الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل الرقي بالنضال الفكري الإيجابي. ملاحظات نقدية حول نقد كاظم لمقال -معركة طوفان الأقصى ... الأبعاد الإستراتيجية-

كاظم حسن الحوراني

2024 / 1 / 23
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


من الجيد، بل من المهم والضروري، أن يخوض الشيوعيون والشيوعيات النضال الفكري والنظري ضد الأفكار الخاطئة وضد التيارات الفكرية البرجوازية. من الجيد و المهم و الضروري أيضا أن يفعلوا ذلك بمسؤولية و بجدية لأن هذا الجانب من الصراع له تداعيات مباشرة على ممارستهم العملية و على مدى قدرتهم على تطوير خطهم الفكري و السياسي.
وحتى يكون هذا النضال الفكري (1) مسؤولا وجديا يجب أن يعرض الحقائق، أن ينتقد الموضوعات كما يطرحها أصحابها وأن يوضح خطأها من صوابها بالاعتماد على الحقائق وبالاعتماد على المنهج العلمي أي الماركسي.
إن أولى الواجبات التي تحدد مسئولية وجدية كل ناقد، تنطلق وتبدأ أولا من دراسة الموضوعات التي يجب نقدها حتى يتسنى له معرفتها واستيعاب مضامينها.
إن المسئولية هنا ضرورية حتى لا ننشر الضبابية، وهي ضرورية حتى يتمكن المرء من نقد الأفكار والتصورات التي يعلن عنها أصحابها وليس الأفكار التي يعتقد أنهم يعلنونها.
إن الجدية هنا أيضا ضرورية لأنها تعكس مدى الالتزام بفكر الطبقة العاملة و حتى لا يصبح النضال النظري مجرد سجال و مجرد ردود أفعال براغماتية لن تقدم شيئا في تنوير الجماهير و تثقيفها و لن تقدم شيئا لصالح تطوير الخط الفكري للطبقة العاملة.
إن الجدية والمسئولية في خوض النضال الفكري تتطلب أيضا أن نعرف ماذا يجب أن ننتقد وكيف يجب أن ننتقد، بمعنى وجوب معرفة القضية الأساسية أو القضايا الأساسية المطروحة للنقاش وليس الهوامش فقط.
إن هذه الجوانب من المسئولية والجدية الفكرية هي أهم ما افتقده نقد كاظم الماوي لمقال "معركة طوفان الأقصى... الأبعاد الإستراتيجية"، فالهم الأساسي الذي دفعه لكتابة مقاله كما كتب هو ما أوصى به ماو في مقال "ضد الليبرالية" وما أوصى به لينين كذلك، لكن عبر كل المقال يتضح أن هناك هم آخر ... (طغى على صاحب المقال هم التبشير بأفكار معينة) مما منعه من قراءة المقالة بتمعن أكبر ودراسته بمزيد من إعمال الفكر وعدم السقوط في التسرع في القراءة أو في إصدار الأحكام.
وعلى كل سوف أحاول من جانبي أن أعرض أهم الأخطاء التي منعت صاحب المقال من تطوير النقاش بشكل إيجابي.
يقول ناظم "لمسنا تضاربا في الأفكار لا ينبغي أن يحدث أصلا ومن ذلك مثلا الجملتين التاليتين:
إن ربط التكتيك بالإستراتيجية من الناحية السياسية يعني ضرورة الانتباه إلى اتجاهات تطور الوضع الكلي وإلى نقد وتفحص الشعارات والخطوات والمعارك التكتيكية" وعلى بعد فقرات ثلاث من ذلك، نعثر على لا يمكن ولا يجب المحاكمة بالشعارات وبالمبادئ العامة..."
ويضيف ناظم مستغربا ومتسائلا في نفس الوقت "في مناسبة يتعين نقد وتفحص كل الشعارات وفي مناسبة أخرى لا يجب المحاكمة بالشعارات؟؟"
لكن أين هو التضارب هنا؟ ما هو وجه التعارض بين الفقرتين اللتين استشهد بهما ناظم؟
الرفيق ناظم لم يعط لنفسه الوقت الكافي لإمعان الفكر فيما كتب و لم يستوعب ماذا كتب في الفقرة، و ما يزكي اعتقادي بهذا هو أنه أحالنا مباشرة بعد ذلك لمقال له ينتقد فيه شعارات مثل : "خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سيعود ..." و غيره من الشعارات!!
غير أن المقال لا يتناول الحديث عن الشعارات التي ترفع في التظاهرات وفي التحريض، المقال يتحدث عن الشعارات وعن المبادئ العامة. إن ما فهمه الرفيق ناظم هو تبخيس للنقاش الجدي و المسؤول.
إن المقال، و خصوصا الفقرة الثانية التي استشهد بها ناظم، تنبه القراء الشيوعيين و الشيوعيات إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الواقع و ليس الموضوعات المجردة، إنها تنبه إلى عدم المحاكمة انطلاقا من الموضوعات النظرية بل ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الواقع للملموس.
إن هذه الفقرة كما كتبت هي صياغة بشكل آخر للمقولة الماركسية "التحليل الملموس للواقع الملموس" وهذا بالضبط ما تعنيه.
لينظر الرفيق مجددا لها وليمعن الفكر أكثر وسوف نوردها كما جاءت في المقال: " وفي ظل الصراع الطبقي قد تختلف الأوضاع من بلد إلى بلد آخر حسب الظروف التاريخية والجغرافية.. و معها قد تختلف التكتيكات لكن ذلك ليس مبررا أبدا لممارسة سياسة تعمق السيطرة الرجعية، أو من سيادة خطوط تتجه نحو أهداف إستراتيجية ضد الجماهير و ضد الثورة البروليتارية.
