الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تعني السعودية ما تقول؟

هاني الروسان
(Hani Alroussen)

2024 / 1 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


في بعض التصريحات المنقولة على لسان وزير الخارجية السعودي، والتي أكد جانب منها بلينكن أثناء وبعد زيارته الأخيرة للمنطقة وكذلك قالته الوول ستريت جورنال بان السعودية تتمسك بشرط حل الدولتين للقبول بالتطبيع مع اسرائيل الذي ترى به واشنطن مدخلا لبلورة تشكيل الناتو العربي. فهل صحيح ان السعودية تعني ما تقول؟؟؟.
وباكثر صراحة هل ما تعنيه السعودية بحل الدولتين هو اقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من جوان 1967 وعاصمتها القدس الشرقية؟؟ ام دولة يُحدد مضمونها لاحقا كما يفعل الامريكيون عادة حيث يكثرون من الحديث عن هذه الدولة دون معرفة ما يعنون بذلك، ودون وضع آليات اقامتها؟.
ان الإجابة على ذلك تبثق فقط من تمثلات صانع القرار السعودي لدوره الإقليمي وزاوية تموضعه في المحيط الدولي من ناحية ومدى إيمانه بقدرته على لعب هذا الدور وفق شروطه في واقع الدولة من ناحية ثانية، مع العمل على توسيع هامش المناورة الذي ينجو به من الوقوع في الانعطافات العمياء.
وللحقيقة والتاريخ أيضا فان سياق تطور الاحداث منذ عام 1990 قد مهد الطريق أمام الرياض للعب هذا الدور - الذي شاكست من اجل الوصول اليه طيلة الخمسين سنة التي سبقت هذا التاريخ - دون مناكفات من عواصم الصراع على زعامة المنطقة في القاهرة وبغداد ودمشق، ولكن أيضا مع تعاظم أدوار الجوار في طهران وانقرة وتل ابيب التي لا تجد دعما مطلقا من واشنطن، بل تفويضا كاملا للقيام به.
واليوم تبرز أمامنا حقيقتان لا يمكن لأي عاقل انكارهما وتتبلور الصورة بشأنهما بادق تفاصيلها وهي ان القوة العربية تعاني فراغا خطيرا تسبب في ترك الاقليم لتتنازعه القوتان الايرانية والاسرائيلية اللتان تخوضان الان حربا ضروسا، يدفع ثمنها الفلسطيني .
وحتى لا يذهب في ظن البعض اننا نقصد بان الحرب الان في غزة هي حرب إيرانية بالوكالة، فإننا نؤكد عكس ذلك ونكرر ان فراغ القوة العربية وتتابع مسلسل التطبيع المجاني والتلطي خلف بيانات جوفاء امام تصاعد الغطرسة الاسرائيلية ضد الفلسطينيين هو الذي تسبب بهذه الحرب من جهة واتاح لايران ملء هذا الفراغ من جهة اخرى، وأن الظن العربي بان حل عقدة الخوف من إيران يكون بمواصلة الارتماء في الحضن الاسرائيلي سيكون المسمار الاخير في نعش النظام العربي، وأن الجهة ان لم تكن الوحيدة فانها الاكثر قدرة على منع كل ذلك هي السعودية التي تمتلك من عناصر القوة ما يمكنها من ذلك.
وما قد يشير الى اهمية وزن هذه العناصر التي تدركها واشنطن، وناتجة في بعضها عن الضغط السعودي هو ما صار يردده بلينكن عن ضرورة اقامة دولة فلسطينية كشرط سعودي للانخراط في التصور الأمريكي لمرحلة ما بعد الحرب وما نقلته اندريا ميتشيل في تقرير لها على شبكة NBC عن مسؤولين امريكيين إن بلينكن هدف من بدء رحلته الاخيرة إلى المنطقة بزيارة الدول العربية هو أن يحمل معه لنتنايو رؤيتهم لليوم التالي للحرب، والتي اختزلها وفقا للتقرير بمقترح الاعتراف بالدولة الفلسطينية، مقابل التطبيع مع السعودية، غير انه رفض ذلك، وقال بأنه غير مستعد لعقد صفقة تسمح بإقامة هذه الدولة.
وتقول ميتشيل انه في سياق تجاوز هذا الرفض – الذي يستجيب للموقف السعودي - والإعداد لمرحلة ما بعد نتنياهو - التي يتطلع بايدن لرؤيتها عاجلا- فان بلينكن التقى بشكل منفصل مع أعضاء حكومته وزعماء إسرائيليين آخرين، بما فيهم زعيم المعارضة يائير لابيد، لتمهيد الأرضية المناسبة لاتفاق فلسطيني سعودي مع قادة إسرائيليين آخرين قبل تشكيل حكومة ما بعد نتنياهو -الذي تحول إلى بيرني مادوف إسرائيل على حد وصف عاموس هارئيل - التي ستقبل باقامة الدولة الفلسطينية.
ورغم اهمية ذلك، فإن ما يجب أن لا يغيب عن الذهن إن كل هذا الحراك لم يتجاوز بعد محاولة العودة إلى المربع الاول _حيث يُلاحظ ذلك بوضوح في مشروع الاتحاد الاوروبي للحل- خاصة وان اسرائيل كانت قد اقرت ضمنيا باقامة الدولة في اتفاقيات اوسلوا عندما قبلت باقتصار اعتراف منظمة التحرير بها فقط على المساحة التي لا تشمل اراضي الضفة الغربية وأن قمة بيروت 2002 بلورت ذلك بما صار يعرف بحل الدولتين مقابل التطبيع، وانه صار المطلوب اليوم ليس التأكيد على ما تم الاتفاق عليه بالأمس، بل وضع خطة صارمة لتنفيذه.
ان السعودية التي تدرك حجم الخوف الأمريكي من انزياح سياساتها نحو اي محور آخر، واهمية دورها في الترتيبات الأمريكية لامن الإقليمي مستقبلا، وتمتلك في الوقت نفسه الزمن الإقليمي بقوة، قادرة على استكمال ذلك- ان كانت تعني ما تقوله بحل الدولتين- بالضغط على واشنطن لاجبار إسرائيل على الانصياع لقبول اقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من جوان لانهاء هذا الصراع، كون ذلك الممر الاضطراري لتحقيق الأهداف السعودية اقليميا والانتقال بعلاقاتها مع إيران من واقعها الصراعي إلى علاقات تنافسية ستكون محكومة بعدد من الشروط التاريخية التي ستلعب لمصلحتها اكثر منها لمصلحة ايران، إلى جانب انهاء مصادر الاستقطابات داخل الاقليم كما انتبه لذلك جيك سوليفان في دافوس مؤخرا. وأما دون ذلك فانه سيعني تسييد إسرائيل على المنطقة وتجديد معارك الاستقطابات فيها وتمهيدها لحروب واضطرابات جديدة ستحول دون تحقيق اي رؤية تنموية مستقبلية او مشاريع اقتصادية كبرى من تلك التي اشارت اليها السفيرة السعودية لدى واشنطن من دافوس، وستؤدي في النهاية إلى ولادة دول تنافس على قيادة النظام العربي الذي لن يستمر بداخله فراغ القوة لفترة طويلة.

هاني الروسان/ استاذ الاعلام في جامعة منوبة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على