الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-المجمع الصناعي العسكري- الأمريكي وتجارة الحروب

ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)

2024 / 1 / 23
السياسة والعلاقات الدولية


هل نعلم كيف يعمل مجمع التحالف الصناعي السياسي العسكري الأمريكي الذي يُشعل حروب العالم باسم حماية القيم والمصالح الغربية والأمريكية؟ وكم عدد حالات التدخّل العسكري التي أجازها الكونجرس الأمريكي خلال الفترة (1798-2023) بحجة الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة وحماية الشعب الأمريكي؟ وكيف يمكن وصف طبيعة النظام الذي يجمع بين أطراف طبقة الحكم "الأوليغاركية" وزواج السياسة بالمال؟!
لقد أقرّ الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، في نهاية عام 2022م، ميزانية الدفاع الأضخم في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، والتي بلغت (858) مليار دولار أمريكي، بزيادة تقريبا (101) مليار دولار عن ميزانية الدفاع لعام 2022م! هذا في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة أزمة انفاق كبرى في مجالات أكثر أهمية مثل الأمراض والأوبئة والتأمينات الطبية وتحديات البيئة والتغيّر المناخي وارتفاع البطالة والفقر ونسب معدلات التضخّم!
الأمر الذي أثار العديد من الإشكاليات المتعلقة بهذا النهم الأمريكي الشديد نحو تعظيم ميزانية الدفاع وصناعة الأسلحة بمبالغ ضخمة لصالح وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) وما يرتبط بها من "المجمع الصناعي العسكري" الأمريكي، الذي طالما أثار فضول المراقبين.
"المجمع الصناعي العسكري" MIC يعني باختصار شبكة العلاقات المرعبة والتحالف السياسي والمالي والتشريعي والعسكري الذي يجمع بين مصالح السياسيين والعسكريين ورجال الأعمال في مجال الصناعات الدفاعية والعسكرية، بحيث تتداخل شبكة المصالح بين الأطراف ذات الصلة من خلال عمل بعض أعضاء الكونجرس أو مشاركتهم في شركات دفاعية أو دعم الشركات متعددة الجنسية لمرشحين سياسيين ورؤساء ونواب للوصول إلى مناصب القيادة والتشريع بهدف دعم مصالحهم المشتركة.
ورغم الأهداف المشبوهة أمريكياً وعالمياً لهذا المجمع، إلا أن العملية مؤسسيةّ وتعمل في إطار رسمي مقيّد، وتحظى بموافقة الكونجرس والبيت الأبيض على الإنفاق العسكري، والإشراف على الصناعات الدفاعية الأمريكية، لأن ما يحكمها هو القانون وسلامة الإجراءات الشكلية، حتى لو كانت النتائج كارثية!
لقد حذر الرئيس الأمريكي الأسبق "دوايت ايزنهاور" في منتصف القرن الماضي، من خطورة التحالف بين تجّار السلاح والسياسة، وأثر ذلك على صناعة القرار الأمريكي، ولفت إلى خطورة هذا الأمر على الأمن الوطني الأمريكي في المستقبل، وهو ما نلمسه اليوم.
والضحية هو الشعب الأمريكي، دافع الضرائب الذي يسددّ من أموال الدولة الفيدرالية ثمن الغنى الفاحش ومئات التريليونات التي تذهب لحسابات قلة فاسدة من السياسيين والمشرعين ورجال الأعمال، ففي عام 2016، قدر إجمالي الثروة الخارجية الرسمية السرية للولايات المتحدة بمبلغ (800) مليار دولار، بمعنى المبالغ المرصودة في الخارج بشكل غير شرعي، نتيجة صفقات أو عمليات مشبوهة!
والغريب في الأمر، وفق مراقبين، أن هدف الولايات المتحدة المعلن من هذه الاستراتيجية الدفاعية هو لتغطية الانتشار العسكري الأمريكي على مساحة الكرة الأرضية! لكن تحقيق هذا الأمر يتطلب أن تذهب أكثر من نصف هذه الميزانية الضخمة لصالح شركات إنتاج الأسلحة الأمريكية الدولية، وهو ما يؤشر إلى مدى تغلغل التأثير الصناعي العسكري على القرار السياسي الأمريكي، ويشير كذلك إلى عمق العلاقة المشبوهة بين رجال السياسة والمال والأعمال في بلاد صناعة السلاح والإرهاب والنسبية المادية السائلة في كل مناحي الحياة.
منذ بروز الولايات المتحدة كقوة دولية ثم عالمية، بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945م، ثم مع اندلاع الحرب البادرة مع القطب السوفياتي، أصبحت ملامح العلاقة أكثر قوة وصلابة بين الطبقة السياسية والعسكرية ورجال الأعمال وشركات التصنيع العسكري، وساهمت هذه التطورات الأمنية بتوفير البيئة الخصبة لعقد آلاف الصفقات الدفاعية وشراء الأسلحة والمعدات العسكرية المتقدمة، كما زادت روابط المصالح بين أهل السياسة والتشريع والجيش من جهة، وشركات الصناعات العسكرية، ما تشكّل في الأفق تنظيم غير معلن هو "المجمع الصناعي العسكري".
وتحوّل شكل العلاقة من اطار الدفاع العام عن مصالح الولايات المتحدة وعقد صفقات تسليح ودفاع رسمية، إلى إطار متكافئ مختلط يجمع ويحفظ المصلحة المشتركة الخاصة للقوى السياسية والتشريعية والمالية والتجارية، أي تأسيس "مجمع سياسي صناعي عسكري"، أشبه بشراكة مستدامة بين "رجال السلطة في البيت الأبيض ووزارة الدفاع والكونجرس عموماً"، في شتى الظروف، وبين "شركات الصناعات العسكرية والدفاعية"، كما تعقّدت شبكة العلاقة بينهما أكثر في عصر عسكرة الذكاء الاصطناعي وتصنيع تقنيات عسكرية مذهلة، تفوق قدرات البشر، عقلاً وتدميراً، حتى حذر رجل الأعمال "ايلون ماسك" من خطرها الجسيم على حياة البشرية في قادم العقود.
لقد أصبحت الطبقة السياسية تمثّل المجمع الصناعي العسكري فعلياً، بعد أن ارتبطت السياسة الخارجية الأمريكية وتوجهاتها العامة بمصالح شركات التسليح، وتوثّقت علاقة المصاهرة بين النخب السياسية ورجال الأعمال، ولدينا نماذج حديثة لحروب الخليج العربي واحتلال العراق وأفغانستان بين عامي 2001-2003م!.
وعلى صعيد متصل، يمكن الإشارة إلى عدد حالات استخدام القوات المسلحة الأمريكية في الخارج خلال الفترة (1798-2023)، إذ بحسب الأرقام الرسمية، بلغ عدد حالات استخدام القوات المسلحة الأمريكية خارج الديار (473) حالة حتى نيسان 2023م.
وهي حالات التدخل العسكري المباشر التي جرت بإذن رسمي من الكونجرس الأمريكي، سواء للدفاع عن مصالح أمريكا أو لنشر قوات عسكرية في أراضي الغير أو في أعالي البحار الدولية والإقليمية، ضمن اتفاقيات الدفاع أو حماية الحلفاء أو بالقوة. ناهيك عن عمليات تدخل عسكرية سرية، لم يجري الإعلان عنها أو الحصول على إذن مسبق من الكونجرس لدواعٍ أمنية!
وبحسبة بسيطة، فان الولايات المتحدة خلال مدة (225) سنة تدخلت سنوياً مرتين على الأقل في كل دول المعمورة، وكافة قارات العالم، وعدد لدول التي تدخلت بها عسكرياً أو خاضت معها حرباً أو نشرت قواتها على أراضيها، بلغ (111) دولة غير مكررّ، لكن يتضاعف الرقم مع تكرار حالات التدخل أو الحرب مع بعض الدول، متل المكسيك وإسبانيا والصين واليابان وغيرها.
ومن خلال البيانات الرسمية المنشورة، كل تدخل عسكري في البر والبحر والجو، استهدف حلفاء اليوم أعداء الأمس، مثل بريطانيا فرنسا وأوروبا، أو أعداء اليوم، مثل دول أمريكا اللاتينية والصين وإيران والعرب والمسلمين، نقول في كل تدخّل كان الشعار أو الغاية المعلنة لأخذ إذن الكونجرس هو "حماية مصالح الولايات المتحدة والدفاع عن قيم وحرية وحياة الشعب الأمريكي"!
فمصالح الشعب الأمريكي وقيمه واحدة بغض النظر عن الجغرافيا السياسية، فمن حرب المكسيك وخليج المكسيك وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا لاحتلال (فلوريدا وجرينلاند مثلا) في أمريكا الشمالية، مطلع القرن التاسع عشر، وحتى عسكرة البحر الأحمر واحتلال العراق وأفغانستان في أسيا، أو أوروبا الوسطى والشرقية وفي غرب إفريقيا أو شمالها في القرن الحادي والعشرين، مصالح وقيم الولايات الأمريكية تمتد على مساحة وصول بوارجها وسفنها وطائرتها جنودها.
وتجّار السياسة أكثر خطورة على أمن العالم من تجّار السلاح، لأن الأول يساهم في صناعة الأزمات والصراعات السياسية وإعلان الحروب، فيما يتولى الثاني ضمان تدفق الأسلحة وزيادة مدة ورقعة الحروب، وهو ما نعايشه اليوم في حرب أوكرانيا وروسيا ( منذ مطلع 2022) ودور المجمع الصناعي السياسي العسكري الأمريكي فيها، ثم في ضمان استمرار العدوان الإرهابي "الصهيوأمريكي" على غزة منذ أكتوبر 2023م، والذي يسعى المجمع الصناعي الأمريكي، عبر رئيس البيت الأبيض، لتذكية نار العدوان في سبيل ضمان استمرار التصنيع العسكري وزيادة بيع السلاح لكيان الاحتلال ودول المنطقة! وفق حجة واشنطن و"النغمة الدائمة": حماية مصالحها والدفاع عن شعبها!
بحسبان أن "إسرائيل" نجمة "داوود" الحادية والخمسون في علم الولايات المتحدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: الرجل الآلي الشهير -غريندايزر- يحل ضيفا على عاصمة


.. فيديو: وفاة -روح- في أسبوعها الثلاثين بعد إخراجها من رحم أم




.. وثقته كاميرا.. فيديو يُظهر إعصارًا عنيفًا يعبر الطريق السريع


.. جنوب لبنان.. الطائرات الإسرائيلية تشن غاراتها على بلدة شبعا




.. تمثال جورج واشنطن يحمل العلم الفلسطيني في حرم الجامعة