي أيضا في مجرى النضال التاريخي ، و تحدّد على الأغلب شكله في كثير من الأحيان ؛ و نقصد بهذه العناصر : أشكال النضال الطبقي الظافرة بعد كسب المعركة ، و ما إلى ذلك – و الأشكال الحقوقيّة و حتّى إنعكاس جميع هذه المعارك الفعليّة في عقول المشتركين فيها ، و النظريّات السياسيّة و الحقوقيّة و الفلسفيّة ، و الآراء الدينيّة و تطوّرها اللاحق و سيرورتها نهجا من العقائد . و جميع هذه العناصر تتفاعل ، و في هذا التفاعل تشقّ الحركة الإقتصاديّة لنفسها في آخر المطاف ، بوصفها حركة ضروريّة ، طريقا عبر كثرة لا عدّ لها من الصدف ( أي من الأشياء و الأحداث التي صلتها الداخليّة بعيدة أو عسيرة البرهان إلى حدّ أنّه يمكننا إهمالها و إعتبارها غير موجودة ). " (7) ( ماركس و إنجلس ، " رسائل مختارة " ، الطبعة العربية لدار التقدم موسكو ، صفحة 300-301 )
و رغم أنّ القاعدة عامة رئيسيّة وهي المحدّدة ، من الصحيح أيضا كما أشار ماو ، أنّ :
" عندما يعوق البناء الفوقيّ ، كالسياسة و الثقافة ، تطوّر القاعدة الإقتصاديّة ، فإنّ التجديدات السياسيّة و الثقافيّة تصبح العامل الرئيسي الحاسم . " (8) ( " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الأوّل ، صفحة 487-488؛ الطبعة العربيّة لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين 1977)
بكلمات أخرى ، العلاقة بين القاعدة و البنية الفوقيّة يجب النظر إليها جدليّا و ليس ميكانيكيّا أو ميتافيزيقيّا . و هذه نقطة شدّد عليها ماو تشديدا كبيرا و زاد في تطويرها ، خاصة في علاقة بالمجتمع الإشتراكي . و تكتسى دلالة كبرى أن ننظر في مساهمة ماو في نظريّة الثقافة الثوريّة و خطّها الأساسيّ .
و بالعودة إلى مؤسّسى الإشتراكيّة العلميّة ، من المهمّ هنا ملاحظة أنّ ماركس طبّق الموقف و وجهة النظر و المنهج الجدليّ و الماديّة التاريخيّة أساسا على الإقتصاد السياسي للرأسماليّة و ثانويّا على تحليل الصراع الطبقي في المجال السياسي كما كان يتطوّر ، خاصة في أوروبا ، عندما كان على قيد الحياة . و إثر جهوده المشتركة مع إنجلز ( في " العائلة المقدّسة " و " الإيديولوجيا الألمانيّة " (9) ، لم يواصل ماركس ليطوّر أيّة نظريّة منهجيّة و شاملة حول المظاهر الإيديولوجيّة ( بما فيها الثقافة ) للصراع الطبقي عامة و لا للأدب و الفنّ خاصة .
و من جانبه ، إنجلز خصّص بعض العمل المنهجيّ لمثل هذه الأشكال التعبيريّة - بصفة بارزة في أقسام من" ضد دوهرينغ" و في " فوباخ و نهاية الفلسفة الكلاسيكيّة الألمانيّة " و كذلك في بعض المقالات المتناثرة الأخرى ( مقدّمة الطبعة الأنجليزيّة ل " الإشتراكيّة الطوباويّة و الإشتراكيّة العلميّة " مثال جيّد على ذلك ). لكن في الوقت نفسه ، لم يعر إنجلز أيضا أيّ إنتباه منهجيّ للفنّ . أقصى ما لدينا من كلّ من ماركس و إنجلز بهذا الباب هي تقريبا بعض التعليقات المرتجلة حول كتّاب و أعمال من الماضي و من المعاصرين لهما .
و مع ذلك ، هناك الهامش التالى المختصر على عمقه لماركس في أحد أعماله :
" إنّ ثورة القرن التاسع عشر الإجتماعيّة لا يسعها أن تستمدّ أشعارها من الماضي بل من المستقبل فحسب . إنّها لا تستطيع أن تبدأ بتنفيذ مهمّتها قبل أن تقضي على كلّ إحترام خرافي للماضي . لقد كانت الثورات السابقة في حاجة إلى إستعادة ذكريات ما مضى من حوادث تاريخ العالم لكي تخدع نفسها بشأن محتواها هي بالذات . أمّا ثورة القرن التاسع عشر فيترتّب عليها لكي تستوضح لنفسها محتواها الخاص أن تدع الموتى يدفنون موتاهم . "(10) ( صفحة 142 من ماركس وإنجلس ، " مختارات " في أربعة أجزاء ، الجزء الأوّل ؛ دار التقدّم ، موسكو ، باللغة العربيّة )
و هذا الموقف ، بتأكيده على الإختلافات الكبرى بين الثورة الإشتراكيّة البروليتاريّة و كافة الثورات الماضية و الطريقة التي بها ينقل إلى مجال الفنّ و الثقافة البروليتاريّين ، موضوع بارز في مساهمات ماو بهذا الصدد ، و موضوع سنعود إليه أدناه .
لينين

لا يمكن أيضا أن نقول إنّ لينين قد طوّر نظريّة كاملة و شاملة للفنّ و الثقافة . لكن لينين كان طبعا مشاركا عن كثب في ثورة بروليتاريّة مظفّرة و بالتالى في إرساء مجتمع إشتراكي . و قد صاغ لينين فعلا بعض المبادئ الأساسيّة التي نهضت بدور مفتاح في إرساء أرضيّة تطوير الأدب و الفنّ الثوريّين خدمة لنضال البروليتاريا .
و ما شدّد عليه لينين بوجه خاص في هذا المضمار كان ضرورة أن تندمج الثقافة البروليتاريّة وثيق الإندماج مع الحركة الثوريّة العامة للبروليتاريا . عند نهوض ثورة 1905 في روسيا مثلا تحدّث لينين عن الحاجة إلى تطوير " أدب حزبيّ " و تساءل :
" ففيم يقوم هذا المبدأ ، مبدأ الأدب الحزبيّ ؟ إنّه لا يقوم و حسب في أنّ العمل الأدبي لا يمكن أن يكون بالنسبة للبروليتاريا الإشتراكيّة أداة بيد الأفراد أو الجماعات لإبتزاز المكاسب ، بل لا يمكن له أيضا أن يكون على العموم قضيّة شخصيّة لا تتعلّق بالقضيّة البروليتاريّة العامة . فليسقط الأدباء اللاحزبيّون ! ليسقط الأدباء السوبرمانات ! ينبغي أن تصبح قضيّة الأدب جزءا من القضيّة البروليتاريّة العامة ، " دولابا و برغيا " في آليّة واحدة موحّدة هي الآليّة الإشتراكيّة – الديمقراطيّة العظيمة التي تحرّكها الطليعة الواعية كلّها في الطبقة العاملة كلّها . ينبغي أن تصبح قضيّة الأدب جزءا مكوّنا منالعمل الحزبيّ الإشتراكي – الديمقراطي الموحّد ، المنهاجي ، المنظّم . " (11) ( لينين ، " في الإيديولوجيا و الثقافة الإشتراكية " ، الطبعة العربيّة لدار التقدّم ، موسكو 1970 ، الصفحة 27 )
و الموضوع عينه ألحّ عليه لينين عقب تركيز الجمهوريّة السوفياتيّة ، عندما ( في 1920) وضع مشروع قرار بشأن الثقافة البروليتاريّة ، و أوّل فصل من فصوله هو :
" في جمهوريّة العمّال و الفلاّحين السوفييتيّة ، ينبغي أن يكون تنظيم الأمور كلّه في حقل التعليم ، سواء أمن الناحية السياسيّة التثقيفيّة على العموم أم من ناحية الفنّ على الخصوص ، مفعما بروح نضال البروليتاريا الطبقيّ من أجل تحقيق أهداف ديكتاتوريّتها بنجاح ، أي من أجل إسقاط البرجوازيّة ، من أجل القضاء على الطبقات ، من أجل إزالة كلّ إستثمار للإنسان من قبل الإنسان ." (12) ( المصدر السابق ، صفحة 180-181 )
و بطبيعة الحال ، وُجد حينها كما يوجد الآن ، أولئك الذين أغاضهم ذلك و هاجموا هذه المواقف على أنّها لا تنسجم مع " الفرديّة " و " الحرّية " المفترض أنّهما ضروريّتين للإبداع الفنّي . و قد وصف لينين مثل هذه النظرة على أنّها نظرة فرديّة برجوازيّة و أشار إلى أنّ مثل هذا الحديث عن الحرّية المطلقة الصادر عن فنّانين في المجتمع البرجوازي كان مجرّد نفاق أو خداع للذات . و شرح :
" في مجتمع قائم على سلطان المال ، في مجتمع تفتقر فيه جماهير الكادحين و تعيش فيه حفنة من الأغنياء حياة طفيليّة ، لا يمكن أن تقوم " حرّية " فعليّة و حقيقيّة . فهل أنت حر من ناشرك البرجوازي ، أيّها السيّد الكاتب ؟ من جمهورك البرجوازي الذى يطالبك بالخلاعة في الإطارات و اللوحات ، و بالدعارة بشكل " تكميل " للفنّ المسرحيّ " المقدّس " ؟ ذلك أنّ هذه الحرّية المطلقة هي إمّا كلام فارغ برجوازيّ و إمّا كلام فارغ فوضويّ ( لأنّ الفوضويّة ، بوصفها مفهوما عن العالم ، هي مفهوم برجوازي مقلوب رأسا على عقب ). فمن المستحيل أن يعيش المرء في المجتمع و يكون حرّا من المجتمع . إنّ حرّية الكاتب البرجوازي و الرسّام البرجوازيّ و الممثّلة البرجوازيّة ليست غير تبعيّة مموّهة ( أو مقنّعة برياء و نفاق ) حيال كيس النقود ، حيال الرشوة ، حيال الشراء ." (13) ( المصدر السابق ، صفحة 30-31 )
في مجتمع طبقيّ ، من غير الممكن للأدب و الفنّ أن يكونا فوق الطبقات ، من غير الممكن لهما أن لا يعبّر كلاهما عن بعض النظرة الطبقيّة و يخدما مصالح طبقة ما . هذا من جهة و من الجهة الأخرى ، أشار لينين إلى أنّ هذه الطبقات ليست متعادلة بعضها مع بعض و هدف الشيوعيّين هو :
" نعارض الأدب المزعوم نفاقا و رياء بأنّه حرّ و لكنّه المرتبط فعلا بالبرجوازيّة ، بأدب حرّ حقّا و فعلا ، مرتبط على المكشوف بالبروليتاريا .
إنّه سيكون أدبا حرّا لأنّ أفكار الإشتراكيّة و العطف على الكادحين ، لا الجشع و الوصوليّة ، هي التي ستجتذب قوى جديدة جديدة إلى صفوفه . إنّه سيكون أدبا حرّا لأنّه سيخدم الملايين و عشرات الملايين من الكادحين الذين يشكّون زهرة البلد و قوّته و مستقبله ." (14) ( المصدر السابق ، صفحة 31 )

ستالين

كان ستالين مواصلا لعمل لينين في قيادة البروليتاريا السوفياتيّة في بناء الإشتراكيّة و حمايتها ضد الأعداء الخارجيّين و الداخليّين . و قد دافع أيضا و طبّق عديد تطويرات لينين للماركسيّة في نظريّة الفنّ و الأدب .
في ظلّ قيادة ستالين ، طوّر الحزب الشيوعي السوفياتي مفهوم الواقعيّة الإشتراكيّة ، مفهوم يتناسب مع وجهة نظر البروليتاريا في الأدب و الفنّ و الذى أرسى جزءا هاما من قاعدة مساهمات ماو في هذا الباب .
سنة 1932 ، بقرار من اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي للاتّحاد السوفياتي ، تمّ إرساء لجان تنظيميّة للمؤتمر الوطني الأوّل للكتّاب السوفيات الذى صاغ لأوّل مرّة مفهوم الواقعيّة الإشتراكيّة . و قد وقع في ميثاق جمعيّة الكتّاب السوفيات تحديد أنّ : " الواقعيّة الإشتراكيّة التي هي المنهج الأساسي للأدب و الفنّ السوفياتي تتطلّب من الفنّان و الأديب أن يقدّما الواقع في مسار تطوّره الثوريّ ، بطريقة صحيحة و ملموسة تاريخيّا " .
لاحظوا أنّ هذا التحديد يؤكّد حقيقة و الطابع التاريخي الملموس و يربط هذا ب " تقديم الواقع في مسار تطوّره الثوريّ " كأهمّ مظهر من مظاهره . أي ، الفنّ البروليتاري متحزّب وهو جزء من النضال الثوريّ للطبقة العاملة ، وهو كذلك يعكس الحقيقة . و بالفعل ، كما سيجرى تعميقه أكثر لاحقا فى التعاطى الخاص مع مساهمات ماو ، مثل هذا الأدب و الفنّ يعكس الحقيقة على وجه الضبط لأنّه يعكس و يخدم مصالح الطبقة العاملة . إنّه يعكس الحقيقة لأنّه يعرض مسار التطوّر الواقعي الكامن للتاريخ و المجتمع ، و هذا أمر ثوريّ .
و كما يعنى ذلك مصطلح " الواقعيّة الإشتراكيّة " ، وُجدت أشكال أخرى من الواقعيّة فى الفنّ- بصفة بارزة الواقعيّة البرجوازيّة . و لهذا ، دور تقدّميّ ينهض به في وقت ما بالضبط كما فعلت البرجوازيّة نفسها ، عندما كانت لا تزال طبقة صاعدة . لكن ، طبعا ، حتّى حينها ، كان يكشف الواقع فكان منحصرا بذات حدود نظرة الرأسماليّين إلى العالم . أكبر ما يمكن أن يكشف أبدا هو عالم أفراد يبحثون عن مصلحتهم الذاتيّة و هذا ليس بأيّ شكل من الأشكال الكلّ أو الجزء الأكبر و ليس بالتأكيد جوهر الواقع . و بما أنّ البرجوازيّة أضحت طبقة رجعيّة كلّيا ، تحوّلت " واقعيّتها " إلى ضدّها ، إلى محاولة لتصوير الناس بالطريقة الأبشع و الأكثر حيوانيّة و نفاقا ، أو بطوباويّة محضة و تهرّب من الواقع .
و في الوقت نفسه الذى وقع التقدّم بتلك الواقعيّة الإشتراكيّة كسياسة مرشدة للأدب و الأعمال الفنّية في الإتّحاد السوفياتي ، وقع كذلك التشديد على أنّ هذا ليس غير منسجم مع الرومنسيّة و إنّما هو يتضمّن رومنسيّة من طراز جديد – رومنسيّة ثوريّة – بما أنّ تصوير الواقع في مسار تطوّره الثوري يعنى حتما تصوير البطولات الكبيرة للشعب و أوسع آفاق التقدّم الإنساني .
و في حين أنّ ظهور هذا المفهوم والمثل الأعلى للواقعيّة الإشتراكيّة ( بما في ذلك الرومنسيّة الثوريّة كمظهر من مظارها) مثّل تقدّما في تطوير الفنّ البروليتاري ، وُجدت أيضا بعض النقائص من وجهة نظر ستالين في هذا المجال . و من هذه النقائص فكرته القائلة بأنّ الشيء الأساسيّ في الحقل الثقافي في رفع المستويات الثقافيّة لجماهير العمّال و الفلاّحين السوفيات – و أكثر من ذلك ، النظر إلى " رفع المستويات " هذا بالمعنى التقنيّ الخالص و بالمعنى الكمّي . (15) (15 – أنظروا تقارير ستالين لمؤتمرات الحزب 16و17و18 و " مسائل اللينينيّة " ) ( لقد عالج ماو هذه المسألة بالخصوص في معالجته للتناقض بين التعميم و رفع المستوى الذى سنركّز عليه قريبا ) . و رؤية الواقعيّة الإشتراكيّة و تطبيقها في الإتّحاد السوفياتي قد تضمّنتا هنات مرتبطة بأخطاء ستالين هذه .
و خطأ آخر مرتبط بأخطاء ستالين في هذا المجال تمّ الحديث عنه في خلاصة ندوة العمل على جبهة الأدب و الفنّ التي عُقدت في شنغاي في بدايات 1966 بإشراف من زوجة ماو ، تشيانغ تشنغ ، لصياغة سياسة ترفع راية خطّ ماو في حقل الفنون و تطبّقه بصفة شاملة أكثر:
" لقد كان ستالين ماركسي – لينينيّ عظيم . و نقده للأدب و الفنّ المعصرين البرجوازيّين كان نقدا حادا جدّا . إلاّ أنّه تغاضى دون نقد عن ما يُعرف بالأعمال الكلاسيكيّة لروسيا و أوروبا و كانت النتائج سيّئة . و الأدب و الفنّ الكلاسيكيّين في الصين و في أوروبا ( بما فيها روسيا ) و حتّى الأفلام الأمريكيّة قد مارست تأثيرا معتبرا على أوساطنا الأدبيّة و الفنّية ، و نظر إليها البعض على أنّها أسفار مقدّسة و قبل بها في كلّيتها . لذا يجب أن نستخلص درسا من تجربة ستالين و يجب أن ندرس الأعمال الأجنبيّة أيضا ، و رفض دراستها سيكون خاطئا ؛ لكن يجب أن ندرسها دراسة نقديّة ، جاعلين الماضي يخدم الحاضر و الأعمال الأجنبيّة تخدم الصين . " (16) ( ملخّص ندوة العمل حول الأدب و الفنّ ضمن القوّات المسلّحة ، التي أشرف عليها كلّ من الرفيق لين بياو و الرفيقة تشيانغ تشنغ ، دار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين ، 1968 ، ص 14 ؛ باللغة الأنجليزيّة )

