الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام الراسمالي و مشاكله الاجتماعية .. العراق نموذجا

محمد رضا عباس

2024 / 1 / 24
الادارة و الاقتصاد


التغيير في العراق عام 2003, لم يكن تغييرا للنظام السياسي فحسب وانما صاحبه تغييرا للنظام الاقتصادي ايضا, وهو التركيز على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ( الموارد الطبيعية , العمال , رأسمال , و النخب الإدارية او أصحاب القرار). هذا النهج تبنته جميع الحكومات ما بعد حكومة صدام حسين مع نجاح متواضع . الأسباب كثيرة , وهو ليس موضوعنا هنا.
ومع تواضع الإنجاز , فان تطبيق النظام الاقتصادي الرأسمالي في العراق جلب معه مشاكل اجتماعية لم تكن بهذا الحجم قبل التغيير. لقد اصبح من النادر جدا ان يمر يوما واحدا في العراق بدون وقوع جريمة سببه اقتصادي . شاب يقتل جدته من اجل المال, شباب يستدرجون فتيات من على المواقع التواصل الاجتماعي من اجل المال , اختطاف طفل او فتاة من اجل ابتزاز ذويهم , سرقات سيارات , الاستيلاء على ممتلكات الدولة , الفساد المالي, غش في الأسواق , تجارة الاعضاء البشرية , تجارة المخدرات , تهريب البضائع , وحتى بيع لحم الحمير على انه لحم بقر كما تم تداوله من على منصات التواصل الاجتماعي.
ربما يقول البعض ان هذه الجرائم قد تحدث وتحدث في جميع المجتمعات وان العراق ليس الوحيد من يعاني منها, وهذا صحيح , لكن هذه الجرائم ازدادت بشكل كبير في العراق بعد انفتاح عام 2003.
المواطن العراقي مر بتراجع اقتصادي وثقافي واجتماعي طيلة الثلاثين سنة قبل التغيير . العراق تراجع ثقافيا " المعركة فوق كل شيء" احد شعارات النظام السابق, دخل سنوي للمواطن العراقي لا ينافس حتى دخل فلاح في احد القرى الهندية , وانهيار في القيم الاجتماعية الى درجة اصبح الجار يخاف جاره وزوج يغشى من زوجته من كتابة تقرير ضده اذا غضبت.
هذا كان وضع العراق قبل التغيير , فقر اقتصادي وثقافي واجتماعي . وبعد التغيير والسماح للعراق بتصدير نفطه بكل حرية , زادت من الواردات المالية للدولة العراقية ,وبدورها فتحت باب التعيين في دوائر الدولة المدنية والعسكرية . الا ان عدد العاطلين عن العمل الهائل كان يفوق قدرة الدولة على استيعابهم , فكان التعويل على القطاع الخاص.
وهنا ظهرت اول ظاهرة تفاوت للدخول في العراق , ما بين موظف حكومي يستلم راتبا شهريا واخر عاطل عن العمل . وبدلا من استغلال القطاع الخاص التسهيلات التي قدمتها الحكومة له من اجل النهوض بالقطاع الصناعي والزراعي , ذهب الى اتجاه اخر وهو قطاع التجارة , وخلال خمسة أعوام أصبحت أسواق العراق معرضا لسلع العالم .
كان الاقتصاد العراقي قبل وصول السيد عادل عبد المهدي الى رئاسة الدولة العراقية قد وصف :
1. اقتصاد يعتمد ومازال يعتمد على الصادرات النفطية .
2. فشل خطط إعادة الحياة للقطاع الصناعي والزراعي.
3. انتعاش قطاع التجارة.
4. تضخم عدد العاطلين عن العمل بما فيهم خريجو الجامعات .
5. ظهور القطط السمان والتي تركزت اعمالها في الصيرفة وبيع وشراء العقارات .
6. وبغياب فرص العمل اتجه من ليس له عمل الى قطاع بيع المفرد معتمدا على ثروة العائلة او الاقتراض من قريب او صديق.
7. وبما ان نظام السوق ( الرأسمالي) يعتمد على المنافسة وعلى الربح , فان العلاقة بين رب العمل والعمال أصبحت متأزمة , فاستعان الكثير من ارباب الاعمال , بالعمالة الأجنبية .
8. في هذه الاثناء توسعت أسواق العراق وأصبحت تعرض الرخيص والثمين ومن مختلف دول العالم .
9. ومع عدم قدرة الدولة على تفعيل قوانينها وخاصة القضائية , ظهر الفساد المالي والإداري في دوائر الدولة تجارة السلاح , وظهرت النزاعات العشائرية و ظهرت الدواوين العشائرية كمكان لحل النزاعات بعيدة عن دوائر الدولة , وهو نظام كان معمول به في عهد الحكومة الملكية والغته ثورة 14 تموز 1958.
10. ليس كل مواطن مؤهل ان يتعايش مع التغيير الاقتصادي في العراق . قابليات البشر العقلية والجسمية تختلف من فرد الى اخر , ومن لا يملك واحدة منها سوف يهزم متعذرا بشتى المعاذير .
11. هذه الطبقة عالجتها الدول المتقدمة , حيث فتحت المجال لهم بالالتحاق الى المعاهد التدريب من اجل تعلم مهن يحتاجها الاقتصاد الوطني ويحولهم من افراد عاطلين عن العمل الى افراد منتجين. الدولة العراقية ما زالت متخلفة في هذا المجال , فظهرت مجاميع تلعن التغيير وجاهزة للتظاهر ضد النظام القائم في أي لحظة.
12. نتيجة لإخفاق السلطة القضائية , غياب فرص العمل في الريف العراقي, و الهجرة الكثيفة الى المدن وبدون انضباط , ظهرت العشوائيات و الاستحواذ على ممتلكات الدولة وأصبحت هناك مافيات مسلحة تقاتل القوات الأمنية , وانتهت خصائص المدينة.
وهكذا , اصبح العراقي يريد ان يغتنم كل فرصة متاحة له من اجل تعويض سنوات الجفاف التي مرت به. اغلب المواطنين اغتنموا فرصة الانفتاح الاقتصادي وفق القوانين العراقية واضعين الله نصب عيونهم , ولكن اخرون أرادوا اغتنام فرصة التعافي الاقتصادي عن طريق خرق القوانين الوضعية والإنسانية , فظهرت شتى أنواع الجرائم من اجل الربح الحرام. لقد ظهرت مشكلة الرشاوى في اغلب دوائر الدولة العراقية , ظهور تجارة المخدرات , تجارة البشر, وجرائم أخرى.
بطبع ان النظام الرأسمالي يحارب جميع أنواع الجرائم من خلال العقوبات الصارمة , ولكن تركيزه على المنافسة الحرة ينتج عنها رابح وخسران , وان الخسارة هي التي تقود بعض الافراد الى خرق القوانين , ولهذا السبب اجتهدت النظم الرأسمالية بتقديم كافة أنواع المساعدات المالية والعينية للطبقة الفقيرة من المجتمع.
لا نتوقع القضاء على جميع أنواع الجرائم في العراق في الوقت الحاضر . العراق يحتاج على راس الأولويات تقليص عدد العاطلين عن العمل , تفعيل قوانين الدولة , وتثقيف المواطن على المواطنة . الحكومات التي حكمت العراق في الخمسين سنة الماضية أخفقت في هذا المجال , فطيلة حكم حزب البعث انتشرت عبادة الفرد " بالدم بالروح نفديك يا صدام " , تلاها بعد التغيير شعار الطائفية والقومية وبقى العراق المسكين لا احد يطالب بحقه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أردوغان ونتنياهو .. صدام سياسي واقتصادي | #التاسعة


.. تركيا وإسرائيل.. مقاطعة اقتصادية أم أهداف سياسية؟




.. سعر الذهب عيار 21 يسجل 3080 جنيها للجرام


.. الجزائر في المرتبة الثالثة اقتصاديا بأفريقيا.. هل التصنيف يع




.. ما تداعيات قرار وزارة التجارة التركية إيقاف جميع الصادرات وا