الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب غزة: بؤرة الصدام الحضاري الثالث وأفق المستقبل

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2024 / 1 / 24
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


سوف تَطرح هذه المقالة فرضية؛ ترى أن "حرب غزة" هي بؤرة الصدام الثالثة وفق تصور نظريات الصدام الحضاري الغربية/ الأمريكية، التي خرجت في تسعينيات القرن الماضي وطرحت نفسها في ثلاث بؤر عالمية تحديدا.
وترى هذه الفرضية العلمية أنه بعد اشتعال ملف غزة ووصوله لذروته، من المحتمل أن تطور نظريات الصدام الحضاري نمطا جديدا في العلاقات الجيواستراتيجية الدولية في الفترة القادمة.

ثلاثة تصورات نظرية وثلاث نقاط تطبيقية تغلق الدائرة
حيث بالنظر لنظريات الصراع الحضاري التي نشأت في القرن الماضي عقب انهيار الاتحاد السوفيتي؛ سنجد أنها قامت على تصورات كل من هنتنجتون وفوكوياما وبرنارد لويس، بداية ركز هينتجنتون في صدام الحضارات على الصدام مع الصين بوصفها الحضارة الكونفشيوسية، وفوكوياما ركز على الانتصار الأيديولوجي النهائي على الماركسية والشيوعية السوفيتية واعتبار الليبرالية الديمقراطية نهاية التاريخ وذروته، بينما ركز برنارد لويس على الصراع الديني/ الثقافي مع الإسلام والمسلمين والعرب تحديدا في منطقة الشرق الأوسط.

البؤرة الروسية (وريث الماركسية البائدة)
وحين نُنْزِل التصورات النظرية الخاصة بنظريات الصدام الحضاري على الواقع؛ سنجد أن الملف الروسي وصل لذروته بعد إصرار حلف الأطلسي على تنفيذ أفكار فوكوياما، والتمدد بشكل مستمر باتجاه أوكرانيا للهيمنة على الفضاء القديم للأيديولوجيا الشيوعية، عندما قررت روسيا التمرد وبادرت بغزو أوكرانيا علانية في حرب دخلت عامها الثاني الآن منذ 2024م، وبعد مناوشات عسكرية بدأت من عام 2014م انتهت بضم شبه جزيرة القرم التي كانت تابعة لأوكرانيا.

البؤرة الصينية (ممثل الحضارة الكونفشيوسية)
وفي الملف الصيني وتطبيقا لأفكار هينتنجتون حاول دونالد ترامب استخدام خطابه الشعبوي ضدها في فترة ولايته، لكنه فشل في استفزازها، وفي عهد بايدن زادت حدة الصدام التجاري وحاولت أمريكا تسخين ملف تايوان لدرجة بعيدة، بلغت ذروة ما مع زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي إلى تايوان نانسي بيلوسي، ورفع الاستعداد العسكري الصيني، ثم إرسال الصين لمنطاد تجسس عسكري فوق أمريكا في واقعة إعلامية شهيرة.

البؤرة العربية الإسلامية (فلسطين والحرب على الإرهاب)
أما الملف العربي والإسلامي فشهد التطبيق المبكر لأفكار برنارد لويس منذ تسعينيات القرن الماضي، مع تفجير التناقض السني الشيعي وضرب العراق ثم الحرب على الإرهاب، ومشروع الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد بقيادة إسرائيل، والذي تأجلت ذروته وصولا للعقد الثالث من القرن الجديد مع مشروع صفقة القرن، ثم التمرد الفلسطيني مع عملية طوفان الأقصى وتداعياتها المستمرة حتى الآن، التي يمكن أن نعتبرها ذروة المواجهة والصدام الحضاري في البؤرة العربية الإسلامية.

هل يبحث نمط الصدام الحضاري
عن مناطق رخوة ليجسد نفسه فيها ؟
هنا يشى المنطق الحضاري أنه بعد اكتمال دائرة ملفات نظريات الصدام الحضاري الثلاث؛ أن النمط الغربي لابد سيطور من نفسه في اتجاه جديد..
ويتصور البعض أنه سيكون اختبار جر الصين لمواجهة عسكرية، ويتصور البعض الآخر أنه سيكون تسخين ملف القرن الأفريقي وتحويله إلى نقطة للتدافع الجيوبلوتيكي الإقليمي والجيواسترتيجي الدولي، ويتصور البعض أنه سيكون مواجهة مع إيران تهرب بها "إسرائيل" وحكوماتها المأزومة للأمام، ويتصور البعض أننا قد نشهد مواجهة على أرض القارة الأوربية العجوز نفسها، وتوسعة نطاق المواجهة بين روسيا ودول حلف الأطلسي، ويعتقد البعض أن عملية طوفان الأقصى وتداعياتها في البحر الأحمر قد تؤدي في لحظة ما إلى مواجهة شاملة بين "إسرائيل" وأمريكا والغرب، وبين العرب ومعهم المحور الشيعي وربما تركيا رغم عضويتها في حلف الأطلسي وكذلك الدعم من فريق "الأوراس الجدد" الذي تمثله روسيا والصين.

أزمة البؤرة العربية الجيوثقافية
لكن الشاهد في هذا السياق أن بؤر الصراع الحضاري الثلاثة قد طورت اثنتان منهما رد فعل واضح ربما أغلق دائرة الاستهداف الغربي لهما ووضع لها مسارا حضاريا معينا في التدافع الجيوثقافي (روسيا والصين)، كي يصل إلى توازنات أو يبحث لنفسه عن مواضع جديدة للتعبير عن نفسه، لكن المشكلة أن البؤرة الثالثة المتمثلة في الذات العربية والإسلامية لم تطور رد فعل كلي، أو نظرية جديدة تواجه بها الصدام الحضاري والاستهداف الذي تتعرض له.

الغيبة الحضارية والاستهلاك المحلي
بل يمكن القول دون مزايدة أن الذات العربية تحديدا –بغض النظر مؤقتا عن تناقضات البعد الإسلامي التركية والإيرانية والعربية- تشهد غيبة أو غيبوبة حضارية، وتعيش ما يشبه حالة من الانفصال عن الواقع والانغماس في التناقضات المحلية إرث مرحلة ما بعد الثورات العربية، وقبلها تناقضات دولة ما بعد الاستقلال عن الاحتلال الأوربي القرن الماضي، بالاستغراق في خطابات وتراتبات اجتماعية تدور كلها في سياق الاستهلاك المحلي، واحتمالية الغرق الجماعي مع إنكار واقع التحديات الحضارية، وغياب سيناريوهات مواجهتها بشكل يكاد يكون مفزعا.

معضلة "التوقيف والإنكار" الفكري والثقافي
وتحديدا تبدو المشكلة جلية على مستوى السياسات الناعمة أو التصورات الثقافية وفهمها للحظة التاريخية الراهنة والمعايير أو القيم العالمية الحاكمة لها، فتنشغل التصورات الثقافية أو القوى الناعمة العربية عموما بعدة تُوقيفات تاريخية، كل فريق يوقف نفسه عندها وينكر ما سواها مثل الدراويش أتباع الطرق الصوفية.
البعض يُوقف نفسه عند مرحلة دولة ما بعد الاستقلال وتكسر مشروع دولة "القومية الاشتراكية" العربية، والبعض يوقف نفسه عند مرحلة سقوط الاتحاد السوفيتي وينتظر أن تطالب الجماهير بظهور لينين جديد يبعث الماركسية من رقادها، والبعض يوقف نفسه على فكرة العقل المجرد وتصوراتها النقدية التي طورتها مدرسة المغرب العربي!! والبعض الآخر يقف عند بعض الشعارات والقشور الخارجية ومخلفات الثقافة الأوربية عموما دون أفق للتطبيق أو التفعيل! والبعض يوقف نفسه على استعادة الشكل السياسي للخلافة الإسلامية.
والأكثر فداحة أن معظم التوقيفيين العرب من المذاهب السابقة كل منهم يقوم على صراع حدي لنفي الآخر تماما! في إرث قديم استقبلته الذات العربية والإسلامية مع ظهور تيارات الثقافة الغربية والمتلازمات الثقافية المتأثرة بالمسألة الأوربية والحضارة المطلقة، حيث انتقل الأمر كرد فعل واعتبر كل طرف واجه تمثلات الحضارة المطلقة والمسألة الأوربية، أنه مطلق بدوره ويجب أن يمارس الفعل الحدي الاستقطابي للحضارة المطلقة الغربية ذاتها.

خاتمة: في أولوية الجغرافيا الثقافية للبؤرة العربية
وبيت القصيد وخاتمة هذا المقال القصير أن الذات العربية في مواجهة نظريات الصدام الحضاري، وبوصفها البؤرة الثالثة للاستهداف الجيوثقافي إلى جوار الصين وروسيا، عليها أن تعرف أين المشكلة بالضبط على كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية كذلك، وتدرك أننا في لحظة جديدة تحتاج إلى أفق حضاري ونظري جديد.
فالمشكلة الأساسية تكمن في غياب تصور الجغرافيا الثقافية العربية لمحيطها الجغرافي الثقافي الإقليمي والعالمي ونظريات الحركة الحاكمة له، وغياب الوعي بأولوية وضع تصور حضاري فاعل للجغرافيا الثقافية العربية، يتم عليه بناء الجغرافيا السياسية الداخلية وضبطها وفقا له، وكذلك بناء الجغرافيا الاقتصادية وتكامل الموارد للذات العربية النابعة منها، وقبل أي شيء استعادة المشتركات الثقافية والثوابت العامة لمستودع الهوية العربي التي تدفع في هذا الاتجاه، وصولا لبناء جيوبولتيكي إقليمي وجيواستراتيجي دولي، يحترم قيم الجغرافيا الثقافية العربية في مواجهة خرافة الحضارة المطلقة التي تتحرك الآن وفق نظريات الصدام الحضاري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صفقة الاتحاد الأوروبي مع لبنان..ما خلفياتها؟| المسائية


.. بايدن يشدد على إرساء -النظام- في مواجهة الاحتجاجات الجامعية




.. أمريكا.. طلاب يجتمعون أمام منزل رئيسة جامعة كولومبيا نعمت شف


.. الجيش الإسرائيلي: 12 عسكريا أصيبوا في قطاع غزة خلال الساعات




.. الخارجية الأمريكية: هناك مقترح على الطاولة وعلى حماس قبوله ل