ماو حول أهمّية البنية الفوقيّة

قطع ماو تسى تونغ خطوات حاسمة في التقدّم بتطوير النظريّة الماركسيّة – اللينينيّة في مجال الأدب والفنّ والثقافة عامة . و يرتبط هذا وثيق الإرتباط بالتقدّم العام الذى قاده في الفهم الصحيح لدور البنية الفوقيّة ، لا سيما في ظلّ الإشتراكيّة . و بدوره ، هذا التقدّم جاء في علاقة بتلخيص نظريّة و ممارسة الماركسيّين – اللينينيّين ، و خاصة بعض أخطاء ستالين في هذا المجال . و هكذا ، مثلا ، إستهلّ بحثه في أواخر خمسينات القرن العشرين ، " نقد لكتاب ستالين " القضايا الإقتصاديّة للإشتراكيّة في الإتّحاد السوفياتي " " ، بموقف أنّ " لا يقول كتاب ستالين من بدايته إلى نهايته شيئا عن البنية الفوقيّة . إنّه لا يهتمّ بالناس ؛ ما يشغله هي الأشياء و ليس الناس " .(17) ( ماو " نقد لكتاب الإقتصاد السياسي السوفياتي " ، صفحة 135 بالأنجليزيّة + كتاب شادي الشماوي ، ماو تسى تونغ و بناء الإشتراكية ( نقد لكتاب ستالين " القضايا الإقتصادية للإشتراكية في الإتحاد السوفياتي " و لكتاب الاقتصاد السياسي ، السوفياتي ") ، مكتبة الحوار المتمدّن )
و كما جرت الإشارة إلى ذلك في الفصل الثالث ( حول مساهمات ماو تسى تونغ في الإقتصاد السياسي إلخ ) ، عمل ستالين هذا ، المكتوب في السنوات القليلة الأخيرة من حياته ، تضمّن بعض الرؤى الثاقبة القيّمة و تحليل لمظاهر هامة من التقدّم من الإشتراكيّة صوب الشيوعيّة ، الهدف الأسمى للثورة البروليتاريّة . لكن ، كما تمّت الإشارة هناك ، كان ستالين ينزع إلى التعاطى مع هذه القضايا " ... من وجهة نظر تطوير الإنتاج و رفع المستوى المادي و التقنيّ للجماهير و ليس كثيرا من وجهة نظر السياسة و الإيديولوجيا " . ( أنظروا الصفحة 91 ff من المصدر السابق ، باللغة الأنجليزيّة )
و العديد من المساهمات الكبرى لماو ، طبعا ، تركّزت على وجه الدقّة في تطويره لفهم طبيعة المجتمع الإشتراكي و تشديده من هناك على الحاجة إلى مواصلة الثورة في ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا ، حتّى بعد أن يكون قد تمّ في الأساس التغيير الإشتراكي في الملكيّة . و كان هذا وثيق الصلة بمزيد تطوير ماو للنظريّة الماركسيّة للتفاعل المتبادل بين القاعدة و البنية الفوقيّة ، لا سيما في ظلّ الإشتراكيّة .
و قد بيّن ماو الأهمّية الحيويّة للتثوير المستمرّ للبنية الفوقيّة و كذلك القاعدة الإقتصاديّة . و لم يدافع عن الفهم الجدليّ للعلاقة بين القاعدة الإقتصاديّة و البنية الفوقيّة . ما يؤشّر على أنّ القاعدة هي الرئيسيّة و الحيويّة فحسب لكن أيضا في أوقات معيّنة تصبح البنية الفوقيّة رئيسيّة حيويّة في تحديد طبيعة القاعدة الإقتصاديّة و تطوّرها . و زاد تلخيص و تعليمنا أنّه في ظلّ الإشتراكيّة ، دور البنية الفوقيّة يكتسى حتّى أهمّية أكبر و الصراع في البنية الفوقيّة يمسى أشدّ و أعقد حتّى . و حتّى بينما تمسك البروليتاريا بالسلطة السياسيّة عامة في المجتمع ، يمكن أن تتحكّم عمليّا البرجوازيّة في بعض أجزاء من البنية الفوقيّة ( بالضبط كما يمكنها أن تتحكّم في بعض الوحدات و الأقسام من الإقتصاد ). و قد حذّر ماو من أنّ الإيديولوجيا خاصة ستكون مجال صراع مديد و متعرّج بين البروليتاريا و البرجوازيّة . و بحدود 1957 ، كجزء من الخطّ الثوريّ الذى طوّره في تعارض مع التحريفيّين الذين كانوا يعلنون أنّ " الصراع الطبقي يموت " ، أكّد ماو بقوّة على أنّ :
" مسألة من سينتصر في النضال بين البروليتاريا و البرجوازيّة في الميدان الإيديولوجي لم تحلّ بعدُ في الحقيقة . فلا يزال أمامنا نضال طويل الأمد علينا أن نخوضه ضد إيديولوجية البرجوازيّة و البرجوازيّة الصغيرة ." (18) ( " خطاب في المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني حول أعمال الدعاية " ، المجلّد الخامس من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة" + بالعربيّة ، " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " لشادي الشماوي ، مكتبة الحوار المتمدّن ، صفحة 20)
و الثقافة ، بطبيعة الحال ، بما فيها الفنّ و الأدب ، تقبع تماما ضمن الحقل الإيديولوجي .
و كما جرت الملاحظة ، طبيعة العلاقة بين القاعدة و البنية الفوقيّة تناقض فيه القاعدة هي المظهر الرئيسيّ عامة ، لكن فيه يمكن للبنية الفوقيّة ، في ظلّ ظروف معيّنة ، أن تصبح المظهر الرئيسيّ . لكن ، إضافة إلى ذلك ، تضطلع البنية الفوقيّة بالدور المبادر في تغيير القاعدة . و لهذين السببين تكتسى البنية الفوقيّة أهمّية حيويّة في أيّ ثورة .
لكن كما جرت الملاحظة أيضا ، كلّ هذا ينسحب بقوّة أكبر حتّى على الثورة البروليتاريّة و المجتمع الإشتراكي . ذلك أنّ هذه الثورة ، على خلاف أيّ ثورة سابقة لها في التاريخ الإنسانيّ ، لا تهدف إلى إيصال طبقة جديدة من المضطهِدِين إلى السلطة . بالأحرى ، هدف الطبقة العاملة هو التخلّص من كلّ الإستغلال و الإضطهاد . هدفها هو إلغاء كافة الطبقات - أي الشيوعيّة . و هكذا ، الإشتراكيّة التي تظلّ خلالها الطبقات موجودة و خلالها تحكم الطبقة العاملة المجتمع ، ليست الهدف الأسمى للثورة البروليتاريّة ، بل مرحلة إنتقاليّة نحو هذا الهدف .
و إعتبارا لهذه الطبيعة الإنتقاليّة للإشتراكيّة ، يجب أن تتحرّك بإستمرار صوب الشيوعيّة . و إن لم تفعل ذلك ، فإنّها بطريق الحتم ستتحرّك إلى الخلف – نحو الرأسماليّة . و يمكن لهذا أن يحدث فوق كلّ شيء لأنّه في ظلّ الإشتراكيّة تولد حتما برجوازيّة جديدة و لُبّها يكون داخل الحزب الشيوعي ذاته ، خاصة التحريفيّين في القيادة العليا للحزب ، الذين يمكن أن يفتكّوا السلطة من البروليتاريا و يعيدوا تركيز الرأسماليّة . هذا ما قد حدث في الإتّحاد السوفياتي وإثر وفاة ماو نفّذ التحريفيّون في الصين إنقلابا و سيرورة إعادة تركيز الرأسماليّة الآن جارية في ذلك البلد أيضا .
و الثورة المضادة للبرجوازيّة الجديدة تبدأ في البنية الفوقيّة – هنا تلعب البنية الفوقيّة الدور الحيويّ كما الدور المبادر . و عند إعداد الظروف لمثل هذا الإنقلاب ، هؤلاء المستنزفون الرأسماليّون الجدد يولون عناية كبيرة للصراع فى الحقل الإيديولوجي بما فيه الأدب و الفنّ . و مثلما أشار ماو بدقّة سنة 1962 :
" كتابة الروايات أمر شائع شعبيّا في هذه الأيّام ، أليس كذلك ؟ و إستخدام الروايات كنشاط معادى للحزب إختراع عظيم . يجب على كلّ من يريد الإطاحة بنظام سياسيّ أن يخلق رأيا عاما و يقوم ببعض العمل التحضيريّ إيديولوجيّا . و ينطبق هذا على الطبقات المعادية للثورة كما على الطبقات الثوريّة . " (19) ( " خطاب أمام الاجتماع العام العاشر للجنة المركزيّة الثامنة " ضمن كتاب ستوارد شرام ، " ماو تسى تونغ يتحدّث إلى الشعب " بالأنجليزيّة ، ص 195 )
و إلى درجة أنّ البرجوازيّة – خاصة الأشخاص السامين في الحزب أتباع الطريق الرأسمالي – لم يقع التصدّى لها في هذا الميدان ، ستكتسب قوّة و ستكون في موقع أفضل بكثير للإستيلاء على السلطة السياسيّة . و من هنا الأهمّية الكبرى في ظلّ الإشتراكيّة للصراع في البنية الفوقيّة و موقف ماو المستشهد به في بداية هذا الفصل ، أنّه " يجب على البروليتاريا أن تمارس دكتاتوريّتها الشاملة على البرجوازيّة في مجال البنية الفوقيّة بما فيها مختلف حقول الثقافة " .

خطّ ماو حول الأدب و الفنّ

في إرتباط بهذا ، يستحقّ مقتطف ماركس المذكور أعلاه ( من " الثامن عشر من برومير " ) التذكير به . فهناك كان ماركس يؤكّد على كيف أنّ الثورات الماضية أمكن لها أن تستعير شعرها من الماضي – أمكن لها أن تختفي في الماضي تحديدا لأجل حجب المعنى التام لطبيعتها الثوريّة الخاصة . و يعود هذا إلى كون جميعها تمثّل إفتكاك السلطة من أجل طبقة مستغِلّة جديدة . و رغم أنّه وُجدت في فترة صعودها ، أدوات تقدّم البشريّة فإنّ الطبقات السابقة ، حتّى وهي تنجز ثورة و تصعد إلى السلطة ، أمكن لها أن لا تكون حقّا واعية بهذا الدور التقدّميّ الثوريّ الذى كانت تنهض به – لأنّه الوعي بذلك تمام الوعي كان سيعنى رؤية طبيعتها التاريخيّة الإنتقاليّة الخاصة ، قبرها الخاص في نهاية المطاف و إضمحلالها .
و البروليتاريا بالعكس ، يجب أن تكون متفطّنة و متيقّظة و واعية بالضبط بما تقوم به و بواقع أنّ حكمها الخاص من منظور تاريخي ، ليس سوى أمرا إنتقاليّا . و في الواقع ، البروليتاريا هي الطبقة الأولى و الوحيدة في التاريخ التي تسعى إلى القضاء في آخر المطاف على سلطة دولتها و جميع الظروف الماديّة و الإيديولوجيّة التي تجعل من ذلك الحكم ضروريّا . و بالفعل ، إذا ما تمّ التغاضى عن هذا ، سيُطاح بحكمها و سيُعاد تركيز الرأسماليّة . لهذا لا يمكن للثورة البروليتاريّة أن تستقي شعرها و ثقافتها عامة من الماضيّ – بل يجب أن تسعى بإستمرار ، و بوعي تام لما تفعله و لمهمّتها التاريخيّة العظيمة ، لخلق شيء مختلف عن ما عرفته أبدا البشريّة .
و بالرغم من كون المساهمة الأساسيّة لماو في هذا الحقل كانت متّصلة بتطوير الثقافة البروليتاريّة و إستخدامها في توطيد دكتاتوريّة البروليتاريا و التقدّم بالثورة في ظلّ هذه الدكتاتوريّة ، فإنّه أرسى التوجّه الأساسي لهذا حتّى قبل تركيز السلطة السياسيّة عبر البلاد و ولوج المرحلة الإشتراكيّة للثورة . كان قادرا على القيام بذلك ، في جزء منه ، لأنّ الثورة الصينيّة ( كما لمسنا في الفصول السابقة ) تطوّرت على نحو لم يتمثّل في الإطاحة بسلطة النظام القديم كلّه مرّة واحدة أو في وقت قصير نسبيّا ، بل من خلال كفاح مسلّح طويل الأمد . و عمليّا ، تمثّل هذا في سلسلة كاملة من الحروب المتنوّعة التي من خلالها ، في مسار أكثر من 20 سنة ، بُنيت قواعد الإرتكاز الجديدة المحرّرة من حكم الرجعيّين ثمّ في النهاية تمّ شنّ الهجوم الشامل لتحرير البلاد بأسرها . و أثناء هذه السيرورة المديدة – وهي ذاتها تميّزت بمراحل فرعيّة – جرى بناء علاقات إنتاج جديدة و بنية فوقيّة جديدة في المناطق المحرّرة لخدمة تطوير نضال الجماهير .
و رغم أنّ العلاقات الإقتصاديّة و الإجتماعيّة و السياسيّة لم تكن بعدُ إشتراكيّة في طبيعتها – و إنعكس هذا في مجال الإيديولوجيا و الثقافة – مع ذلك ، وُجدت مظاهر المستقبل الإشتراكي بما فيها الدور القيادي للبروليتاريا و إيديولوجيّتها ، و قد ناضل ماو بإستمرار من أجلها ضد العناصر البرجوازيّة ( و الإقطاعيّة ) داخل الحزب الشيوعي الصيني و خارجه أيضا .
ندوة يانان حول الأدب و الفنّ

