الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصص قصيرة جداً عبارة الموت طلال حسن

طلال حسن عبد الرحمن

2024 / 1 / 23
الادب والفن


قصص قصيرة جداً









عبارة الموت






طلال حسن


أزهار البيبون
ــــــــــــــــــــــــــــ
وقف الناس حولي ، وأنا مسجى داخل الحفرة ، والدموع تترقرق في عيونهم ، ورأيتها تقف بينهم ، طفلة في عمر ابنتي ،نجت من عبارة الموت في يدها باقة من زهر البيبون ، وتقدمت بحزن ، ووضعتها فوقي .

إمرأة عجوز
ـــــــــــــــــــــــــ
لم أنجُ من الغرق ، حينما انقلبت بنا العبارة ، وألقتنا بين أمواج النهر ، وعثروا عليّ جثة طافية فوق الماء ، عند قرية بعيدة ، وقد تشبثت بي طفلة صغيرة ، وكم فرحتُ ، حينما علمتُ أن الطفلة لم تغرق .

الجثة
ـــــــــــــــ
فرحتُ حين انتشلوا جثتي من أعماق النهر ، بعد ثلاثة أيام قضيتها في ظلمات الأعماق ، لكنهم سرعان ما حفروا حفرة ضيقة ، ووضعوني فيها ، وأهالوا عليّ التراب دون رحمة ، ثم انصرفوا إلى بيوتهم ، وتركوني في البرد والوحدة والظلام .

الفراش الدافىء
ـــــــــــــــــــــــــــــ
شعرنا بالوحشة ، أنا وأختي التوأم ، في هذه الحفرة الباردة المظلمة ، التي وضعونا فيها ، بعد أن انتشلونا من النهر ، الذي انقلبت فيه العبارة .
واشتقنا إلى أحضان أمنا وأبينا ، فاندسسنا في أحلامهما ، وتمددنا إلى جانبهما ، في فراشهما الدافىء .


العبارة
ـــــــــــــــــ
حين أخرجوا العبارة ، التي انقلبت بأكثر من مائتي شخص ، في نهر دجلة ، يوم نوروز ، انشطرت شطرين ، ونظرت إلى الناس ، المتجمعين على شاطىء النهر ، وقالت لهم ، والماء كما الدموع يقطر منها : أرجوكم ، لا تتهموني ، أو تتهموا النهر وأمواجه العالية ، بما جرى ، فأنا لم أدفع كلّ هؤلاء الرجال والنساء والأطفال إلى سطحي ، بل رجوتهم أن لا يصعدوا فوقي بهذا العدد ، فأنا عجوز متهالكة ، لكن أحداً لم ينصتْ إليّ ، وحدث ما حدث ، فغرق الكثير منهم ، وغرقتُ أنا أيضاً معهم ، وغصتُ إلى الأعماق .


جوعان..
ــــــــــــــــــ
في صغري ، كانت أمي تحذرني من نهر دجلة ، وخاصة عندما تهيج مياهه في الربيع ، وكانت تقول : إنه يهدر ، ويقول : جوعان .. جوعان .
يا دجلة الخير ، يا رفيق الطفولة ، ما كان لكَ ، ومهما كنتَ جائعاً ، أن تغيب في أعماقكَ ، أكثر من " 120 " موصلياً في عيد الربيع الدامي .

النهر
ــــــــــــــ
صعدتُ إلى العبارة ، ويدي الصغيرة في يد ماما القوية الدافئة ، وحين وقفتُ وسط الناس الضاجين المتزاحمين ، نظرت إلى النهر وأمواجه تتدافع ، وهو يهدر بصوت مخيف : هووووو .
وتشبثتُ بماما ، وقلت : ماما ، هذا النهر يخيفني .
فربتت ماما على رأسي بيدها القوية الدافئة ، وقالت : لا تخافي ، يا بنيتي ، النهر يحبكِ .
وربما لأن النهر يحبني ، رغم أنني لا أحبه ، فإنه أخذني من بين يدي ماما القويتين الدافئتين ، وغاص بي إلى أعماقه الباردة المظلمة .

الكتاب اللعنة
ـــــــــــــــــــــــــ
رآني بعض أهل القرية ، التي كنت أعمل في مدرستها معلماً ، في أوائل الستينيات ، من القرن الماضي ، أقرأ كتاباً ضخماً ، كان على غلافه الأول صورة لساحة الكرملين ، مع صورة للمؤلف ، وعلى غلافه الأخير الأحمر القاني مطرقة ومنجل .
وقدم بعض هذا البعض ، شكوى إلى مديرية التربية ، على أساس ما شاهدوه ، بأن هذا المعلم " شيوعي " ، وهم لا يعرفون بالتأكيد ، أن ذلك الكتاب الموسوم " الدكتور زيفاكو " قد عوقب مؤلفه بوريس باسترناك ، في بلده بتهمة " معاداة الشيوعية " .


المنقذ
ـــــــــــــــ
جلس عل مقربة من أمه المقعدة ، فنظرت إليه منكسرة ، وقالت : بنيّ ، اليوم ربيع ، أخرج واذهب إلى الغابات .
وأطرق رأسه ، وقال : كنتُ أتمنى أن آخذ ابني خيري ، وابنتي سعاد وأمهما ، إلى الجزيرة .
وبصوتها الشائخ الدامع ، ردت أمه قائلة : إنهم من الشهداء ، فلينتقم الله ممن تسبب في إثارة الحرب المدمرة في الموصل ، التي أخذتهم مع الآلاف .
وذهب إلى الغابات ، ورأى العبارة تتهاوى بمن فيها من النساء والرجال والأطفال ، وتنقلب على من فيها ، فهبّ من مكانه ، وارتمى بين الأمواج العاتية ، لينقذ زوجته وابنه خيري وابنته سعاد .

رسائل على الماسنجر
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أرسل لها ، على مدى أشهر ، رسائل على الماسنجر ، هادئة وعاطفية ومؤدبة ، رغم ذلك لم تردّ عليهاً ، وليلة البارحة " 20 / 3 / 2019 " أرسل لها رسالة أخيرة ، قال لها فيها ، سأكون غداً " 21 / 3 / 219 " ، يوم نوروز ، في الجزيرة السياحية .
لم تردّ عليه كالعادة ، ولم تذهب إلى الجزيرة السياحية طبعاً ، وكاد قلبها البكر ، الذي أحبه ، أن ينفجر ، حين رأت على الفيسبوك صورته ، من بين الغرقى في حادثة غرق عبارة الموت .

العودة إلى البيت
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
جلسوا في كازينو يطل على الشاطىء ، ورأى ابنه وسام العبارة ، فصاح : بابا لنعبر إلى الجزيرة
وقالت ابنته متوسلة : هيا ، يا بابا .
ونظر إلى زوجته الشابة ، فقالت : لنذهب كلنا .
وقبل أن ينظر إلى أمه ، قالت له : اذهب أنت وزوجتك وولديك ، أبوك متعب ، سنبقى ننتظركم هنا .
وذهب هو وزوجته وولده وابنته ، واستقلوا العبارة المتهالكة ، مع أكثر من مائتي شخص ، وقريباً من منتصف النها ، وأما أنظار الأبوين العجوزين ، مالت العبارة ، ثم انقلبت بمن فيها في النهر الهائج .
وجاء المساء ، وخيم الظلام ، ونظرت المرأة إلى زوجها المنهار ، وقالت : حجي ..
لم ينظر إليها ، وقال كأنما يحدث نفسه : ماذا ! نعود إلي البي ؟ أي بيت ؟ أولادنا في النهر .

الأعماق المميتة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
رآها تسير مع خطيبها ، وقد وضعت يدها في يده ، دمعت عيناه ، فقد تمنى أن تكون يدها الحبيبة في يده هو ، وليس في يد أحد غيره .
وتابعهما بعينيه الغارقتين بالدموع ، وهما يركبان العبارة ، مع أعداد كبيرة من النساء والرجال والأطفال ، ولم يغيبا عن نظره ، حتى وهما يتدافعان داخل العبارة المثقلة بالناس .
وسارت العبارة ، ببطء ومشقة ، وأمام عينيه الغارقتين بالدموع ، رأى العبارة المتهالكة تتوقف ، وتميل شيئاً فشيئاً ، ثم تنقلب بمن فيها في المياه الهائجة .
وعلى الفور ، ألقى نفسه في الماء ، وعيناه تبحثان وسط الأمواج عنهما ، لم يرها ، وإنما رأى خطيبها يغوص نح الأعماق ، وبدون تردد ، أسرع إليه ، وسحبه من الأعماق المميتة ، إلى سطح الماء .


عبارة الموت
ــــــــــــــــــــــــــ
مالت العبارة العجوز ، الغاصة بالأطفال والأمهات والآباء ، وسرعان ما توقفت مرتجة ، وانقلبت في مياه دجلة الهائجة .
واحتضن أب ، زوجته وبناته الصغيرات الثلاث ، وارتطم وإياهم بالأمواج العارمة ، وغاصوا إلى الأعماق العكرة المظلم للنهر .
وعاد بعد قليل إلى سطح الماء ، وشهق بعمق طلباً للهواء ، وحين صحا قليلاً ، وجد يديه خاليتين من زوجته وبناته الصغيرات الثلاث .
بحث عنهن كالمجنون ، بين أمواج النهر الغاضبة ، فلم يقع لهم على أثر ، وارتطمت به طفلة ، حدق فيها ، لم تكن واحدة من بناته ، لكنه أخذها بين ذراعيه ، واتجه بها إلى الشاطىء .

خريف في الربيع
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
جلس وحده إلى منضدة ، تطل على النهر ، وأمامه كوب شاي دافىء ، الجو دافىء ، والشاي دافىء ، وجسمه ساخن تشويه الحمى .
قالت له أمه : لا تخرج ، أنت محموم .
فابتسم لها ، وقال : سيشفيني الربيع والغابات ودجلة .
وراح يراقب الربيع حوله ، أطفال ، وشابات كالورود ، ونساء وشباب ، يندفعون إلى العبارة ، ويتدافعون ليحجز كلّ منهم مكانه فيها ، وكاد ينهض ، ويصيح بهم : لمَ العجلة ؟ انتظروا قليلاً ، العبارة ستعود بعد قليل ، وستقلكم جميعاً إلى الجزيرة .
وسارت العبارة المتهالكة ببطء ، وفوقها أكثر من مائتي شخص ، وفجأة توقفت ، وتأرجحت فوق الأمواج المتلاطمة ، ثم انقلبت بمن فيها من أطفال ، وشابات كالورود ، ونساء ، ورجال .
وهبّ من مكانه ، ناسياً شايه الداىء ، وجسمه الذي تشويه الحمى ، وارتمى بين الأمواج المتلاطمة ، وأنقذ طفلين ، وطفلة ، و .. ورأى امرأة في عمر أمه ، تغوص إلى الأعماق ، وعلى الفور ، لحق بأمه ، ومرت الدقائق ، ولم يخرج من الأعماق ، لا هو ، ولا المرأة التي في عمر أمه .

بين الموصل وباريس
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فزّ من النوم ، خائفاً منقبض القلب ، حلم آخر ، حلم قاتم وإن كان لا يذكر خيوطه بوضوح ، ولساعات حاول أن يُهدىء نفسه ، لا فائدة ، ورفع سماع التلفوت ، وجاءه تغريدها العذب من أرض البيبون : ألو ، بابا .
وقال وصوته يخونه : حبيبتي ، أرجو أنكِ بخير .
وضحكت ضحكتها الحلوة ، وقالت : إنني أدرس .
فرد عليها ، وقلبه يهدأ قليلاً : اسلمي لي ، يا بيبونتي ، اذهبي وادرسي .
بعد ساعة اتصلت به ، وقالت : بابا ، اليوم نوروز ، سأذهبي مع ماما إلى الغابات .
وخفق قلبه ، وتراءت له الغابات ، ربما رآها ليلة البارحة في منامه ، وجاءه صوتها : بابا ، ماذا تقول ، أذهب مع ماما أم .. ؟
وسكتت ابنته ، الطالبة في الكلية ، فقال لها بصوت مرتعش : اذهبي حبيبتي ، وحين تعودين إلى البيت ، اتصلي بي مساء ، وطمأنيني .
وجاء المساء ، ولم تتصل به ابنته ، وكيف تتصل ، وهي وأمها في أعماق نهر دجلة ، بعد أن انقلبت عبارة الموت بأكثر من مائتين من الأطفال والرجال والنساء ، وكانت هي وأمها من بينهم ؟

انتظار
ـــــــــــــــ
منذ يومين ، وهي تجلس على هذا الكرسي ، بجسمها الشائخ المتعب ، وعباءتها السوداء ، سواد عمرها الذي عاشته في الموصل .
جاءت معهم ، وجلست تنتظر عودتهم ، حين ذهبوا بالعبارة إلى الجزيرة السياحية ، لم يصلوا إلى تلك الجزيرة ، ولم يعودوا ، إنهم في النهر ، فقد انقلبت العبارة ، وغاصت بمن فيها إلى الأعماق .
جاء إليها أحدهم ، وقال لها بصوت حزين : حجية ، ليتك تعودين إلى البيت .
وردت قائلة ، دون أن ترفع عينيها : إنني انتظر أولادي ، ابني وزوجته وأطفاله ، جئنا إلى الغابات معاً ، وسنعود معاً .
وعند المساء ، انحنى عليها أحدهم ، وقال لها بصوت حزين : حجية ..
قاطعته بصوت واهن حزين : لن أععود قبل أن يعود أولادي من النهر .
فقال لها بصوت يغرقه الحزن : حجية ، لقد عاد أولادك إلى البيت .. محمولين .

مظاهرة
ــــــــــــــــ
واحد بعد الآخر ، رجالاً ونساء وأطفالاً ، خرجوا من النهر ، والماء يقطر منهم ، في صباح اليوم التالي ، لانقلاب العبارة بهم في نهر دجلة ، قبالة الجزيرة السياحية ، التي كانوا يريدون الذهاب إليها .
وأمام أنظار آلاف الناس ، ممن جاءوا للاحتفال بالربيع في الغابات ، ساروا صامتين ، عبر شوارع الغابات ، ثم عبروا الجسر الحديدي القديم ، إلى الساحل الأيمن ، حيث تتكوم البيوت القتلى على أهلها ، الذين أحرقتهم الحرب في أوارها .
وواحداً بعد الآخر ، رجالاً ونساء وأطفالاً ، راح القتلى المغدورين يخرجون من تحت ركام البيوت ، وينظمون إلى المظاهرة ، ويسيرون صامتين عبر شوارع الموصل التي لم تعد .. الموصل .
ومازالت تلك المظاهرة ، وستبقى ، تطوف خرائب الموصل الغرقى ، ربما حتى تنهض الموصل من ركامها ، وتلحق بركب الحياة .

العبارة
ـــــــــــــــــــــــ
استقرت العبارة خجلى ، في قاع النهر ، وتمنت أن يتراكم عليها الطمى ، حتى يواريها تماماً ، فماذا ستقول للناس ، الذين أخذت فلذاتهم ، كباراً وأطفالاً ، إلى الأعماق ، بدل أن تأخذهم إلى الجزيرة السياحية ؟
وامتدت إليها ، بعد أيام ، ذراع حديدية ضخمة ، فحدقت فيها متوجسة ، وقالت لها : تعالي ، سأنتشلك من الأعماق ، وآخذك إلى الشاطىء .
فصاحت العبارة : كلا ، كلا ، دعيني متوارية في القاع ، لا أريد أن أخرج إلى الناس .
قالت لها الذراع الحديدية : مهمتي أن أخرجك ، وسأخرجك رضيتِ أم أبيتِ .
وأطبقت عليها ، فحاولت العبارة أن تتملص منها ، وهي تقول : دعيني وشأني ، دعيني .
وحاولت جهدها ، أن تتملص من القبضة الحديدية ، لكن دون جدوى ، وقبل أن تخرج من الأعماق ، انشطرت إلى شطرين ، وتمنت لو لم ترها أشجار الغابات وأزهارها وطيورها والناس ، وكم تمنت لو بقيت في الأعماق ، بعد انقلابها بأكثر من مائتين من الرجال والنساء والأطفال ، والغوص بهم إلى أعماق التهر الباردة المظلمة .

الجزيرة
ــــــــــــــــــ
أمام أعين أشجاري وأزهاري وأطياري ، كانت العبّارة المتهالكة تمخر ببطء متعبة ، تنوء بعشرات الرجال والنساء والأطفال ، لتقلهم إلى ربوعي الربيعية المزدهرة في هذا .. النوروز .
رفقاً بهم ، يا عبارة ، إن قلبي يخفق قلقاً ، لماذا دفعوا بكل هؤلاء الناس إلى ظهرك الشائخ المتداعي ؟ ألا يخافون أن تخذلك قواك ، في لحظة ضعف ، وأمواج دجلة مجنونة هذه الأيام ، و ..
يا ويلي ، العبارة تتوقف ، وتترنح .. وتميل ، تماسكي .. تماسكي .. فأنت تحملين كل القوارير وباقات الورد هذه .. وأنت أيتها الأمواج ترفقي ب .. بالأطفال .
وأمام أعين أشجاري وأزهاري وأطياري ، انقلبت العبارة ، وغاصت بمن فيها إلى الأعماق ، أغلقي عيونك ، يا أشجاري ، ونكسي رؤوسك يا أزهاري ، واصمتي يا أطياري ، فقوارير من الموصل ، وباقات من أزهارها ، الذين أرادوا أن يزوروني ، لن يصلوا إليّ أبداً ، فقد أخذهم النهر معه ، ومن يأخذه النهر ، لا يعود أبداً .


