الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب ما وراء الأوهام / ايريك فروم

الريكات عبد الغفور

2024 / 1 / 24
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


في العادة ما يرتبط الوهم بمحاولة الفهم المغلوط لاشياء حقيقية موجودة في الواقع، لكن إخفاء الحقيقة و الواقع من شأنه خلق حالة من التوثر و انعدام الاحساس بالاستقرار النفسي و الاجتماعي.
و كتاب ما وراء الأوهام ل ايريك فروم هو محاولة و اجتهاد للكشف عن أبعاد الاوهام و تجلياتها و آثارها النفسية و الاجتماعية.و الكتاب هو ايضا بمثابة مناظرة علمية غير معلنة بين المفكرين: فرويد و ماركس.
و قد وضع فروم في الفصل الأول من كتابه الأسس النظرية للأوهام سواء من المنظور النفسي عند فرويد، و من المنظور الاجتماعي عند ماركس.
أما في الفصل الثاني فقد حاول البحث عن أرضية مشتركة بين فرويد و ماركس من ثلاث مداخل و هي : الشك، عد وجود الغرابة ، التحرر بواسطة الحقيقة.
فماركس يعتبر أن أفكارنا تتطور في إطار المجتمع بشكل عام، بينما فرويد من خلال أدوات التحليل النفسي يعتبر أن الانسان يتوهم أشياء بعيدة عن الواقع.
لكنهما أجمعا على أن السلاح الفعال للتخلص من هذه المرضيات هي الحقيقة، و التي تؤدي من منظور ماركس إلى تغيير اجتماعي، بينما من منظور فرويد تحدث تغييرا فرديا عبر جعل اللاشعور شعوريا.
و للمفكرين أرضية مشتركة أخرى تتمثل في النزعة الانسانية، فكلاهما يسعيان الى تحرير الانسان كجزء مهم من الشعور الفردي و الجماعي.
إضافة الى النظرة الدياليكتيكية للواقع ، فالتحليل الماركسي هو تحليل بنيوي يهدف الى تحرير الفرد و المجتمع من سيطرة المجتمع البورجوازي الطبقي. بينما التحليل الفرويدي هو تحليل يستهدف تحرير الفرد.
و انتقل في الفصول من الثالث الى التاسع الى تحليل المفاهيم ذات الصلة بالاوهام، فكانت البداية في الفصل الثالث مع مفهوم الانسان و مفهوم طبيعته الانسانية. و استند هنا الى موقف سبينوزا الذي يعتبر السلوك الانساني مدخلا أساسيا لادراك طبيعته الانسانية. اضافة الى مواقف فلاسفة القرنين 18 و 19 م الذين يعتبرون أن للانسان فرديته و تفرده التي تؤدي في نهاية المطاف الى تطوير المجتمع.
بينما ميز ماركس بين طبيعة الانسان العامة و الثابتة، طبيعة الانسان المعدلة تاريخيا. أما فرويد فيربط الطبيعة الانسانية بالفرد و طاقته الجنسية و هي قائمة على مبدأ اللذة لا الواقع.
بينما خصص فروم الفصل الرابع لمفهوم التطور الانساني، فهو من منظور فرويد تطور فردي للشخص عبر ما أسماه الليبيدو (الطاقة الجنسية). رغم أن الحضارة الانسانية عملت على تطوير هذه الطاقة الا أنها في نفس الوقت قيدتها و أحبطتها ما ساهم في ظهور "مرض العصاب ". أما ماركس فاهتم بتطور الانسان في التاريخ، باعتباره نتاج أو عصارة تغيرات في البنى السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية. و في مجرى و سيرورة العملية التاريخية يحدث التطور النفسي للانسان.
و في الفصل الخامس تحدث عن الدوافع الانسانية، و ان كان ماركس يؤكد على ضرورة الاشباع الانساني بأشياء مادية اي ان طريقة انتاج الانسان هي المحدد لنمط اقتصاده و تفكيره و دوافعه النفسية و السيكولوجية ، فان فرويد يركز على أن الدافع الفردي للانسان مستقل تماما عن الآخرين و خاصة الحاجة أو الرغبة الجنسية.
و انتقل في الفصل السادس من كتابه الى التأصيل الدقيق لمفهوم: الفرد المريض و المجتمع المريض. فمن جهة فرويد المدخل الاساسي لتحقيق الصحة النفسية للانسان راجع بالاساس الى التخلص من عقدة أوديب، و يربط الاغتراب بالانسان العصابي الذي يشعر بالضعف الدائم. بينما ماركس يربط مرض الفرد و المجتمع بمفهوم الاغتراب عند الفرد، و هو يقصد اغتراب العامل عن عمله و شعوره بالفقر المتزايد كلما زاد انتاجه، فتقسيم العمل و طبيعته تجعل انتاج الانسان قوة غريبة مضادة لتستعبده و تشعره بالاغتراب عن الحياة و ذاته و عن الآخرين.
و ان كان الاغتراب من منظورهما ظاهرة مرضية. الا أنهما يعتبرانه جزء مهم في مسار و سيرورة التطور الانساني، لكن مع اختلافهما على مستوى مضمونه ف فرويد يعتبره مرض فردي بينما ماركس يعتبره مرض مجتمع كامل.
و في الفصل السابع أصل لمفهوم الصحة النفسية . فهي من منظور فرويد تتحقق بوصول الفرد أعلى درجات الليبيدو، دون أي كبت لها. أما ماركس فيربطها بوصول الفرد قمة الانتاج الفعال.
ليتفق ماركس و فرويد في كون استقلالية الفرد هي المدخل الاساسي لصحته و سلامته النفسية.
و تناول في الفصل الثامن مفهوم : الطبع الفردي و الطبع الاجتماعي. فمن منظور ماركس يتحدد الطبع الاجتماعي بالعلاقات الموجودة بين البناء الاقتصادي و المؤسسات أو البنى الفوقية (فلسفة / دين.....) بينما يربط فرويد الطبع بالنموذج المميز للفرد على المستوى السلوكي، حيث يعتبر طبع الانسان هو مصيره و يحدده في مستويات عديدة و منها:
الطبع المختزن (ميول الشخص الى التوفير بغض النظر عن علاقة ذلك بالوضع الاقتصادي)
الطبع التقبلي (وجود الشخص في وضع التلقي بدون الحاجة للانتاج الفكري )
الطبع الاستغلالي (نهج الشخص أسلوب المكر و الخداع، و سرقة الافكار عوض انتاجها )
و يؤكد فروم على أن دراسة الطبع الفردي هي جزء لا يتجزأ من البنية الشاملة للطبع الاجتماعي و الذي يوجه الافراد بغض النظر عن اختلاف طبعهم الفردي نحو تقبل افكار ذات صلة بالطبع العام المميز للمجتمع.
و خصص الفصل التاسع لمفهوم : اللاشعور الاجتماعي. فمن منظور فرويد اللاشعور هو مكمن العالم الخفي غير المعروف عند الشخص بصفة عامة، و حجم معرفتنا به يبقى ضئيلا بل ان البحث فيه يجعلنا نصطدم بالفكرة الاخلاقية التبريرية و التي تتمثل في المقاومة. أما ماركس فيربطه بمدى تأثر الانسان بالحياة الواقعية المادية. و ان اتفقا على وجود عوامل خارجية تؤثر في اللاشعور عند الانسان، الا انهما اختلفا على مضمونها فبالنسبة ل فرويد يربطها بالدافع الجنسي و الحاجات البيولوجية أما ماركس فلا يلغي الدافع الجنسي و انما يدرجه ضمن الاطار العام المتمثل في القوى التاريخية و الاقتصادية.
و يسترسل فروم أن تهرب الفرد من ادراك اللاشعور راجع بالاساس الى خوفه من العزلة، و هو بذلك يفضل خسارة نفسه على الشعور بالنبذ الاجتماعي. و اكثر الناس احساسا به هم الاقليات العرقية و الدينية و افراد طبقة اجتماعية تتعرض للاضطهاد لمجرد كونها تنتج موقفا طبقيا معينا...
أما في الفصول 10و 11 و 12 فقد خصصها ايريك فروم لمجموعة من الخلاصات التركيبية و التي ابتدأها في الفصل العاشر برصد و تتبع مصير أفكار فرويد و ماركس.
فـأفكار فرويد وجدت مناخها في غضون نهاية الحروب العالمية خلال النصف الاول من القرن 20 م ، رغم ان دور المعالج النفسي اقتصر خلال هذه المرحلة على الاستماع للمريض و اسماعه ما يرضي نفسيته. أما افكار ماركس فقد ساهمت نفس الحروب العالمية في عرقلة تطورها رغم أنها في نهاية المطاف تستهدف خدمة الانسانية و تحريرها من سيطرة الظروف الاقتصادية المحيطة بها.
و في الفصل الحادي عشر أبرز فروم كيفية تطور علم النفس و الارتقاء بمهمة المعالج النفسي من مستوى التشخيص الى مستوى الانتاج بافكار تعيد خلق التوازن النفسي.
و هو أمر المفروض توفره في علم الاجتماع، حيث ينبغي الانخراط في الواقع الاجتماعي و الربط بين التفسير و التغيير أي بين الجانب النظري و الجانب التطبيقي.
أما في الفصل الثاني عشر فقد خصصه فروم لاشكالية جوهرية تتمثل أساسا في التناقض بين الانسان و العالم الخارجي المفتوح أمامه كموضوعات. فيكون بذلك أمام خيارين: إما الحياة بما معناها الولادة الدائمة و القابلية للتطور، أو الموت بما معناه التحجر و النمطية و التكرار.
لكن في الاخير يبقى العقل السلاح الفعال الذي يمكن الانسان من تحطيم أوهامه و الوصول إلى الحرية و الاستقلال و الحقيقة....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجامعات الأميركية... تظاهرات طلابية دعما لغزة | #غرفة_الأخب


.. الجنوب اللبناني... مخاوف من الانزلاق إلى حرب مفتوحة بين حزب 




.. حرب المسيرات تستعر بين موسكو وكييف | #غرفة_الأخبار


.. جماعة الحوثي تهدد... الولايات المتحدة لن تجد طريقا واحدا آمن




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - كتائب القسام تنشر فيديو لمحتجزين ي