على هذا الأساس ، طوّر ماو التوجّه الجوهريّ للأدب و الفنّ . و قد تكشّف هذا في سلسلة خطابات ألقاها ماو أثناء ندوة يانان سنة 1942 حول الأدب و الفنّ و التي دامت شهرا . ( كما لاحظنا آنفا في هذا الكتاب ، كانت يانان المركز الذى أقامت فيه الحكومة الثوريّة قواعد الإرتكاز و قيادة الحزب الشيوعي الشيوعي الصيني و الجيش الثوري ).
قبل سنتين من ذلك ، كتب ماو عمله الأساسي " حول الديمقراطيّة الجديدة " و فيه لم يلخّص الإستراتيجيا الأساسيّة للثورة الصينيّة في تلك المرحلة – مرحلة الديمقراطيّة الجديدة – فحسب بل شدّد على واقع أنّه كما قال ، " لم نناضل نحن الشيوعيّين طوال سنوات عديدة من أجل الثورة السياسيّة و الإقتصاديّة في الصين فحسب ، و إنّما من أجل الثورة الثقافيّة أيضا ." و " لن يكون في هذا المجتمع الجديد و هذه الدولة الجديدة سياسة جديدة و إقتصاد جديد فحسب، بل ثقافة جديدة أيضا. "(20 ) ( المجلّد الثاني من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، صفحة 474 ؛ الطبعة العربيّة لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين ) و في ذلك البحث ، عرض في خطوطها الكبرى المميّزات العامة لهذه الثقافة الجديدة ، مشدّدا على :
" إنّ الثقافة الثوريّة هي بالنسبة إلى جماهير الشعب الغفيرة سلاح ثوريّ جبّار ، فهي تهيّئ التربة إيديولوجيّا قبل قيام الثورة، و تشكّل في أثناء الثورة جبهة ضروريّة و هامة من الجبهة الثوريّة العامة ." (21) ( المصدر السابق ، صفحة 533 )
عموما أرسى " حول الديمقراطيّة الجديدة " أرضيّة ل " أحاديث في ندوة الأدب و الفنّ بيانان " و فيها يتطرّق للمميّزات الخاصة التي ينبغي أن تكون للفنّ لأجل أن يكون سلاحا ثوريّا .
قبل كلّ شيء ، تحدّث ماو عن مسألة الموقف الطبقيّ و كما جرت الإشارة إلى ذلك ، كلّ من الأدب و الفنّ يجب أن يقادا ، و موضوعيّا سيقادان بنظرة إلى العالم و موقف طبقة ما من طبقات المجتمع ، سواء كان الشخص الذى ينتجها واعيا لذلك أم غير واع به . و في هذا السياق ، أشار ماو إلى أنّه لأجل أن تنهض الثقافة بدور تقدّميّ و ثوريّ ، يجب أن تخدم البروليتاريا لأنّه في هذه المرحلة من تاريخ الإنسانيّة وحدها الطبقة العاملة طبقة ثوريّة تماما و وحدها الطبقة العاملة بوسعها أن تقود الجماهير الشعبيّة في التغيير التام للمجتمع . و أكّد ماو على هذا ، رغم أنّ مرحلة الثورة حينها كانت ديمقراطيّة و لم تصبح بعدُ إشتراكيّة . و فقط بقيادة الطبقة العاملة في كافة المجالات بما فيها الثقافة ، أمكن لها أن تكون ثورة ديمقراطيّة جديدة ، قادرة على إلحاق الهزيمة التامة بالإمبرياليّة و الرجعيّة المحلّية و التقدّم صوب مستقبل إشتراكي .
و في إرتباط وثيق بهذا ، طرح ماو أيضا بحدّة مسألة من أجل من . من أجل من ، سأل العاملين بالثقافة في يانان ، تنتجون أعمالكم ؟ و المسألة الأساسيّة هنا هي : هل يجب أن تكن من أجل النخبة ، هل يجب أن تكون من أجل " أناس متفوّقين " مفترضين أم يجب أن تكون من أجل الجماهير الشعبيّة ؟ و أجاب ماو أنّه يجب أن تُنتج من أجل الجماهير الشعبيّة و في الصين هي تشتمل على ليس الطبقة العاملة فحسب بل أيضا على مئات ملايين الفلاّحين و كذلك الجنود ( خاصة الجيش الثوري ) . يجب إنتاج الفنّ من أجل جماهير الشغّالين و المضطهَدين ، أوضح ماو . يجب أن تعانقه الجماهير و يجب أن تتّخذه سلاحا في نضالها .
و لتحقيق هذا ، ألحّ ماو ، على المشتغلين بالثقافة و منتجى الأدب و الفنّ أن يذهبوا إلى صفوف الجماهير و يندمجوا معها ، و يشتركوا معها في العمل ، و يساعدوها على خوض النضال ضد العدوّ . و أكّد على : " لدي مشتغلينا بالأدب و الفنّ ما يقومون به من النشاطات الأدبيّة و الفنّية ، إلاّ أنّ ما يحتلّ المقام الأوّل من نشاطاتهم هو أن يفهموا الناس و يعرفوهم معرفة جيّدة . " (22) ( صفحة 95 من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الثالث ؛ الطبعة العربيّة لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين ). لاحظوا أنّه قال إنّ ذلك ليس مجرّد مهمّة لها أهمّيتها بل مهمّة المقام الأوّل للكتّاب و الفنّانين الثوريّين .
و قال ماو إنّ الحيويّ هنا هو مسألة المثقّفين و إندماجهم مع الجماهير ، مغيّرين نظرتهم إلى العالم و متبنّين بصلابة الموقف و النظرة و المنهج الثوريّين للبروليتاريا و الماركسيّة . و في صلة بهذا وصف ماو ، في مقطع شهير ، كيف أنّ مشاعره الخاصة تجاه الجماهير تغيّرت وهو يتحوّل إلى ثوريّ . نتيجة التربية البرجوازيّة ( و حتّى الإقطاعيّة ) ، قال ماو : " عندما كنت طالبا إكتسبت في المدرسة عادات الطلبة و سلوكهم ، و كنت أحسّ بأنّه ممّا يمسّ كرامتى أن أقوم بقسط ضئيل من العمل الجسماني كحمل متاعى الخاص على مشهد من زملائى الذين يعجزون عن حمل أيّ شيء . و قد خيّل إليّ في تلك الأيّام أنّ المثقّفين وحدهم نظفاء في الدنا ، أمّا العمّال و الفلاّحون فهم على كلّ حال متّسخون بالمقارنة معهم ." (23) ( المصدر السابق ، صفحة 96)
ويسترسل ماو ليروى كيف تغيّرت مشاعره :
" ولمّا أصبحت ثوريّا و عشت بين العمّال و الفلاّحين و الجنود في الجيش الثوريّ ، بدأت أعرفهم شيئا فشيئا ، كما بدوا يعرفوننى بالتدريج . و عندئذ ، و عندئذ فقط طرأ تغيّر جذريّ على تلك المشاعر للبرجوازيّة و للبرجوازيّة الصغيرة التي غرستها في نفسي المدارس البرجوازيّة . فوجدت حينئذ ، و قد قارنت بين المثقّفين الذين لم يعيدوا تكوين أنفسهم و بين العمّال و الفلاّحين ، أنّ أولئك المثقّفين لم يكونوا نظفاء ، و أنّ أنظف الناس هو العمّال و الفلاّحون ، فهم أنظف من مثقّفى البرجوازيّة و البرجوازيّة الصغيرة ، و إن كانت أيديهم متّسخة و أقدامهم ملطّخة بروث البهائم . و هذا ما نعنيه بالتحوّل فى المشاعر ، التحوّل من مشاعر طبقة إلى مشاعر طبقة أخرى . " (24) ( المصدر السابق ، صفحة 97 )
و أكّد ماو على أنّ العاملين الثوريّين في الثقافة ينبغي أن يعرفوا الجماهير – ما هي مشاعرهم تجاه الأشياء و كيف ينظرون إلى العالم و كيف كانوا عمليّا يخوضون النضال . ينبغي أن يتعلّموا اللغة الحيّة للشعب ، و أن يتعلّموا و يزيدوا من تطوير الأعمال الثقافيّة ، و الأغاني و الموسيقى و الرقص إلخ .. التي أنتجتها الجماهير نفسها ، خاصة مع تطويرها لنضالها . في حال عدم القيام بهذا ، سينزع الأدب و الفنّ إلى أن يواجه النبذ من الجماهير الشعبيّة – لأنّه ينحو إلى أن يكون غريبا عنها، شكلا و مضمونا .
و كنموذج بارز أشار ماو إلى لو هسون ، كاتب ثوري أثناء الثورة الديمقراطيّة الجديدة تبنّى النظرة الشيوعيّة و وقف بصلابة إلى جانب الجماهير الشعبيّة مستخدما قلمه كسلاح قويّ جدّا في النضال الثوريّ إلى وفاته سنة 1936 . مدح ماو لو شيون قائلا إنّه " أعظم و أشجع حامل لراية " القوّة الثقافيّة الثوريّة الجديدة التي ظهرت في الصين غداة الرابع من ماي 1919، تمرّد مناهض للإمبرياليّة في الصين و إنتشار الماركسيّة – اللينينّة إلى ذلك البلد و تشكّل الحزب الشيوعي الصيني سنة 1921 .(25 ) ( أنظروا ماو، " حول الديمقراطيّة الجديدة " صفحة 371-373 بالأنجليزيّة ) و بصفة خاصة ، إثر غزو اليابان للصين ، عندما أضحت مهمّة خوض حرب مقاومة ضد اليابان في موقع الصدارة ، قاد لو شيون بقوّة خطّ " أدب الجماهير من أجل الحرب الوطنيّة الثوريّة " ، في تعارض مع الخطّ اليميني ل " أدب الدفاع عن الوطن " الذى لقي حظوة في صفوف أوساط أدبيّة يساريّة مؤثّرة و حتّى في صفوف الحزب الشيوعي الصيني ، و الذى مثّل خطّ إستسلام خضوع لتشان كاي تشاك . فكان ذلك صراعا طبقيّا مفتاحا في حقل الأدب و الفنّ و كان مرتبطا وثيق الإرتباط و لعب دورا هاما في الصراع الطبقي العام ضمن معسكر معارضة اليابان و ضمن الحركة الثوريّة .
فقال ماو : بهذه الطريقة و غيرها من الطرق الأخرى ، وقف لو شيون كعملاق في الجيش الثقافي الثوري في الصين . " فعلى كلّ عضو للحزب الشيوعي و كلّ ثوريّ و كلّ مشتغل ثوري بالأدب والفنّ أن يقتدي بلو شيون ، لكي يصبح " ثورا" للبروليتاريا و جماهير الشعب ، يبذل مهجته من أجلهم حتّى يلفظ آخر أنفاسه . " (26 ) ( صفحة 129 من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الثالث ؛ الطبعة العربيّة لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين )
وتناول ماو بالبحث أيضا مسألة من يجب على الفنّ أن يمدحه ومن يجب أن يفضحه و ينقده ؟ وجاء جوابه دقيقا ومناسبا :
" إنّ كلّ القوى الظالمة التي تضرّ بجماهير الشعب لا بدّ من كشفها ، و جميع النضالات الثوريّة التي تقوم بها جماهير الشعب لا بدّ من تمجيدها ، هذه هي المهمّة الأساسيّة التي تقع على عاتق الكتّاب و الفنّانين الثوريّين ." (27) ( المصدر السابق ، صفحة 122 )
لاحظوا التشديد هنا . هذه مهمّة أساسيّة للمشتغلين الثوريّين في الثقافة . ( و هذا لا يتناقض مع ما قاله ماو قبلا ، أنّ المهمّة الأوّليّة للكتّاب و الفنّانين الثوريّين هي فهم الناس و معرفتهم معرفة جيّدة ، لأنّه يتحدّث عن ما هو عامة أوّليّا ، بينما هنا يتعلّق الأمر بمهمّتهم الأساسيّة في الخلق العملي للأعمال الثقافيّة – بكلمات أخرى ، يتكلّم هنا عن المهمّة الأساسيّة للثقافة و الأدب و الفنّ بخاصة ).
عديد الناس في الحزب الشيوعي الصينيّ إعترضوا بنشاط على و عارضوا خطّ ماو حول هذه المسألة . و بالنسبة إلى البعض منهم ، كان هذا جزءا لا يتجزّأ من معارضة خطّه حول الثقافة ككلّ و في الواقع خطّه الثوريّ ككلّ . و قالوا إنّ الفنّانين الثوريّين يجب أن يكونوا " موضوعيّين " – و بهذا يقصدون عادلين . لا يتعيّن أن نمدح دائما العمّال و الفلاّحين و النضال الثوريّ ، شدّدوا ، يتعيّن كذلك أن نشير إلى الجوانب السلبيّة ، النقائص . و إن قام الرأسماليّون بشيء جيّد يجب أن نعترف بفضلهم ، و كذلك إن قام العمّال بشيء سيّء يتعيّن أن نشير إليه أيضا .
و رغم مزاعم أنّ مثل هذا الموقف " موضوعيّ " ، في الواقع هو ليس كذلك . فالقيام بالثورة البروليتاريّة يجب أن يكون نضالا واعيا جدّا ، وهو يعنى فضحا و نبذا تامين لكافة الأفكار التقليديّة ، لكافة قوّة العادات ، لكافة الطرق العاديّة و المقبولة و الطبيعيّة للقيام بالأشياء . و أن نكون " عادلين " في هذا الوضع يعنى موضوعيّا خدمة الطبقة الرأسماليّة التي تملك قوّة العادات و قوّة التقاليد إلى جانبها .
و هذه المسألة و هذا الصراع حولها ظهرا عديد المرّات في مسار الثورة الصينيّة ، ليس أثناء مرحلة الديمقراطيّة الجديدة فحسب بل حتّى بأكثر شراسة أثناء المرحلة الإشتراكيّة . مثلا ، تاو تشو ، تحريفي كان وجها بارزا في عمل دعاية الحزب الشيوعي الصيني في بداية الثورة الثقافيّة ، زعم ضمن عدّة أشياء أخرى ، أنّ كتّاب الحزب يتعيّن أن يُشيروا إلى نقائص الكمونات الشعبيّة التي أنشأت خلال النهوض الجماهيري في الريف و كانت تمثّل تقدّما أكثر للإشتراكيّة هناك . و هنا ، شأنه شأن التحريفيّين الآخرين ، كان تاو تشو يمضى مباشرة ضد الخطّ الأساسي لماو ، بما في ذلك التوجّه الأساسي الذى رسمه للثقافة . و هنا أيضا ، يمكن أن نشاهد مرّة أخرى الدور الكبير للثقافة فى خلق رأي عام لطبقة أو أخرى و الدفاع عن نظام أو آخر .
و ردّا على هذا ، ياو وان - يوان ، ثوريّ صار بارزا إبّان الثورة الثقافيّة و كان واحدا من الأربعة الذين قاتلوا ببطولة للدفاع عن خطّ ماو عقب وفاته ، ردّ بسرعة : " هناك أغنية تسمّى الكمونات الشعبيّة جيّدة . هل من اللازم تغيير هذا العنوان بجملة " للكمونات الشعبيّة نقائص " ؟ " (28) ( " تعليقات على كتابين لتاو تشو" ، دار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين 1968، صفحة 27 ، بالأنجليزيّة )
و المسألة ليست أنّ الكتّاب الثوريّين يجب أن يكذبوا و يكونوا إحاديّى الجانب . العكس بالضبط . كما شرح ياو :
" يتعيّن أن نميّز بين التيّار الأساسيّ للحياة و التيّارات الأصغر . و فقط عندما نركّز على التيّار الأساسي يكون بوسعنا أن نقدّم عرضا نموذجيّا لجوهر التقدّم الاجتماعي . توفّر التيّارات الأصغر مجرّد مقارنة نسبة إلى التيّار الأساسي و يمكن أن نستعملها لتقديم الجوهر إذ هي تشكّل مظهرا تابعا للكلّ ، و إلتواءات جزئيّة و مؤقّتة في مسار التقدّم ، لا يجب أبدا النظر إليها على أنّها المضمون الأساسيّ للحياة " . (29) ( المصدر السابق ، صفحة 26 )
طبعا ، لكلّ شيء في آن معا مظهره الجيّد و مظهره السيّء . لكن ما هو المظهر الرئيسيّ . هل هو الجديد و الحيويّ في تعارض مع القديم و المتداعى ؟ و ما هو الهدف الشامل للفنّان الثوريّ ؟ بعدُ سنة 1942 في أحاديثه في ندوة يانان ، حدّد ماو المقاربة الأساسيّة لهذه المسألة . فقال صحيح " إنّ في جماهير الشعب نقائص و عيوب أيضا . " (30) ( صفحة 122 من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الثالث ؛ الطبعة العربيّة لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين ) . أجل، وجهة نظر الطبقات المستغِلّة لها تأثيرها . و إنّها لمهمّة هامة للثقافة الثوريّة أن تدرّب الناس و تساعدهم على التخلّص من تلك الأعباء . إلاّ أنّه يجب القيام بهذا على أساس التوحّد معهم و مساندة نضالهم تمام المساندة ؛ يجب القيام بذلك على نحو يساعدهم عمليّا على التخلّص من هذه العراقيل ، و ليس الهجوم عليهم أو عدم رسم خطّ تمايز بين الناس ( المتأثّرين إلى درجة معيّنة بإيديولوجيا العدوّ و ثقافته ) من جهة و العدوّ و نظامه و إستغلاله و إضطهاده و إيديولوجيّته و ثقافته المنحطّين من الجهة الأخرى .



التعميم و رفع المستوى :

إذن إعتبارا لكون الفنّ الثوريّ يتعيّن أن يخدم الجماهير في نضالها ، المسألة التي تُثار هي ، كيف القيام بهذا ؟ و هنا مسألة حيويّة تطرّق إليها ماو في أحاديثه في ندوة يانان هي التناقض بين رفع المستوى و التعميم [ التعميم هنا بمعنى الترويج والنشر في صفوف الشعب – المترجم ] . كان ذلك مجالا قام فيه ماو بمساهمات جديدة ذات أهمّية .
كان بعض الناس يقولون إنّه بينما يُعدّ نشر الفنّ و الثقافة في صفوف الجماهير أمرا هاما ، الأشياء الأهمّ هي رفع مستوى الفنّ الثوريّ – بكلمات أخرى ، إنّ الفنّ و الأدب كانا بدائيّين جدّا و مملّين و قوالب جاهزة إلخ . إلاّ أنّ ماو عارض بوضوح و حدّة هذه النظرة . فقال إنّ التعميم شعبيّا للفنّ و الثقافة عامة في صفوف الجماهير الواسعة ، كجزء مفتاح من النضال الثوريّ الشرس العام المحتدم آنذاك ، هو المظهر الرئيسيّ .
و أكثر حيويّة ما قاله ماو حول الصلة المتبادلة بين المظهرين ، و علاقة كامل المشكل بمهمّة العاملين في ميدان الثقافة في الإندماج مع الجماهير و التعلّم منها :
" إنّما يجب علينا أن نعمّم ما يحتاج إليه العمّال و الفلاّحون و الجنود أنفسهم و ما يستسيغونه . لذا فقبل أداء مهمّة تثقيف العمّال و الفلاّحين و الجنود يوجد واجب التعلّم منهم . و هذا ينطبق بصورة أكثر على مسألة رفع المستوى . فإنّ رفع المستوى لا بدّ له من أساس . مثلا ، إذا كان أمامك دلو مملوء بالماء ، فهل ترفعه من الهواء بدلا من أن ترفعه من سطح الأرض ؟ إذن ، على أيّ أساس يبدأ رفع الأدب و الفنّ ؟ من أساس الطبقة الإقطاعيّة ؟ من أساس البرجوازيّة ؟ من أساس مثقّفى البرجوازيّة الصغيرة ؟ كلاّ ، ليس من أيّ أساس من هذه الأسس ، إنّما يجوز أن نبدأ من أساس جماهير العمّال و الفلاّحين و الجنود . و لا يعنى هذا رفع مستوى العمّال و الفلاّحين و الجنود إلى ذلك " المستوى " ، مستوى الطبقة الإقطاعيّة و البرجوازيّة و مثقّفى البرجوازيّة الصغيرة ، بل يجب أن يسير رفع المستوى في الإتّجاه الذى يتقدّم فيه العمّال و الفلاّحون و الجنود ، في الإتّجاه الذى تتقدّم فيه البروليتاريا . ههنا تبرز لنا مهمّة التعلّم من العمّال و الفلاّحين و الجنود . و لا نتمكّن من الفهم الصحيح للتعميم و رفع المستوى و لا من الإهتداء إلى العلاقة السليمة بينهما إلاّ إذا إتّخذنا العمّال و الفلاّحين و الجنود نقطة إنطلاقنا . " (31) ( صفحة 106 من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الثالث ؛ الطبعة العربيّة لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين )
بعبارات أخرى ، يجب على الفنّ الثوري و الثقافة الثوريّة أن يشيّدا على ما قد أبدعته بعدُ الجماهير – طرقها الحيويّة الخاصة في الخطاب و التعبير ، على سبيل المثال ، و الأغاني و الرقصات و الموسيقى و الحكايات الفلكلوريّة التي نبعت من الشعب . هذه نقطة الإنطلاق . و ما هو الإتّجاه ؟ إنّه الإتّجاه الذى تتقدّم فيه بعدُ الجماهير الشعبيّة في النضال ، الإتّجاه الذى تتّبعه بعدُ و يجب أن تتّبعه – إتّجاه الإشتراكيّة و الشيوعيّة .
و في الوقت نفسه ، لاحظ ماو أنّه من الضروريّ إنتاج بعض الأعمال الأدبيّة و الفنّية بصفة خاصة لتلبية الحاجيات الثقافيّة للكوادر . و قال ماو إنّ هذا يجب بالضرورة أن يكون أعلى مستوى من الأعمال المنتجة الموجّهة إلى الجماهير العريضة، بما أنّ الكوادرعامة حصّلوا مستوى تعليميّا أكبر من الجماهير وهم في الواقع العاصر المتقدّمة سياسيّا من الجماهير . بيد أنّ مثل هذا الأدب و الفنّ للكوادر يجب أن يستمرّ في خدمة الهدف الأساسي لإستنهاض الجماهير و تنويرها لتناضل بأكثر وعي و تصميم من أجل الهدف الثوريّ . و قد شرح ماو جدليّة ذلك كما يلى :
" إنّ كلّ عمل في سبيل الكوادر هو تماما في سبيل الجماهير أيضا ، إذ لا يمكن تثقيف الجماهير و إرشادها إلاّ بواسطة الكوادر . و إذا ما شططنا عن هذا الهدف ، و إذا كان ما نقدّمه إلى الكوادر لا يساعدهم على تثقيف الجماهير و إرشادها ، فإنّ عملنا من أجل رفع المستوى سيكون مثل إطلاق السهام بلا هدف ، و سيكون قد حاد عن المبدأ الأساسيّ مبدأ خدمة جماهير الشعب . " (32) ( المصدر السابق ، صفحة 111 )

القطيعة الراديكاليّة في مجال الثقافة :

لماذا يقول ماو إنّ رفع المستوى لا يعنى بشكل خاص رفع الجماهير إلى ما يسمّى " المستويات العالية " للطبقات الإقطاعيّة و البرجوازيّة و المثقّفين البرجوازيّين الصغار ؟ ماذا يعنى هنا و ما هي أهمّية هذا ؟
كان هذا يتعارض مباشرة مع خطّ أنّ المهمّة في العمل الثقافي تتقوّم في " رفع " الجماهير إلى حيث تستطيع بشكل صحيح أن تقدّر الأعمال الكلاسيكيّة ل " الرجال العباقرة " للعصور الماضية . هذا إلى جانب موقف أنّ العصر الراهن و النظام الإشتراكيينبغى أن يُنتج " مجرّة " من " الرجال العباقرة " الجدد الذى هو تحديدا خطّ التحريفيّين – في الإتّحاد السوفياتي و في الصين ذاتها بما في ذلك التحريفيّين الذين يحكمون الصين اليوم – و الذين هاجموا بلا هوادة خطّ ماو ليس بصدد الثقافة عامة فحسب بل خاصة بصدد هذه النقطة المتّصلة بمعنى " رفع المستوى " . هنا المعنى جوهريّا هو ما إذا كانت أم لا ثقافة البروليتاريا و منها الأدب و الفنّ ، تمثّل و يجب أن تمثّل شيئا مختلفا نوعيّا عن – و متقدّما أبعد من – جميع الثقافات السابقة . و أجاب ماو بالتأكيد بنعم ، أمّا التحريفيّون جميعهم ، بطريقة أو أخرى ، فأجابوا بالأساس بلا . و ما كان ماو يستند إليه و يطبّقه هو الفهم الذى قدّمه ماركس و إنجلز في " بيان الحزب الشيوعي " : إنّ الثورة الشيوعيّة تقطع من الأساس كلّ رابطة مع علاقات الملكيّة التقليديّة ؛ فلا عجب إذن إن هي قطعت بحزم أيضا ، أثناء تطوّرها ، كلّ رابطة مع الأفكار و الآراء التقليديّة .
و أكيد أنّ هذا ينسحب على مجال الثقافة . ليس ممكنا إنجاز الثورة الإشتراكيّة و الإنتقال إلى الشيوعيّة دون خلق ثقافة جديدة تماما بما فيها أدب و فنّ ، تقدّم لأوّل مرّة في التاريخ نظرة البروليتاريا و تروّج لمصالحها في الإطاحة بكلّ ما هو رجعيّ و تقوم بتثوير المجتمع بأكمله . لا يمكن فعل هذا بما يُفترض من رفع الأعمال " الكلاسيكيّة " من الفنّ " فوق الطبقة " و التعاطى معها على أنّها قمّة ما يمكن بلوغه و الذى يجب " رفع " " الرعاع الجهلة " من الجماهير لتقديسها . و كذلك لا يمكن فعل ذلك بخلق ما يفترض أنّه أعمال بروليتارية للفنّ بإستخدام مناهج الطبقات المستغِلّة و مثقّفيها : التعويل على قلّة من " الرجال العظماء " المنفصلين عن الجماهير و عن نضالاتها الثوريّة . بدلا من ذلك ، يجب القيام بالأمر بالتعويل على و التعلّم من و إطلاق العنان و تطوير إبداع و خلق الجماهير ذاتها ، في ظلّ قيادة الماركسيّة .
هل يعنى هذا و هل كان موقف ماو أنّه يتعيّن إنكار جميع الفنّ و الثقافة من العصور السابقة إنكارا عشوائيّا أم ببساطة أن نضعها جانبا على أنّها عديمة الفائدة أو ضارة ؟ بالتأكيد لا . ينبغي تطبيق الماديّة التارخّة لتقييم دور مثل هذه الأعمال . و تلك التي لعبت دورا تقدّميّا في العصور السابقة يتوجّب الفاع عنها في ذلك الإطار ، بينما مع ذلك لا يتوجّب الإخفاق أبدا في الإشارة إلى التحيّز و الحدود الطبقيّين . و على هذا الأساس ، يمكن لمثل هذه الأعمال أن تُستخدم كجزء من تربية الجماهير على الماديّة التاريخيّة ، طالما أنّ هذا يجرى من وجهة نظر و يرتبط بالتحليل المنهجي لمثل هذه الأعمال بواسطة علم الماركسيّة . و أبعد من ذلك ، بعض الأدوات الفنّية يمكن تبنّيها من أعمال تمثّل نظرة و مصالح طبقات و أنظمة سابقة إستغلاليّة ، لكن هذا عامة يلزم أن يتأقلم كذلك لينسجم مع الطابع الثوري للفنّ البروليتاري – بما أنّ الشكل يتداخل مع المضمون .
و تكلّم ماو عن هذا في أحاديثه في ندوة يانان فأعرب عن التالى :
" أمّا التركة الغنيّة و التقاليد الممتازة للأدب و الفنّ في الصين و البلدان الأجنبيّة في العصور السالفة فنحن لها وارثون ، و لكن الغرض من ذلك هو أيضا خدمة جماهير الشعب . و كذلك ، إنّنا لا نرفض الإستفادة من الأشكال الأدبيّة و الفنّية الماضية ، و لكنّنا حين نأخذها ، نعيد صياغتها و ندخل عليها محتويات جديدة ، فتتحوّل إلى أشياء ثورية تخدم الشعب ." (33) ( صفحة 101 من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الثالث ؛ الطبعة العربيّة لدار النشر باللغات الأجنبيّة، بيكين )
و قد وقع تلخيص هذا ، بقيادة ماو ، في شعارات طُبّقت في الثقافة و كذا في غيرها من الحقول : " لنجعل الماضى يخدم الحاضر و الأشياء الأجنبيّة تخدم الصين " و " لنجعل القديم يخدم إنشاء الجديد " .
و كجزء من الخطّ الأساسي لهذا ، يجب أن يُدرك أنّ حتّى الأعمال التي كانت تقدّميّة وقتها – في عصور تاريخيّة سابقة – لم تلعب دورا تقدّميّا في هذا العصر تحديدا إذا وقع تقديمها بلا نقد و عرضها على أنّها " كلاسيكيّات " لاطبقيّة أو حتّى عرضُها دون نقدها نقدا ماركسيّا منهجيّا و تربية الجماهير بشأن مضمونها الطبقي و كذلك دورها التاريخي . و هنا مرّة أخرى ، يجب التشديد على أنّ قوّة العادة و وزن التقاليد الثقيل تعمل لصالح الطبقات المستغِلّة و ضد البروليتاريا . كافة هذه الأعمال الفنّية للعصور السابقة الممثّلة لموقف الطبقات المستغِلّة و مصالحها ، عفويّا ، ستؤثّر على الجماهير في إتّجاه معارض للنظرة البروليتاريّة إلى العالم و مصالحها الثوريّة الخاصة ، و في مثل هذه الأحوال ، ستلعب دورا رجعيّا . و مجدّدا ، إذا كان إستخدام هكذا أعمال ممزوجا بالتربية المنهجيّة في ما يتعلّق ليس بدورها التاريخي فقط بل أيضا بمضمونها الطبقي ونظرتها الطبقيّة إلى العالم ، وفقط إذا كانت الأخيرة تُنقد نقدا شاملا بينما الأولى تفسّر في ضوء الماديّة التاريخيّة ، فقط حينها يمكن أن تلعب نوعا من الدور الإيجابي في الثورة البروليتاريّة .
و أبعد من ذلك ، ما من عمل من هذه الأعمال مهما كان عظيما فى عصره الخاص يمكن أن يقارن بأيّة طريقة بالإبداعات الثقافيّة الثوريّة التي تحقّقت في هذا العصر في ظلّ قيادة البروليتاريا الثوريّة و إيديولوجيّتها . عند تقييمها مقارنة بمثل هذه الأعمال البروليتاريّة للفنّ ، كلّ الأعمال السابقة باهتة . و بمعزل عن أدواتها الفنّية ، لا يمكن أبدا أن تصوّر قوّة عظيمة نضالات الجماهير الشعبيّة لتحرير نفسها في ظلّ قيادة الطبقة الأكثر ثوريّة في التاريخ . فقط الثقافة التي تقودها نظرة و خدمة مصالح هذه الطبقة ، البروليتاريا ، يمكن أن تتسلّق هذه المرتفعات .
و تتركّز مساهمة ماو في مجال الثقافة فى هذه النقطة بوجه خاص ، ممثّلة مزيد التقدّم إلى أبعد من ما سبق من النظريّة و المماسة الماركسيّة و البروليتاريّة في هذا المجال . و بالضبط في ظلّ قيادة الخطّ الثوري لماو ، خلق الشعب الصيني أعمالا فنّية تمثّل القمّة التي بلغتها الإنسانيّة بعدُ في الثقافة .

الفنّ كبؤرة تركيز الصراع الثوريّ

و مرّة أخرى ، يتعيّن التشديد على أنّ ماو طوّر هذا الخطّ و قام بهذه المساهمات تحديدا من خلال الإبقاء أعلى من كلّ شيء مظهر الموقف الطبقي في الفنّ و الثقافة . هذا ما ألحّ عليه ماو مرارا و تكرارا كما قال في أحاديثه في يانان :
" إن كلّ ثقافة أو كلّ أدب و فنّ في عالمنا اليوم يتبع طبقة معيّنة و خطّا سياسيّا معيّنا . و ليس هناك في الواقع فنّ من أجل الفنّ ، أو فنّ فوق الطبقات ، أو فنّ مواز للسياسة أو مستقّل عنها . " (34) ( المصدر السابق ، صفحة 114 )
هذا هو جوهر و لبّ كامل التوجّه الأساسيّ لماو . فالفنّ إرتبط على الدوام بطبقة محدّدة ، وهو أيضا غير منفصل عن السياسة و عن الصراع الطبقيّ .
و الآن بهذا ، طبعا ، لم يقصد ماو أنّ الفنّ و الثقافة هما ذاتهما سياسة أو يتماهيان مع الصراع الطقي بأيّ شكل آخر ، و أنّه لا وجود لدور للفنّ و الثقافة لذاته و في حدّ ذاته . العكس بالضبط . و شدّد ماو على أنّ هناك في الواقع التناقض بين المضمون السياسي و الشكل الفنّيّ ، و أنّه ليكون العمل الفنّيّ عملا ثقافيّا يجب أن يكون طبعا جيّدا تقنيّا ، يجب أن يمتلك شكلا خاصا و مناسبا ، و يجب التعبير عن مضمونها على هذا النحو . و قد نقد بوجه خاص وجود الحزب الشيوعي و ضمن الثوريّين وقتها لما يسمّى " أسلوب الملصقة و الشعار " للفنّ ، و لكي ينهض الفنّ بدوره كفنّ و ينهض بدور ثوريّ، يجب أن يكون جيّدا فنّيا . يجب أن يقوم بالوظيفة التي تبحث عنها الجماهير و ترغب فيها من جانب الفنّ ، و إلاّ لن تقدر على الإضطلاع بدور ثوريّ .
لكن ، إذن ، عن ماذا يبحث الناس فى الفنّ ؟ لماذا رغم أنّ الفنّ يتأتّى من الحياة نفسها ، ليس الناس ببساطة راضين بالحياة، بل يطالبون كذلك بالفنّ ؟ أجاب ماو بأنّه من جهة ، رغم أنّ " الأعمال الأدبيّة و الفنّية ، كأشكال إيديولوجيّة ، هي إنتاجات إنعكاس الحياة في دماغ الإنسان في مجتمع معيّن " ، و من الجهة الأخرى ،
" الحياة التي تنعكس في الأعمال الأدبيّة و الفنّية ، يمكن بل يجب أن تكون على مستوى أرقى من الحياة اليوميّة الواقعيّة و اكبر قوّة و أكثر تركيزا و أروع نموذجيّة و أقرب إلى المثل الأعلى ، و بالتالى فهي أكثر شمولا منها ." (35) ( المصدر السابق ، صفحة 109 )
هذا ما يعنيه أن يكون فنّا . العمل الفنّيّ يجب أن يكون أكثر شدّة و تكثيفا من الحياة نفسها ؛ لا يمكن أن يعكس بسلبيّة الحياة؛ المسرحيّة ، الرواية ، الأغنية إلخ لا يمكن ببساطة أن تعكس حياة شخص لحظة بلحظة – لن تكتسي أهمّية . يجب على الفنّ أن يكثّف و يشدّد الحياة ، يجب أن يرفعها إلى مستوى أعلى .
لكن كلّ تكثيفات الحياة ليست متشابهة و لا تخدم المصالح عينها . و يُثير هذا مسألة الحقيقة و الواقع . و الكتّاب و النقّاد البرجوازيّون ( أو على الأقلّ أولئك الذين لا زالوا يزعمون الواقعيّة ) يقولون : " حسنا ، يمكن للفنّ الثوري أن يكون أكثر مثاليّة إلاّ أنّ فنّنا أصدق مقارنة بالواقع . و مع ذلك ، في الواقع ، الحال هو العكس بالضبط . كلّ الفنون تعبّر عن بعض مظاهر الواقع ، بالضبط لأنّها إنتاج إجتماعي . لكن الفنّ البرجوازيّ لا يمكن إلاّ أن يصوّر ، في أفضل الأحوال ، سطح الأشياء ، في حين أنّ الفنّ البروليتاري الثوريّ يمكن أن يبيّن الجوهر الكامن ، الحقيقة الفعليّة . لا يمكن للفنّ البرجوازيّ إلاّ أن يُكثّف ما هو بصدد الموت ؛ و اليوم الفنّ البروليتاري وحده يمكن أن يكشف ما هو جديد و صاعد .
و مثلما تمّت الإشارة إلى ذلك قبلا ، لا وجود لتجانس بين واقع أنّ الفنّ الثوري متحزّب و أنّه يصوّر الواقع ، و لا بين واقع أنّه سلاح في نضال الجماهير و أنّه صحيح . ذلك أنّه كما قال ماو في عمل شهير آخر :
" يعتبر الماركسيّون أنّ الممارسة العمليّة التي يباشرها الإنسان في المجتمع هي وحدها المقياس الذى يختبر به ما إذا كانت معرفة الإنسان بالعالم الخارجي...إذا أردت إكتساب المعرفة فلا بدّ أن تشارك في الممارسة العمليّة التي تهدف إلى تغيير الواقع ." (36) ( " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الأوّل ، صفحة 433 و 439 ؛ الطبعة العربيّة لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين )
واقع أنّ عملا فنّيا ينتج كجزء من الممارسة الثوريّة ، و يُستعمل للمساعدة في تغيير الواقع ، لا يعنى أنّه يعكس الحقيقة – لأنّه في الواقع لا يمكن للحقيقة إلاّ أن تُعكس عبر سيرورة غير الواقع ، و الحقائق الأعمق و الأكثر أساسيّة حول التاريخ و المجتمع و البشر لا يمكن بلوغها إلاّ من خلال سيرورة تغيير الواقع تغييرا ثوريّا .
عندئذ ، ماذا يفعل الفنّ الثوريّ ؟ يلخّص ماو ذلك بإقتضاب : " على الأدب و الفنّ الثوريّين أن يخلقا شخصيّات مختلفة من الحياة الواقعيّة لمساعدة الجماهير على دفع التاريخ إلى الأمام ." (37) ( " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الثالث ، صفحة 109 ؛ الطبعة العربيّة لدار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين )
في علاقة بمهمّات المشتغلين في الثقافة ، و بوجه خاص في علاقة بالنقد الأدبيّ و الفنّي . و عالج ماو كذلك العلاقة الجدليّة بين السبب و النتيجة في تقديم العمل الفنّيّ . قال إنّ النتيجة كانت المظهر الرئيسيّ و ، في آخر التحليل ، معيار تقييم السبب. لكنّه حذّر ضد الميتافيزيقا في مقاربة هذه المسألة : أشار إلى أنّ المثاليّين يجهلون النتيجة بينما ينظرون فقط في السبب ، غير أنّ الماديّين الميكانيكيّين يخطئون أيضاف ى النظر فقط فى النتيجة و ليس في السبب . في تعارض مع هذا ، أوضح ماو :
" إنّنا ماديّون ديالكتيكيّون ندعو إلى الوحدة بين الدافع و الأثر . فدافع خدمة الجماهير لا ينفصل عن أثر كسب رضاها ، و من الضروريّ أن نوحّد بين الإثنين . إنّ دافع خدمة الجماهير حسنا إذا لم يأت بأثر يكسب رضى الجماهير و يفيدها . و نحن حينما نفحص النيّة الذاتيّة لدى كاتب ما ، أي نفحص دافعه لمعرفة ما إذا كانت هذه النيّة سليمة و طيّبة أم لا ، لا نحكم عليها وفقا لبيانات الكاتب بل وفقا لأثر نشاطاته ( أهمّها إنتاجه ) على الجماهير في المجتمع . " (38 ) ( المصدر السابق ، صفحة 118 )
و طبعا ، لا شيء من هذا يعنى أنّ أيّ عمل أدبيّ و فنّي ، كي يلعب دورا إيجابيّا ، عليه أن يكون ثوريّا بالتمام أو يعكس بالتمام نظرة البروليتاريا . و بالفعل ، يمكن أن توجد و قد وُجدت أعمال تقدّميّة كانت نتيجتها الموضوعيّة أساسا دفع الجماهير إلى الأمام في الصراع ضد العدوّ الأساسي ، حتّى مع أنّ الكاتب أو الكاتبة ، الفنّان أو الفنّانة ليس شيوعيّا / ليست شيوعيّة . و كان من الصحيح البحث عن الوحدة مع و التأثير على مثل هؤلاء الناس . لكن ، تحديد القيام بهذا ، و كذلك لتحقيق الهدف الأساسي لخلق أعمال تقودها النظرة البروليتاريّة لتلبية حاجيات الجماهير ( و الكوادر ) بالمعنى الأتمّ ، كان من الضروريّ للعاملين بالثقافة الثوريّة أن يتبنّوا التوجّه الذى رسمه ماو في أحاديث ندوة يانان و إنتاج على هذا الأساس لأدب و فنّ يمكن أن " يساعدا الجماهير على دفع التاريخ إلى الأمام " بالطريقة الأشمل و يمكن أن تخدم كنماذج .

الصراع حول الجبهة الثقافيّة في الجمهوريّة الشعبيّة

و لم يحقّق خطّ ماو ، الخطّ البروليتاري ، حول الفنّ و الأدب و الثقافة عامة الظفر في صفوف الحزب الشيوعي الصيني و الحركة الثوريّة دون صراع . كان لزاما بإستمرار و بشراسة القتال طوال مسار الثورة الصينيّة . كان هذا صحيحا سنة 1942 و حتّى أكثر مع تقدّم الثورة الصينيّة ، مع كنس الطبقات المستغِلّة القديمة و دخلوا المرحلة الإشتراكيّة مع تأسيس الجمهوريّة الشعبيّة سنة 1949 . و أكثر من ذلك ، في حين أنّ أحاديث ندوة يانان رسمت التوجّه الأساسي ، كانت هناك حاجة إلى تطوير هذا الخطّ مع تقدّم النضال من مرحلتها الأولى ، مرحلة الثورة الديمقراطيّة الجديدة ، إلى مرحلة الثورة الإشتراكيّة . و هكذا كان يجب أن يُدافع عن خطّ ماو و يُعمّق من خلال تطبيقها على الظروف الجديدة ، مع تطوّر الثورة الصينيّة .
مثلا ، سنة 1951 ، كتب ماو إفتتاحيّة ( أو جزءا من الإفتتاحيّة ) ليوميّة الشعب ينادى فيها بنقد شريط " حياة يوهيسون" الذى كان يروّج له زمنها . فهذا الشريط الرجعيّ كان يمدح بسفور هذا الرجل الذى كما قال ماو ، " وهو يعيش كما كان يعيش مع نهاية حكم سلالة تشنغ في عصر صراع كبير للشعب الصيني ضد المعتدين الأجانب و الحكّام الإقطاعيّين المحلّيين [ عاش يو من 1838- 1896] ، لم يحرّكوا ساكنا ضد البنية الإقتصاديّة و البنية الفوقيّة الإقطاعيّة " (39) و كون مثل هذا الشريط لم يُعرض وقتها فقط بل لقي مديحا مسرفا بما في ذلك من أعضاء بارزين من الحزب ، كانت تشير إلى أنّ الصراع الطبقي كان فعلا حادا جدّا و أنّ القوى البرجوازيّة كانت تشنّ هجمات شديدة مستخدمة الثقافة كأداة هامة في ذلك .
أو مرّة أخرى ، وُجدت سنة 1954 ، رسالة صاغها ماو ، رسالة حول دراسة " حلم الغرفة الحمراء " وهي رسالة إلى المكتب السياسي للجنة المركزيّة للحزب ، وهي قد شملت نصّين نقديّين لشابين بشأن " حلم الغرفة الحمراء " ، و تقييم مثقّف برجوازيّ ، يو بينغ - بو و علّق ماو على كيف أنّ هذه الأبحاث التي تبدو صحيحة في الأساس قد إستُعبدت بدلا من أن ترحّب بها الأوساط الأدبيّة . (40) ( ماو تسى تونغ ، " رسالة حول دراسة " حلم الغرفة الحمراء " ؛ المجلّد الخامس من " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، ص150-151 ، بالأنجليزيّة )
و كشف هذا الحادث الصراع الطبقيّ الكامن المتواصل بحدّة كبيرة و كيف تمظهر ذلك في ميدان الثقافة . و بالفعل دلّل هذا الحدث على أنّه مجرّد تمهيد لصراع مروحته عريضة جدّا بالفعل – مسألة هو فانغ .
كان هو فانغ عضوا في الحزب و وجها من المثقّفين . و رغم عضويّته في الحزب ، لم يتحوّل أبدا عمليّا ماركسيّا – لينينيّا، و في الواقع تبنّى الفرديّة البرجوازيّة للكتّاب و الفنّانين و عارض وضع السياسة في مصاف القيادة في الفنّ . و في أواسط خمسينات القرن العشرين ، بدأ في تنظيم مجموعات معارضة بوجه خاص في الجامعات .
و في أواخر 1954 ، أخذت فدراليّات الفنّانين و الكتّاب في الصين في نبذ أخطاء السلطات الأدبيّة بشأن نقد تقييم يو بينغ -بو ل " حلم الغرفة الحمراء " مستغلاّ فرصته ، طفق هو فانغ ينقد الحزب الشيوعي ل " إستبداده " في الفنّ . عقب صراع معه ، قدّم نقدا ذاتيّا منافقا في جانفي 1955، لكن عمليّا عاد إلى تنظيم زمرته من المعارضين الرجعيّين بحماس أكبر حتّى. و عندما تمّ تسليط الضوء على هذا ، نظّم ماو حملة ليس ضد هو فينغ فحسب بل لإجتثاث المعادين للثورة عموما . و كجزء من هذا تمّ نشر كتاب " مواد حول زمرة هو فينغ المعادية للثورة " ، و كان ماو ناشره و ساهم فيه بمقدّمة و كذلك بهوامش للناشر .(41) ( المصدر السابق ، صفحة 176-182 )
في تمهيده ، عالج ماو مسألة لماذا يجرى نشر هذه المواد و ما أهمّية النضال ضد هو فينغ تتمثّل في :
" تحتاج الجماهير كثيرا لهذه المواد . كيف يستعمل المعادون للثورة تكتيكاتهم المخادعة ؟ كيف ينجحون في تضليلنا بمظاهرهم الخدّاعة ، بينما يقومون خلسة بالأشياء التي بالكاد ننتظرها ؟ كلّ هذا غير مفهوم لدي آلاف و آلاف الناس ذوى النوايا الحسنة . على هذا الحساب ، شقّ عديد المعادين للثورة طريقهم إلى صفوفنا . نجاح إكتشاف العناصر السيّئة و التخلّص منها يرتهن بمزيج من الإرشاد الصحيح من الأجهزة القياديّة مع درجة عالية من الوعي السياسي من جهة الجماهير ، لكن في هذا الصدد عملنا في الماضي لم يكن دون نقائص . " (42) ( المصدر السابق ، صفحة 177-178 )
بإختصار ، ، كما لخّص ماو ، " نولى أهمّية لوضع هو فينغ لأنّنا نودّ أن نستخدمه لتربية الجماهير الشعبيّة ." (43) ( المصدر السابق ، صفحة 178 )
و هذا الحال يبرز على الأقلّ نقطتين هامتين . أوّلا ، تبيّن الترابط الوثيق للمسائل و الصراعات في مجال الأدب و الفنّ مع الصراع الطبقي في المجتمع عامة . و ثانيا ، يجسّد تلخيص ماو و تحرّكه في هذه الحال كيف أنّ النضالات في هذا المجال يمكن أن تخدم كأرضيّة حيويّة لتدريب الجماهير في خوض الصراع الطبقيّ بوجه خاص في ظلّ الظروف الجديدة للإشتراكيّة.
و في السنوات العديدة التالية ، إشتدّ أكثر الصراع الطبقيّ في الصين في نفس وقت تطوّر الأحداث و في عدد في البلدان الأوروبيّة الشرقيّة الأخرى وُجدت إضطرابات جدّية معادية للثورة جلبت إليها فئات لها دلالتها من الجماهير ، لاعبة على الغضب ضد النزعات البيروقراطية و عيوب أخرى فى الحكم و علاقاتها بالناس و قد شجّعهم هذا ، اليمينيّون في الصين ، مع مثقّفين برجوازيّين لم تُعد تربيتهم ينهضون بدور مؤثّر ، شنّوا هجوما صلب الحزب الشيوعي الصيني والدولة الإشتراكيّة، و كذلك إضطرابات مثيرة . و في هذا الإطار ، في بدايات 1957 ، وُضعت سياسة " دع مائة زهرة تتفتّح و مائة مدرسة تتبارى " .
" مئة زهرة "

وقع تقديم هذا كسياسة طويلة الأمد " تحفزإنطلاق الفنّ و تقدّم العلم ، و تحفز إزدهار الثقافة الإشتراكيّة في أرضنا " ، كما شرح ماو (44) ( " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات في صفوف الشعب " ، دار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين ، بالعربيّة ، صفحة 34 ) . كان ماو و الحزب الشيوعي الصيني يتّبعون مثل هذا الخطّ الذى حاجج من أجله ستالين لمّا لاحظ أنّه " عامة ما يتمّ الإقرار بأنّه لا يمكن لأيّ علم أن يتطوّر و يزدهر دون معركة آراء ، دون حرّية النقد ." (45) ( ستالين، " الماركسيّة و قضايا علم اللغة " دار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين ، صفحة 29 ، بالأنجليزيّة ) أو كما وضع ذلك ماو ، موسّعا هذا التقييم أبعد من العلم إلى الفنّ أيضا :
" نحن نعتبر أنّ الترويج القسريّ لهذا الأسلوب أو لهذه المدرسة ، و تحريم ذلك الأسلوب أو تلك المدرسة ، بقوّة السلطة الإداريّة ، هو عمل يضرّ بنموّ الفنّ و العلم . إنّ مسألة الصواب و الخطأ في الفنّ و في العلم ينبغي أن تُحلّ عن طريق نقاش حرّ بين أوساط الفنّانين و العلماء و عن طريق ممارسة الفنّ و العلم . " (46) ( " حول المعالجة الصحيحة للتناقضات في بين صفوف الشعب "، دار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين ، 1966 ، بالعربيّة ، صفحة 34 )
لكن ، طبعا ، يعنى هذا الصراع بين أشكال الفنّ و مدارس العلم . و أكّد ماو بُعيد الموقف أعلاه بقليل أنّ هذا جزء من الصراع الطبقي العام في المجتمع الإشتراكي :
"النضال الطبقي لم ينته بعدُ. إنّ النضال الطبقي بين البروليتاريا و البرجوازيّة ، و النضال الطبقي بين مختلف القوى السياسيّة ، و النضال الطبقي بين البروليتاريا و البرجوازيّة في الحقل الإيديولوجي ، كلّ ذلك ما برح طويلا ذا مدّ و جزر، وهو في بعض الأحيان نضال عنيف جدّا . إنّ البروليتاريا تجهد إلى تحويل العالم أيضا وفق مفهومها عن العالم . فمسألة من سينتصر و من سينكسر ، أهي الإشتراكيّة أم الرأسماليّة ، لم تجد حلّها الحقيقيّ بعدُ في هذا الميدان ...
إنّ النزاع بين الإشتراكيّة و الرأسماليّة في بلادنا ، على الصعيد الإيديولوجي ، لا يزال يتطلّب وقتا طويلا و بعد ذلك فقط يتقرّر المصير ." (47) ( المصدر السابق ، صفحة 35-36 + صفحة 18-19 من " مقتطفات من أقوال الرئيس ماو تسى تونغ " ، بالعربيّة ، نسخ و تقديم و ملاحق لشادي الشماوي ، مكتبة الحوار المتمدّن )
لذا كانت هذه السياسة طريقة لخوض الصراع الطبقيّ . طبعا ، كما أشار ماو ، هذان الشعاران بذاتهما و في حدّ ذاتهما ليس لهما طابع طبقي – يعنى ، يمكن إستعمالهما بطبيعة الحال بطرق متعارضة من قبل طبقات متعارضة . ستكون للبروليتاريا معاييرها الخاصة للحكم على الأشياء التي تظهر للتمييز ، كما قال ماو ، بين الزهور العطرة والزهور السامة . و يُشير ماو إلى العديد من هذه المعايير ، و أهمّها أن تكون مفيدة للتغيير الإشتراكي و أن تساعد في توطيد الدور القياديّ للحزب الشيوعيّ .
بكلمات أخرى ، ليست كلّ فكرة أو عمل فنّيّ التي تطلّ برأسها في ظلّ هذه السياسة ستكون زهرة متفتّحة . و بعضها سيكون بذورا ضارة ، و يجب إقتلاعها . لكن الواقع أنّ بعض البذور ظهرت في ظلّ هذه السياسة لا يعنى أنّها سيّئة . بالعكس . و ذلك أوّلا لأنّ مثل هذه البذور يجب أن تظهر على أيّ حال : " البذور ستنمو حتّى بعد عشرة آلاف سنة من الآن و لذلك يجب أن نستعدّ لخوض النضالات طوال ذلك ." (48) ( ماو تسى تونغ ، " خطابات في ندوة الكتّاب العامّين " ، " مؤلّفات ماو تسى تونغ المختارة " ، المجلّد الخامس ، صفحة 359 ، بالأنجليزيّة ) بصيغة أخرى ، ستُوجد أفكار سيّئة و ضارة في ظلّ الإشتراكيّة لفترة زمنيّة طويلة [ و حتّى في ظلّ الشيوعيّة ] . و يجب إعداد البروليتاريا و الجماهير الشعبيّة لخوض صراع مصمّم و مستمرّ ضدّها .
لكن إلى جانب هذا ، سياسة دع مئة زهرة تتفتّح و مئة مدرسة فكريّة تتبارى ستكون عادة مفيدة في ظهور هذه الأفكار إلى العلن حتّى يمكن قتالها و إجتثاثها . و في الواقع هذا ما حصل سنة 1957 . و بالفعل إستغلّ اليمينيّون البرجوازيّون في الصين الفرصة المتوفّرة لهم من خلال هذه السياسة و شنّوا هجوما كبيرا . و حينها إغتنمت البروليتاريا و حزبها هذه الفرصة للتصدّى لهذا الهجوم و تحطيم هؤلاء الرجعيّين .
فإشتكى بعض اليمينيّين من أنّهم خُدعوا ( وهو موضوع كرّره عديد الأكاديميّين البرجوازيّين الصينيّين أيضا ) لكن ماو شرح :
" يقول بعض الناس إنّ ذلك كان مخطّطا سرّيا . نقول إنّه كان مخطّطا علنيّا . لأنّنا أوضحنا إلى العدوّ مقدّما : فقط عندما يُسمح للأشباح و الوحوش بالظهور إلى العلن يمكن كنسها ؛فقط عندما يُسمح للبذور السامة بأن تبزغ من الأرض يمكن إجتثاثها . ألا يزرع الفلاّحون عدّة مرّات في السنة ؟ إضافة إلى ذلك ، يمكن إستعمال البذور التي تمّ إجتثاثها كسماد . سيبحث الأعداء الطبقيّين دائما عن فرص لتؤكّد نفسها . لن يقبلوا بخسارة سلطة الدولة و مصادرة أملاكهم . و مع ذلك ، كثيرا ما حذّر الحزب الشيوعي أعداءه مسبّقا و جعل إستراتيجيّته الأساسيّة معروفة لهم ، إلاّ أنّهم يشنّون هجمات . الصراع الطبقي واقع موضوعيّ ، مستقلّ عن إرادة الإنسان . و هذا يعنى أنّ الصراع الطبقي حتميّ . لا يمكن تجنّبه حتّى و إن أراد الناس تجنّبه . و الشيء الوحيد للقيام به هو الإستعمال على أفضل وجه للوضع و قيادة الصراع إلى النصر . " (49) ( المصدر السابق ، ص 454 )
ستظلّ البرجوازيّة موجودة في ظلّ الإشتراكيّة و ستصارع و تشنّ هجمات على البروليتاريا . و أحيانا أفضل تكتيك للبروليتاريا هو تركها تظهر إلى العلن و هكذا تفضح و هكذا تفضح نفسها أمام الجماهير و يتمّ تسليح الشعب بفهم ما هو برنامجها الحقيقيّ – إعادة تركيز النظام القديم – كي تمكن تعبأة الناس لتوجيه ضربات لها .

إحتدام المعركة في الميدان الثقافي

رغم أنّ هذا الصراع و عديد الصراعات الأخرى ، لم يقع بطبيعة الحال بأيّ شكل من الأشكال إجتثاث البرجوازيّة . و واصلت القوى البرجوازيّة المتمركزة بصفة متزايدة داخل الحزب الشيوعي ذاته ، لا سيما في مستوياته العليا ، واصلت التمتّع بحيويّة و قوّة ، و في الواقع تكثّفت قوّتها إلى درجة معتبرة في مجالات الفنّ و الثقافة . و كان النظام التعليمي حصنا من حصونها ما دفع ماو إلى أن يقول لاحقا وهو يراجع مسار السنة الأولى من الثورة الثقافيّة سنة 1967 :
" حسب ما أرى ، المثقّفون بمن فيهم المثقّفين الشبّان الذين لا زالوا يتلقّون التعليم في المعاهد ، لا زالوا يملكون أساسا نظرة برجوازيّة إلى العالم سواء كانوا في صفوف الحزب أم خارجه . و يُعزى هذا لأنّه لسبع عشرة سنة بعد التحرير ، الأوساط الثقافيّة و التعليميّة كانت تحت هيمنة التحريفيّة . و بالنتيجة الأفكار البرجوازيّة مزروعة في دم المثقّفين . " (50) ( ماو تسى تونغ ، كما إقتُبس من " حديث للرئيس ماو مع بعثة عسكريّة أجنبيّة [ ألبانيّة ] " شعوب الصين ، نشر دافيد ملتن ، ننسى ملتن و فرانز شورمان ، كتب فنتاج ، نيويورك ، 1974 ، صفحة 263 ، بالأنجليزيّة )
و هنا من المهمّ ملاحظة أنّ هذا التقييم لماو للثقافة و التعليم على أنّهما كانا تحت هيمنة التحريفيّة طوال ال17 سنة عقب التحرير إلى بداية الثورة الثقافيّة تعرّض بلا هوادة إلى الهجمات الحادة من التحريفيّين في الصين . و الآن ، منذ إفتكاك السلطة ، سمّوا هذا التقييم " التقديرين " ( حول التعليم و الثقافة و نسبوهما إلى ما سُمّيت ب" مجموعة / عصابة الأربعة " كهجوم غير مباشر لكن صارخ على ماو ذاته و خطّه الثوريّ و كجزء مكوّن حيويّ لإنقلابهم على الثورة الثقافيّة و الثورة الصينيّة ككلّ ( لا يمكن أن يوجد شخص واعى سياسيّا في الصين لا يعلم أنّ هذين " التقديرين " كانا عمليّا لماو عينه ).
قبل الثورة الثقافيّة ، كان التحريفيّون كذلك متخندقين بقوّة في الفنون حيث دفعوا بممثّلين للطبقات المستغِلّة القديمة و نخب جديدة كنماذج و روّجوا لقيم برجوازيّة و حتّى إقطاعيّة ، ما أدّى إلى تحذير ماو الشهير الذى وجّهه إلى وزارة الثقافة قائلا، " إذا رفضت التغيير ، يجب أن تعاد تسميتها بوزارة الإمبراطوريّين و الملوك و الجنرالات و الوحوش ، وزارة المواهب و الفنون الجميلة أو وزارة المومياءات الأجنبيّة " .
رأي ماو أنّ الرأي العام ( و كذلك الظروف العامة ) يقع إعداده لإنقلاب لهؤلاء التحريفيّين ، و شنّ هجوما مضادا ، مركّزا في البداية بوجه خاص على ميدان الثقافة و خاصة الأدب و الفنّ . و بداية من 1963 ، زوجة ماو و رفيقة دربه ، تشيانغ تشنغ ، إلى جانب شانغ تن – شياو ، و رفيق مقرّب آخر من ماو و عضو في ما سُمّي " مجموعة / عصابة الأربعة " ، قادا تحدّى التحريفيّين بالذات في هذا الحقل محدثين من خلال صراع حاد منتهى الحدّة تغييرات إختراقات . و مجال هام من التحدّى كان الشكل الفنّي التقليدي الصيني ، أوبيرا بيكين ، الذى تواصلت فيها عروض الأعمال القديمة الإقطاعيّة و شبه الإقطاعيّة ، تقريبا بصفة حصريّة .
و طوال تلك الفترة ، إستخدم ماو عينه شكل الشعر ليعلن النصر الحتميّ للثورة على الرجعيّة ، و واجه تيّارا مناقضا تحريفيّا عالميّا ، مركّزا في الإتّحاد السوفياتي و الهجمات المتصاعدة لأتباع الطريق الرأسمالي في الصين ، في تزامن مع هذه النزعة العالميّة للخيانة و الإستسلام الجبان للإمبرياليّة . و ختم ماو قصيدة شهيرة كتبها في بدايات 1963 بالأسطر التالية :
البحار الأربعة ترتفع ، و السحب و المياه فى هيجان
و القارات الخمس تهتزّ و الرياح و الرعد يهدران
قوّتنا لا يمكن الصمود أمامها
لنتخلص من كافة الحشرات ! (51 ) ( ماو تسى تونغ ، " ردّ على الرفيق كوو مو- جو " أشعار ، دار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين ، 1976 ، صفحة 47 )
في الختام ، سنة 1965 ، إثر تقديم القيادة العامة لإعداد الرأي العام الثوري ، و توجيه ضربات قليلة أولى في المجال الثقافي الحيويّ ، نظّم ماو هجوما مضادا سياسيّا مباشرا . و بصفة هامة لها دلالتها ، إرتبط هذا أيضا بحقل الثقافة .
لقد كتب التحريفيّون و عرضوا مسرحيّة كان إطارها الماضي غير أنّها معتمدة المقارنة كانت تهاجم بصفة مباشرة جدّا ماو تسى تونغ . أُطلق على هذه المسرحيّة إسم " طرد هاي جوى من وظيفته " و كانت تدافع بالملموس عن رجل تمّ طرده من وظيفته في الماضي الإقطاعي إلاّ أنّه بإعتماد المقارنة الواضحة جدّا كانت عمليّا تهاجم ماو لإطاحته بوزير الدفاع الأسبق بنغ تاه- هواي الذى هاجم بحيويّة القفزة الكبرى إلى الأمام في الصين أواخر خمسينات القرن العشرين . و مثلما ألمح ماو في ديسمبر 1965 :
" جوهر " طرد هاي جو من وظيفته " كان مسالة الطرد من الوظيفة . إمبراطور تشيا تشينغ [ من أسرة المينغ ، 1522-1566] طرد هاي جو من وظيفته . في 1959 ، طردنا بنغ تاه-هواي من وظيفته . و بينغ تاه-هواي هو " هاي جو " أيضا". ( 52) ( ماو تسى تونغ ، خطاب في هنغشاو ، ديسمبر 1965 ، مقتبس في كتاب ستوارت شرام المذكور آنفا ، ص 237. و ذكر أيضا في هان سيين ، رياح في البرج ، ليتل يرون ، بوستن ، 1976 ، صفحة 266 )
لذا إقترح ماو تنظيم نقد لهذه المسرحيّة . بيد أنّ هذا لم يكن ممكنا في بيكين أين كانت قبضة التحريفيّين شديدة – و كان على رأسهم ليو تشاوتشى و دنك سياو بينغ و بنغ تشان ( حينها والى بيكين ) و آخرون- مسؤولين هناك . فتوجّب القيام بذلك من شنغاي أين كانت للتحريفيّين هناك أيضا اليد العليا على أنّ قبضتهم ما كانت شديدة كما هو الحال في بيكين . ياو وان – يوان ، بتنسيق عن كثب مع ماو ، كتب نقدا لاذعا للمسرحيّة . ( " حول الدراما التاريخيّة الجديدة " طرد هواي جيو من وظيفته " ) فاضحا هدفها الاجتماعي و جوهرها الحقيقيّين . و هذا المقال ، كما سيعبّر عن ذلك ماو لاحقا ، كان بمثابة إشارة إنطلاق الثورة الثقافيّة البروليتاريّة الكبرى .