وهنا لا يمكن ولا يجب المحاكمة بالشعارات وبالمبادئ العامة، بل يجب المحاكمة عبر تحليل الواقع الملموس المباشر والانتقال من المجرد إلى الملموس العيني" ("معركة طوفان الأقصى... الأبعاد الإستراتيجية")
وهكذا، فالمسألة هنا هي مسألة فكرية، مسألة مرتبطة بنظرية المعرفة بحد ذاتها. إنها تطالب بعدم تكرار الأجوبة التي قدمتها الماركسية دون الأخذ بعين الاعتبار الواقع الملموس بمعنى التخلص من القوالب الجامدة. والمثير في الأمر، أن ما حاولت المقالة التنبيه له هو بالضبط ما سقط فيه الرفيق ناظم.
لنأخذ مثالا واحدا حتى لا نطيل القول في هذا الشأن.
إن إحدى أهم الموضوعات التي قدمها الرفاق في مقالهم وحاولوا ما أمكن التأكيد عليها، هي عدم السقوط في ترديد نفس الشعارات التي رفعت في تونس وفي الأرجنتين إبان الاستعمار. لماذا؟ لماذا لا يجب ترديد نفس الشعارات و منها مثلا : "طرد الاحتلال الامبريالي" أو "جلاء المستعمر" ؟ ...
لأن الظروف الملموسة بفلسطين مغايرة لما كان عليه الأمر بتونس أو الارجنتين.
بفلسطين ليس هناك احتلال امبريالي، بل هناك استيطان صهيوني والشعار المناسب ليس طرد الكيان الصهيوني بل القضاء عليه كليا كما جاء في المقال: "إن الاحتلال الذي تتعرض له فلسطين ليس من دولة لها سيادة على أرض أخرى بمعنى أنه ليس استعمار امبريالي كما عرفته جل البلدان في القرن 19 والقرن 20، إنما هو استيطان وهذا الواقع الملموس والعيني وهو ثاني المقدمات. "
ثانيا: إن المسألة الثانية التي حاول المقال إبرازها هي مسألة "الدولة الصهيونية"، حيث تناولها على النحو التالي: " نحن هنا لا نريد أن نغوص في تاريخ تشكل هذا الكيان الغاضب (على الأقل الآن)، ما يهمنا هو ان نحاول إبراز مقومات وجود هذا الكيان الذي بدأ بمجموعة من العصابات المدججة بالسلاح وبأشد ما هو رجعي في "الفكر اليهودي". وتحولت عن طريق الامبريالية إلى جيش وبنيت له دولة عنصريةـ وهذا يحيلنا إلى ضرورة لفت الانتباه إلى ضرورة استحضار مفهوم الدولة من وجهة نظر ماركسية، فالدولة من المنظور الماركسي تعني الشكل التنظيمي والسياسي الأعلى لممارسة ديكتاتورية طبقة على أخرى، والدولة هي تعبير عن استحالة حل التناقضات الطبقية، وهي نتاج تطور تاريخي طويل تتغير أشكالها ووسائلها، ويبقى مضمونها الأساسي واحد: ممارسة الديكتاتورية الطبقية.
غير أننا هنا في حالة الكيان الصهيوني فإن الدولة الصهيونية وجودها التاريخي وأساسها الطبقي ليس مرتبطا بالصراع الطبقي بفلسطين، ومضمونها السياسي الأساسي يرتبط مباشرة بالسيطرة الامبريالية على منطقة الشرق الأوسط. صحيح أنه مع قيام دولة الكيان الصهيوني وتطورها كان من الطبيعي بروز التناقضات الطبقية داخل المجتمع الصهيوني وظهور الاستغلال الرأسمالي بكل أنواع وأشكاله داخل المجتمع الصهيوني.
إن تشكل دولة الكيان الصهيوني قام على قاعدة تشكل جيش من المجرمين بنيت له دولة، إن ذلك جعل ويجعل من الجيش الركيزة الأساسية لهذه الدولة الصهيونية ومعه باقي المؤسسات الاستخباراتية والأمنية..
إن تطور الاقتصاد الصهيوني مرتبط بالإمبريالية الأمريكية والأوروبية، وهذه العلاقة ليست نفسها العلاقة التي تربط الإمبريالية مع الدول المستعمرة أو الدولة الشبه مستعمرة، فالاقتصاد الصهيوني تطور أساسا بفعل " تصدير الكم الهائل من الرأسمال الامبريالي داخل الكيان الصهيوني في مشاريع مختلفة ولا زال الى اليوم معتمد على هذا الرأسمال الامبريالي سواء الرسمي من طرف الامبريالية الأمريكية والأوربية أو غير الرسمي من طرف المؤسسات المالية والصناعية الكبرى...... فإذا كانت علاقات الإنتاج ومستوى تطور القوى المنتجة هي التي تحدد مضمون كل مجتمع معين، وبالتالي هي التي تحدد الاشكال السياسة المتوافقة مع هذا البناء التحتي الذي تشكل العلاقات الاقتصادية مركزه الأساسي فإن حال الكيان الصهيوني يختلف تماما، وهذا الاختلاف يمكن ان نحدده في طبيعة هذا الكيان الصهيوني نفسه، باعتباره قاعدة ارتكاز للإمبريالية والأوروبية داخل المنطقة، ومنه فإن ما يحدد السياسة الصهيونية ليس الاقتصاد الصهيوني، وإنما الامبريالي مباشرة. بمعنى أن البناء الفوقي لهذا الكيان لا يستمد من العلاقات الاقتصادية ومن طبيعة التناقضات الداخلية التي لها بكل تأكيد تأثير واضح، إنما يستمد من خلال التقسيم الامبريالي لمناطق النفوذ. وهذه الخاصية هي نابعة مما قللناه سابقا عن طبيعة الدولة الصهيونية، فهي جيش صنعت له الامبريالية دولة. "(معركة طوفان الأقصى... الأبعاد الإستراتيجية)
بهذا الشكل عرض الرفاق المسألة لنرى كيف حاول الرفيق ناظم نقدها:
"وكذلك، لابد من التنبيه إلى من سهروا على صياغة المقال الحامل عنوان "معركة الأقصى الأبعاد الإستراتيجية" سقطوا في فخ الإيديولوجيا والخطاب السائدين لاسيما لدي محلّلين في قنوات تلفزيّة أبعد ما يكونوا عن الماركسيّة ( السائد نعيد التأكيد ) .. ." (مقال ناظم)
ولأن هذا الكلام ليس بنقد بل مجرد اتهامات مجانية ومجانبة لكل نقاش جدي ومسؤول، ولأن الرفيق ربما شعر بذلك حاول الاعتماد على بعض المبادئ العامة عبر الاستشهاد بإنجلز ولينين. وهذا بالضبط ما نبه -كما أشرت سابقا- إليه المقال، عدم السقوط في الأحكام العامة والرجوع باستمرار للواقع الملموس.
إن "أصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة" و رأس المال" و "الدولة و الثورة " تقدم لنا مفهوم الدولة من وجهة نظر الماركسية، توضح لنا شروط بروزها و تطورها باعتبارها نشأت من و عبر تكون الطبقات و بروز الصراع الطبقي، و في آخر التحليل " تعبير عن استحالة التوفيق بين الطبقات" و هي أداة لممارسة الديكتاتورية الطبقية.
حسن، فماذا إذن عن دولة الكيان الصهيوني؟
كيف تشكلت الدولة الصهيونية؟ هذا هو مربط الفرس والقضية الأساسية، في هذا الجانب لم يقدم ناظم أية إجابة تنفي ما قيل في المقال سوى مجموعة من التهجمات التي لا تليق بأي شيوعي ومجموعة من المقولات والشعارات والمبادئ العامة.
هل تشكلت "دولة الكيان الصهيوني" عبر تطور تاريخي لتشكيلة اجتماعية بعينها؟ هل ظهرت من خلال تطور الصراع بين طبقات المجتمع الفلسطيني؟ هل "الدولة الصهيونية" التي قامت سنة 1948 هي نتيجة لمستوى معين من تطور نمط إنتاج إلى نمط إنتاج أكثر تقدما؟ وهل "دولة الكيان الصهيوني" هي تعبير عن سيطرة طبقة داخل المجتمع الفلسطيني استطاعت بسط ديكتاتوريتها على باقي الطبقات؟
إن محاولة المحاكمة هنا بالشعارات والمبادئ العامة منعت الرفيق ناظم حتى من طرح هذه الأسئلة.
إن الأدبيات الماركسية حول الدولة لم تتناول مثل هذه الحالة التي تتفرد بها "دولة الكيان الصهيوني" ليس قصورا من مؤسسي نظرية البروليتاريا بل لأنهم لم يجابهوا مثل هذا الوضع، و منه فإن المحاكمة يجب أن تستند إلى الحقيقة، إلى الواقع الملموس و هو في حالتنا هذه أن "دولة الكيان الصهيوني" نشأت ليس من خلال مستوى معين من تطور الصراع الطبقي بفلسطين و من تطور علاقات الإنتاج بفلسطين، بل تأسست من خلال تشكيل عصابات مجرمة هجرت العديد من اليهود إلى أرض فلسطين و أبادت أبناء هذه الأرض و شكلت جيشا أسست له الإمبريالية دولة أعلنت عن نفسها سنة 1948 كدولة.
و عوض أن يقدم ناظم تحليلا مخالفا لذلك يوضح خطأ التحليل الذي قدمته مقالة "معركة طوفان الأقصى الأبعاد الإستراتيجية" و يرفع النقاش إلى مستوى الجدية و المسؤولية، أطلق جملة من الاتهامات و من القذف المجاني و استعراض نصوص و مبادئ عامة لا تراعي ما هو في الواقع الملموس.
إن الرفيق كاظم يضحي بشجرة الحياة، بالواقع الملموس من أجل الكلمة.
إن هذا النوع من التعاطي مع قضايا جدية ومصيرية ينسف المادية وينسف الماركسية ويجعلها مجرد شعارات وموضوعات، يجعلها مجرد كاريكاتور (2)
المقال مليء بالتهجمات المجانية ومليء بالمغالطات التي كانت نتيجة للتسرع في القراءة (حتى لا نقول الدراسة) وفي إصدار الأحكام من جهة ونتيجة لرغبة ما غير تطوير الصراع الفكري الجدي والمسؤول.
نكتفي هنا مثلا في حديث الرفيق حول الديمقراطية و حول الحرية، فيذهب إلى نقد ما قاله الرفاق أصحاب مقال "معركة طوفان الأقصى الأبعاد الاستراتيجية" حول "الديمقراطية الحقيقية" و "الحرية الحقيقية" وفي نقده عوض أن يتحدث عن ما قاله الرفاق عرج و أدخل خلسة ما سماه "الديمقراطية الخالصة" و أطلق العنان لقلمه لترديد ما قاله لينين حول ذلك.
إن التسرع و عدم إيلاء الأمر الجدية و المسؤولية الكافيتين من طرف الرفيق ناظم جعله يسلك أسلوبا أقل ما يقال عنه (الأسلوب و ليس الشخص) أنه غير شريف و لا يليق بأخلاق الثوريين فما بالك بالشيوعيين.
