الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


3من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر

عبدالرحيم قروي

2024 / 1 / 25
الارشيف الماركسي


أصول الفلسفة الماركسية
الجزء الأول
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين

الحلقة الثالثة

– ما هي الفلسفة التي ندرسها؟

أ) – الفلسفة العلمية: المادية الجدلية
إذا أردنا تغيير الواقع سواء كان الطبيعة أو المجتمع فإنه يجب علينا أن نعرف هذا الواقع. يعرف الإنسان العالم بواسطة العلوم المختلفة، ولا توافق العمال في نضالهم أجل حياة أفضل إلا نظرة علمية للعالم. هذه النظرة العلمية هي الفلسفة الماركسية أو المادية الجدلية.
ويتبادر هنا إلى ذهننا سؤال وهو: ما الفرق بين "العلم" و "الفلسفة" أو ليست الفلسفة مماثلة للعلم؟ لا تنفصل الفلسفة الماركسية عن العلوم ولكنها تتميز عنها. إذ أن غرض كل من علوم الفيزياء والبيولوجيا والنفس هو دراسة القوانين المتعلقة بجزء معين من الواقع. أما المادية الجدلية فهي تهدف لغرضين:
ـ تدرس المادية الجدلية أعم قوانين الكون، وهي القوانين التي تشترك فيها جميع جوانب الواقع من طبيعة فيزيائية وفكر مارة بالطبيعة الحية وبالمجتمع، وسوف ندرس في الدروس المقبلة هذه القوانين. غير أن ماركس وانجلز، وهما مؤسسا المادية الجدلية، لم يبدعا الجدلية من خيالهما. بل إن تقدم العلم هو الذي أتاح لهما اكتشاف أعم القوانين التي تشترك فيها جميع العلوم وصياغتها وهي القوانين التي تعرضها الفلسفة .
ـ كما أن الفلسفة الماركسية نظرة علمية للعالم، وهي النظرة الوحيدة العلمية أي التي تتفق وتعاليم العلوم. فما هي هذه التعاليم؟ تعلمنا العلوم أن الكون حقيقة مادية، وأن الإنسان ليس غريبا على هذه الحقيقة، وأنه يمكنه معرفتها، ومن ثم تغييرها كما تدل على ذلك النتائج العملية التي توصلت إليها مختلف العلوم. وسنبدأ دراسة المادية الفلسفية في الدرس الثامن حتى الدرس الحادي عشر. وليست المادية الماركسية مماثلة للعلوم لأنها لا تهدف جانبا معينا من جوانب الواقع كما تفعل العلوم بل هي تسعى لفهم العالم بجعله في نظرة تقبلها العلوم جمعاء ولو لم يكن العلماء ماركسيين.
يقول انجلز: "تعني النظرة المادية للعالم النظرة إلى الطبيعة كما هي، بدون أي إضافة خارجية ".
يدرس كل علم جانبا من "الطبيعة كما هي". أما الفلسفة الماركسية فهي "النظرة العامة للطبيعة كما هي" فهي بهذا فلسفة علمية بالرغم من أنها لا تماثل العلوم.
قلنا أن المادية الجدلية لا تماثل العلوم. ولكننا وجدنا أيضاً أن العلوم جدلية بالضرورة، لأنها لا يمكن أن تتكون إذا ما تجاهلت أعم القوانين في الكون. كما أنها مادية لأن موضوعها الكون المادي.
وبهذا تنفصل المادية الجدلية عن العلوم. ولا تتقدم ألا باعتمادها على هذه العلوم، كما أنها تعين العلوم كما سنرى ذلك. وتقوم مهمتها على نقد النظريات غير العلمية عن العالم، والفلسفات المعارضة للجدلية وللمادية.
كما توسع المادية التاريخية ميدان مبادىء المادية الجدلية فتشمل المجتمع، وسندرس ذلك ابتداء من الدرس الواحد والعشرين.
وتكون المادية الجدلية التاريخية الأساس النظري للاشتراكية العلمية، أو الشيوعية.
ولقد اختصر ستالين كل ذلك فكتب يقول:
"الماركسية هي العلم الذي يقوم بدراسة قوانين تطور الطبيعة والمجتمع، وهي العلم الذي يدرس ثورة الطبقات المضطهدة المستغلة، كما أنها العلم الذي يصف لنا انتصار الاشتراكية في جميع البلدان، وأخيرا هي العلم الذي يعلمنا بناء المجتمع الشيوعي ".
ب)- الفلسفة الثورية: فلسفة العمال
لما كانت الفلسفة الماركسية فلسفة علمية فأنها بذلك فلسفة العمال فهي فلسفة حزب العمال وفلسفة الطبقة الثورية التي يقوم دورها التاريخي على قهر البرجوازية والقضاء على رأس المال وبناء المجتمع الاشتراكي.
وسوف نعود في الدرس الرابع عشر للحديث عن أهمية الرابطة التي تربط العمال بالماركسية. ولكن يجب أن نوضح ذلك منذ الآن. إذا كان العمال قد انضموا إلى الفلسفة الماركسية، وإذا كانوا قد تمثلوا هذه الفلسفة وغذوها فما ذلك إلا لأن نضالهم من أجل تغيير المجتمع الذي هم ضحيته قد أوجب عليهم فهم هذا المجتمع ودرسه دراسة علمية. وتحاول البرجوازية، للدفاع عن مصالحها في كونها طبقة محظوظة، أن تنسي الناس أن سيطرتها ترتكز على استغلال قوى العمل. فهي تنكر واقع الاستغلال الرأسمالي، لأن الاعتراف بهذا الواقع لا يتفق ومصالحها كطبقة مستغلة. ولهذا نرى البرجوازية تضرب صفحا عن هذه الحقيقة.
يختلف عن ذلك مركز العمال. إذ أن مصلحتهم، كطبقة مستغَلة تريد تحطيم قيد الاستغلال، في أن ينظروا للعالم وجها لوجه. وتحتاج الطبقة المستغِلة إلى الكذب لدوام الاستغلال، بينما تحتاج الطبقة الثائرة إلى الحقيقة للقضاء على الاستغلال. فهي بحاجة لنظرة صادقة عن العالم تساعدها على اتمام مهمتها الثورية على أكمل وجه. هذه النظرة إلى العالم وجها لوجه هي المادية. كما أن النظرة إلى العالم في تطوره الواقعي هي المادية (لأن الجدلية تقوم بدراسة القوانين التي تفسر تطور المجتمع).
نستطيع القول إذن أنه لما كانت المادية الجدلية فلسفة علمية فقد أصبحت بذلك فلسفة الطبقة الثائرة، فلسفة الطبقة التي تقوم مصلحتها على فهم المجتمع للتخلص من الاستغلال وبهذا تكون الماركسية فلسفة العمال العلمية.
كتب أ. جدانوف يقول:
"أدى ظهور الماركسية كفلسفة علمية لطبقة العمال إلى انتهاء عصر الفلسفة القديمة حين كانت الفلسفة شغل المتوحدين داخل مدارس تتألف من عدد صغير من الفلاسفة والصحابة الذين كانوا يعيشون بعيدين عن العالم الخارجي وقد انفصلوا عن حياة الشعب وأصبحوا كالأغراب بالنسبة إليه.
"إذ ليست الماركسية مدرسة فلسفية من هذا النوع. بل هي تبدو، على العكس، تجاوزا للفلسفة القديمة بعد أن كانت هذه مقتصرة على بعض المختارين ضمن ارستقراطية فكرية، كما أنها بداية مرحلة جديدة تصبح فيها الفلسفة سلاحا علميا في أيدي الطبقات الكادحة التي تناضل من أجل تحريرها "
تلك هي الفلسفة التي سندرسها لأنها، لما كانت فلسفة علمية، فأنها تحمل إلى العمال الضياء الذي ينير أمامهم سبل النضال. تحمل إلى العمال كافة وليس فقط إلى "البروليتاريا" لأن من يعملون بايديهم وتفكيرهم حلفاء "للبروليتاريا" يتفقون معها في المصلحة ضد البرجوازية الرأسمالية. ولهذا كانت دراسة الماركسية، وهي فلسفة العمال العلمية، واجبا على كل من يريدون القضاء على الأكاذيب التي تنتشر في ظلال البرجوازية. والفلسفة الماركسية، كأي علم، في تناول كل إنسان مهما كانت الطبقة التي ينتمي إليها: وهكذا يمكن للبرجوازي أن يكون ماركسيا إذا أنضم إلى جانب العمال وأخذ بوجهة نظرهم.
غير أن الرابطة التي تربط الماركسية بالعمال تساعدنا على فهم كون الفلسفة الماركسية فلسفة حزب. لأنه لا يمكن للعمال أن يقهروا البرجوازية بدون حزب ثوري مطلع على قوانين المجتمعات. ولقد عبر عن تلك الفكرة كل من ماركس وانجلز في بيان الحزب الشيوعي، كما قال لينين:
"كان ماركس وأنجلز في الفلسفة حزبيين "
وكذلك كان شأن أفضل رفاقهما ولا سيما لينين وستالين.
– الخلاصة: وحدة النظرية والتطبيق
ليست دراسة الفلسفة الماركسية بالنسبة للعمال وخاصة البروليتاريا ضربا من الترف بل هي واجب طبقي. فإذا ما تقاعسنا عن تادية هذا الواجب تركنا المجال واسعا لنظريات غير العلمية الرجعية التي تخدم الاضطهاد البرجوازي وحرمنا الحركة العمالية من رائدها الذي يدلها على الطريق السوي.
تخشى البرجوازية من فلسفة العمال وتحاربها بجميع الوسائل. ولهذا فقد طمست خلال عشرات السنين النظرية الماركسية فأبعدتها عن الجامعات. حتى إذا ما عظم تأثير المادية الجدلية، كلما ازدادت سلطة الطبقة العاملة، كان لا بد من اصطناع الحيلة، فإذا بالدعاة البرجوازيين يغيرون من لهجتهم فيقولون: "لقد كانت الماركسية صالحة في العهود الغابرة أما الآن فقد أصبحت بالية" ومن هنا نشأت مختلف المحاولات لتجاوز الماركسية. غير أن هذه المحاولات العديدة تمر بمرحلة تمهيدية تقوم على تشويه أسس الماركسية الفلسفية والمادية الجدلية.
ولقد وجدت البرجوازية نصيرا لها في هذا العمل عند زعماء الديمقراطية الاجتماعية العالمية. ولا سيما مساعدة ليون بلوم في بلادنا فهو ينكر في كتابه "على مستوى الإنسان" (A l Echelle humaine) (1946) ضرورة اعتماد الاشتراكية على فلسفة مادية بالرغم من تعاليم ماركس الدائمة بهذا الصدد. كما أن زعماء الاشتراكية العالمية يلجأون إلى كنف الدين في قولهم:
"ليست الماركسية والمادية الجدلية والتاريخية ضروريتين للاشتراكية فأن الدين له نفس الشأن "
وسنرى أن مثل هذه المحاولات تؤدي إلى الحيلولة دون النضال الطبقي وتقف في وجه الثورة.
غير أن كل هذا لا يمكن أن يغير من حقيقة المادية الجدلية والمادية التاريخية. فالوقائع هي الوقائع. وإذا بنا نشهد اليوم تناحر مختلف الدول الرأسمالية بالرغم من تحالفها ضد بلاد الاشتراكية. ويعترف الرأسماليون أنفسهم بهذا الوضع. ولقد تنبأ به ستالين ووصفه في آخر كتاب له "مشاكل الاشتراكية الاقتصادية في الاتحاد السوفياتي" ذلك الكتاب الذي يعرض للفلسفة الماركسية وينميها.
أن انتصار الاشتراكية وقيام الشيوعية في روسيا وازدهار الديمقراطيات الشعبية، وتقدم الأحزاب العمالية الماركسية اللينينية لأسطع دليل على قوة الفلسفة الماركسية. أما الفلسفات البرجوازية فهي لا تستطيع سوى تسجيل ازدياد أزمة الرأسمالية العامة فتحاول تبريرها دون أن تستطيع تفسيرها.
وهناك مع ذلك مسألة لا يجب على من يدرس الفلسفة الماركسية إغفالها وهي أنه لما كانت الماركسية فلسفة علمية لطبقة البروليتاريا الثائرة فانها لا تفصل قط الناحية النظرية عن الناحية العملية. فقد كان ماركس وأنجلز ورفاقهما رجال فكر وعمل في نفس الوقت. ولقد أغنت الماركسية هذه العلاقة العضوية بين الفلسفة والتطبيق فإذا بكل مرحلة من مراحل الحركة الثورية تمهد السبيل لتطور جديد في الفلسفة الماركسية. ولا نستطيع تمثل مبادىء الماركسية إذا لم نشارك في العمل الثوري الذي يظهر خصبها.
ليست الفلسفة الماركسية اللينينية عقيدة بل هي رائد للفعل .
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): 80% من مشافي غزة خارج الخدمة وتأج




.. اعتقال عشرات الطلاب المتظاهرين المطالبين بوقف حرب غزة في جام