الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثورة 25 يناير.. أسقطت مبارك ولم تقض على حكم العسكر

محمد محروس

2024 / 1 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



لم تكن ثورة 25 يناير 2011 حدثا مفاجئا أو عفويا، بل كانت نتيجة لتراكم عدة عوامل وظروف على مدى سنوات طويلة، والتي أدت إلى تصاعد الاحتقان والاستياء والغضب في المجتمع المصري، وخاصة في الطبقات الفقيرة والمهمشة.

التمديد والتوريث
شاركت عدة عوامل في اندلاع ثورة 25 يناير، منها النظام السياسي الاستبدادي والفاسد الذي حكم مصر لأكثر من ثلاثين عاما، والذي قمع الحريات والحقوق والمعارضة، وأساء استخدام السلطة والموارد، وأنتج طبقة حاكمة تمتلك وحدها الثروة والسلطة، وأهمل العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة والمشاركة الشعبية، وهو ما كان له دور أساسي في زيادة الغضب الشعبي والاحتجاجات العمالية، التي كان أبرزها إضراب عمال المحلة في 6 إبريل عام 2008، أي قبل ثورة يناير بأقل من ثلاث سنوات، والذي تخلله اشتباكات مع قوات الأمن، وتأييد من كثير من المثقفين، ومشاركة من كثير من السياسيين والنشطاء من الشباب.

كما كان لاستبداد وفساد نظام مبارك الأب وتدخل نجله جمال في شئون الحكم، من خلال لجنة السياسات بالحزب الوطني، الذي كان يترأسها، ويشاركه فيها أبرز رجال الأعمال والمستثمرين، أمثال أحمد عز وغيره من الرأسماليين الذين صعدوا بفضل علاقتهم بالسلطة، كان لكل ذلك شديد الأثر في ارتفاع وتيرة رفض حكم الأب وتوريث الحكم للابن، حتى أصبح المصريين، لأول مرة في تاريخ حكم مبارك، يقرأون حوارات وتصريحات صحفية لمفكرين إصلاحيين تعتبر أن تغيير نظام الحكم ضرورة وأخرى تدعو للعصيان المدني!

وصل الأمر إلى إعلان عدد كبير من المثقفين وسياسيين مختلفين فكريا وتنظيميا، في 2004، عن تأسيس حركة جديدة من نوعها ترفض حكم مبارك ونجله، رافعة شعار “لا لمبارك أب وإبن”، تحت اسم “الحركة المصرية من أجل التغيير(كفاية)”. ركزت بيانات ومظاهرات الحركة على رفضها للتجديد لمبارك لفترة رئاسة خامسة، ورفضها أيضا للمناورات السياسية والتشريعية والإعلامية، التي استهدفت التمهيد لتولي ابنه جمال مبارك الرئاسة من بعده، فكان شعارها الأساسي “لا للتمديد لا للتوريث”!

أزمة 2008
كان لاتباع نظام مبارك سياسات اقتصادية رأسمالية، وانتهاجه لسياسات الخصخصة وبيع الأصول والمصانع لمستثمرين أجانب، وعدم مراعاة سياساته الاقتصاديه للطبقات الفقيرة في المجتمع، ما أدى إلى تفاقم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين الطبقات، وزيادة الفقر والبطالة والتضخم والديون، أضف إلى ذلك غرق الاقتصاد المصري، الغارق من الأساس، في مستنقع التقلبات والأزمات العالمية، خاصة خلال الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008، كل ذلك أدى إلى انحسار الدولة عن دورها في توفير الخدمات الأساسية والحماية الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، وهو ما زاد الغضب الشعبي خلال هذه الفترة، وجعل التخلص من نظام مبارك ورجال حكمه وتحالفاته مع الرأسماليين من رجال الأعمال والمستثمرين هدفا رئيسيا للطبقات الفقيرة في المجتمع.

السبع الأخيرة قبل الثورة
انتشرت الأفكار الثورية حول التغيير خلال الفترة بين 2004، ذلك العام الذي انطلقت فيه حركة “كفاية” والعام الذي اندلعت فيه الثورة في 2011، ومالت أمزجة الشباب النشطاء إلى الأفكار اليسارية، متأثرين بأدبيات مختلطة بين الماركسية، التي كانت تتحدث عنها التنظيمات الماركسية كحركة “الاشتراكيين الثوريين” وغيرها، ورفعت رايات مختلفة عن الرايات التي كان نظام مبارك وحزبه الوطني يحاولان فرضها على الشعب المصري، واتفقت كل التيارات الماركسية وتيارات من الناصرية كحزب “الكرامة” وليبرالية جديدة كحزب “الغد” وإسلامية كحزبي “العمل” و”الوسط”.

انتشرت التجمعات الشبابية الحالمة بالتغير الجذري، وجمعت بينهم مقاهي وسط القاهرة وأحزاب العمل والوسط والغد والكرامة ومقرات حركة كفاية والجمعية الوطنية للتغيير ومراكز الدراسات الاشتراكية (التابع لحركة الاشتراكيين الثوريين الماركسية)، وصاعد (الناصري) والدولي للدراسات (إسلامي) والعربي للدراسات (إسلامي)، إضافة للنقابات المهنية كـ”الصحفيين” و”المحامين”، اللتان شهدت سلالمهما مظاهرات حركة “كفابة” والعمال المطالبين بحقوقهم أو تلك التي نظمها الشباب في حركة “شباب من أجل التغيير” أو”نادي القضاة” أثناء معركتهم مع مبارك ووزير العدل حول استقلالهم.

بوضعنا في الحسبان هذا الحراك ونشاط الحركة الاجتماعية والعمالية والشبابية التي نشطت في مصر قبل الثورة، والتي شكلت القوة الدافعة والمحركة للتغيير، والتي عبرت عن مطالبها واحتجاجاتها بوسائل مختلفة، مثل الإضرابات والتظاهرات والعصيان المدني والتواصل الاجتماعي، وعكست الصراعات بين الطبقات الاجتماعية المختلفة في المجتمع المصري، وخاصة بين البرجوازية أو الرأسماليين والبروليتاريا يمكننا فهم ثورة 25 يناير كثورة شعبية ضد النظام الرأسمالي الاستبدادي، والذي يقوم على استغلال الطبقة العاملة والفقيرة من قبل الطبقة الحاكمة والغنية، وإنتاج علاقات اجتماعية متناقضة ومتعارضة، وإحداث حالة من الاغتراب والتباعد بين الإنسان ونفسه وعمله ومجتمعه وطبيعته. بذلك كله تمثل الثورة محاولة للتحرر من هذه القيود والقهر، والسعي إلى بناء مجتمع جديد يقوم على العدالة والمساواة والديمقراطية والتضامن.. لكن هل حققت ثورة يناير أهدافها؟!

الشعب أراد إسقاط النظام
كانت ثورة 25 يناير متعددة الأطياف والاتجاهات والمكونات، ما تسبب في اختلاف أهدافها ومطالبها وشعاراتها، فالحركة العمالية والنقابية، التي كانت تسعى، قبل الثورة، إلى تحسين أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والمهنية وزيادة الأجور وتحسين الظروف العملية والحصول على الحقوق النقابية والتأمين الصحي والاجتماعي، رفعت شعارات اجتماعية، أثنائها، مثل “عيش – حرية – عدالة اجتماعية” و”الشعب يريد رفع الحد الأدنى للأجور” و”حد أقصى للأجور للي عايشين في القصور) و(نقابات حرة وديمقراطية) و(عاوزين نقابة حرة.. العيشة بقت مرة).

أما الحركة الشبابية والطلابية فتمسكت بإسقاط النظام ومحاكمة الفاسدين والمسئولين عن القمع والفساد والتعذيب والقتل، ورفعت شعارات مثل “الشعب يريد إسقاط النظام” و”يسقط يسقط حكم العسكر” و”الثورة حتى النصر”.

استهدفت الحركة الإسلامية، خاصة جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها الفصيل السياسي الأقوى في مصر، خلال هذه الفترة، تحقيق الهوية والسيادة والشرعية الإسلامية، مطالبة بتطبيق الشريعة والمشاركة السياسية والحرية والعدالة، رافعة شعارات مثل “الإسلام هو الحل”.

أما الهدف الرئيسي للجميع كان إسقاط مبارك، وكان العامل الأساسي، الذي أدى في النهاية إلى تنحي مبارك، واعتبار ذلك انتصارا للثورة حينها، كان الاعتصامات الذي شارك فيه الشعب المصري، ودعمه في ميدان التحرير وميادين أخرى، إضافة إلى إضرابات العمال والموظفين، خاصة عمال النقل العام وسكك حديد مصر.

حكم الإخوان
بعد ثورة 25 يناير، شهدت مصر عدة تحولات وتغييرات في النظامين السياسي والاقتصادي، والتي كانت محل خلافات بين القوى والفصائل باتجاهاتها المختلفة التي شاركت في الثورة وتنافست على السلطة والنفوذ والمصالح فيما بعد.

شكل الانتقال من ميدان الثورة إلى صناديق الاقتراع خلافا كبيرا بين هذه القوى، حيث اتجهت القوى الإسلامية، وعلى رأسهم جماعة الاخوان المسلمين، باتفاق مع الجيش، إلى صناديق الاقتراع، لاحتواء الثورة والانقلاب على مطالبها، تحت مزاعم بضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحليات وصياغة دستور جديد للبلاد، دون ضغط من الشارع الثائر.

احتدم الخلاف بين القوى المشاركة في الثورة والإخوان المسلمين، الذين حكموا مصر في الفترة من 24 يونيو 2012 حتى 3 يوليو 2013، وقررت القوى غير الإسلامية إسقاط حكم الرئيس السابق محمد مرسي، رافعة شعار “يسقط حكم المرشد”، مستغلة في ذلك عدم تحقيق مطالب الثورة الشعبية بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وتعزيز التفاوت الطبقي والاستغلال الاقتصادي والتبعية السياسية، حيث تعامل الإخوان مع الأزمة الاقتصادية، التي واجهتهم باتباع سياسات اقتصادية ليبرالية، تركزت على جذب الاستثمارات الأجنبية والحصول على القروض والتخلي عن القطاع العام والمشاريع الاستراتيجية والدعم الاجتماعي، ما أدى إلى زيادة الدين الخارجي والداخلي والتضخم والبطالة، والفقر، والاحتجاجات العمالية، والشعبية.

لعبت قوى النظام البائد دورا هاما في التخريب الاقتصادي لنظام الاخوان. وبذلك يمكن القول إن الإصلاحية التي تعامل بها الإخوان كانت سببا في فشل ثورة يناير، لأنها لم تستجب لمتطلبات التغيير الجذري والشامل للنظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في مصر، بل حافظت على الهيكل الرأسمالي القائم وأضافت إليه طابعا دينيا.

الانقلاب العسكري على مرسي
فاقم الانقلاب العسكري على مرسي وحل البرلمان وتعطيل الدستور وفرض حالة الطوارئ الأزمة بين القوى التي شاركت في الثورة، وهو ما استغله الجيش بقيادة الجنرال عبدالفتاح السيسي أحسن استغلال لصالحه، فطلب تفويضا من الشعب المصري، ثم شن حملة قمعية وعنيفة ضد الإخوان والثوار والمعارضين والنشطاء والصحفيين والحقوقيين، وأصدر قوانين وأحكام تقيد الحريات والحقوق والمشاركة الشعبية، وشكل حكومات موالية ومطيعة للسلطة العسكرية بحجة تحقيق الاستقرار والأمن على حساب الديمقراطية والتغيير، تحت مزاعم بتحقيق الرفاهية للشعب.

نظام عسكري في النهاية
في النهاية لم يتحقق شيئا للشعب، ووصل الحال إلى وضع مأساوي يندى له الجبين، والفضل في ذلك يرجع إلى مواصلة نظامي الإخوان والسيسي السياسات الرأسمالية والنيوليبرالية، والتي تضمنت الاستمرار في الانفتاح والخصخصة والاندماج في الاقتصاد العالمي بشكل أكثر توحشا، وأدت إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وشمل ذلك زيادة الفقر والبطالة والتضخم والديون والعجز والفساد، وانحسار الدولة عن دورها في توفير الخدمات الأساسية والحماية الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة، وتعرض الاقتصاد المصري للتبعية والتدخل والضغوط من قبل الدول والمؤسسات الدولية، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي.

يمكن القول أن النظامين اللذين توليا السلطة بعد الثورة كانا نظامان مضادان للثورة ومحافظان على النظام الرأسمالي، والذي يقوم على استغلال الطبقة العاملة والفقيرة من قبل الطبقة الحاكمة والغنية، وإنتاج علاقات اجتماعية متناقضة ومتعارضة، وإحداث حالة من الاغتراب والتباعد بين الإنسان ونفسه وعمله ومجتمعه وطبيعته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سكاي نيوز ترصد آراء عدد من نازحي رفح حول تطلعاتهم للتهدئة


.. اتساع رقعة التظاهرات الطلابية في الولايات المتحدة للمطالبة ب




.. الجيش الإسرائيلي يركز استهدافاته على مدينة رفح جنوب قطاع غزة


.. كيف يتطور الموقف الإسرائيلي بشأن أي صفقة تبادل للأسرى؟




.. معلومة خاطئة دفعته إلى اتخاذ قراره المفاجئ