الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هواجس في الثقافة مقتطفات ــ 30 ــ

آرام كربيت

2024 / 1 / 22
الادب والفن


في النعش
في جنازتها كنت موجودًا، حملت النعش مثل أغلب الموجودين، ورقصت أمامه كما لم أرقص من قبل.
غنيت في حفلتها، في عرسها كل المواويل والعتابا الذي أعرفهما. وصدحت بأعلى صوتي حتى وصل إلى عنان السماء، ثم أخذت الكمان من يد عازف أخر، وعزفت إلى أن سالت الدماء من يدي وتقطع لحم أصابعي.
رأيت وجهي بدأ يتغير تغيرًا نوعيًا، وانبهق خدي وخرج من مكمنه إلى أن أصبح لا مني، وسار وحده في الشوارع والطرق والجادات.
أكملت الرقص في المحراب ذاته، عندما كان ذاك الذي يتلو الكلمات ذاتها قبل آلاف السنين:
على المرأة أن تخضع.
بصقت في وجهه، ثم في وجهي، ثم سرت إلى حيث لا أدري، وإلى جواري، جسد حبيبتي يقطع أمامي، ويتحول إلى جثة خامدة فوق نعش خامد بالقرب مني.
شتمت كل شيء، ويدي فوق يدها، ودموعي فوق دموعها. وكنا نبكي ونبكي لأن كلانا تحول إلى جثة متحركة.

الواعي والغربة
الواعي، وربما المثقف يعانيان من الغربة أضعاف مضاعفة من الآخرين.
وإن الرحيل عن البيت أو مغادرته في فترة الطفولة والصبا والشباب أخف على النفس الإنسانية من الكهل أو في فترة الشيخوخة.
الواعي هو الأقدار على الالمام بما يدور حوله، ويتحسس الفوارق بين ماضيه وحاضره، بين الاستقرار والانقسام، بين ذاته المنسجمة مع ذاته وبين الذات المنقسمة على ذاتها، بين الأنا والواقع، والأنا المنشطرة الممزقة، خاصة إذا ارغم المرء على ترك داره وبيته ووطنه.
الغربة فضاء آخر، لغة آخرى، ثقافة آخرى، بشر من نوع آخر، سيكولوجية مختلفة، وملامح مختلفة.
أهم شيء في الغربة، نظرتك إلى نفسك وإلى الأخر، انسجامك مع المكان الجديد أو معاناتك منه.
الغربة كالوشم على الوجه، لا يمكن إزالته مهما حاولت.
ستبقى ندبة عميقة ملتصقة بك، ترحل معك أنّى رحلت، ولن تعود إلى سابق عهدك ولن تتصالح مع حاضرك.
الغربة، كيف ترى الآخر، وكيف يراك، وكيف ترى نفسك؟

عن القمع
الاستعطاف أسوأ أنواع القمع على الأطلاق.
إنه خضوع وذل ومبارك من الجميع.
الاستعطاف هو قمع خفي، لطيف، بيد أنه مدمر.
ألم تستعطفنا عائلاتنا، الأم، الأب. ألا يرغموك بان تشفق عليهم، بان تتنازل عن حريتك من أجلهم، ألا يتدخل الجيران، الأقرباء لتقف إلى جانبهم، أليس الاستعطاف قمع، يدخلوا الى المناطق الرخوة فيك، العواطف وطيبة القلب، ويسيطروا عليك وينالوا من حريتك لتنفيذ رغباتهم أو تضميد جراحهم؟

الحداثة والقمع
عملت الحداثة، العقلانية الغربية على ضبط السلوك الاجتماعي، ليكون معدًا عقليًا لممارسة وظائف السلطة بدقة شديدة، وبأمانة، وفي كل الأوقات.
أرى أن الديمقراطية هي أنجع طريقة لتدجين الإنسان، تنميطه، اخضاعه بمرونة ورقة، وبالخفاء.
القمع الخفي، وبعيد عن العين نتائجه أفضل ومضمونة، وأفضل من القمع المباشر والواضح، والمدان.