الثورة الثقافيّة و تثوير الثقافة

سنناقش الثورة الثقافيّة بالتفصيل في الفصل التالي . و هنا جانب الفنّ و الثقافة هو مركز إهتمامنا . لكن طبعا ، كان هذا مظهرا محوريّا من هذه الثورة – و سُمّيت ثورة ثقافيّة لسبب وجيه . و كما قالت اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الصيني ؛ في قرار يُقال إنّ ماو صاغه بنفسه ، و بالخصوص في فقرة تستحقّ أن نقتبسها في كلّيتها :
" على الرغم من أن البرجوازية قد أسقطت ، فإنها ما تزال تحاول إستخدام الأفكار و الثقافة و التقاليد و العادات القديمة للطبقات المستغلة بغية إفساد الجماهير و الإستيلاء على عقولها و محاولة القيام بالردّة . و على البروليتاريا أن تصنع العكس تماما : يجب أن تجابه كل تحد من جانب البرجوازية على صعيد الإيديولوجيا مجابهة مقابلة و تستخدم الأفكار و الثقافة و العادات و التقاليد الجديدة للبروليتاريا لتغيير السيماء الروحية للمجتمع كله ... و هدفنا فى الوقت الحاضر هو مكافحة و إسقاط أولئك الأشخاص ذوى السلطة الذين يسيرون فى الطريق الرأسمالي ،و نقد و إقصاء "الثقات" الأكاديميين البورجوازيين الرجعيين و إيديولوجيا البورجوازية و سائر الطبقات المستغلة ، و تحويل التربية و الأدب و الفنّ و سائر أجزاء البناء الفوقي التى لا توافق الأساس الإقتصادي الإشتراكي ، بحيث يسهل توطيد و تطور النظام الإشتراكي . " (53) ( قرار اللجنة المركزيّة للحزب الشيوعي الصيني حول الثورة الثقافيّة البوليتاريّة الكبرى وقعت المصادقة عليه في 8 أوت 1966، دار النشر باللغات الأجنبيّة ، بيكين ، 1966 ، صفحة 1 ؛ بالأنجليزيّة + ملحق 1 لكتاب من تأليف شادي الشماوي متوفّر بمكتبة الحوار المتمدّن ، " الصراع الطبقي و مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا : الثورة الثقافيّة البرولتاريّة الكبرى قمّة ما بلغته الإنسانيّة فى تقّدّمها صوب الشيوعيّة " )
و هكذا بينما لم تعتن الثورة الثقافيّة بالتأكيد بأعمال الأدب و الفنّ فحسب ، أو حتّى ببساطة بالثقافة عامة فحسب بل في نهاية المطاف ( بما أنّها كانت ثورة حقيقيّة ) كان عليها أن تركّز على المسألة السياسيّة لمن يمسك بالسلطة في المجتمع ، مع ذلك مجال الثقافة عامة و مجال الأدب و الفنّ خاصة كان مجال غاية في الأهمّية فيه جرى الصراع حول المسألة السياسيّة .
و بالتالى ، كان الصراع في حقل الفنّ محتدما للغاية . و مثال جيّد هو حال " الفتاة ذات الشعر الأبيض " وهي دراما ثوريّة أنتجت تقريبا في بدايات الثورة الصينيّة ، و شهدت عدّة تغيّرات في مسار تلك الثورة . و هذه الأوبيرا إستندت إلى قصّة حقيقيّة من فترة حرب المقاومة ضد اليابان ، و كانت تُروى في حكايات الفلكلور و بدورها أُعيدت كتابتها جماعيّا من قبل عديد الكتّاب في الجيش الأحمر و تاليا أُعيدت كتابتها مجدّدا على أساس النقد الذى أعرب عنه الفلاّحون . و خلال السنوات الأخيرة من الحرب ضد اليابان و أثناء الحرب الأهليّة التي تبعت ذلك ، جرى عرضها عديد و عديد المرّات في المناطق المحرّرة . و الشكل الذى إتّخذته حينها كان كالتالي .
بطلة الأوبيرا إبنة فلاّح . إحتجزها المالك العقّاري عندما لم يستطع والدها دفع ديونه في السنة الجديدة ، و أُجبرت على أن تكون خادمة في منزل المالك العقّاري ، و تعرّضت للضرب و التعذيب على يد زوجة المالك العقّاري . إنتحر والدها . و إغتصبها المالك العقّاري . و لمّا صارت حاملا و هدّدت بفضحه ، خطّط لقتلها . ففرّت إلى البرارى و وضعت إبنها و أصبح شعرها أبيضا جرّاء ما قاسته و جرّاء ظروف حياتها في كهف . كانت تحصل على الغذاء من معبد قرية أين كان الفلاّحون يتركون قرابينهم مفكّرين أنّها شبحا أو إلاهة . و لمّا وصل جيش المشاة الثامن بقيادة الحزب الشيوعي إلى المنطقة، سمع عن ظهورها فإقتفى أثر " الشبح " فإكتشف الفتاة ذات الشعر الأبيض و صغيرها . و حينما علمت كيف أنّ الأشياء آخذة في التغيّر ، عادت مع الجيش إلى قريتها القديمة و فضحت المالك العقّاريّ الذى تعرّض إلى الضرب . و إجتمعت الفتاة ذات الشعر الأبيض مع فلاّح آخر كان قبلا حبيبها ، و كان الإنطباع في النهاية أنّه صار بوسعهما الاستقرار و الحياة بسعادة الآن .
بداية قبل ذلك ، و في إطار ما مثّل جزءا هاما من الإعداد للثورة الثقافية ، و بخاصة تحت قيادة تشيانغ تشغ ، جدّت عدّة تغييرات في هذا العمل . و بعدّة طُرق عكست الأوبيرا الفترة التي أنتجت فيها – مرحلة الثورة الديمقراطيّة الجديدة و حتّى بصورة أخصّ المرحلة الفرعيّة من النضال ضد العدوان الياباني . و مع تقدّم الثورة و إستكمال الثورة الديمقراطيّة الجديدة الجديدة و ولوج المرحلة الإشتراكيّة ، كان على أعمال الفنّ أن تعكس هذا التقدّم و تدفع بمزيد الخطوات إلى الأمام . و قد لعب هذا العمل بوجه خاص دورا إيجابيّا و هاما في الماضى لكنّه كان بعيدا عن أن يتماشى ، في شكله القديم ، مع حاجيات مواصلة النضال في المرحلة الإشتراكيّة . و في الواقع ، إن لم يقع إدخال تغييرات عليه لإبقائه منسجما مع تقدّم الثورة و نموّ وعي الجماهير ، كان سيتحوّل إلى نقيضه – كان سيُصبح وسيلة للترويج للأفكار و المشاعر المعارضة للمضيّ قُدُما بالثورة الإشتراكيّة و البناء الإشتراكي . و ليس بلا داعى أو لمجرّد حقد ضد تشيانغ تشنغ أنّه منذ إفتكاك السلطة في أكتوبر 1976 ، أعاد التحريفيّون في الصين تركيز النسخة القديمة من الفتاة ذات الشعر الأبيض ! ماحين التغييرات الثوريّة ( الملخّصة أدناه ) المنجزة تحت قيادة تشيانغ تشنغ .
و من التغييرات التي أدخلتها تشيانغ تشنغ أنّ والد الفتاة لا ينتحر بل يُقتل وهو يقاوم هجوم قطّاع الطرق التابعين للمالك العقّاري . و كذلك لا تتعرّض البطلة نفسها للإغتصاب بل بالأحرى تقاوم بإستمرار طغيان المالك العقّاري و زوجته و في نهاية المطاف تضطرّ إلى الفرار لأنّها تتعرّض أكثر فأكثر للقمع لمقاومتها مضطهَديها .
و الآن ، قد يقول العديد من الناس ( مثلما فعلوا في الصين ) إنّ مثل هذه التغييرات المدخلة تجعل الأوبيرا أقلّ واقعيّة ، و إنّ تشيانغ تشنغ و الذين إتّبعوا ماو كانوا يحاولون أن يجعلوا الأمر يبدو كما لو أنّ كلّ فلاّح إضطرّ إلى التخلّى عن إبنته إلى مالك عقّاري ( و كان هذا حدوثه شائعا جدّا في الصين الإقطاعيّة و شبه الإقطاعيّة ) و إنّ كلّ إبنة فلاّح حاول المالك العقّاري إغتصابها ( و كان هذا شائعا أيضا ) كانت تبدى مقاومة ، في حين أنّ هذا لم يكن عمليّا صحيحا . و بالطبع إنّه لواقع أنّه ليس كلّ شخص في تلك الظروف قد أبدى مقاومة من هذا القبيل ، كان البعض خاضعين و البعض الذين قاوموا بطرق أخرى تماما ، أقلّ مواجهة ممّا فعله الفلاّح الأب و إبنته في " الفتاة ذات الشعر الأبيض " التي شهدت تغييرات . لكن ، وُجد كذلك الكثيرون الذين قاوموا فعلا و قاوموا مقاومة نضاليّة .
كلّ هذه الطرق المختلفة من ردود الأفعال يمكن أن يُقال إنّها نموذجيّة ، و رسم أيّ منها في دراما قد يكون تكثيفا لمظهر أو آخر من مظاهر الحياة . لكن ما كان يجرى خلقه في الصين هو فنّ ثوريّ ، تكثيف ثوريّ للحياة ، شيء ، بكلمات أخرى ، سيساعد الجماهير على دفع عجلة التاريخ إلى الأمام و سيساعد على التغيير الثوريّ للمجتمع . و من أجل هذا الهدف أهمّ شيء يُصوّر هو المقاومة الشرسة للناس لمضطهِدِيهم ، و كيف بمستطاعهم كسر قيودهم .
و علاوة على ذلك ، هذا لا يعنى تزوير الأشياء ، على عكس المزاعم القائلة بأنّ مثل هذا الفنّ الثوري" غير واقعيّ " . طبعا ، مثلما مرّ بنا قول ذلك للتوّ ، كلّ من الفلاّح الذى ينتحر و ذلك الذى يقاوم حقيقتان . لكن ، عمليّا ، من من هذين الإثنين يمثّل تمثيلا صحيحا جوهر ما يحدث في صفوف الفلاّحين أثناء الثورة الصينيّة ؟ أليس أكثر بكثير من جوهر الأشياء، أكثر النزعة التي كانت تسير فيها الأمور ، أنّ الفلاّحين كانوا ينهضون كالإعصار الجامح محطّمين مضطهَديهم و ناهضين بجزء حيويّ من تغيير المجتمع ؟ كانت كامل الثورة الصينيّة ، كأيّ ثورة ، تبدو غير واقعيّة ، شيئا كان غير ممكن تصديقه أو القبول به ، بالنسبة إلى الرجعيّين – و ( طالما أنّ نظرتهم لم يُعد تشكيلها حقّا ) حتّى في صفوف البرجوازيّة و البرجوازيّة الصغيرة اللتان سايرتا الثورة ، على الأقلّ في مراحل معيّنة . لم يستطيعوا أن يستوعبوا جوهر ما كانت الثورة تعنيه و الدور العملي و الحيويّ للجماهير . و بالتالى ، رسم واقع الفلاّحين الأبطال كان أيضا ينحو إلى أن يبدو " غير واقعيّ " لهؤلاء الناس بالذات .
و أيضا ، في إنسجام مع هذا التوجّه الإشتراكي ، تغيّرت كذلك نهاية الدراما . فعوض التعرّض إلى الضرب ، يسحب المالك العقّاري إلى خارج الركح ليُعدم . و السبب هو أنّ في الأوبيرا المالك العقّاري يرمز أساسا إلى القوى الرجعيّة و إعدامه يبيّن كيف أنّ الشعب الصينيّ كان ينهض و يُطيح بهؤلاء الرجعيّين بقوّة السلاح . ( إعتُبر أنّه إذا ما كان ليُقتل على الركح، فإنّ ذلك سيجلب له تعاطفا عفويّا من الحضور ).
و كذلك ، في النسخة الجديدة ، في جمع الفتاة ذات الشعر الأبيض مع حبيبها ، تمّ تقليص أهمّية موضوع الحبّ فأمسى ثانويّا جدّا نسبة إلى نضال الفلاّحين و الشعب الصيني ككلّ . و بدلا من مضيّ الإثنين إلى الحياة السعيدة بعد ذلك ، يتعهّد كلاهما بدفع الصراع الطبقي قُدُما . و هذا ، مجدّدا ، كان ضروريّا و صحيحا ليس في التصوير الأدقّ لمطالب الثورة الديمقراطيّة الجديدة التي كانت لم تنته بعدُ في الوقت الذى تقدّمه نهاية العمل ، لكن حتّى أكثر تلبية مقتضيات المرحلة الإشتراكيّة ، حيث كما لخّص ماو ، هناك حاجة إلى مواصلة الثورة و ، بالتوازي مع ذلك ، حاجة إلى أن تعكس الأعمال الفنّية الدور الطويل الأمد و الجاري و المركزي للصراع الطبقي .
و حُوّلت الفتاة ذات الشعر الأبيض أيضا إلى باليه [ Ballet ] في تلك الفترة ، أحد أعظم الأعمال الفنّية البشريّة . و فيها وقع دمج أشكال الرقص الغربيّة و الموسيقى الكلاسكيّة مع الأشكال التقليدّة الصينيّة ، و المؤشّرات و النماذج البرجوازيّة من الحركات و الوضعيّات التي هي تقريبا مرادفة للباليه في الغرب وقع تغييرها إلى حركات و وضعيّات مناضلة و ثوريّة.
و هذه الأعمال الفنّية مثل الفتاة ذات الشعر الأبيض التي تمّ إدخال تعديلات عليها كانت معروفة بأنّها " أعمال نموذجيّة " – أي قُدوة بوسع الناس في الصين قاطبة إستخدامها كنماذج في تطويرهم لأعمال فنّية عديدة و متنوّعة . و فضلا عن ذلك، في ظلّ قيادة خطّ ماو و بالقيادة الملموسة لتشانغ تشنغ و آخرين يطبّقون هذا الخطّ ، لم يقع إنتاج أعمال نموذجيّة فحسب في مجالات أخرى من الأدب و الفنّ ( إضافة للباليه و أوبيرا بيكين ) ، كالموسقى السنفونيّة ، بل إزدهرت الأعمال الثوريّة إزدهارا كبيرا ، لا سيما إبداعات الجماهير نفسها ، في مجالات كالأفلام و أشكال دراميّة أخرى و القصص القصيرة و الشعر و الرسم و الموسيقى و الرقص إلخ .
و علاوة على هذا ، بطريقة لم يسبق لها مثيل ، أثناء هذه الفترة من الثورة الثقافيّة ، قُطعت خطوات كبيرة في تعبأة الجماهير عينها لخوض الصراع في الحقل الثقافي و تطوير الثقافة الإشتراكيّة . و مشكل من مشاكل الصين هو أنّها كانت لا تزال بلدا متخلّفا ، غير متطوّر تقريبا . و هذا يصحّ بخاصة في الريف و من مضاعفات ذلك أنّ نظام النقل و المواصلات ظلّ نسبيّا متخلّفا ، لا سيما في المناطق الريفيّة . و في ظلّ قيادة الثوريّين كماو و تشيانغ تشنغ ، و خاصة خلال عقد الثورة الثقافيّة في مختلف مراحلها و أشكالها المتباينة ، من 1966 إلى 1976 ، تمّ تطوير طُرق جديدة لإبلاغ هذه الأنواع الجديدة من الثقافة إلى الشعب – من مثل تطوير آلات بثّ أفلام صغيرة من الممكن حملها بسهولة إلى المناطق الجبليّة في الريف أو وضعها على درّاجات حتّى تُنقل الأشرطة و تُعرض حتّى في المناطق النائية و صعب الوصول إليها نسبيّا .
و زيادة على ذلك ، فرق أوبيرا بيكين و فرق عروض أخرى كانت تنظّم سلسلة عروض في الأرياف بدراجات و حقائب الظهر ، مقدّمة عروضا في مناطق نائية ، و مساعدة فرقا محلّية على إنتاج أعمال نموذجيّة و مشاهدة عروض الأعمال المحلّية للتعلّم منها .
كانت هذه من الطُرق الملموسة التي إجتهدت البروليتاريا و حزبها و المشتغلون في الميدان الثقافي في إستخدامها لتقليص الإختلافات بين المدينة و الريف في الحقل الثقافي ، و هكذا ساعدوا على تغيير المجتع في ظلّ الإشتراكيّة بإتّجاه الشيوعيّة.
ميدان الثقافة أثناء المعركة الكبرى الأخيرة لماو

لكن الثورة الثقافيّة لم تشهد تقدّما في خطّ مستقيم تماما ، شأنها في ذلك شأن أيّ شيء آخر . ذلك أنّها كانت ثورة و بطبيعة الحال قاومها بشراسة المعادون للثورة و على رأسهم أتباع الطريق الرأسمالي في الحزب الشيوعي ذاته . و قد وُجدت عدّة منعرجات و إلتواءات و عدّة مراحل تطلّبت تكتيكات متباينة للتعاطى مع الظروف المستجدّة .
و بدأت المرحلة النهائيّة من الثورة الثقافيّة ، مرحلة المعركة الكبرى الأخيرة لماو مع هزم خيانة لين بياو الذى مع نهاية 1971 مات في تحطّم طائرة كان فارّا بواسطتها من البلاد بعد إخفاقه في محاولة إغتيال ماو و تنظيم إنقلاب في الصين . لكن لين بياو كان قد تماهى بعدّة أشكال مع الثورة الثقافيّة لذا مثّلت خيانته إنفتاحا لإلتقاط الأنفاس إستغلّه الكثير من الذين تعرّضوا لضربات خلال الثورة الثقافيّة و آخرون عارضوها من البداية أو صاروا لاحقا من معارضيها . و أكثر من ذلك، إستطاع اليمين الإستفادة من واقع أنّه أثناء هذه المرحلة كانت الصين تدخل في عقد بعض التسويات و ترسى علاقات دبلوماسيّة و تعقد إتّفاقيّات مع الولايات المتّحدة و الغرب لتحسين ميزان القوى مع الإتّحاد السوفياتي الذى أضحى يمثّل حينها تهديدا مباشرا للصين . و إنتهت هذه المعركة الأخيرة ، عقب وفاة ماو ، بالإنقلاب المعادي للثورة في أكتوبر 1976 الذى شهد إيقاف الرفاق الأقرب من ماو، قادة قوى البروليتاريا الصينيّة الذين وقعت شيطنتهم على أنّهم" عصابة الأربعة ". لحظتها ، إنتصرت التحريفيّة في الصين .
في هذه المعركة الكبرى الأخيرة ، كانت الثقافة و الفنّ مرّة أخرى مجالا حيويّا للصراع . فقد سعى التحريفيّون إلى الإنقلاب على المكاسب التي حقّقتها البروليتاريا على كافة الجبهات بما فيها ( و حتّى خاصة ) على هذه الجبهة .
سنة 1973 ، نظّموا بشدّة إعادة إنتاج مقنّعة بالكاد لدراما رفعت إلى الأعلى خطّ ليو تشاوتشى في تعارض مع خطّ ماو قبل الثورة الثقافيّة . و تقريبا في الآن نفسه ، تحت غطاء " الإنفتاح على الغرب " ، و خدمة لأهداف الإستسلام إلى الغرب ، روّجوا بلا نقد و أنكروا الطابع و المضمون الطبقيّين لأعمال فنّية من البلدان الإمبرياليّة الغربيّة ، و خاصة " الموسيقى المطلقة " ( موسيقى آلاتيّة بلا عنوان يصفها ) . و إلى جانب هذا ، شنّوا هجوما شرسا على الأعمال الثوريّة الجديدة في الأدب و الفنّ المنجزة إبّان اثورة الثقافيّة بما في ذلك هجوما ضاريا على الأعمال النموذجيّة و بالخصوص على تثوير أوبيرا بيكين .
لقد إتّهموا الثوريّين بقمع الإبداع الفنّيّ و إشتكوا من أنّه لا توجد كفاية " أزهار متفتّحة " – محاولين ضخّ سياسة لتتفتّح مائة زهرة بمضمون برجوازي و إستخدامها ضد خطّ ماو القائل بأنّه " يجب على البروليتاريا أن تمارس الدكتاتوريّة الشاملة ضد البرجوازيّة في مجال البنية الفوقيّة بما في ذلك مجالات متنوّعة من الثقافة " الذى وضعه ماو في وحدة جدليّة مع سياسة " دع مائة زهرة تتفتّح " و الذى عزّز الأساس البروليتاري لهذه السياسة . و إلى جانب كلّ هذا ، شَطب التحريفيّون التغييرات في التعليم و حقول العلم والتكنولوجيا التي جدّت أثناء الثورة الثقافيّة ، مشتكين من أنّ هذه السياسات الجديدة خلقت " فوضى" في الأشياء و خاصة أنّها منعت الصين من " اللحاق ب و تجاوز " – في الواقع ، كانوا يقصدون التذيّل إلى و تقليد و الإستسلام إلى – البلدان " المتقدّمة " في العالم – أي البلدان الإمبرياليّة .
ماو و القوى الثوريّة التي كان يقودها ، و لبّها القيادي الناشط " الأربعة " - وانغ هوانغ - وان ، تشانغ تشن – تشياو ، تشيانغ تشنغ ، ياو وان - يوان - ، لم يتصدّ بحيويّة لهذه الهجمات الخاصة و حسب بل شنّ هجوما مضادا في مجال البنية الفوقيّة و خلق الرأي العام . و بُعيد المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي الصيني ( في أوت 1973 ) ، شنّوا حركة نقد لين بياو و كنفيشيوس وهي حملة تعليميّة أساسا في شكلها و تمثّل صراعا في منتهى الأهمّية في البنية الفوقيّة . و خلال هذه الحملة، جرى إستخدام منهج المقارنة التاريخيّة و بالإعتماد على الماديّة التاريخيّة و تعليمها للجماهير ، و جرى فضح خطّ التحريفيّين المعادي للثورة و سياساتهم و تحضيراتهم لإفتكاك السلطة و الإنقلاب على الثورة و الإستسلام للإمبرياليّة ، و جرى تشجيع نقدها جماهيريّا .
و لاحقا ، في صائفة 1975 ، مع بلوغ الصراع الطبقي الشامل أوجه ، إستخدم ماو الأدب و الفنّ كسلاح حاد في هذه المعركة . فركّز بالخصوص الإنتباه على و دعا إلى النقد الثوريّ للرواية التاريخيّة " هامش الماء " (Water Margin) و بطلها ( سنغ شيانغ ) كان عمليّا خائنا للفلاّحين المتمرّدين و قد إستولى على قيادتهم . مثله مثل هؤلاء في الصين الراهنة الذين إلتحقوا بالثورة في مرحلتها الديمقراطيّة لكنّهم لم يصبحوا أبدا ثوريّين صرحاء ، لم ينجزوا أبدا قطيعة راديكاليّة مع الإيديولوجيا البرجوازيّة ، إلتحق سنغ شيانغ بصفوف الفلاّحين المتمرّدين لا لشيء سوى قتال الموظّفين الفاسدين و ليس لقتال الإمبراطور . و في الختام ، وافق على عرض العفو من الإمبراطور ، و إلتحق بخدمته لقتال الفلاّحين المتمرّدين الذين واصلوا النضال و كانوا مصمّمين على المضيّ به إلى نهايته .
لم يكن نقد هذه الرواية ، كما شدّد على ذلك ماو ، مجرّد ممارسة أكاديميّة أو بحثا في الجماليّة ؛ قال ماو ، ميزة الرواية هي تحديدا أنّها ستساعد الجماهير الشعبيّة على التعرّف على الإستسلاميّين ، السنغ شيانغ المعاصرين ، الذين يرغبون في خيانة الثورة في الصين و بيعها إلى الإمبرياليّة . كانت الأهداف أولئك في السلطة خاصة في قمّة الحزب الذين كانوا يروّجون لخطّ تحريفي و لإتّباع الطريق الرأسمالي – أناس مثل دنك سياو بينغ و خلفهم شو آن لاي – قادة قدماء أخفقوا في التقدّم مع تواصل الثورة في المرحلة الإشتراكيّة و تحوّلوا من ديمقراطيّين برجوازيّين ( ديمقراطيّين برجوازيّين ثوريّين ) إلى أتباع الطريق الرأسمالي ، معادين للثورة .
و مع غليان هذه المعركة الأخيرة و إندلاعها كصراع سافر شامل ، أضحت مجالات التعليم و الثقافة جبهتي قتال في غاية الأهمّية . و فضلا عن تركيز الإنتباه على المعركة في حقل التعليم في أواخر 1975 بدايات 1976 و إعارة الإنتباه إلى واقع أنّ هذا كان إنعكاسا حادا للصراع الطبقي الشامل وقتها ، قاد ماو و القوى الثوريّة النضال في المجال الثقافيّ كمجال آخر هام جدّا للمواجهة الشاملة . و رصاصة من أهمّ الرصاصات التي أطلقها ماو لم تشمل الفنّ فقط بل شملت شكل الفنّ أيضا . و بصورة خاصة ، كما فعل ذلك قبلا ، إستخدم ماو الشعر كطلقة أولى في هذا الصراع – بخاصة قصيدتين كتبهما ماو في الأصل سنة 1965 و أعاد نشرهما بمناسبة غرّة السنة الجديدة في 1976 . و مثّل ذلك رسالة إلى الشعب الصينيّ بأنّه ، كما في فترة 1965 ، هناك خطر كبير بأن يستولي التحريفيّون على السلطة و يعيدوا تركيز الرأسماليّة و بالتالى ( حتّى و إن أمكن أن تختلف الأشكال في بعض الجوانب ممّا كانت عليه في بداية الثورة الثقافيّة ) و هناك أيضا حاجة إلى صراع كبير و شامل لمنع حدوث هكذا إنقلاب .
قصيدة " إعادة زيارة شنكنغشان " تزخر بالتفاؤل الثوريّ و تعيد التذكير بالإنتصارات الصانعة للعصر للثورة الصينيّة طوال ال38 سنة السابقة و تشير إلى الطريق إلى الأمام في الصراعات الشرسة التي ستُفضى إلى إنتصارات جديدة في المستقبل . و شنكنغشان منطقة جبليّة أين أرسيت أوّل قاعدة إرتكاز للجيش الثوريّ ، واضعة الثورة الصينيّة على طريق النضال المسلّح ، سنة 1927 .
و القصيدة الأخرى " حوار عصفورين " تصوّر صراعا بين ثوريّ و تحريفيّ ، مقدّمين كعصفورين ، الرخّ الأسطوريّ و المغرّد الخائف الذى يتطلّع إلى البطاطا و اللحم ( " شيوعيّة الغولاش " الخروتشوفيّة ) و يضع ثقته في " التوافق الثلاثي" ( معاهدة منع التجارب النوويّة المعيبة الممضاة بين خروتشاف و أمثاله في الصين الذين يعتبرون أنّ النهوض الثوريّ و الإضطراب في الصين و العالم " جحيم فوضى " . و إجابة الرخّ ، العصفور القويّ الممثّل للثورة ، هو أنّ العالم ينقلب رأسا على عقب ، يتغيّر خلال هذه النضالات الثوريّة . و هتان القصيدتان ، إلى جانب الصراع على الجبهة الثقافيّة عامة ، لعبتا دورا هاما فى هذه المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ ، في تسليح الجماهير و منها صفوف أعضاء الحزب و الكوادر الثوريّة ، لخوض الصراع الثوريّ بالضبط أمام أنياب الإعصار التحريفي الذى يُطلقه أتباع الطريق الرأسمالي في السلطة .
و يُبيّن إنتصار التحريفيّين في هذه المعركة الأخيرة و إستيلاؤهم على السلطة تحديدا صحّة خطّ ماو و مفاده أنّه طوال الإشتراكيّة توجد طبقات و يوجد صراع طبقي و خطر إعادة تركيز الرأسماليّة ( و كذلك هجمات الإمبرياليّة و الرجعيّين الأجانب الآخرين ) و أنّه بالتالى من الضروريّ مواصلة الثورة فى ظلّ دكتاتوريّة البروليتاريا . و يُبيّن بوجه خاص مدى صحّة خطّ ماو حول دور البنية الفوقيّة – ليس أنّها تكتسى أهمّية كبرى في ظلّ الإشتراكيّة فقط بل تنهض كذلك بدور رئيسيّ و حيويّ . و الإنقلاب التحريفي الذى مثّل تغيّرا نوعيّا و بداية سيرورة عمليّة للإنقلاب على الثورة و إعادة تركيز الرأسماليّة، حدث بداهة و على وجه الضبط في البنية الفوقيّة ، و بطبيعة الحال لا يمكن أن يحدث في أيّ مكان آخر .
و إلى ذلك ، هذه المعركة الأخيرة ذاتها ، مثلها مثل الصراعات السابقة جميعها في الصين الإشتراكيّة – و في الفترة الأسبق من الثورة – تجسّد الأهمّية الكبرى ليس للبنية الفوقيّة عامة فحسب بل أيضا لمجال الثقافة و الصراع في هذا المجال بشكل خاص . إنّها تدلّل على مدى صحّة و مدى أهمّية المساهمة المتمثّلة في الصياغة الدقيقة لماو بأنّه عقب إفتكاك السلطة ، يغدو من الحيويّ تكريس انّه " يجب على البروليتاريا أن تمارس الدكتاتوريّة الشاملة ضد البرجوازيّة في مجال البنية الفوقيّة بما في ذلك مختلف مجالات الثقافة " ، و السياسات التي تمّ تطويرها و المكاسب التي تمّ تحقيقها في ظلّ قيادة الخطّ الثوري لماو حول الثقافة و البنية الفوقيّة . و ليس بوسع أيّ إنقلاب تحريفي و إنقلاب مؤقّت في الصين بأيّ شكل كان أن ينكرا أو ينتقصا من المساهمات الهائلة الخالدة حقّا لماو تسى تونغ بما فيها في المجال الحيويّ للأدب و الفنّ و الثقافة ككلّ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج




.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام