الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - أصول الفلسفة الماركسية - بوليتزر2

عبدالرحيم قروي

2024 / 1 / 24
الارشيف الماركسي


أصول الفلسفة الماركسية
الجزء الأول
تأليف
جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
الحلقة الثانية

– ما الداعي إلى دراسة الفلسفة؟
يتهم اليوم خلفاء السيد تيير، في فرنسا وفي الولايات المتحدة، الماركسيين أمام الرأي العام. وهم لا يسعون فقط للقضاء على الماركسيين بل على الفلسفة الماركسية أيضا، كما حاول السيد تيير أن يقضي، في قتله لرجال الكومون، على أفكارهم التي تدعو إلى التقدم الاجتماعي. ولهذا كان واجب العمال واضحا. وهو معارضة الفلسفة التي تخدم المستغلين بفلسفة تساعد على النضال ضدهم. وستبدو لنا أهمية مثل هذه الفلسفة إذا دخلنا ميدان الوقائع.
تدل هذه الوقائع على الوضع الصعب الذي تفرضه سياسة البرجوازية، وهي الطبقة المسيطرة اليوم، على مجموع العمال في بلادنا من بطالة وحياة صعبة وسد أبواب العمل في وجه الشبان والاستهانة بالقوانين الاجتماعية وحق الإضراب والحريات الديمقراطية والاضطهاد والاعتداء المسلح (لاسيما اعتداء 14 تموز سنة 1953 في باريس)، واستعمار البلاد على أيدي الأميركان، وإعلان حرب الفيتنام الدامية الباهظة، وإعادة تأسيس الطيران الألماني الحربي الخ... ولهذا كان السؤال الذي يتردد على السنة العمال هو التالي: ما السبيل إلى التخلص من كل هذا؟ كما أصبحت الحاجة لمعرفة سبب ذلك ملحة عامة حادة. ما سبب خطر الحرب؟ ما سبب الفاشية؟ ما سبب الفقر؟ ذلك لأن عمال بلادنا يريدون فهم سبب كل ما يجري حولهم ليعملوا على تغييره.
يتضح إذن أنه إذا كانت الفلسفة نظرة للعالم لها نتائجها العملية فأنه يهم العمال الذين يريدون تغيير العالم أن تكون لهم نظرة صادقة للعالم. كما أنه يجب التصويب بدقة لكي نصيب الهدف.
فلنفرض أن جميع العمال يعتقدون أنه يمكن معرفة الواقع فإذا بهم عزل أمام الحرب، والبطالة، والجوع، عاجزون عن فهم كل ما يحدث لهم فيرضون به على أنه مصيبة قدرت عليهم. وهذا ما كانت تسعى إليه البرجوازية. ولهذا فهي لا تألو جهدا في استخدام كل وسيلة لاشاعة هذه النظرة للعالم التي تخدم مصالحها. وهذا ما يفسر لنا كثرة انتشار مثل هذه الأفكار: "سيكون هناك دائماً أغنياء وفقراء" أو "المجتمع فاسد وسيظل كذلك. فعلى كل منا أن يهتم بنفسه! أقض على غيرك أن كنت لا تريد أن يقضي الغير عليك. واسع أيها العامل إلى كسب مودة صاحب العمل على حساب رفاقك في العمل، وهذا أفضل من أن تتحد معهم للدفاع المشترك عن أجوركم. فعليك أيها العامل أن تصبح عشيق صاحب العمل فتضحك لك الحياة. مهما حل بالآخرين"
نجد هذه الأفكار بكثرة في المختار (من ريددز دايجست) وفي صحافة العشق والغرام. وهي بمثابة السم الذي تحاول البرجوازية أن تفسد به ضمير العمال والذي يجب عليهم أن يحذروه.
نلقى هذا السم في صور متعددة. وهكذا يشتري العمال الذين لا يزالون يقرأون جريدة (Franc–Tireur) سما بخمسة عشر فرنكا كل يوم على غير علم منهم، لأن هذه الجريدة تضج من سوء الحال ولكنها لا تقول السبب الذي جعل الأحوال تسوء، وهي تسعى إلى الحيلولة دون اتحاد العمال أو القضاء على هذا الاتحاد الذي هو الوسيلة الوحيدة للخروج من هذه "الحال".
تتعلق جميع هذه الأفكار بالنظرة إلى العالم أي بالفلسفة فنحن أما أن نأخذ المجتمع على علاته فنخضع للاستغلال وأما أن نبني لأنفسنا مكانا تحت الشمس.
وهاك ما كتبته جريدة (super–boy) وهي إحدى الجرائد الكثيرة التي تخصصها البرجوازية لأطفال العمال.
"هل كتب علينا ان نبحث دائما عن سبب حدوث ما يحدث لنا وكيفية حدوثه؟ فنحن نقاسي الظلم كل يوم ونرى القوة تعلو على الحق"
يعلم الأطفال هذا النص البطش واحتقار الإنسان، وهذا ما يخدم حاجات البرجوازية المعتدية التي تعتبر حرب الغزو والاعتداء النشاط الطبيعي للإنسان.
ونذكر هنا ما قاله لينين عام 1920 في المؤتمر الثالث لاتحاد الشباب الشيوعي في روسيا فلقد وصف المجتمع الرأسمالي بقوله:
قام المجتمع القديم على المبدأ التالي: أما أن تسلب جارك وأما أن يسلبك جارك، أما أن تعمل لمصلحة الغير وأما أن يعمل الغير لمصلحتك، إما أن تكون مالكا للعبيد وإما أن تكون عبدا. ولهذا ندرك أن الأناسي الذين ينشأون في مثل هذا المجتمع يرضعون مع لبن أمهاتهم نفسية النخاس أو العبد، وعاداته وأفكاره أو المالك الصغير، أو المستخدم البسيط، أو الموظف الحقير، أو المثقف أي نفسية الإنسان الذي لا يفكر ألا بامتلاك ما يحتاج إليه دون أن يعبأ بالآخرين.
فإذا كنت استغل قطعة الأرض الصغيرة التي أملكها فليس علي أن أهتم بمصير الآخرين، حتى إذا ما حلت المجاعة بهم بعتهم قمحي بثمن باهظ.
وإذا كنت أمارس الطب أو الهندسة أو كنت معلما في مدرسة أو مستخدما. فمالي وللآخرين؟ إذ ربما احتفظت بمركزي ونجحت في الانضمام إلى زمرة البرجوازية عن طريق مداهنة ذوي السلطان والفوز برضاهم .
يجب علينا أن نحارب هذه الفلسفة القديمة، العزيزة على قلب البرجوازية الحاكمة، في نفوسنا وخارج هذه النفوس لأنها لا تعتمد فقط على التقاليد والأوهام القديمة، بل على الصحافة والمذياع والخيالة فنلبي نداء باربوس الذي قال بصدد هذا النضال ضد الأفكار القديمة السامة:
Recommence-toi, sil le faut
ec une magnifique honnetete ?
يجب علينا أن نعمل على تكوين أفكار جديدة تحمل في طياتها الثقة وتخلو من اليأس، تدعو إلى النضال ولا تشير بالاستسلام. وليست تلك مسألة ثانوية بالنسبة للعمال، بل هي مسألة حياة أو موت لأنهم لن يتحرروا من الاضطهاد الطبقي إلا إذا كانت لديهم فكرة عن العالم تمكنهم من تغييره فعلا.
وهكذا يروي لنا جوركي في "الأم" كيف أن امرأة عجوزا، أيام القيصرية في روسيا، كانت تعيش مستسلمة يائسة فإذا بها تنقلب ثائرة لأنها فهمت بفضل أبنها، وهو بطل مناضل من أبطال الاشتراكية، مصدر آلام الشعب وأدركت إنه يمكن القضاء على هذه الآلام.
ولهذا لن تكون دراسة الفلسفة جهدا لا طائل تحته للذين يأبون الاستسلام، لأن النظرة الموضوعية للعالم هي التي تمدهم بأسباب هذا النضال.
وليس هناك من نضال مظفر بدون فلسفة صادقة. ويعتقد البعض أنه يكفي للنجاح توفر شروط النجاح. وهذا خطأ لأنه يجب أيضاً معرفة أن هذه الشروط متوفرة. وكلما تعقدت الأشياء كلما زادت أهمية معرفة معالجتها.
تصح هذه الملاحظات بصدد النضال الثوري من أجل الاشتراكية والشيوعية ولهذا قال لينين: "ليس من حركة ثورية بدون فلسفة ثورية".
كما تصح أيضا في النضال من أجل أهداف أخرى كالنضال من أجل الحريات الديمقراطية، من أجل الخبز أو من أجل السلام.
يجب علينا اذن أن ندرس الفلسفة لضرورة عملية. فلنر الآن عن قرب ما هي هذه الفلسفة التي تتيح لنا فهم العالم والنضال من أجل تغييره.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري


.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية




.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج


.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام




.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي