الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التطبيع مع نظام ولاية الفقيه وجه من وجوه المخاطر الوجودية على الأمة العربية

حسن خليل غريب

2024 / 1 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


من السائد في المعاجم السياسية الاعتقاد بأن التطبيع مع العدو الصهيوني هو الوجه الوحيد من أوجه الخطورة على الأمة العربية، ولكن لو قمنا بتعريف عواملها، لأمكننا أن نكتشف بأن هناك أوجهاً أخرى من وجوه تلك المخاطر. فما هي العوامل التي نستند إليها لتعريف مخاطر التطبيع مع العدو الصهيوني؟
1-العدو الصهيوني شريك أساسي للاستعمار الغربي، فهو مزروع كعائق جغرافي للحؤول دون وحدة العرب. ولذلك أعدَّه الاستعمار الغربي لكي يكون القوة العسكرية الأضخم والأقوى في منطقة الشرق الأوسط. وغيره من الكيانات الوطنية الأخرى تبقى الأضعف لتستجدي الحماية منه ومن الدول الغربية.
2-من أهم أهداف زرعه أن يكون الدولة الحديثة الوحيدة في امتياز الحصول على التكنولوجيا الاقتصادية، ليكون الممر الإجباري لتصريف الإنتاج الصناعي الاستعماري في أسواق الشرق الأوسط لأنه الشريك الأساسي في أروقة الرأسمالية العالمية.
3-إلى جانب هذا وذاك، خاصة بعد إعلان الكيان الصهيوني أن اليهودية تشكل الهوية القومية لكيانه في فلسطين المحتلة، يعمل بالتعاون مع التيار المسيحي المتصهين في الولايات الأميركية المتحدة، لتنفيذ حلمه التلمودي في تأسيس مشروعه (أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل). وهو لذلك يُعدُّ لظهور(المسيح المخلص) الذي سوف يقود معركة هرمجدون على أرض فلسطين، بحيث يعتقد بأنها المعركة الأخيرة بين الخير والشر.
تلك العوامل يتشاركها إلى حد المطابقة كل من الكيان الصهيوني ونظام ولاية الفقيه كأيديولوجيا- من جهة، ومشروعاً سياسياً من جهة أخرى.
إن نظام ولاية الفقيه يُعلن ما لا يُبطن. يُعلن أن أميركا (الشيطان الأكبر)، ولكنه يتعاون معها إلى أقصى الحدود. فنحن من فمه ندينه: لقد اعترف بأنه لولا إيران لما استطاعت (أميركا أن تدخل إلى كابول وبغداد). وفي المقابل سلَّمته أميركا (الشيطان الأكبر) قيادة االعملية السياسية في العراق بعد إعلان انسحابها منه في العام 2011، فعاث في العراق فساداً ونشر فيه الظلم بأقسى وقائعه، وسرق ثرواته الطائلة. ولولا ذلك لما استطاع أن ينشر ميليشياته في كل من سورية ولبنان واليمن، مادَّاً لها سبل التمويل والتسليح. وخلافاً لما يظهره نظام ولاية الفقيه من عداء لأميركا، فقد تبادلا الخدمات الاستراتيجية، كعوامل لبقاء كليهما رابضاً على أنفاس الأمة العربية.
من كل ذلك، يمكننا تعداد عوامل التلاقي بين المشروعين الأميركي- الصهيوني من جهة، ومشروع ولاية الفقيه من جهة أخرى. وهي التالية:
1-ولأن المشروع التلمودي الصهيوني يقوم على أساس غيبي يتمثَّل بانتظار ظهور (المسيح المخلِّص)، فإن مشروع ولاية الفقيه يقوم أيضاً على مشروع غيبي يتمثَّل بانتظار ظهور (الإمام المهدي المنتظر). وكلاهما مشروعان إلغائيان لكل دين آخر، سماوياً كان أم غير سماوي.
ولذلك، وعلى وقع أداء المشروعين وأهدافهما تدفع الأمة العربية الثمن الأكبر من ثرواتها وإرادتها في العيش الكريم كما تعيش الشعوب الأخرى.
2-عامل العداء للقومية العربية، والتمهيد لترسيخ كل العوامل التي تمنع الوصول إلى الوحدة العربية. وهذا العامل تدعمه الكثير من الوقائع، لعلَّ من أهمها التدمير الإيراني لكل مقومات الدولة الوطنية حيثما وطأ نفوذها، في العراق وسورية ولبنان واليمن وأخيراً فلسطين؛ وتلك نماذج مما ينتظر الأقطار العربية الأخرى. وتأتي دول الخليج العربي في المقدمة منها.
3-تعميم الجهل والأمية في المجتمع العربي، وخاصة ملاحقة العلماء العراقيين أو قتلهم من جهة، ومن جهة أخرى تجنيد مئات الآلاف من العرب الذين حرموهم من العلم ليكونوا جنوداً في خدمة المشروع الإيراني. ومن أهم تلك الوقائع كأنموذج صارخ أن أكثرية المجتمع العراقي تحولوا إلى متسولين للقمة العيش، مهمتهم اللطم والتطبير كطقوس يزعمون أنها تفتح أمامهم أبواب الجنة. وتقاسمتهم عشرات الميليشيات لقاء رواتب تُدفع لهم من النهب والسرقات والخوات، وهي لا تكاد تسد الرمق. ويستخدمونهم في تنفيذ الجرائم. وحلَّت تلك الميليشيات مكان الدولة لحكم الدولة العراقية، بعد أن سيطرت على شتى مفاصلها.
4-على حسب قواعد مشروع الشرق الأوسط الجديد، التي وضعها التحالف الأميركي – الصهيوني، وحيثما حلَّت ميليشياته أسهم نظام ولاية الفقيه في تفتيت الكيانات القطرية، كما رسمتها اتفاقية سايكس – بيكو، إلى دويلات طائفية تتحكم في إدارتها ميليشيات منفلتة من الضوابط القانونية والقيم الأخلاقية لأنها أبعد ما تكون عن المحاسبة والمساءلة الديموقراطية. وكل ما لا تستطيع الصهيونية والرأسمالية العالمية من فعله لأنها ليست لديها حواضن شعبية، يقوم نظام ولاية الفقيه بفعله لأنه يمتلك تلك الحواضن في كل بقعة من بقاع الأقطار العربية ابتداء من العراق، مروراً بسورية ولبنان واليمن، وصولاً إلى فلسطين. والعمل بشكل جاد لتمرير مشروعه الخطير في دول الخليج العربي، الكويت والبحرين والسعودية وإمارت قطر وعمان والإمارات العربية.
5-وللمقارنة بين خطورة المشروع الصهيوني وخطورة مشروع نظام ولاية الفقيه، لوجدنا أن الأخير يمثل خطورة أشدُّ منها، وذلك استناداً إلى أن حدود المشروع الصهيوني تلمودياً تقف عند شعار (أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل)، بينما حدود مشروع ولاية الفقيه يشمل كل زاوية من زوايا الوطن العربي، هذا إذا وضعنا في حساباتنا أن المشروع قد استطاع استقطاب حركات الإسلام السياسي السُنيَّة.
من الملفت للنظر أن المشروعين معاً يتبادلان الأدوار في العبث بالوضع العربي تحت رعاية وإشراف الولايات المتحدة الأميركية. وكل ما يجنيانه من فوائد عليهما معاً أن يقتسماه معها. وإذا حصل خلاف بين أحدهما مع أميركا، فإنما يكون مرده إلى حصول خلل باقتسام الأرباح وهذا ما حصل بالفعل بين نظام ولاية الفقيه وأميركا في العراق بعد العام 2015. وتمَّ الخلل باستئثار النظام الإيراني بثروات العراق، عبَّر عنه دونالد ترامب، الرئيس السابق لأميركا عندما صرَّح بـ(أن أميركا دفعت الدم والمال ولم تحصل على شيء من ثروات العراق، بينما إيران لم تدفع شيئاً منهما ولكنها استأثرت بثروات العراق كلها).
وفي النتيجية استفرد كل من الكيان الصهيوني ونظام ولاية الفقيه بأسباب القوة العسكرية مع أرجحية مطلقة للأول. وبينما الأنظمة الرسمية العربية، بحكم تركيبتها الفوقية التي تحصر اهتمامها بمصالح النخب الحاكمة فيها، كانت منزوعة الأنياب عالقة بين شاقوفيْ قوتين عسكريتين كبريين في المنطقة. ولما اشتدَّ الصراع بين هذين المشروعين بسبب الخلاف على نسب الأرباح، راحت تلك الأنظمة تستجدي وسائل حماية كياناتها بالإيجار، فالتجأ البعض منها للتطبيع مع العدو الصهيوني بحيث يعتبرونه الأقل خطورة -كما يحسبون- حيث لا حدود جغرافية مشتركة معه، ويرتضي بأن تبقى العلاقة سلمية بينهما بفسح المجال أمامه للاستثمار التجاري، بينما لا يمكن لجم المشروع الإيراني عند حدود حيث إنه يعمل على اختراق النسيج الاجتماعي لتلك الدول لإسقاطها من الداخل. وبهذا يكون المشروع الإيراني سبباً أساسياً في إرغام الأنظمة التي قامت بالتطبيع مع العدو الصهيوني على التطبيع معه. ومع رفضنا القاطع للتطبيع مع العدو الصهيوني أو غيره من الدول الطامعة بأمتنا العربية، نعتقد أنه إذا زالت عوامل الخوف التي أدَّت إليه في الفترة الأخيرة، سوف يكون مصير الاتفاقيات التي تم توقيعها في مكب النفايات الرسمية، وهذا ما أثبتته تجربتي اتفاقية كامب ديفيد مع مصر، واتفاقية وادي عربة مع الأردن.
لقد استغلَّ نظام ولاية الفقيه اتفاقيات التطبيع ليزيد من نبرة خطابه الشعبوي بتأييد القضية الفلسطينية، ليبدو وكأنه أكثر عروبة من الأنظمة الرسمية العربية.
وإذا كان التطبيع مع العدو الصهيوني مرفوضاً لشتى الأسباب والمقاييس فإن التطبيع مع نظام ولاية الفقيه مرفوض أيضاً. وهما وإن تمايزا في أهداف المشروع الغيبي فإنهما يتفقان على اعتبار الساحة العربية ميداناً عملياتياً لتنفيذ ذلك المشروع. وإنه لا خلاص لهذه الأمة من دون العودة إلى نهضة وحدوية على شتى الصعد، يبدأ باستخدام طاقاتها وإمكانياتها في الضغط على كل دول العالم، وبالأخص منها ضد الدول الغربية الكبرى، وتهديد مصالحها حتى ترضخ إلى إيقاف سبل الدعم عن المشروعين معاً. ولن تكون الأمة العربية المستفيدة الوحيدة من ذلك الإنجاز، بل سيسفيد العالم بأسره بالخلاص من مشروعين غيبيين يهددان الأمن العالمي واستقراره.

في النتائج الأخيرة
ولأن المشروعين إلغائيان ينطلقان بالتنفيذ من الأرض العربية، ونتائجهما تمسَّان بسلبيتهما المجتمع العربي، فهما مشروعان معاديان على شتى المقاييس، نعتبر أن تطبيع جزء من العرب مع أي منهما هو تطبيع مرفوض كلياً. فقبول التطبيع مع أحدهما ورفض التطبيع مع الآخر، يتنافى مع أدنى قواعد المنطق والواقعية. فكلاهما متساويان بالخطورة مع التأكيد على أن مشروع ولاية الفقيه أشد خطورة من المشروع الصهيوني، فلأنه من خلال تلطيه بلحاف الإسلام، قد يجد من يُخدع به من قِبَل الأكثرية االعربية لأنها الأكثرية السكانية في الوطن العربي، بينما المشروع الصهيوني سوف يكون معزولاً شعبياً وجماهيرياً وسيكون معزولاً عن أية حاضنة شعبية لندرة وجود اليهود على المستوى العربي من جهة، ولاستحالة انعكاس التطبيع الرسمي العربي إيجاباً على الشعب من جهة أخرى.
نقول هذا، ونحن ننتظر لعلَّ المتغيرات الدولية المرتقبة بعد الزلزال الذي أحدثته عملية (طوفان الأقصى)، أن تأتي بحلول أخرى، ينحدر فيه المشروعان معاً تدريجياً إلى الهاوية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصدر أمني: ضربة إسرائيلية أصابت مبنى تديره قوات الأمن السوري


.. طائفة -الحريديم- تغلق طريقًا احتجاجًا على قانون التجنيد قرب




.. في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. صحفيون من غزة يتحدثون عن تج


.. جائزة -حرية الصحافة- لجميع الفلسطينيين في غزة




.. الجيش الإسرائيلي.. سلسلة تعيينات جديدة على مستوى القيادة