المتمرد خاسر
الممتمرد يخسر العالم كله، ولا يكسب نفسه.
إنه وحيد وحيد، وسيبقى.
يخسر المتمرد نفسه، لأن الواقع الموضوعي غير جاهز لنقل زمن الواقع الحالي الى زمن أخر، الزمن الموضوعي.
التضحية في غير أوانها انتحار.
مسألة الصراع ليست فردية اطلاقًا لهذا فان التغيير يجب أن يكون موضوعيًا، عندما يكون موضوعيا، سيأتي الجميع للانتقال إلى عالم الإنسان، عالم الحرية.
كان لأزم أكتب أن على المتمرد أن يكون عقلانيًا، أن يذهب إلى التاريخ تصاعديًا، أن يعرف شروط واقعه وظروفه. المتمرد يخسر ويخسر كثيرًا ولا يكسب نفسه، أنه أشبه بالقشة في مهب الريح تتناقله من مكان لأخر دون أرض تحتويه أو سماء تعطف عليه
البشرية تدور حول نفسها مثل دوران الأرض دون الخروج من الاطار ذاته الذي كان قبل آلاف السنين.
أفكر مرات كثيرة أين ذهبت تضحيات ماركس، من استفاد منها، لقد خسر كل شيء ولم يكسب زمنه.
بوجود الدولة ومؤوسسات دولة في العالم لا مكان للحرية ولا الديمقراطية.
لنلق نظرة ونحسب مقدار الخسائر الذي قدمته البشرية ومقدار ما كسبته النخب، وماذا تغير في ميزان القوى؟
جميع نضالات البشر لا زالت هدر. التضحية والتمرد في غير أوانه انتحار، التمرد الواقعي والعملي يحتاج إلى واقع موضوعي، انتهاء حقبة والانتقال الى حقبة آخرى. نحن نتمرد في ظل النظام الذكوري، وهذا التمرد يفيد الأب البطرك، أولا وأخرًا.
لم تنضج المفاهيم، التحولات في بنية البناء العام للواقع الإنساني برمته، لعجز الواقع عن إنتاج واقع موضوعي يمهد للتغيير الجذري.

التنميط
تستطيع الآلة الانضباطية الصارمة أن تنمط حتى القطط والكلاب، دون السماح لهما بأي استقلالية للعودة إلى طبيعتهما الأولى، أي إلى البراءة.
تنميط الإنسان أسهل وعمليًا هو منمط ومرتاح.
الحداثة الغربية نمطت العقل، حولت المجتمع إلى جسد اجتماعي واحد خاضع للسلطة.
جعلته يعمل كالآلة ضمن نسق واحد، ايقاع واحد، عقل واحد، كائن مهجن، نمطي، تم تشيؤه، بيضة في المدجنة التي تتناسل الصيصان.
لهذا عندما يأتي اللاجئ الغر، الحالم، إلى هذه البلاد يشعر بالتمزق والانفصال عن ذاته ومكانه الجديد، لا يعرف ماذا يفعل في هذه البلاد المنظمة تنظيمًا صلبًا، غريبًا عجيبًا.
لهذا لا يشعر بالانتماء إلى هذا المكان، يشعر بالغربة والضياع، يبحث عن منفذ يعيد ذاته لذاته الممزقة.
حتى الذين مضى على وجودهم في أوروبا خمسين سنة يقولون نحن لا نفهم الإنسان الأوروبي وإيقاعه وسلوكه وممارساته.

البيئة مريضة
البيئة الاجتماعية التي نعيش فيها مريضة.
بيئة ترسخ الألم والتلذذ به ليبقى في وجداننا، في عقلنا الباطن منذ الطفولة المبكرة للإنسان في بلادنا.
يتحول التلذذ بالألم إلى جزء من تكويننا النفسي والعقلي، ويستقر في كل مفاصل حياتنا سواء في علاقتنا بأنفسنا أو بالآخر.
وتأتي مسيرة الحياة بتناقضاتها وتنابذاتها وتجاذباتها لترسخ هذا الأمر في تكويننا نتيجة الحرمان العاطفي والجنسي.
وتأتي العادات والتقاليد لتزيد الأمر سوءًا على سوء.
إن التلذذ بالألم وتسلله رويدًا رويدا إلى أعماقنا نتيجة الصدمات العاطفية والنفسية والاجتماعية، يستمر إلى أن يستقر ويتحول مع الأيام إلى كآبة فظيعة، ويصبح جزءًا من البناء العميق للنفس، لا يمكن أن يخرج إلا بصعوبة بالغة.
على المرء الانتباه لهذا الأمر، عليه أن يطرد الحزن والقلق من نفسه قبل أن يستقر في أعماقه ويتحول إلى مرض خطير يصعب معالجته.
الوعي بالمرض هو المدخل الأول للعلاج.

الفراشة
الفراشة التي كانت في يدي، جمالها ورقتها لم يتحملا خشونتي، حاولت الإبقاء عليها قبل أن تهجرني، وتبتعد، بيد أنها فضلت الاحتراق.
إرادة الموت كان أقوى لديها.
رأيت جسدها المحترق يذبل ويذوب ويتلاشى. حضنت ما تبقى منها إلى أن غاب كل شيء وتناثر في الفضاء والضوء.
وقفت وحدي في وسط الطريق، التفت حولي، بكيت بحرقة على قدرة الحياة والزمن على تغييب الجمال الذي خلقه وبدده في لحظة سريعة وعابرة.

الحب
في الحب عليك أن تمشي في ظله كأنك تمشي على حد السيف، لهذا عليك أن لا تميل يمينًا أو شمالًا حتى لا تقع وتنكسر.
الحب أجمل هدية تقدمه لنا الطبيعة، مع هذا لا نعطيه حقه، ولا نحترمه ولا نرفع من شأن أنفسنا لنكون بالقرب منه أو إلى جواره أو في داخله.

كان الغرب، ولا يزال يسخر من بوكاسا والقذافي وعيدي أمين والأسد بشقيه الصغير والاصغر وبوتفليقة ومحمد الثالث ومحمود عباس وغيرهم كثر.
والسخرية من حكام العالم الثالث فرض عين.
صحيح إنهم حكام أكثر من زبالة أو روث خنزير، لكن ترامب وبايدن بزا الجميع بالانحطاط.
لا شك أن العالم الثالث لديه مشاكل بنيوية عميقة جدًا في تراثه وثقافته ووجوده، في صدامه مع الحداثة القادمة إليه من خارجه.
إن هذا الصدام مزقه وخلخل بنيته ومكانته ووجوده وتركه عاريًا دون ثياب أو حذاء، بيد أن السؤال يطرح نفسه:
ـ أنتم يا الولايات المتحدة الأمريكية شو الله ضاربكم لتجيبوا واحد مثل ترامب وبايدن؟
أليس لديكم مؤوسسات عريقة، وبرلمان وطني منتخب، ومجلس شيوخ فاعل، ودولة عميقة فوقكم جميعًا؟
إذًا، هل من المعقول أن تسلموا واحد أرعن مثل ترامب، وواحد مثل بايدن المريض بالذهان، مفاتيح الأسلحة النووية؟
معقول هذا التصرف الأهوج؟ ولماذا يركبكم هذا الذل الذي أنتم عليه؟
بهدلتونا الله يبهدلكم.
المبهدل سلوك، وربما أنهما أفضل من كشف قبح إدعاءت الولايات المتحدة في الحريات

الطفل في الغرب يشوه
في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والغرب عمومًا يجري السهر على بناء الطفل من لحظة ولادته إلى أن يصبح بالغًا أي في السن القانونية.
يتم توفير كل مستلزمات الحياة الأمنة له من طعام وشراب وراحة نفسية وجسدية، وحمايته من الأذى النفسي والجسدي.
باختصارًا شديد يتعبون على بناء شخصيته ليصبح قويًا مستعدًا لتحمل أعباء الحياة القادمة وأداءه عمله باقتدار.
هذا البناء للشخصية يتم السهر عليه من خارجه، أي قويًا من الخارج، بيد أنه فارغ من الداخل، هش جدًا.
بمعنى، يخرج إلى الحياة نمطيًا لا يملك ثقافة أو معرفة.
إنسان مجرد من المعرفة العامة، لا يملك أي حس في البحث أو التدقيق، ولا يعرف ماذا يدور حوله في هذا العالم المضطرب.
إن الذاتوية المفرطة الذي يربى عليه المرء في الغرب، والتمحور المرضي حول الذات حولته إلى كائن أعزل، طبل مجوف من الداخل لا يفقه أي شيء يدور في بلده أو البلدان المجاورة.
ولا يجهد نفسه في البحث. إنه إنسان مسكين وبسيط جدًا.
هذه هي القاعدة اما الشواذ فموجود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها


.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف




.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب