الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتابات على جسد المدينة

خالد جمعة
شاعر ـ كاتب للأطفال

(Khaled Juma)

2024 / 1 / 24
الادب والفن


مقاطع على جسد المدينة

[1]


رأيتُ امرأةً تتسوّلُ
بأولادها الخمسة
"تُحَسْبِنُ"
تأمّلتُها:
أصابع قدميها المنتفخة من البرد
"لم تكن حافية تماماً، لكن حذاءها مفتوح على العالم"
ثوبها الذي يحتاج عبقريةً لتعرف لونه الأصلي
وجهها "يبدو أنه جميل إذا عثرت على ماء لتغسله"
هذا دون وصف أولادها الضامرين
اقترب منها رجل بحزمة مالٍ ضئيلة
نظرت إليه بتعالٍ مرعب
وأخرجت من "عبّها" رزمة مال
وقالت: خذ هذا إن أردت
وأعطني رغيفين
وساعتين من النوم

[2]

يا يسوعُ
أنت الوحيدُ الذي رأى القيامةَ
فلماذا استأثرت بها وحدك؟
سيأتيك أولادٌ كثرٌ
كأنهم آتون إلى مهرجان الأغاني
سيشكون إليك ما لا طاقة للأنبياء به
فلا تضجرك شكواهم
فهم ما زالوا أطفالاً
لا يعرفون عذابات الأنبياء
وليس فيهم أحد قد بلغ الأربعين
كما تعلم
أرجوك: لا تغير أسماءهم
حتى يعرفهم آباؤهم وأمهاتهم
الذين ما زالوا يبحثون عنهم
في المكان الخطأ
[3]

في الأساطير
كلما مات بطلٌ فكرتُ:
ماذا فعلوا بحصانه؟
التاريخُ مزيّفٌ لأسباب كثيرة
منها: أنه لا يتذكر الأحصنة

[4]
منذ عشرة أيام
أبحث عن رغيف واحد
سأقبل به دون ما أبلُّه به
قالوا لي إنه اختفي في المخازن الدولية
طفل أخبرني أنه شاهده يصعد خشبة المسرح
التي قصفتها الطائرات
الرغيف مراوغ، وقدماي متعبتان
لكن أولادي الصغار لا يفهمون ذلك
يظنّون أنهم في الزمن القديم
حين كانوا يأكلون وقتما جاعوا
ويفكّرون في الخطأ الذي ارتكبوه
كي أعاقبهم بالجوع والعطش
آخر جملةٍ قالها لي أصغرهم صباحاً:
أليس هذا عقاب مبالغ فيه يا أبي؟

[5]

يا سانتا كلوز
مطالب هذا العام كبيرة عليك
فلا يمكنك أن تعيد الأطفال الميتين
ولا أن ترجع أطراف الذين بقوا أحياء
حتى أنك لا تستطيع أن تروي عطشهم
حان الوقت لتعترف لهم على الأقل:
أنك الكذبة التي نامت في أسرتهم
آلاف السنين

[6]

اختفت الشمس تحت الجنزير
صارت قطعاً مطعوجةً في الرمل
والعتمة نعسانةٌ
تبحث في خزانة الأزمان عن توقيتها
والناس سكارى وما هم بسكارى

[7]

مَنْ كل هؤلاء الموتى في هاتفي؟
كان الهاتف يرنُّ دائماً
فتظهر أسماؤهم غيوماً تسيلُ من الشاشةِ
سكتوا فجأةً
كأنهم تآمروا على الكلام بالصمت
يا لهذا الغياب الأنيق
يا ثعالب المقالب الخفيفة
كيف نفذتم خدعتكم الأخيرة
حين بقيت بصمات أصواتكم
في ذاكرة الهاتف؟

[8]

إلى نور الدين حجاج
دعني أضع يدي على قلبي، نيابةً عنك
أساوي خصلة شعري النافرة، نيابةً عنك
أنشرُ نصوصك بين الأصدقاء
أحدثهم عن حلمك وأمنياتك
عن بطاقة اتحاد الكتاب التي لم تأخذها
باختصار: دعني أفعل كل شيء نيابةً عنك
وأنت ما عليك إلا أن تفعل شيئا صغيراً بالمقابل
"أن تموت نيابةً عني"

[9]

أيها الحزنُ
قف قليلا، والتقط أنفاسكَ، نعرفُ أنّك نبيلٌ وحاتميٌّ، لكنّ من الممكن أن تكتشف بلاداً أخرى، أو تأتي لأسبابٍ أقلّ وجعاً، مثلاً: أن يرسب الأولاد في امتحان الرسم، أو تتلف أمٌّ طبختها الأولى، وربما تأتي حين تطيّرُ الريحٌ الغسيل عن حبال الجارةِ، ليس بالضرورة أن تأتي دائماً على شكل مأساة.

[10]

كتب الشعراء عن العطش
مع الوقت، بدأت النصوص بالتشقق


[11]

أكتب عني، كثيراً
لكن، أرجوك
لا تقل إني كنت خائفاً
وإن كان لا بد
فقل إن ارتجافي كان من البرد
أنا لست خائفاً من أن يعرف الناس أني خائف
لكن أختي الصغيرة تظنني بطلاً
لأني أحضرت لها شربة ماء
ولا أريد أن أكسر صورتي في عينيها

[11]

تعلّمتُ في طفولتي أن أؤذن
صرتُ أؤذن في غير أوقات الصلاة
ظانّاً أن مدى صوتي
يشبه تماماً صوت مؤذن المسجد
وكان يدهشني أن الناس لا يستجيبون لأذاني
اليوم، كل الأطفال يؤذّنُون
ولا أحد يذهب للصلاة

[12]

لا يا سيدتي، لا أعرف أين دفنوا ابنك
تريدين أن تعرفي أكثر؟
لا أعرف إن كان ابنك في قبر واحد
أو أنه موزع على كل هذه القبور التي أمامك
فكيف لي أن أنفذ وصيتك
وأدفنك إلى جواره؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