الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في طريقي الى الهويدر!.

محمد السعدي

2024 / 1 / 23
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


في طريقي الى الهويدر ..”
السفرة الثانية الى وطني العراق .

لقد أضناني الحنين الى قريتي الهويدر وأشتد بي فراقهم ، وأنا ألملم ما تبقى من صحة وحيل في تحويشة العمر الآخيرة ، الذي أنهكته قساوة الغربة لاربعة عقود مضت ترجلت بها عدة محطات خوف ودول ومنافي ومعارك وطنية من أجل العراق وأهله ، وتحملت هول الصدمات ونذالة المواقف ولغة النفاق ودسائس التشهير ثمن لابد من دفعه بالوقوف بالضد من تيار النفاق والارتزاق وبيع أرض العراق الوطنية تحت مظلة شراسة الهجوم على الخصوم . طيلة أربعة عقود تكحلت عيناي برؤية أهلي ووطني وقريتي ظناً مني أن الأمر مختلف هذه المرة عن المرات السابقة التي تسللت بها الى الوطن عبر الجبل حاملاً منشوراً سرياً وجريدة وبيان للشيوعيين المقطوعين عن الصلة بحزبهم . هذه المرة وفي زيارتي الاولى مطلع عام ٢٠٠٤ بعد أن أزاح الامريكان عن صدور العراقيين كابوس مخيف . وجدت أهلي ورفاقي وأصدقائي ما زالوا يتنعمون بفرح رحيل الدكتاتورية ويحلمون بعراق مختلف يصونهم ويصونه ويتنعمون برغد الحياة الطبيعية به ، لكن المستور والمخفي وما خطط له حول مصير العراق والعراقيين كانت تباشيره ترسم المجهول القادم من قتل وفساد وطائفية قل نظيرهما في الكون .

في السفرة الثانية ، كانت هواجسي مختلفة وموجعة بدون إشراقة وحنان أمي ولا أخوة غدرهم الغادرون واولاد أخوة وخوات ماتوا في ريعان شبابهم ولا رفاق واصدقاء رحولوا مبكراً بدون تلويحة وداع ، سأكتفي بزيارة قبورهم والوقوف عند رؤوسهم تعبيراً عن رضاي عنهم وأحياء لذكراهم . بعد تردد لعدة سنوات إجتاحني بها الألم والتأنيب قررت أن أشد رحالي الى قريتي الهويدر وإعادة ما تبقى من التقطير الاتلافي للذاكرة ومرابع الطفولة وارهاصات الصبا وبنات الجيران . وكان آخر عنقود رحل عنا وودعنا أبن أخي الشهيد ” حردان فليح السعدي” والذي شكل رحيلة غصة كبيرة في النفس ، بقيت أيام واقفة في وسط البلعوم ومن الصعب بلعها ومن الاصعب تصديقها بسهولة وأنا أتهيأ في تدبير لوازم رحلتي الثانية الى بلدي العراق .
وصلت الى مطار بغداد عبر خطوط الطيران التركي مع أبنتي بيدر يوم ١٠ كانون الثاني ٢٠٢٤ ، والتي ولدت في مدينة مالمو السويدية منذ ثلاث عقود وهي التي تلهج بزيارة العراق وأهله ، وهذه المرة الأولى لها أن تتكحل عينيها برؤية العراق وأهله .

في صباح يوم ندي وطأت قدمانا أرض مطار بغداد وأنا أفصص خرزات المسبحة بين يدي قلقاً على عراق قديم في القدم تاريخ وحضارة وعلم ، في لحظتها داهمني شعور غريب عن طفولة وذكريات وأصدقاء ، وأنا أتفحص جدران وحيطان أركان بناية المطار الغابرة والمهترئة وصحيات ” تواليت ”. مقرفة لاتليق في بلد أسمه العراق إحتياطاته من الموارد تفوق سكان العالم . والمطار واجهة البلد العلنية أمام زواره وضيوفه وأبناء بلده المغتربين .
حسب موعد الطيران التركي في الهبوط بمطار بغداد ، كانو في إنتظاري في ساحة عباس أبن فرناس الاصدقاء عبد الكريم السعدي ” أبو غيث ” وهو رفيق وقريب وصديق قديم ، والاعزاء نزار وأحمد أبن رضيعتي اللذان ألتقيهم للمرة الأولى ، في خلل لا نعرف مداه ، عادت الطيارة من أجواء بغداد الى مطار إسطنبول ، كما إعلن عبر مكبرة الصوت أحد طاقم الطائرة مما ترك همس وحديث وتذمر بين راكبي الطائرة ، والتي ضاعت علينا فرصة الصباح في وجوه إشراقة المستقبلين . وبعد عدة ساعات عادت بنا الطائرة مرة آخرى الى مطار بغداد ، وضاعت علينا فرصة اللقاء بمستقبلينا ، بعد أن تواصلت معهم من مطار إسطنبول حول أشكالات الرحلة وعودتهم الى قرية الهويدر . وطلبت في المرة الثانية من أبن أختي أحمد في القدوم الى بغداد لاستقبالنا . بعد أجراءات طبيعية في داخل المطار خرجنا منه بشعور غريب ، ووصلنا عبر سيارة التاكسي الى ساحة عباس أبن فرناس وعلى شارعها العام وإلتقينا ب أحمد أبن أختي ونقلنا بسيارته الحمراء الى قريتي الهويدر عبر رحلة ، كانت ممتعة لي في شوارع بغداد ولفعني هواءها المنعش برفقة سلسلة ذكريات ومحطات تركت أثراً طيباً في حياتي السابقة . عندما أقتربنا من نخيل الهويدر بطوله الشامخ مضى الحنين بي الى ناسها ودرابينها وفي دقائق معدودة ، كنا أمام واجهت بيت أختي أم مصطفى المنكوبة برحيل أفذاذ كبدها زوجها وأبنها وأخوتها وأولادهم . في بيتها كان موطن رحلتي القصيرة ، ومنذ الساعات الأولى تقاطر عليه الاصدقاء والأهل بدفء اللقاء الذي طال وحوارات الغربة وأحوال القرية وناسها . كانت سفرة رغم قصرها ، لكنها كانت ممتلئة باللقاءات والسهرات والحوارات مع أعزاء فقدتهم لسنوات طويلة ، وفي صومعة الصديق العزيز أبا مروان شهدت حرارة اللقاءات مع وجوه القرية ودفء أحاديثهم . زرت الرفاق الشيوعيين في مقرهم الكائن في السراي لمرتين متتالتين ودارت حوارات ساخنة عن تفاصيل تجربة مرة ووضع سياسي مضطرب بحاجة الى قراءة متأنية وموقف جديد . وعلى قاعة الشهيد خليل المعاضيدي في إتحاد أدباء وكتاب ديالى نظمت لي أمسية وبتقديم الشاعر إبراهيم البهرزي عن أهم محطات سيرتي ومواقفي في الجبل والمهجر ، ولقد شهدت تفاعل كبير من الحاضرين في النقاش والحوارات والتعقيبات والمشاركات . ومن إنجازات السفرة حصلت ولأول مرة وأنا على عتبة عمر تجاوز الستين جواز سفر عراقي وبطاقة موحدة ، لكنها لم تضف جديد على عراقيتي التي لم أشعر يوماً ببرودة حرارتها رغم ويلات الغربة وأحباطات التجربة .
مالمو/٢٠ يناير ٢٠٢٤








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تناور.. «فرصة أخيرة» للهدنة أو غزو رفح


.. فيديو يوثق اعتداء جنود الاحتلال بالضرب على صحفي عند باب الأس




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر تطورات القصف الإسرائيلي في جميع مدن ق


.. حماس: تسلمنا المقترح الإسرائيلي وندرسه




.. طالب يؤدي صلاته وهو مكبل اليدين بعدما اعتقلته الشرطة الأميرك