الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقاربة بين معاناة غرنيكا ، أوشفيتس ،ماي لاي ومعاناة غزة

فتحي علي رشيد

2024 / 1 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


في الأسبوع الأول من العدوان على غزة وبعد أن نشرت وسائل الإعلام صور تدمير الطيران الإسرائيلي برجي غزة . تظاهر مئات من سكان قرية " غرنيكا" Guernica " التي تعرضت للقصف عام 1937 من قبل الطيران الألماني والإيطالي .فتذكروا ما حل ببلدتهم قبل 85 عاما .فهبوا للشوارع رافعين شعار " أو قفوا القصف " غزة غيرنيكا جديدة ".
فعلى الرغم من أن "غيرونيكا " بلدة صغيرة تقع في إقليم الباسك شمالي اسبانيا إلا أن الطيران دمرأغلب بيوتها وسواها بالأرض مع أجساد حوالي خمسة ألاف مواطن اسباني لأنهم هبوا ضد حكومتهم المتحالفة مع النازييين والفاشست . لذلك خلدت الحادثة بلوحة جدارية قام برسمها الفنان الاسباني "بابلو بيكاسو" بعنوان "غرنيكا " . ولعل هذا كان سببا في استمرار سكان غرنيكا وغيرها من المدن الاسبانية في التظاهر والتنديد بما قامت به قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة .
أما أوشفيتس المعروفة للعامة بأنها المنطقة التي تمت فيها محرقة اليهود في بولونيا على يد النازيين .لذا نلفت نظر من لا يعرف ان المقصود ب" أوشفيتس " هي ثلاث مواقع اعتقال تمت إقامتها من قبل النازيين في بولونيا عام 1941 باعتبارها اول بلد تم احتلالها في أوروبا . فراحوا في البداية يجمعون فيها المعتقلين الألمان والبولونيين المعادين للحرب والذين كان اغلبهم من الشيوعيين واليهود . وبعد ان توسع نطاق الحرب وسعوها فأنشأوا منطقيتين جديدتين لتضم الأسرى والمعتقلين من كافة الجنسيات والدول الأخرى حتى وصل العدد لمليوني ومئتي الف انسان (يعودون لأكثر من عشر دول ) وراحوا يجبرونهم على العمل كعبيد لتصنيع ألبسة الجنود والعتاد الحربي إلخ . ولما تمت هزيمة ألمانيا في معركة ستالينغراد عام 1944 وتقدمت القوات السوفيتية نحو بولونيا قام النازيين الألمان بإعدام المعتقلين في غرف الغاز وتم حرق من تبقى منهم في الأمكنة التي كانت مخصصة لحرق الجثث الكثيرة النافقة نتيجة القصف كيلا تعفن وتنشر الأوبئة والأمراض .
وبما ان سكان غزة يعتبرون معتقلين ومحاصرين في القطاع الذي لاتزيد مساحته كثيرا عن مساحة الأوشفيتس الثلاث .وهو ما يجعلهم أقرب لمعتقلي " أوشفيتس " إضافة إلى أن عددهم يقارب عدد من تم اعتقالهم في الأوشفتزات . وبما أن نقاط تشابه كثيرة أخرى حصلت بينهما . لذلك سنجري مقارنة بين ما جرى في غزة وبين ما جرى في اوشفتزات بولونيا .
وهنا استبق الأمور كي أشير بأن الجرائم التي تم الكشف عنها لاحقا في أوشفيتس كانت سببا رئيسا في السقوط الأخلاقي للنازية وبالتالي لسقوطها السريع عسكريا وسياسيا . بما يعني أن ما قامت به إسرائيل في غزة من جرائم شبيهة بما قامت به المانيا النازية يفترض أن يصبح عاملا مهما في إسقاط إسرائيل حكومة وشعبا أخلاقيا وسيكون بالتالي سببا في سقوطها سياسيا وعسكريا .
أما ما حدث في "ماي لاي " عام 1968 .وهي القرية الصغيرة والمنسية في غابات جنوب فيتنام . فلأنه تم فيها ارتكاب جريمة إبادة جماعية تشبه جرائم الإبادة التي حصلت في غزة . حيث قام ضابط امريكي بمحاصرة القرية الصغيرة وراح يحرق بيوتها ويسويها مع سكانها بالأرض (يقدر عدد من قتلوا ثلاثة آلاف انسان نصفهم من الأطفال والنساء ) . وبما أن أحد الضباط الأمريكيين الشرفاء كشف عن تلك الجريمة البشعة ومن ثم تناقلتها الصحافة العالمية فلقد ألبت الرأي العالم الدولي على امريكا وأرغم حكومتها على اعتقال الفاعل ومحاكمه . وبما أن ما قام به ذلك الضابط المجرم يشبه ما قام به اغلب القادة العسكريين والسياسيين لجيش الاحتلال في أكثر من بلدة في غزة ضد المدنيين العزل ومع أن أعداد من قتلوا او أبيدوا في بلدات غزة يزيد عشرة أضعاف عمن قتلوا في ماي لاي . ومع أن أغلب من قتلوا او جرحوا او أصيبوا في غزة كانوا من الأطفال والنساء, ومع أن قسم من الغزاويين دفنوا احياء تحت ركام منازلهم . إلا ان القادة العسكريين الإسرائيليين راحوا يتباهون ويتفاخرون بالانجازات التي حققوها . ولم تجر أية مساءلة او محاكمة لهم من قبل مرؤوسيهم او من قبل الحكومات الغربية اومن محاكمها العديدة . مما يعكس درجة عالية من عدم إعطاء الغرب القيمة ذاتها للبشر والكيل بمكيالين . مما يعكس كثيرا من الحقد والكراهية للعرب والفلسطينيين والغزاويين ويعكس درجة عالية من النذالة والانحطاط الأخلاقي . ولهذا قد يكون من المفيد لفت نظر الجميع إلى حقائق مروعة اظهرها العدوان على غزة تفوق ما حصل في كل من أوشفيتس وماي لاي وغرنيكا مجتمعين .
جوهر الإجرام :
بما ان القتل والإجرام لا يقاس بأعداد القتلى والضحايا الذين يوقعهم المجرم بل ما تحمله روح القتل من استعداد للإجرام انطلاقا من فكرة أن من قتل نفسا بغير حق هو كمن قتل الناس جميعا . بما يفهم منه أن القتل والإجرام يكمن في بنية وتركيبة وعقلية القاتل .و في الاستعداد للقتل والتدمير الأعمى ، ناهيك عن الرغبة العمياء في القتل والتدمير . فمن يقتل طفلا في غزة وهو يسير في الشارع لديه الاستعداد لقتل ألف طفل في أي مكان في العالم إذا ما نظروا اليه .وهو ما تجلى ضد أطفال غزة أكثر مما تجلى في أي مكان آخر في العالم لا في اوشفتز ولا في ماي لاي .حيث باتت الرغبة في القتل والتدمير لدى جنود وضباط الجيش الإسرائيلي تطال كل شيء حتى الحيوانات والحجر .وطالت حتى الأطفال الرضع والخدج . ما يعني ان هذه الروح التدميرية يمكن أن تمتد لتطال البشر كلهم وتبيدهم وهو ما أشار له قادة إسرائيل .
والاجرام في القانون لا يقتصر على القتل بل يشمل التهديد به وعمليات الحصار والتجويع ومنع الكهرباء والدواء عن المصابين والمرضى والجرحى وتركهم يموتون عن عمد وسابق إصرار .كما يتجلى في قتل المسعفين والأطباء وقصف سيارات الإسعاف وتدمير المشافي والاجهزة الطبية وقتل الصحفيين .
مقاربة سريعة :
في أوشفيتس لم نسمع عن عمليات تقطيع للأجساد نتيجة للقصف المركز , ولا عن قطع لحم متناثرة تجمع في أكياس من البلاستيك او الخيش ،او عن جثث تنقل في العربات والجرافات .او بشر دفنوا على عجل دون معرفة أسمائهم في حفرحفرت على عجل . لم نسمع في ماي لاي عن أياد قطعت او أجساد هنا وهناك بل قتلن في ارضها . لم نرى أطفالا ونساء معفرين ولم نسمع أن أطفالا ماتوا ,كانوا يئنون تحت الأنقاض لأنهم لم يجدوا من ينجدهم او يرفع عنهم ركام الباطون المسلح .
في المانيا وإيطاليا وامريكا لم نسمع وزيرا يقول ان أطفال ماي لاي او غرينيكا يجب ان يقتلوا لأنهم مشاريع إرهابية . لم نسمع وزيرا يقول عن اليهود او الفيتناميين انهم حيوانات بشرية يجب قتلهم كلهم كيلا يتكاثروا .
هل رأى أحدا في اوشفيتز او ماي لاي جنودا يركضون وراء طفل عمره سبع سنوات ليقبضوا عليه ويبرحوه ضربا حتى يدموه لأنه كان يحمل حجرا ؟.هل سمع احد أن نازيا واو فاشستيا كسر عظم يهودي بالحجر ؟
لم نسمع ان غرنيكا او ماي لاي او أوشفيتس قد حوصرت من قبل الأمريكان او الألمان . وإن كنا قد سمعنا ان ليننغراد حوصرت من قبل الألمان ثلاث سنوا ت فلقد عد ذلك الحصار من قبل منظري العالم الحر جريمة حرب وحرب إبادة .لكن لم يطلق أحد على الحصار الذي فرض على غزة منذ سبعة عشر عاما كلمة جريمة .
غرنيكا قصفت من الجو بالطيران لعدة أيام لكن غزة قصفت من الجو طيلة أكثر من مئة و عشرة أيام من الجو والبحر والبر ، واجتيحت ارضها بآلاف الدبابات والمدرعات ومئات الالاف من المشاة المدرعين بأحدث البنادق والرشاشات والقناصات وأفتك أنواع الأسلحة المشظية .غرنيكا وماي لاي لم تحرق أراضيهم ولم تتحول لمناطق غير قابلة للحياة بسبب القصف المتعمد كما جرى في غزة عن قصد وسابق إصرار .
بعدما سمعت نخب العالم وحكامه ما جرى في غرنيكا وفي أوشفيتس وماي لاي هبوا ونددوا بالفاشية والنازية وأمريكا بينما لم نراحدا من حكام ونخب الغرب يهب حتى للمطالبة بوقف العدوان على غزة ولا نقول للدفاع عنها .
في العدوان على فيتنام واسبانيا هبت نخب كثيرة لنجدة الشعبين الفيتنامي والاسباني . بينما لم يجرؤ أحد على التطوع للذهاب لغزة لمجرد القيام بعمليات إسعاف . في الوقت الذي سمح فيه للكثير من الفرنسيين والألمان والانكليز والأمريكان السفر إلى إسرئيل للقتال إلى جانب الإسرائيليين الذين لا يحتاجون لجنود يساعدوهم اولمن يمد العون لهم . بينما قدمت لهم اغلب حكومات الدول الغربية كل أنواع أسلحة الدمار والقتل والاستطلاع . وحظرت على مواطنيها السفر لغزة وحتى مجرد ذكر كلمة حماس او القول بأنهها تدافع عن حق شعبها في الحياة وكنس الاحتلال الموصوف ،أوضد الجرائم التي يرتكبها ؟
في حيفا والقدس خرج مئات اليهود منددين بالجرائم التي ترتكبها حكومتهم وجيشهم ضد الفلسطينيين ومطالبين بوقف الحرب والانسحاب من غزة .بينما لم يطلب احد من حكام الخليج والسعودية او الصين او روسيا أواوروبا الموحدة ـ مجرد طلب ـ وقف العدوان نهائيا وسحب قوات الاحتلال من غزة والضفة تنفيذا للقرار لدولي رقم 242 والصادر عام 1967 والقاضي بسحب القوات الاسرائيلة من الاراضي التي احتلتها مع أجل إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الأوسط .
يبدوا لي مما سبق أن أغلب حكام ونخب أوروبا والبلدان العربية والصين والهند وروسيا قد صدقوا او تماهو مع ما قاله حكام إسرائيل من ان وقف القصف والقتل والانسحاب من غزة والبدء بمفاوضات تؤدي للإفراج عن كل الرهائن والمختطفين والأسرى . والتخلي عن الضفة الغربية لإقامة دولة فلسطينة ،كحل للقضية الفلسطينية بما يؤدي للسلام الدائم . يعني (لنتنياهوا وطاقمه ) أن حماس ستخرج منتصرة وبما ان أي انتصار لحماس سيكون انتصارا للفلسطينيين فهذا معناة هزيمة لإسرائيل وبالتالي سيشكل نقطة البداية لنهاية إسرائيل .
وبما أن اغلب هؤلاء الحكام والنخب لم تعد منذ خمس وسبعون عاما تقف مع الحق والمنطق بل باتت تقف مع حق إسرائيل في الوجود كيفما أراد حكامها .وتناست السلام الدائم وشروطه وحتى الدعوة له . وباتوا مع حق إسرائيل في الوجود والدفاع عن نفسها وفي بقائها كما يريد لها " بن غفير " ان تكون . لذا يتوجب علينا نحن كشعوب ونخب ثورية أن نعرف أننا اليوم في مواجهة عالم ظالم وغاشم يقوده حكام ظلمة ,عالم لا يريد حكامه السلام والعدل ولا الحق .عالم تعرىً واسقط بنفسه عن نفسه الأقنعة المزيفة وكشف عن وجوه إما مجرمة او غادرة أو فاسقة أو دجالة ومنافقة أو نذلة وجبانة او غبية .يجب ان نتوحد للوقوف في وجهها .
فتحي رشيد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد مع فراس وراند.. مين بيحب التاني أكتر؟ | خلينا نحكي


.. الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟ • فرانس 24 / FRA




.. تكثيف الضغوط على حماس وإسرائيل للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النا


.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل يقترب إعلان نهاية الحرب في غزة مع عودة المفاوضات في القاه