الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر1

عبدالرحيم قروي

2024 / 1 / 23
الارشيف الماركسي


أصول الفلسفة الماركسية

تأليف
جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين

تعريب
شعبان بركات
ليسانسيه في الآداب

منشورات المكتبة العصرية
صيدا - بيروت

الحلقة الأولى
مدخل

1 – ما هي الفلسفة؟
2 – ما الداعي إلى دراسة الفلسفة؟
3 – ما هي الفلسفة التي ندرسها؟
أ) الفلسفة العلمية: المادية الجدلية
ب) الفلسفة الثورية: فلسفة العمال
4 – الخلاصة: وحدة النظرية والتطبيق

لا توحي كلمة "الفلسفة" الثقة والاطمئنان، لأول وهلة، في نفوس الكثير من العمال. فهم يعتقدون أن الفيلسوف شخص يعيش في العالم من الخيال. فإذا ما دعونا الناس إلى "التفلسف" رأوا في ذلك دعوة إلى حفلة من حفلات السحر التي نخرج منها وقد أخذت رؤوسنا بالدوران...
هكذا تبدو الفلسفة غالبا: عبارة عن لعب بالأفكار لا صلة له بالواقع، وهو لعب غامض يتقنه بعض المفضلين، وربما كان خطرا على صاحبه، كما أنه لن يفيد منه الذين يعيشون من عرق جبينهم.
ولقد حارب قبلنا الفيلسوف الفرنسي الكبير ديكارت هذا اللعب الغامض الخطر الذي انتهت إليه الفلسفة على يد البعض فوصف أشباه الفلاسفة بقوله:
"... يسمح لهم غموض المبادىء التي يستخدمونها بالحديث عن كل شيء بجرأة نادرة كما لو كانوا على علم تام بها، فإذا بهم يدافعون عن كل ما يقولونه بصددها ضد أمهر أعدائهم وأدقهم دون أن يجدوا السبيل إلى إقناعهم، فهم بذلك يشبهون ذلك الأعمى الذي جاء ينازع رجلا يرى في داخل قبر مظلم ".
ولسنا نريد هنا أن ندخل بالقارىء إلى "قبر مظلم" لأننا نعلم أن الظلمة مواتية للحوادث السيئة. إذ أن هناك فلسفة غامضة مضرة، كما أن هناك أيضاً، كما يريد ديكارت، فلسفة واضحة مفيدة، تلك التي تحدث عنها جوركي بقوله:
"من الخطأ الاعتقاد باني أسخر من الفلسفة. بل أنا حزب لفلسفة تنبعث من الأرض ومن أطوار العمل، فتقوم بدراسة الطبيعة وتسخر قواها في سبيل خدمة الإنسان. وأنا اعتقد بأن الفكر مرتبط أشد الارتباط بالعمل، ولست نصير الفكر بينما نحن لا نحرك ساكنا نجلس أو نرقد بدون عمل ."
ويهدف هذا المدخل لأصول الفلسفة الماركسية إلى تحديد الفلسفة عامة، وما الداعي إلى دراستها، وما هي الفلسفة التي يجب أن ندرسها.

1 – ما هي الفلسفة؟
فهم قدماء الاغريق ـ وكان بينهم أعظم من عرف التاريخ من مفكرين ـ من الفلسفة حب المعرفة. ذاك هو المعنى الدقيق لكلمة "فيلوسوفيا" (philosophia) التي اشتقت منها كلمة "فلسفة" (philosophie)
وتعني كلمة معرفة "معرفة العالم والإنسان". تتيح لنا هذه المعرفة إقامة بعض قواعد الفعل، كما تتنيح لنا تحديد موقفنا من الحياة. وكان الحكيم هو من يسير في سلوكه حسب هذه القواعد التي تقوم على معرفة العالم والإنسان.
ولقد استمرت كلمة "فلسفة" منذ ذلك العصر لأن الحاجة كانت ماسة إليها. وكثيرا ما تدل على معان مختلفة نظرا لاختلاف وجهات النظر إلى العالم. بيد أن معناها الدائم هو أنها:
"نظرة عامة إلى العالم، تمدنا بقاعدة للسلوك".
وسوف نستشهد بمثال من تاريخ بلادنا، على هذا التعريف.
كان الفلاسفة البورجوازيون في فرنسا يعتقدون في القرن الثامن عشر، كما كانوا يعلمون الناس، اعتمادا على العلوم، أن العالم يمكن معرفته، وكانوا يستنتجون من ذلك أنه يمكن تحويله من أجل خير الإنسان.
وكان الكثيرون يعتقدون، ومن بينهم كوندوسيه مؤلف كتاب:
عرض تاريخي لتقدم الفكر الإنساني (1794).
أن الإنسان يمكن إصلاحه وأن المجتمع يمكن أن يصبح أفضل مما هو عليه الآن.
فما كاد القرن ينقضي حتى أخذ الفلاسفة البورجوازيون يعلمون، على العكس من ذلك، انه لا يمكن معرفة العالم وأنه لا يمكن إدراك "حقيقة الأشياء" ولن ندركها قط. ومن هنا كان من العبث محاولة تحويل العالم. وإذا كنا نستطيع التأثير في الطبيعة، فأن هذا التأثير سطحي، لأننا لن ندرك "حقيقة الأشياء". وأما الإنسان... فهو كما كان في الماضي وسيظل كذلك. إذ أن هناك "طبيعة إنسانية" يستحيل علينا سبر غورها. "فما الفائدة إذن من الجهد لتحسين المجتمع؟
***
نرى من ذلك أن نظرتنا إلى العالم (أي الفلسفة) مسألة ذات أهمية. لأن تعارض نظرتين يؤدي إلى نتائج عملية متعارضة.
وهكذا أراد فلاسفة القرن الثامن عشر تغيير المجتمع لأنهم يعبرون عن مصالح البرجوازية ومطامحها. كانت البرجوازية آنذاك طبقة ثورية تناضل ضد الاقطاع. أما فلاسفة القرن التاسع عشر فهم يعبرون (سواء علموا ذلك أم لم يعلموه) عن مصالح هذه الطبقة بعد أن تخلت عن ثورتها وأصبحت محافظة، فآلت إليها السلطة وأصبحت تخشى صعود طبقة العمال الثورية.
فهي ترى أن لا شيء يجب تغييره في مجتمع يحتفظ لها بنصيب الأسد. ولقد قام الفلاسفة بتبرير مثل هذه المصالح حينما شغلوا الناس عن كل محاولة تهدف لتغيير المجتمع. مثال ذلك الوضعيون (les positivistes) وزعيمهم أوجوست كومت الذي يرى فيه الكثيرون "مصلحا اجتماعيا". بينما كان يعتقد بأن حكم البرجوازية أبدي، كما أن فلسفته الاجتماعية تتجاهل قوى الإنتاج وعلائق هذا الإنتاج . وهذا مما أدى بها إلى العجز. وأما التلفيقيون (les electiques) وزعيمهم فيكتور كوزين فقد كانوا فلاسفة البرجوازية الرسميين، وبرروا اضطهاد طبقة العمال، ولا سيما مجازر حزيران 1848، باسم "الحق" و "الجمال" و "الخير" و "العدالة" الخ. وأما فلسفة برجسون، الذي رفعته البرجوازية في سنوات 1900، أي في عصر الأمبراطورية، فقد أجهد نفسه ليشغل الإنسان عن واقعه العياني، وعن التأثير في العالم، وعن النضال لتغيير المجتمع، فإذا به ينادي أن على الإنسان أن يكرس نفسه "لذاته الداخلية" و "حياته الداخلية". وما سوى ذلك لا أهمية له. وهكذا يستطيع مستغلو عمل غيرهم أن يناموا مطمئنين.
شهدت البرجوازية الفرنسية فلسفتين مختلفتين في عصرين متتاليين. لأن هذه الطبقة بعد أن كانت ثورية في القرن الثامن عشر أصبحت مناهضة للثورة في القرن التاسع عشر. وليس هناك أروع من مقارنة النصين التاليين. يرجع النص الأول لعام 1789، وهي سنة ثورة البرجوازية. كتبه برجوازي ثائر هو كميل دي مولين الذي حيا العهد الجديد بقوله:
"طوبى لهذه الثورة المحظوظة. ليست هناك قوة على الأرض تستطيع أن تحول دون هذا البعث الجديد. هو ثمرة الفلسفة والحرية والوطنية. فإذا بنا لا نعرف التقهقر والاستسلام .
وهاك النص الآخر، فهو يرجع لعام 1848، وقد كتبه السيد تيير السياسي البرجوازي يدافع فيه عن مصالح طبقته التي كانت تتولى الحكم ضد طبقة العمال:
"آه لو أن الحالة تعود إلى سابق عهدها. لن أقف في وجه تطور مدارس أطفال الشعب لو قام عليها خوري الضيعة أو مساعده وأني أطالب بتغيير هؤلاء المعلمين العلمانيين الذين يبعث العدد الكبير منهم على الكراهية، أطالب بأن يشرف على المدارس اخواننا الرهبان (les fretes) بالرغم من أنني أسأت الظن بهم سابقاً فأنا أريد أن أزيد من قوة تأثير الكهنوت، كما أطالب بأن يزداد تأثير الخوري أكثر مما هو الآن لأنني اعتمد كثيرا عليه لنشر تعاليم هذه الفلسفة الصالحة التي تعلم الإنسان أنه خلق ليتألم، وليس لنشر تعاليم الفلسفة الأخرى التي تعلم الإنسان عكس ذلك وتقول له: "تمتع بالحياة لأنك خلقت لتنعم بنصبيك من السعادة حتى إذا لم تنله فأضرب الغني الذي تأبى عليك أنانيته نصيبك من السعادة لأنك بأخذك من الغني ما يفيض عنه تؤمن سعادتك وسعادة جميع الذين يقاسون نفس حالتك "
يهتم تيير كما نرى بالفلسفة فما الدافع إلى هذا الاهتمام؟ لأن للفلسفة طابعا طبقيا. ولا يجهل الفلاسفة ذلك. غير أن كل نظرة للعالم تحتوي على معنى تطبيقي فهي تفيد بعض الطبقات كما أنها تسيء إلى طبقات أخرى. وسنرى بأن الماركسية فلسفة طبقية أيضاً.
بينما كان يرى كميل دي مولين البرجوازي الثائر في الفلسفة سلاحا لخدمة الثورة، إذا بتيير المحافظ يرى فيها سلاحا لمقاومة الإصلاح الاجتماعي، لأن الفلسفة الصالحة "هي التي تدعو العمال إلى الخضوع والاستسلام". ذلك هو تفكير من سيصوب رصاص البنادق إلى صدور رجال الكومون (les communards)
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج




.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام