الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لبنان ..وطريق الخَيار الأفغاني !

نزار فجر بعريني

2024 / 1 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


في واقع كونها صاحبة أقدم وأقوى مشروع سيطرة تشاركية إقليمية، وفي سياق ما برز منذ منتصف سبعينات القرن الماضي من تغيّر استراتيجي في طبيعة أدوات سيطرتها الإقليمية التشاركية(١)، تعمل سياسات الولايات المتّحدة، الأكثر ذكاء وقدرة على تجيير الصراعات بين قوى شركائها وأدواتها، على التقاط حالة المأزق الراهن التي يعيشها حزب الله في أعقاب هجوم طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣، لوضع الحزب، ولبنان، بشكل نهائي على مآل "الخَيارالأفغاني" !

أحاول مقاربة الفكرة الرئيسة للمقال، التي قد تبدو غير موضوعية ، من خلال الإجابة على سؤالين :
١ ما هي طبيعة الأخطار المستجدّة في عواقب طوفان الأقصى، التي باتت تهدد الحزب؟
٢ كيف تعمل الولايات المتّحدة على تجييرها لمصلحة سياساتها الخاصة ؟
١فيما يتعلّق بجواب السؤال الأوّل، يمكن تقدير درجة خطورتها في طبيعة الأهداف السياسية والعسكرية التي يسعى نتنياهو وحكومة اليمين المتطرف الإسرائيلي لتحقيقها في تجيرهم لنتائج هجوم طوفان الأقصى، السابع من أكتوبر ٢٠٢٣:
على صعيد دولة الكيان، وعوامل أمنها القومي، تسعى حكومة اليمين إلى إزالة أكبر خطرين، ما زالا يشكلان مواقع تهديد، راهن واستراتيجي.
الخطر الاوّل، يتجلّى في طبيعة أدوات ونهج مشروع حكومات اليمين المتطرف لتقويض شروط "حل الدولتين"؛ وفرصة قيام كيان فلسطيني موحّد في الضفة وقطاع غزة تحت سلطة شرعية فلسطينية موحّدة، وما ترتّب من عواقب أمنية على دولة الكيان، كشفتها نجاح عمليات هجوم الأقصى الأمنية والعسكرية.
لقد تركّزت وسائل وسياسات اليمين العنصري بعد ١٩٩٥، على تقسيم الكيان الفلسطيني الموعود، من خلال خلق "كيان سياسي" في غزة، يتناقض سياسيا وعسكريا، تكتيكيا واستراتيجيا، مع مسارات قيام "حل الدولتين" ومع السلطة الفلسطينية الشرعية. رغم نجاح أهداف المشروع، فقد أثبتت حيثيات ونتائج هجوم طوفان الأقصى طبيعة المخاطر التي حملها مشروع "الإسلام السياسي"، وبات لزاما على سلطة اليمين المتطرف تغيير الوسائل، التي لايمكن ان تكون على نفس قاعدة الإشتباك السابقة مع حماس، وينبغي من وجهة نظر مصالح اليمين أن تحمل في أدواتها و نتائجها وصيرورتها اخطارا أكبر على مسار "حل الدولتين"، رغم ما يشكّله هذا النهج من عقبات في طريق مشروع التطبيع الإقليمي الأمريكي، ويخلقه بالتالي من تناقض مع سياسات واشنطن.
الخطر الثاني، هو وجود حزب الله، وقد باتت واضحة موجّبات تغيير لعبة الاشتباك السياسي والعسكري القائمة مع قيادته منذ ٢٠٠٠.
بعد نهاية حرب تموز ٢٠٠٦، وفشل وسائل إسرائيل العسكرية والدبلوماسية في تغيير قواعد الاشتباك القائمة، ونجاح الحزب في تجيير نتائجها العسكرية الكارثية على الحزب ولبنان لتعزيز مواقع سيطرته السياسية على الداخل اللبناني، والاستثمار السياسي والعسكري الناجح منذ مطلع ٢٠١١، في إطار جهود قوى الخَيارالعسكري الطائفي لمواجهة استحقاقات ديمقراطية وطنية في سورية، وقد تحوّل إلى قوّة إقليمية لايمكن تجاوزها في حسابات اللاعبين الكبار، ورغم سياسات الجزرة الإسرائيلية- تقاسم السيطرة على مواقع النفط والغاز اللبناني - فقد أثبت الحزب، في مواجهة الحرب الإجرامية الإسرائيلية على غزة، استقلالية فاعلة في اتخاذ القرار، ومبادرة الهجوم، حتى عندما تتعارض نتائجه مع سياسات مختلفة، إيرانية أمريكية، تسعى للتهدئة!
عامل الخطر الرئيسي على الحزب ، لايقتصر على قدراته العسكري في تهديد أمن إسرائيل، وعلى قدرته على "التمايز " سياسيا عن سياسات تكتيكية إيرانية وأمريكية، بل، علاوة على ذلك، بما باتت تشكّله ضرورة تحجيم مواقع الأخطار الاستراتيجية التي يشكّلها سلاح الحزب النوعي على دولة الكيان من عامل أساسي لضمان حاضر ومستقبل "اليمين المتطرف لإسرائيلي" السياسي، بعد تكشّف فشل ومخاطر قواعد الاشتباك التي اعتمدها مع أذرع "الإسلام السياسي" الإقليمية لتقويض مسار السلام مع الفلسطينيين، وتفشيل مقومات الدولة اللبنانية.
٢ فيما يوضّح جواب السؤال الثاني:
إذ تدرك الولايات المتّحدة طبيعة الأخطار التي تواجه حزب الله، وطبيعة العوامل التي تجعل من مظلّة الحماية الإيرانية اقل فاعلية، وأكثر عجزا مما كانت عليه قبل هجوم طوفان الأقصى، وبما يتوافق مع نهجها السياسي ومصلحتها في عدم توسّع دائرة الصراع إقليميا - لما يشكّله من مخاطر على مشروع التطبيع الإقليمي الذي أطلقت صيرورته مع نهاية ٢٠١٩ تعمل الولايات المتّحدة على طرح نفسها كمظلّة حماية بديلة للحزب، على أمل أن تنجح في فرض سيطرة كاملة تشاركية على لبنان، على حساب المنافسين الدوليين والإقليميين- فرنسا، وأنظمة سوريا وإيران..
كيف؟
تعمل الولايات المتّحدة على "حماية الحزب" من عواقب حرب شاملة، يعتقد معظم المتابعين أنّها باتت وشيكة، من خلال مسارين رئيسيين:
أ- استخدام جميع وسائل الضغط على حكومة اليمين لمنعها من شن هجوم شامل على الحزب، قد يكسر قواعد لعبة الاشتباك المستمرّة منذ ٢٠٠٠؛ التي كانت تشكّل مظلّة حماية استراتيجية، سمحت ، بالتكامل مع الدعم والمصلحة الإيرانية/ الأمريكية ،بتحويل الحزب إلى قوّة رئيسية ، لبنانيا وإقليميّا.
ب- الضغط على "شركائها" في معارضات حزب الله، لقبول صفقة تسوية حول "فراغ كرسي بعبدا" تأتي بكركوز الحزب، فرنجية الحفيد، إلى رئاسة الجمهورية، بما يتوّج جهود الحزب المستمرة منذ اتفاق الطائف، ١٩٨٩، لوضع يده بشكل كامل على النظام السياسي اللبناني . نجاح جهود الإدارة "الديمقراطية" يعني تحوّل لبنان إلى نسخة أخرى عن "أفغانستان"، ويؤكّد ما تحققه سياسات السيطرة الإقليمية للولايات المتّحدة ، التشاركية مع سلطات وأذرع الإسلام السياسي الميليشياوية، من إنجازات تاريخية، على حساب مصالح الشعوب، ومقوّمات الدولة الوطنية.
(١)- يجهل (أو يتجاهل لأسباب معروفة ، والنتيجة واحدة ) الوعي السياسي النخبوي طبيعة المتغيّرات الإستراتيجية التي طالت أدوات ونهج السيطرة الإقليمية للولايات المتّحدة منذ أواسط سبعينات القرن الماضي، وضعت ميليشيات الإسلام السياسي الأخواني والشيعي و"السلفي الجهادي "، في سلطات الأنظمة وأذرعها، في المقدمة ، و أعطتها الأولوية على شراكاتها التاريخية السابقة في أنظمة النموذجين السعودي والناصري و " دولة الإحتلال"، وأدّت في سياق مستمر إلى تشكيل وقائع السيطرة السياسية والميليشياوية الجاثمة على صدور شعوب إيران ولبنان وأفغانستان والعراق وسوريا واليمن.
لقد شكّل المحطّة الأولى، الأكثر أهمية استراتيجيّا، انتصار الميليشيات الطائفية الخمينية في طهران على قوى "الحكومة الديمقراطية المؤقتة" خلال العشرة الأوائل من شباط ١٩٧٩،وشكّلت محطّتها الثانية نتائج الغزو الأمريكي للعراق ٢٠٠٣، و وصلت إلى قمّة انتصارها في نهاية ٢٠١٩ ، بما حققته الميليشيات الطائفية الإيرانية في تمددها الغير مسبوق من سيطرة في صنعاء ودمشق وبيروت، وكان من الطبيعي أن يحقق النظام الإيراني كلّ تلك الا تحت سمع وبصر "الولايات المتحدّة"، وقواعدها العسكرية الأضخم عالميا، وصواريخ بوارجها النووية، التي تجوب بحار ومحيطات وخلجان، ومعابر المنطقة !!
مما لاشكّ فيه أنّ انتصار أهداف وأدوات مشروع " تصدير الثورة " في منطقة المصالح الحيوية العليا للولايات المتّحدة لم يكن أن يحصل في تناقض مع أهداف و سياق صيرورة مشروع السيطرة الإقليميّة للولايات المتّحدة، خاصّة أنّه شكّل بأدواته وأذرعه الميليشياوية، ونهجه الطائفي البديل الأنجع لما شكلته "الأنظمة الدكتاتورية العسكرية" من أدوار ومهام خلال حقبة الحرب الباردة.
يبدو واضحا تكامل أهداف ونتائج بناء " قواعد اشتباك " إقليميّة لمصلحة سلطة نظام استبدادي، وعلاقات سيطرة تشاركية إقليمية. فانتصارات أهداف وأدوات مشروع السيطرة الإقليميّة الإيراني بفعل نجاح سلطة النظام الإيراني في بناء قواعد اشتباك اقليمية لمصلحة الولايات المتّحدة، ضمن له حماية داخلية ، عزّزت شروط حماية سلطة نظام استبدادي في مواجهة تحديات ديمقراطية داخلية، وفي ذلك مصلحة استراتيجية للولايات المتّحدة، كما تشكّلت " الفوضى " الناتجة عن حالة تفشيل مقوّمات الدولة الوطنية التي يصنعها نجاح تمدد أذرع النظام الميليشياوية،البيئة السياسية الأفضل لتعزيز شباك السيطرة الأمريكية؛ وهي العلاقات التي سمحت بجعل العراق واليمن غنيمة كبرى للنظام الإيراني ، و من سلطة " النظام السوري " افضل خيارات النظام الإيراني والولايات المتّحدة السياسية لإمتلاكه جميع" المزايا" التي تمكّنه من صناعة بيئة سياسية واجتماعية سورّية هشّة ، (يعزز أسباب تفشيلها سوريّا وإقليميّا استمرار ، وتعميق حالة صراعات طائفية ، بين قطبي" الاسلام السياسي" الرئيسيين، يشكّل وجود سلطة النظام الايراني الشرط اللازم والضروري لتأجيج حروبها واستمرارها)، وبالتالي أن يكون الحامل السوري ، الإقليمي، الأقوى لمشروع السيطرة التشاركية الأمريكية الإيرانية؛ وكلّ هذا يحصل في سياق مواجهة قوى وصيرورات التغيير الديمقراطي، وعلى حساب جميع مقوّمات الدولة المدنية ، الديمقراطية، ويفسّر العامل الأساسية في نجاح جهود دفع الصراع السياسي خلال ٢٠١١على مسار الخَيارالعسكري الطائفي، وطبيعة ما نتج عنه من تقاسم حصص ، تعمل التسوية السياسية منذ نهاية ٢٠١٩ على تثبيتها، وشرعنة سلطاتها في سياق مشروع التسوية السياسية الأمريكة"!!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. جيك سوليفان: -قرار تجميد شحنة الأسلحة، لا يعني أننا سنتخلى ع


.. اتساع رقعة العمليات العسكرية في غزة رغم الدعوات الدولية لوقف




.. معارك ضارية في الفاشر والجيش يشن قصفا جويا على مواقع في الخر


.. -منذ شهور وأنا أبحث عن أخي-.. وسيم سالم من غزة يروي قصة بحثه




.. بلينكن: إذا قررت إسرائيل الذهاب لعملية واسعة في رفح فلن نكون