السيارة العاطلة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
حتى قبل الواحدة ، ودون أن يأكل الأطفال أي شيء ، أرادوا أن يبدلوا ملابسهم ، استعداداً للذهاب إلى الجزيرة السياحية ، وكان خالد وسعيد يحرضان أختهما الصغيرة المدللة ، فتأتي إلى أمها وجدتها ، وبلثغتها المحببة تصيح : ماما ، سيفوت الوقت ، فلنبدل ثيابنا .
وتضحك الجدة ، وتقول مازحة : أبدلي ثيابهم ، قبل أن يأخذ نوروز الجزيرة ، ويهرب بها إلى الصحراء .
فتقول لها أمها ضاحكة : مهلاً حبيبتي ، سيأتي بابا بعد قليل ، إنه يصلح السيارة ، وسيأخذنا بها إلى الغابات .
ومرت ساعات وساعات ولم يأتِ بابا ، ولم يظهر أثر للسيارة العاطلة ، ماذا يفعل ؟ السيارة عاطلة ، ومصلحها يبذل قصارى جهده لإصلاحها ، وسيصلحها حتماً ، فليصبر .
ومرت الساعات ، إن الأولاد ينتظرون ، فالوقت يمر ، وسيتأخر في الذهاب إلى الغابات ، هذا إذا تم تصليح السيارة في الوقت المناسب .
قبيل المساء توقفت السيارة بباب الدار ، وقد استعادت بعض شبابها ، ودخل الدار ، ورأى زوجته دامعة العينين ، وأطفاله الثلاثة يقفون وراءها ، ماذا جرى ؟ فقال بنبرة اعتذار : أعرف أنني تأخرت قليلاً ..
وقاطعته زوجته بصوت مبلل بالدموع : خمداً لله إنك تأخرت هكذا .
ونظر إليها مندهشا ، فقالت والدموع تسيل على خديها : العبارة ، التي كان يمكن أن نستقلها إلى الجزيرة السياحية ، انقلبت بمن فيها في النهر .


المقعد الحزين
ـــــــــــــــــــــــ
امتلأت المدرسة بأنفاس التلاميذ ، بعد يوم كامل من الصمت ، قضّاه التلاميذ ، مع الفرح بالربيع ، مع .. عيد نوروز .
دق الجرس ، وعلى غير العادة ، دخل التلاميذ الصفوف صامتين ، كلا ، نحن لا نشعر بالحياة إلا بدخول التلاميذ فرحين ، وجلوسهم فوقنا ، نحن المقاعد الخشبية .
ماذا جرى ؟ لعل التلاميذ يمثلون ، كما يفعلون أحياناً ، وأنا في الحقيقة ، لا أريدهم يركضون ، أو يتدافعون عند دخوله الصف ، فهذا قد يؤذيهم .
نعم ، لابد أنهم تمزحون بحزنكم هذا ، وصمتكم ، لكن هذا مزاح ثقيل ، لا أحبه ، فضحكاتكم الفرحة تسرني ، آه منكم ، يا أزهاري وبلابلي المغردة .
وجلس التلاميذ صامتين ، في جميع المقاعد ، إلا فيّ ، فسناء التي تشغلني لم تأتِ بعد ، ونظرت المراقبة إلى الخارج ، وهمست قائلة : انتبهوا ، جاءت المعلمة .
ستجيء المعلمة ، وهي فتاة شابة طيبة مبتسمة دائماً ، وتنتهي تمثيلة الحزن والصمت ، لكن مهلاً ستجيء المعلمة ، وسناء وجسمها الريشي كالفراشة ، وضحكتها التي تشبه تغريد البلابل ، لم تجيء بعد ، من يدري ، ربما نسيت نفسها في الحديقة ، وهي تحاور الأزهار والبلابل .
وجاءت المعلمة ، لكن على غير عادتها ، لم تكن مبتسمة ، وإنما حزينة ، حزينة جداً ، وقالت بصوت حزين : صباح الخير .
ردّ التلاميذ على حزنها بحزن أشد : صباح النور .
وقالت المعلمة بصوتها الحزين : صديقتكم سناء غائبة ، وستبقى غائبة ، فقد أخذها النهر في كارثة العبارة يوم أمس ، فلنقف دقيقة حدادا على روحها الطاهرة .
ووقف التلاميذ دقيقة ، صامتين حزانى ، أما أنا ، مقعد سناء ، الذي تعطر بشذاها ، فسأبقى حزيناً إلى الأبد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إغماء بنت ونيس فى عزاء والدتها.. الفنانة ريم أحمد تسقط


.. بالدموع .. بنت ونيس الفنانة ريم أحمد تستقبل عزاء والدتها وأش




.. انهيار ريم أحمد بالدموع في عزاء والدتها بحضور عدد من الفنان


.. فيلم -شهر زي العسل- متهم بالإساءة للعادات والتقاليد في الكوي




.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح