الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيرة بعنوان - الحلزون -

ايناس البدران

2006 / 11 / 26
الادب والفن


البعض يعيش بلا حياة ، والبعض الاخر يموت
بلا موت ، وكلاهما ميت .

الوقت في حياته ثروة مجمدة تركت للتآكل بمضي السنين ، والوقت عنده ارض طيبة خلفها اهلها للبوار وعبث الغربان ، او هو كماء زلال تسرب من ينابيع العمر لتشربه صحارى اليأس وتغيبه في بطون اللاوجود .
الوقت ما الطفه في جعبة السعداء الاصحاء ، وما اقساه عليه ، انه يمتد مرات ليصبح سوطا يلهب ظهر ايامه المتيبس ويستحيل اخرى الى غول فاغر فاه يبتلغ كل المرئيات ويطبق على صدره ليغيبه في فراغ ودخان ، ثم يلوكه ليبصقه جثة شبه هامدة تنزف الدوار والغثيان .
وهو مذ حصل ماحصل ومذ سمح لطيور الحزن ان تعشش في رأسه ولعفن الاستسلام بالزحف على قدميه ، حلت الخيبة في حياته محل الهيبة ، والالم محل الامل وبات سجين زنزانة نفسه الانفرادية يحصي الخدوش على جدرانها .
في الليالي المسهدات وبعد ان يمل استجداء النوم كان يصيخ السمع لهمهمات الصمت ونقيق الضفادع وهي تعزف بالتناوب نغماتها النشاز على اوتار اعصابه المتعبة ، فيتشاغل عنها بالتامل في عيون الكتب حتى اذا ادركه التعب انصرف الى مراقبة عنكبوت ضخمة انتقت الزاوية الشمالية من سقف غرفته مكانا لتنسج خيوط بيتها الواهي ، وتتحرك بغرور موزعة لعابها في كل الاتجاهات ، وقد ضايقه بعض الشيء ان نسجها امتد ليحتل ربع مساحة السقف تقريبا ، وفكر لو انه يقف على قدميه ولو لثوان لتمكن و بضربة واحدة من وضع حد لتماديها الذي يمعن في تذكيره بضعفه ، بقلة حيلته ، بأيامه المسفوحة على ارضية غرفته الكونكريتية الباردة.
قطع سلسلة افكاره رنين الهاتف ي، لا أحد في المنزل سواه في مثل هذا الوقت ي، هل تذكره احد بعد تقاعد الصحة وسقم السنين؟
حب الاستطلاع يسبق ضعفه يسحب جسمه المزروع في الكرسي المتحرك كحلزون يستحث ذراعيه لتمضيا به بأتجاه الغرفة البعيدة .
نقيق الضفادع لايكف حتى في وضح النهار ، اعيته الحيلة معها مثلما اعيته مع ساقيه المتماوتتين ، وهو ينادي في صحراء ايامه :
- ها انا قادم
احيانا يتساءل مع نفسه .. أ يمكن ان يكون قد تهاوى والى الابد في قاع اليأس المظلم حيث الحياة محض افتراء والنور يهدد بالعمى ؟ الرنين توقف فجأة ..
منذ ليال حلم حلما غريبا ، حلم انه يقاوم في معركة غير متكافئة عصابة حاولت كتم انفاسه ، كان يصرخ بغضب جنوني :
- سأقضي عليكم جميعا
ولفرط دهشته فقد تغلب عليهم جميعا بركلات وضربات عشوائية من يديه وقدميه بقوة عجز عن تفسيرها .
ف احدى زياراتها المتباعدة قالت له قريبته الاثيرة مفسرة رؤياه :
- هذه تباشير الشفاء
دمعت عيناه .. أ يعقل بعد كل تلك السنين من التأرجح بين حافتي اليأس والامل وتجرع كأس الصبر .. أ يمكن ان تلتقط اذناه نقرات الخلاص على باب العمر المتهالك ؟ وكدأبه كل يوم تساءل للمرة المائة هل كان هو نفسه الذي امتطى صهوة الدنيا يوما ومخر عبابها كقبطان منتصر ؟
الصور المتناثرة حوله تشهد بذلك ، وكثيرا ما كان يحلو له ان يمسد شعث الذكريات وهو راقد وسطها ، ويخرج من كنوز الكتب ما يعينه على تثبيت خيمة الخواء التي باتت تغطي كل شيء حوله بظلال الشك .
كانت سنين عمره تلمع وتخطلف امام عينيه كشهب سرعان ما تنطفيء مخلفة رمادا وحسرة .
لقد تعلم من جلوسه الطويل على ذلك الكرسي ما لايحصيه عقل ولايضمه كتاب ، تعمق احساسه وشف حتى بات يرى ما وراء الجدران وما يختبيء خلف الاقنعة والابتسامات .
علمه الحزن وصقله كحوهرة ، الا يتولد اللؤلؤ من قلبي الجراح ؟
وكم تمنى لو يتحلق حوله الابناء والاحفاد ليدفئوا عظام شخوخته لكن كبرياءه منعه من الافصاح مثلما دوامة الحياة انستهم اقتطاع ولو جزء بسيط من وقتهم ( الثمين ) لمشاطرته ارتشاف قهمته العربية .
هاجرت المحبة وسكنت ارض الخواء ، تبخرت الاشواق في مسطحات المياه الملحية ، تبعثر الاصحاب في دوامة الحياة فمنهم من شغلته الدنيا حتى عن نفسه ، ومنهم من تلقفته يد المنون .
ولحسن الحظ انه لم يعد يكترث كثيرا لكل هذا ، فقد تضاءل احساسه بالحزن بمضي السنين وجافى لسانه العتب مثلما تناسى قلبه المتشاغلون .
هنالك بمحاذاة العالم ، خلف قضبان النافذة ينظر بحياد الى كل ما يجري حوله ، كمتفرج على مسرحية من اللامعقول . وقد يطفو زبد المرارة على زاوية فمه بشكل ابتسامة باهتة حين يرى من حوله وقد انهمكوا في صراعاتهم المتضاربة على ايقاع حياتهم الصاخب السريع .
الكل مشغول بمطاردة الفراشات الذهبية في مناجم الطموحات المشروعة واللامشروعة .. ها هو الهاتف يعاود الرنين ، آماله تنتعش يحاول بلوغه يفقد توازنه ليهوي على وجهه ، لكن اليد نجحت في التقاط الماعة .
- آلو .. قالها بصوت واهن وهو يغالب الالم ..
أجابه صوت نسائي مبالغ في غنجه :
- ألو حلاقة القيثارة ؟
لايدري بم اجابها قبل ان يعيد السماعة الى مكانها .. الالم يعتصره وعرق الخيبة ينز من مسامه . الصمت يعانقه بحذر عله يهديء اصوات الغضب التي بدأت تعالى في صدره كأنها قرع طبول همجي ..الدموع تحجرت في المآقي وهي تشهد عذاباته المسجاة ، العروق تنافرت على طول مساحة الرقبة والعضلات تصلبت من هول الصراع مع الغيلان السرابية .
شخصت عيناه بأنتظار لحظة التقاء الرجاء بالمستحيل .
أ يمكن ان يكون الغضب النار المقدسة التي تبعث الحياة في الاوصال الميتة ؟
ان يشهد احتراقه ميلاده من رماده ؟ أ يصبح ألمه الوقود الذي يحرك قاطرة ايامه المعطلة الصدئة فيكون به خلاصه من عالم الاموات الذين لايموتون ؟
الجسم ينتفض .. اليدان ممسكتان بعناد بعنان الرجاء الجامح ، وهو يردد كالملدوغ :
انا مازلت هنا.. أنا لم امت بعد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -مستنقع- و-ظالم-.. ماذا قال ممثلون سوريون عن الوسط الفني؟ -


.. المخرج حسام سليمان: انتهينا من العمل على «عصابة الماكس» قبل




.. -من يتخلى عن الفن خائن-.. أسباب عدم اعتزال الفنان عبد الوهاب


.. سر شعبية أغنية مرسول الحب.. الفنان المغربي يوضح




.. -10 من 10-.. خبيرة المظهر منال بدوي تحكم على الفنان #محمد_ال