أين و كيف وردت صيغة الديمقراطية الحقيقية و الحرب الحقيقية في مقال "معركة طوفان الأقصى الأبعاد الإستراتيجية" ؟
"... فالمسألة ليست مرتبطة بإنهاء الاحتلال، بل بالقضاء على الكيان الصهيوني، تحطيم دولته، إرجاع الصهاينة من حيث أتوا، وإنشاء دولة ديمقراطية شعبية والتقدم نحو بناء مجتمع اشتراكي يقدم للشعب الفلسطيني الحرية الحقيقية"
"... إن الحد الفاصل اليوم بين الخطوط هو أولا مقاومة الكيان الصهيوني، و أساسا من خلال الكفاح المسلح، وهو ثانيا النضال من أجل التحرر من قبضة الامبريالية و بناء الديمقراطية الحقيقية"
و جاء أيضا : "غير أن مهام الغد لا يجب في أي حال من الأحوال أن تنسينا واجبات اليوم: تصعيد الكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني و من خلاله و بواسطته يتم تربية الجماهير فكريا و سياسيا و تنظيميا من أجل قيادة هذا النضال سياسيا و عسكريا لدحر العدو و بناء دولة الديمقراطية الجديدة"
و بنفس الأسلوب تحدث ناظم عن الجيش و عن البرجوازية و عن النضال الفكري الذي ليس هو - في رأيه- نفسه النضال الأيديولوجي ووو...
لقد تحدث عن كل شيء دون أن يقول أي شيء جدي و دون أن يقدم أية مساهمة جدية و مسؤولة للرقي بالنقاش و تطويره حول القضايا و الأفكار الأساسية موضوع مقال معركة طوفان الأقصى الأبعاد الإستراتيجية.
وفي نفس السياق أيضا عرج ناظم نحو "الحتمية التاريخية" و "حتمية انهيار هذا الكيان الغاصب" منتقدا مفهوم"الحتمية التاريخية" (3) مشيرا أنه "في التاريخ ثمة نزاعات وما من شيء حتمي". إنه ينتقد ما قاله المقال حول "حتمية انهيار الكيان الصهيوني" وهو يعارض هذه الفكرة دون أن يوضح للقراء بماذا يعارضها سوى بعض الكلمات من هنا ومن هناك ومحاولة نفيها باحتمال زوال الإنسانية برمتها.
غير أن المقال يتحدث عن حتمية انهيار الكيان الصهيوني انطلاقا من التناقضات التي تحكمه وانطلاقا من طبيعته وطبيعة التناقضات التي تحدد علاقته مع باقي شعوب المنطقة. وإذا كان الرفيق يعتقد أن انهيار الكيان الصهيوني هي مسألة غير حتمية بدعوى أنه "لا حتمية في التاريخ" فإن هذا الكلام أولا من الناحية السياسية يصب في القبول بالكيان الصهيوني لأنه انهياره ليسا حتميا وتانيا فإن الرفيق لم يقدم أيضا أي من الإمكانيات المقابلة لعدم حتمية انهياره.
ونصل إلى المسألة الجوهرية في المقال، أي مسألة ما حققته معركة طوفان الأقصى.
فالمقالة تتحدث و تحاول أن توضح أن هذه المعركة قد أحدثت بالفعل تغيرات في الوضع الكلي للحرب ضد العدو الصهيوني و قد قدمت مبررات هذا التغيير انطلاقا من واقع المواجهة ضد هذا العدو قبل 7 أكتوبر و ما أسفرت عنه المعركة بعد ذلك إلى حدود كتابة تلك المقالة. وسوف أذكر بها لاحقا، لكن ما يستحق أن نتناوله قبل ذلك هو كيف ينفي ناظم تلك الفكرة "أي تغير الوضع الكلي".
كتب ناظم قائلا: " كنّا ننتظر، منطقيّا، شرح كيف أنّ تلك المعركة تمثّل " عن حقّ منعطفا حقيقيّا في الصراع ضد الكيان الصهيوني" وأنّها " مكّنت من إحداث تغييرات جذريّة على مجمل الصراع مع العدوّ الصهيوني و أحدثت تغييرات جذريّة في وضع الحرب الكلّي لتفتح المستقبل على مسارات جديدة لصالح القضيّة الفلسطينيّة ". و لم ننل الشرح المرجوّ بل إكتفى مؤلّفو المقال بتلك التأكيدات ، لا غير . و يبدو هذا التقييم نوعا رومانسيّا مثاليّا ذاتيّا حالما لعدّة أسباب منها أنّنا في الوقاع الملموس،..." (مقال الرفيق كاظم)
فهو لا يرى تغيرات جذرية في "وضع الحرب الكلي". ولكي ينفي أن هناك تغيرات حقيقية أورد العديد من الأسئلة الاستنكارية من قبيل:
"فهل حرّرت المقاومة أراضي جديدة و مواقع إستراتيجيّة ؟ لا . هل صار جيشا قويّا بحيث يقدر على مقارعة العدوّ في عقر داره ، في الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة و يفتكّ منه قطعا من الأرض ؟ لا . هل تغيّر ميزان القوى لصالح المقاومة ؟ لا . فالمقاومة ، بلغة ماويّة ، لا تزال في مرحلة دفاع إستراتيجي و لم تبلغ مرحلة التوازن الإستراتيجي فما بالك بمرحلة الهجوم الإستراتيجي . وهل أصبحت القيادة السائدة شيوعيّة ثوريّة؟ لا" (مقال الرفيق كاظم)
ليختتم كلامه "فالمقاومة، بلغة ماوية (كذا)، لا تزال في مرحلة دفاع استراتيجي فما بالك بمرحلة الهجوم الاستراتيجي. و هل أصبحت القيادة السائدة ثورية؟ لا "
حسن، لكن ما علاقة كل هذا الصراخ بالمسألة؟؟
إن كل مطلع على الأدبيات حول موضوعات ماو في الموضوع، أي مسألة "الوضع الكلي للحرب" سوف يتساءل ما علاقة ما قاله ناظم بالمسألة موضوع النقاش؟
كان من المفترض على الرفيق قبل الكتابة والنشر أن يدرس أولا المسألة وأن يستوعب ما يقال. كان من المفترض الإجابة عن سؤال ماذا يعني تغيير الوضع الكلي للحرب؟
تغير الوضع الكلي للحرب لا يعني بالضرورة الانتقال من مرحلة إلى أخرى (دفاع – توازن – هجوم). تغير الوضع الكلي للحرب لا يعني بالضرورة تغير كل موازين القوى لصالح طرف من طرفي الصراع. تغير الوضع الكلي للحرب لا يعني بالضرورة افتكاك قطع من الأرض، ولا يعني الانتصار النهائي ولا حتى قرب أو بعد هذا الانتصار النهائي.
و لأن ناظم لم يستطع معرفة السؤال فلم يكن في مقدوره الإجابة عنه و لذلك لم يجد سوى الاستشهاد بالأمين العام لحزب الله نصرالله بشأن الأمر يتعلق بتسجيل نقاط لا غير. (4)
وكما قال ماو "حيثما كانت حرب، يوجد وضع كلي للحرب. وقد يشمل الوضع الكلي للحرب العالم بأسره أو قطرا بأكمله أو منطقة مستقلة لحرب العصابات أو جهة مستقلة كبرى للعمليات العسكرية. وكل وضع حربي يجب أن تؤخذ فيه بعين الاعتبار مختلف الجوانب والمراحل. وإن دراسة القوانين الموجهة للحرب والتي تتحكم في وضع الحرب الكلي هو مهمة الإستراتيجية." (ماو قضايا الاستراتيجية في الحرب الثورية، مجلد 1 ص 269-270) وفي نفس السياق يشير ماو إلى أن "المقصود من الحركة، المذكورة في المثل القائل «ان حركة طائشة واحدة تتسبب ق خسارة المباراة كلها» هو الحركة التي تؤثر على الوضع الكلى لمباراة الشطرنج، أى الحركة ذات الأهمية الحاسمة بالنسبة الى الوضع الكلى.‏ لا حركة تؤثر في الوضع الجزئي وحده وليست ذات أهمية حاسمة بالنسبة الى الوضع الكلى. ان ما ينطبق على لعبة الشطرنج ينطبق كذلك على الحرب" (ماو نفس المرجع ص 270)
وينبه ماو إلى أننا "لا نستطيع استيعاب القوانين المتحكمة في وضع الحرب الكلى الا بالإمعان في التفكير. لأن ما يتعلق بالوضع الكلى شيء غير مرئي.‏ والسبيل الوحيد الى فهمه هو الامعان في التفكير، فاذا لم نمعن في التفكير فلن نستطيع فهمه" (ماو نفس المرجع ص 272)

والمثير للضحك، أن محاولات ناظم للبحث عن أي شيء ليقول ما كان يريد قوله قد ختم نقده أيضا بما ختم به الرفاق مقالهم حيث كتب يقول: «وحينما أنهى أصحاب مقال معركة طوفان الأقصى الأبعاد الإستراتيجية نصهم بشعارين هما "عاشت فلسطين" و "عاش النضال الثوري الفلسطيني" أصبنا بصدمة (كذا) إنكار واقع المساندة الأممية الإنسانية عالميا من جهة، و إهدار البعد الأممي البروليتاري و البعد الإيديولوجي و السياسي الشيوعيين الثوريين في الشعارين إياهما. هل ينم هذا عن استهانة بالأممية البروليتارية و تعويضها بشيء آخر؟"(مقال كاظم)
هذا نموذج صارخ ومثال يوضح نمط تفكير الرفيق ويوضح أسلوب تحليله وكيفية تعاطيه مع قضايا فكرية جدية ومصيرية.
أن تبدأ مقالا بشعارات أو مقولات أو تنهيه بها لا يغير من حقيقة مضامينه، فلا الشعارات ولا المقولات يمكن أن تعفي كل من يحاول ممارسة النضال الفكري من ضرورة التحليل العلمي. ولا الشعارات والمقولات في البداية أو النهاية أو وسط الكتابة يمكنها أن تدل عن مضمون الخط الفكري والسياسي لكتابها.
فما يجب الانتباه إليه والاهتمام به هو هذا المضمون أو ذاك الذي يعكسه هذا المقال أو تلك الدراسة.
وعلى كل، فنتيجة لهذه الصدمة ، بدأ يوزع الاتهامات يمينا ويسارا حول إنكار واقع المساندة الأممية و "إهدار البعد الأممي.." وهذا أسلوب أقل ما يقال عنه أنه غير شريف ولا يدل على أي حس سياسي.
فبالرجوع إلى مقال الرفاق نجده يؤكد على البعد الأممي و يرسخ أهمية استحضار أبعاده في كسب أي معركة يخوضها الشيوعيون، نجد مثلا أن المقال:
" إن الشيوعيين – ات من الناحية المبدئية (والعملية أيضا) يحددون هدفهم الاستراتيجي انطلاقا من البعد الأممي ومن مضمونه في التقدم نحو الثورة العالمية ونحو الشيوعية." (معركة طوفان الأقصى الأبعاد الإستراتيجية)
ونجد "إن انتصار الثورة الاشتراكية في بلد معين يمكن أن يجعل من هذا البلد نقطة ارتكاز وقاعدة حمراء للثورة العالمية، حيث يستطيع من خلالها وعبرها، الشيوعيين – ات التقدم أمميا إذا ما توفرت الشروط السياسية والتنظيمية لذلك، بمعنى توفر أممية شيوعية حقا، تضع على عاتقها قيادة الثورة الشيوعية العالمية. إن عملا من هذا النوع أي عملا يربط التكتيك الثوري بالإستراتيجية الثورية على النطاق العالمي والأممي يشكل أحد مبادئ الشيوعية نفسها وأحد العناصر الأساسية لكل خط سياسي شيوعي حقا." (معركة طوفان الأقصى الأبعاد الإستراتيجية)
وأيضا:" إن النضال من اجل الرقي بالنضال إلى مستوى القيادة السياسية والعسكرية هو نضال طويل ومرير، وهو نضال فكري وسياسي في نفس الوقت، نضال من أجل لف أكبر عدد من الجماهير حول برنامج ثوري حقيقي. وهو نضال لا يمكن تحقيقه إلا بالعمل في قلب الجماهير ومع الجماهير، ويتطلب دعما شاملا من جميع النواحي للثوريين والشيوعيين الفلسطينيين من طرف كل شيوعي على المستوى الأممي." (معركة طوفان الأقصى الأبعاد الإستراتيجية)
والمثير للغضب أيضا أن ناظم في بحثه عما يمكن نقده واصطياد كل ما من شأنه أن يبرز اختلافه مع ما قدمه الرفاق، ذهب حتى إلى حد محاكمة المقال على استعماله صيغة "النضال الفكري" عوض "الإيديولوجي" لأنه بالنسبة له "إن مفردة "فكري" لا تساوي إيديولوجي فهي أشمل وبالتالي ليست بدقة إيديولوجي في سياق حديثنا الماوي هذا" (ناظم). بل ذهب حتى إلى قول "ومن كانت له احترازات على كلمة إيديولوجيا كما يفعل بعض الليبيراليين والمعادين للماركسية فليعلن ذلك أو ليطرح الموضوع للنقاش" (ناظم).
وبغض النظر عن هذا الأسلوب الرخيص في النقاش، الذي لا يليق بمن يقول عن نفسه شيوعي، يظهر أن كاظم لم يستوعب شيئا من المقال الذي ينتقده، ولا تحكمه أبدا الرغبة في الرقي بمستوى النقاش وتطوير الصراع الفكري لما فيه خدمة للقراء وللجماهير. يظهر أن ما يحكم الرفيق هو خلفيات سياسية ضيقة وصبيانية تزفر رائحتها من أول إلى آخر ما كتب.
وعلى كل، فمقال "معركة طوفان الأقصى الأبعاد الإستراتيجية" مليء بالأبعاد الإيديولوجية والسياسية وحتى صيغة النضال الفكري الذي يعتقد ناظم مخطئا أنها لا تساوي "النضال الايدولوجي" بالرغم أنه اطلع على كتاب لينين ما العمل؟ الذي يتحدث عن هذا النضال بصيغة "النضال النظري"، بالرغم من ذلك إذ يكفي أن نعود إلى صيغة الرفاق في مقال "معركة طوفان الأقصى الأبعاد الإستراتيجية" حتى يتضح أن ناظم لا تعنيه المضامين في شيء بل المفردات والكلمات، حيث وردت صيغة النضال الفكري والسياسي في المقالة عند الحديث عن إحدى نقاط الضعف التي تعاني منها حركة التحرر الوطني الفلسطيني أي ضعف القوى الثورية ومسألة القيادة التي تعتبر المسألة المركزية. حيث كتب الرفاق: "إن النضال من أجل الرقي بالنضال إلى مستوى القيادة السياسية والعسكرية هو نضال طويل ومرير وهو نضال فكري وسياسي في نفس الوقت، نضال من أجل لف أكبر عدد من الجماهير حول برنامج ثوري حقيقي. و هو نضال لا يمكن تحقيقه إلا بالعمل في قلب الجماهير و مع الجماهير، و يتطلب دعما شاملا من جميع النواحي للثوريين و الشيوعيين الفلسطينيين من طرف كل شيوعي على المستوى الأممي"
ناظم لم يرى في هذه الفقرة أي بعد إيديولوجي أو سياسي، ولم يستطع أن يستشف عن أي خط إيديولوجي وسياسي تعبر هذه الكلمات بالرغم من وضوحها التام.
وليس هذا فقط فما يثير الضحك، أن ناظم الذي يدعي أن "الفكري" ليس هو نفسه "الأيديولوجي" ويطالب بأعلى صوته بضرورة كتابة هذه المفردة "ايديولوجي" هو نفسه لا يخجل من الحديث والاستشهاد عن ضرورة فتح ".. مدى متزايد لنزاع مختلف الأفكار والمدارس الفكرية والمبادرة والخلق الفرديين وحماية الحقوق الفردية".
إن كل صراخ "النقد" الذي تقدم به الرفيق ناظم لا يقدم قيد أنملة النقاش المطروح إلى الأمام ويفتقد إلى الجدية والمسؤولية في التعاطي مع قضايا فكرية وسياسية جوهرية، زد على كونه لا يتحلى لا بالصدق ولا حتى بالأسلوب الشريف في التعاطي مع الأفكار. مجرد سلسلة من التهجمات المجانية ومن الأفكار المتناثرة التي لا تفعل سوى نشر الضبابية الفكرية والقوالب الجامدة. فلماذا سقط ناظم في هذا المستنقع؟ ببساطة لأنه لم تحكمه الرغبة في فهم واستيعاب ما قيل في مقالة "معركة طوفان الأقصى الأبعاد الإستراتيجية" فلم تحكمه الرغبة في رفع النقاش الإيديولوجي و السياسي بل امتلكته الرغبة في ارتداء جلباب ما.
وحتى أنهي هذا التفاعل مع الرفيق، أعتقد أنه من المفيد تلخيص أهم القضايا الفكرية والسياسية التي صاغها الرفاق في مقالة "معركة طوفان الأقصى... الأبعاد الإستراتيجية" الذي كتب بقلم ماركسي أصيل، استطاع أن يربط التحليل الملموس بالوقائع الملموسة ويقدم تصورا مخلصا لهوية واضعيه أي مخلصا للخط الماركسي اللينيني الماوي.
فقد استطاع المقال أن يقدم تصورا لبعض خصائص الكيان الصهيوني، خصائص ينفرد بها هذا الكيان لوحده عن باقي المجتمعات ويمكن إجمالها فيما يلي:
1- لم يتشكل الكيان الصهيوني (وليس دولته وفقط) عن طريق تطور تاريخي لنمط إنتاج معين داخل فلسطين كما هو الحال بالنسبة لسائر المجتمعات الحالية.
2- لم تتشكل ولم تظهر دولة الكيان الصهيوني كنتاج لظهور أو احتداد الصراع بين طبقات المجتمع الفلسطيني كما هو الحال في باقي دول العالم.
3- دولة الكيان الصهيوني ليست مجرد تعبير عن استحالة حل التناقضات الطبقية، بل هي أيضا و أساسا تعبير عن محاولة الامبريالية الغربية السيطرة على شعوب المنطقة.
4- الكيان الصهيوني هو قاعدة عسكرية متقدمة للامبريالية الأمريكية و الغربية لنهب ثروات شعوب المنطقة و لإحباط أي مشروع تحرري حقيقي لهذه الشعوب.
5- الكيان الصهيوني تموله الإمبريالية عن طريق تصدير الرأسمال دون أن تستغله (استغلال فائض القيمة)، بل تموله من أجل استغلال شعوب المنطقة.
6- كل طبقات الكيان الصهيوني تستفيد من هذا الرأسمال
هذه الصفات المتفردة للكيان الصهيوني ول"دولته" تجعل من الإجابات السياسية مختلفة:
1- المهمة ليست طرد الاحتلال الصهيوني بل القضاء عليه وتدميره.
2- المهمة ليست إخراج الجيش الصهيوني من أرض فلسطين كما كان الحال بتونس أو الأرجنتين بل إجلاء وطرد كل الصهاينة، أي المجتمع الصهيوني.
3- بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية حيث ينعم الشعب الفلسطيني بغض النظر عن دياناته (إسلام، مسيحية، يهودية ......) بالحرية الحقيقية والديمقراطية الحقيقية التي لن تكون حقيقية إلا في إطار هذه الدولة التي تفتح مسار نحو الاشتراكية والشيوعية.
إن هذه المهام المطروحة تجد أمامها العديد من العوائق وتتطلب توفير العديد من الشروط اللازمة لإنجازها، وهذه العوائق والشروط التي تحدث عنها المقال يمكن إجمالها في:
1- وضع حركة التحرر الوطني الفلسطيني حيث سيادة خط برجوازي في قيادتها.
2- ضعف اليسار الثوري داخل هذه الحركة.
3- غياب للخط الفكري والسياسي القادر على إنجاز المهام السالفة الذكر.
4- أهمية و ضرورة النضال من أجل بلورة و تأسيس هذا الخط و انتزاع قيادة الحركة.
5- إن توفر هذا الشرط يتطلب نضالا فكريا وسياسيا قويا.
6- و هذا النضال الفكري و السياسي يجب أن يكون وسط الجماهير و بمعية الجماهير الشعبية الفلسطينية.
7- ويجب أن يكون عبر ومن خلال الكفاح المسلح وليس على هامشه.
إن إنجاز و توفير هذه الشروط عمليا و التغلب على هذه العوائق يتطلب إمعان الفكر و تحديد اتجاهات النضال الحالي و ما يوفره من إمكانيات و من فرص دون الاستهانة بما يفرضه من إكراهات . ومقال "معركة طوفان الأقصى الأبعاد الإستراتيجية" حاول إبراز هذه الإمكانيات والفرص وكذا أشار إلى الإكراهات التي أتاحتها معركة طوفان الأقصى. إن الموضوعة الأساسية في هذا السياق التي تقدم بها الرفاق هي أن هذه المعركة البطولية قد أحدثت تغييرا في الوضع الكلي للحرب ضد العدو الصهيوني و فتحت المستقبل حول مسارات جديدة لصالح القضية الفلسطينية يجب العمل بوعي للاستفادة منها و تطوير النضال الثوري داخل فلسطين و على الصعيد الأممي.
إن معركة طوفان الأقصى قد أحدثت تغييرا في الوضع الكلي للحرب ضد العدو الصهيوني وهذا التغيير في الوضع الكلي للحرب لا يمكن تحديده إلا من خلال رصد ما تغير ومدى تأثير ما تغير على كلا الطرفين المتحاربين (الكيان الصهيوني، والمقاومة...)، ومدى تأثير ما تغير على نقط ضعف ونقط قوة كلا الطرفين المتحاربين. والمقال يحمل العديد من المتغيرات في هذا الصدد يمكن أيضا إجمالها على النحو التالي:
1- إن إحدى مراكز القوة للكيان الصهيوني هي ما يسميه "قوة الردع" وقوته العسكرية والاستخباراتية، إن هذه القوة تلقت ضربة قاسمة وتحطم بريقها وكل الدعاية الصهيونية المرافقة لها.
2- إن أحد شروط استمرار الكيان الصهيوني هو قدرته على استقطاب "اليهود" و توطينهم في أرض فلسطين و هذه القدرة مستمدة أساسا من قدرته على توفير الأمن و الأمان و العيش الكريم لهم، إن معركة طوفان الأقصى قد حطمت أيضا هذه القدرة و أصبحت الهجرة المعاكسة حقيقة واقعية اليوم و هزت وعي الصهاينة ب"دولتهم" و كيانهم.
3- إن هذه المعركة أيضا استطاعت إجلاء الصهاينة من العديد من الأراضي الفلسطينية خصوصا بالمستوطنات المحاذية لغزة والجليل الأعلى.
4- إن هذه المعركة قد استطاعت تعميق الشرخ و التناقضات بين مختلف طبقات و شرائح المجتمع الصهيوني.
5- إن إحدى نقط قوة العدو الصهيوني تكمن في قدرته الدعائية أمام الرأي العام العالمي وأمام شعوب العالم حول "ديمقراطيته" وحول ما تعرض له من إبادة ...الخ فتمكنت معركة طوفان الأقصى من تحطيم هذه الدعاية أيضا وكشف حقيقته الإجرامية أمام كل شعوب العالم.
6- هروب الرساميل من الكيان الصهيوني، تلك كانت أهم النتائج التي أحدثتها معركة طوفان الأقصى على بعض ما كان يشكل نقطة قوة العدو الصهيوني.
وفي المقابل استطاعت أيضا تلك المعركة من تحقيق اختراقات كبيرة لصالح القضية الفلسطينية:
1- إن إحدى نقط الضعف التي عانت منها القضية الفلسطينية على مر سنين هي تهميشها الواعي من طرف الامبريالية و الرجعية غير أن معركة طوفان الأقصى قد أحدثت تغييرات كبيرة على هذا الصعيد، فحجم الدعم الشعبي العالمي و الأممي للقضية الفلسطينية لم تشهد له مثيل في التاريخ كما هو الآن.
2- إن معركة طوفان الأقصى ونظرا لحجم العمل العسكري المقاوم والصمود الشعبي أمام آلة القتل الصهيونية قد هزت وأضعفت إلى أبعد الحدود خيار المساومة والخيانة وحجمت خط الاستسلام داخل فلسطين.
3- لقد أعادت وضع وتثبيت خيار الكفاح المسلح ضد العدو الصهيوني وجعلته الخيار السليم أمام الشعب الفلسطيني وأحرار العالم، لقد كسرت وهم عدم القدرة على الانتصار على هذا الكيان والقبول بالأمر الواقع.
4- و ما له دلالته أيضا في هذه التغييرات التي أحدثتها المعركة هو جعل الكيان الصهيوني لأول مرة في التاريخ في موقع الدفاع و ليس الهجوم كما نشاهد في شمال فلسطين و في اليمن.
5- خامسا وهي نقطة في غاية الأهمية، أن المقاومة استطاعت بناء وتحصين قاعدة ارتكاز أساسية وسط فلسطين وغيرت بذلك إستراتيجية وتكتيك المجابهة العسكرية ضد العدو الصهيوني ووضعها في سياق الحرب الطويلة الأمد.
إن كل تلك التغيرات قد فتحت المستقبل على مسارات جديدة لصالح القضية الفلسطينية ضد الكيان الصهيوني و منحت فرص تاريخية أمام الثوريين، و من الواجب على كل شيوعي أن يدعم و يناضل من أجل بلورة خط شيوعي حقيقي بفلسطين حتى يتمكن الشعب الفلسطيني من التقدم نحو دحر الاحتلال و بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الشعبية و فتح الآفاق نحو الاشتراكية.
إن إحدى المهام المركزية اليوم أمام كل شيوعية وشيوعي حقيقيين هو المساهمة بجد في بلورة هذا الخط ومساعدته لقيادة نضال الشعب الفلسطيني. المساهمة فكريا وسياسيا ووو.. من أجل هذه المهمة المركزية.
إن مقال "معركة طوفان الأقصى الأبعاد الإستراتيجية" يندرج في هذا المسار ويحاول أن يقدم مساهمة من طرف بعض الماركسيين اللينينيين الماويين العرب لبناء هذا الخط بالضبط. عن طريق طرح نقاش جدي ومسؤول حول قضايا جوهرية دون أن تعنيه حرب اللافتات على حساب المضامين الشيوعية الحقيقية لتناول هده القضايا الفكرية والسياسية المرتبطة بالجولة الحالية بنضال الشعب الفلسطيني.
وفي الاخير أختم بما قاله ماركس ذات مرة: "إننا لا نقول للعالم كف عن النضال، فكل نضالك باطل وإنما نعطيه فقط الشعار الحقيقي للنضال".


--------------------------------------------------------------------------
(1) . نستحضر هنا ما قاله لينين عن إنجلز عندما كان يجابه الإقتصادويين "إن إنجلز لا يعترف بشكليين اثنين في نضال الاشتراكية الديمقراطية العظيم (سياسي واقتصادي) كما جرت العادة عندنا، بل يعترف بثلاثة أشكال واضعا في مصاف الشكلين المذكورين النضال النظري" لينين – ما العمل التسطير أصلي.
(2) . أنا أتحدث هنا عن أسلوب التعامل وليس مع من كتب تلك القوالب
(3) , وهذا النقد نجده منذ أمد بعيد خصوصا عند أرنست منديل وعند أغلب التيارات التروتسكية.
(4). رغم أن هذا الاستشهاد نفسه خاطئ وغير موفق، فقراءة حزب الله لمعركة طوفان الأقصى أبعد من ذلك بكثير








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج


.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام




.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي


.. وقفة احتجاجية لأنصار الحزب الاشتراكي الإسباني تضامنا مع رئيس




.. مشاهد لمتظاهرين يحتجون بالأعلام والكوفية الفلسطينية في شوارع