الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر4

عبدالرحيم قروي

2024 / 1 / 26
الارشيف الماركسي


أصول الفلسفة الماركسية
الجزء الأول
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين

الحلقة الرابعة

القسم الأول
دراسة المنهج الجدلي الماركسي

الدرس الأول
المنهج الجدلي
_____________________________
1 – ما هو المنهج؟
2 – المنهج الميتافيزيقي
أ) صفاته
ب) معناه التاريخي
3 – المنهج الجدلي
أ) صفاته
ب) تكوينه التاريخي
4 – المنطق الشكلي والمنهج الجدلي
____________________________

سميت المادية بالجدلية لأن طريقتها في اعتبار الظواهر الطبيعة ومنهجها في البحث والمعرفة جدليان، كما أن تفسيرها لظواهر الطبيعة ونظرتها إلى هذه الظواهر ماديان .
1 ـ ما هو المنهج؟
نعني "بالمنهج" الطريق الذي يؤدي بنا إلى الهدف. ولقد درس كبار الفلاسفة أمثال ديكارت وسبينوزا وهجل قضايا المنهج لأهتمامهم بأكتشاف أكثر الوسائل عقلانية لبلوغ الحقيقة. ويريد الماركسيون أن ينظروا إلى الواقع وجها لوجه فيتخطوا المظاهر المباشرة. ولهذا كان للمنهج أهمية كبرى عندهم. ذلك لأن المنهج العلمي هو المنهج الوحيد الذي يتيح لهم تكوين هذه النظرة العلمية إلى العالم والتي هي ضرورية لأتمام عملية التغيير الثورية.
والجدلية هي ذلك المنهج وهي المنهج الوحيد الذي يوافق النظرة العلمية إلى العالم.
وسنخصص الدرس الستة التالية من هذا البحث لدراسة المنهج الجدلي. ولكن يجب أن نعد أنفسنا لذلك بالقاء نظرة عابرة على ذلك. وسوف يسهل هذه النظرة المقارنة بين المنهج الجدلي (وهو منهج علمي) وبين المنهج الميتافيزيقي (وهو منهج مناقض للعلم).
2 ـ المنهج المتافيزيقي
أ) ـ صفاته
ااشترينا زوجا من الأحذية الصفراء. وبعد مدة من الزمن تبلى فنصلحها ومع ذلك نقول بأننا نلبس أحذية صفراء دون أن ندرك أنها لم تعد نفس الأحذية التي اشتريناها سابقا، ولكننا نهمل الإشارة إلى ما أصابها من تغيير فنعتبرها وكأنها لا تزال على حالها.
سيساعدنا هذا المثال على فهم ماهية المنهج الميتافيزيقي.
يعتبر مثل هذا المنهج، حسب قول انجلز، الأشياء "وكأنها تامة الصنع " لا تتغير، لا تتأثر بأسباب التغير.
ولنشر إلى أن كلمة "ميتافيزيقية" مشتقة من "ميتا" اليونانية وهي تعني "ما وراء" و "فيزيقيا" وهي تعني علم الطبيعة. وموضوع الميتافيزيقيا (ولا سيما عند ارسطو) هو دراسة الكائن الذي يوجد وراء الطبيعة. وبينما الطبيعة متغيرة، فأن الكائن الذي يوجد وراء الطبيعة ابدي لا يتغير. يسميه البعض الله، ويسميه الآخرون المطلق.. الخ.
ويعتقد الماديون، الذين لا يعتمدون على العلم فقط، أن هذا الكائن خيالي (راجع الدرس التاسع). ولما كان قدماء الأغريق لم يصلوا إلى تفسير الحركة فقد اضطر بعض فلاسفتهم أن يقيموا، وراء الطبيعة المتغيرة، مبدأ أبديا.
فإذا ما تحدثنا عن منهج ميتافيزيقي أردنا بذلك منهجا يجهل حقيقة الحركة والتغير. ولهذا كان عدم رؤيتي لتغير حذائي موقفا ميتافيزيقيا. تجهل الميتافيزيقيا الحركة وتقول بالسكون والتماثل وشعارها "لا جديد تحت الشمس". كما أن القول بأن الرأسمالية أبدية وأن مصائب الرأسمالية وعيوبها (من أفساد وأنانية وقسوة) التي تولدها في الناس مخلدة ضرب من التفكير الميتافيزيقي. لأن الميتافيزيقي يتمثل في خاطره إنسانا أبديا لا يتغير.
لماذا ؟ لأنه يفصل الإنسان عن بيئته وعن مجتمعه. فهو يقول: "يوجد من جهة الإنسان، ومن جهة ثانية المجتمع. فإذا ما قضينا على المجتمع الرأسمالي ليحل محله مجتمع اشتراكي ظل الإنسان مع ذلك إنسانا". نقع هنا على صفة ثانية من صفات الميتافيزيقيا: فهي تفصل بصورة اعتباطية بين ما هو في الواقع لا انفصال بينه. فالإنسان ثمرة لتاريخ المجتمعات. وهو ليس كذلك خارج المجتمع بل بتأثيره. وهكذا يفصل المنهج الميتافيزيقي ما هو متصل في الواقع. ويقوم بتصنيف جميع الأشياء تصنيفا نهائيا. فهو يقول مثلاً: "السياسة من جهة والنقابة من جهة". ولا شك أن السياسة والنقابة شيئان، غير أن التجربة والحياة تبرهن لنا على أنه لا يمكن فصل السياسة عن النقابة، لأن ما يحدث في النقابة يؤثر في السياسة، كما أن النشاط السياسي (كالدولة، والأحزاب، والانتخابات) يؤثر في النقابة.
تؤدي هذه التجزئة بالميتافيزيقي إلى أن يفكر في كل مناسبة بهذا الشكل: يكون الشيء هذا أو ذاك، فهو لا يمكنه أن يكون في نفس الوقت هذا أو ذاك" مثال: ليست الديمقراطية هي الدكتاتورية، وليست الدكتاتورية هي الديمقراطية فالدولة إذن إما أن تكون ديمقراطية وأما أن تكون دكتاتورية. ولكن ما الذي تعلمنا أياه الحياة ؟ تعلمنا الحياة أن الدولة يمكن أن تكون، في نفس الوقت، دكتاتورية وديمقراطية. فالدولة البرجوازية، في الولايات المتحدة مثلا، ديمقراطية بالنسبة لأقلية من كبار الممولين الذين يتمتعون بجميع الحقوق وكل السلطات. وهي دكتاتورية بالنسبة للأغلبية الساحقة من أوساط الناس الذين لا يتمتعون إلا بحقوق وهمية. أما الدولة الشعبية، في الصين مثلا، فهي دكتاتورية بالنسبة لأعداء الشعب وبالنسبة للأقلية المستغلة التي طردتها الثورة من الحكم، وهي ديمقراطية بالنسبة للأغلبية المطلقة من العمال الذين تحرروا من الاضطهاد.
ولما كان الميتافيزيقي يحدد الأشياء تحديداً نهائياً ويحرص على أن يعزلها بعضها عن بعض، فأنه مضطر إلى أن يناقض بعضها بالبعض على أنها متنافرة لا يمكن التوحيد بينها. فهو يعتقد أنه لا يمكن أن يوجد متناقضان في نفس الوقت، فهو يقول إن الكائن إما أن يكون حيا وإما أن يكون ميتا، ولا يمكن أن يتصور أن كائنا ما يمكن أن يكون حيا وميتا في نفس الوقت. ومع ذلك تحل في الجسد الإنساني. في كل لحظة. خلايا جديدة محل الخلايا الميتة. وتقوم حياة الجسم على هذا النضال المستمر بين الأضداد.
يمتاز المنهج الميتافيزيقي إذن برفضه للتغير وفصله بين ما لا يمكن فصله وإهماله للأضداد. وسوف ندرس كل ذلك بتفصيل في الدروس المقبلة. فنقارن بين هذه الصفات والصفات التي يمتاز بها المنهج الجدلي. ولكن يمكننا منذ الآن أن نحس بالأخطار التي يمكن أن يؤدي إليها المنهج الميتافيزيقي في البحث عن الحقيقة والتأثير في العالم. لأن الميتافيزيقيا يفوتها جوهر الواقع الذي هو تغير مستمر وتحول دائم: فهي لا تريد أن ترى إلا جانبا واحدا من هذا الواقع الغني وأن ترد الكل إلى أحد أجزائه فترد الغابة بأكملها إلى إحدى شجراتها. فهي لا تتخذ صورة الواقع كما تفعل الجدلية بل تريد أن تحمل الواقع الحي على أن يتخذ صورة قوالبها الميتة. وهي مهمة مصيرها إلى الفشل.
تروي خرافة يونانية قديمة مساوىء قاطع الطريق بروكست الذي كان يرقد ضحاياه على سرير ضيق. فإذا كانت الضحية أضخم من السرير قطع رجليها، وإذا كانت ضئيلة مدد أعضاءها... وهكذا تفعل الميتافيزيقا بالوقائع غير أن الوقائع عنيدة لا تستسلم.
ب) – معناه التاريخي
قبل أن نتعلم رسم الأشياء المتحركة يجب علينا أن نتعلم رسم الأشياء الثابتة. وهذا هو شأن تاريخ الإنسانية. فلقد أدى لها المنهج الميتافيزيقي خدمات جلى حين لم يكن باستطاعتها تكوين منهج جدلي.
كان للمنهج القديم في البحث والتفكير، والذي يسميه هجل المنهج "الميتافيزيقي"، والذي كان يفضل دراسة الأشياء على أنها ثابتة والذي لا تزال بقاياه تراود العقول، كان لهذا المنهج ضرورته التاريخية. إذ كان يجب دراسة الأشياء به أولا، قبل دراسة ما يعتريه من تغيرات وتحولات كان يجب معرفة ماهية هذا الشيء أو ذاك قبل ملاحظة ما يعتريه من تحول. وكذلك كان شأن العلوم الطبيعية ولقد كانت الميتافيزيقا القديمة، التي كانت تعتبر الأشياء أبدية لا تتغير، ثمرة علم الطبيعة الذي كان يدرس الأشياء الميتة والحية على أنها لا تتغير .
ولم يكن باستطاعة علم الطبيعة آنذاك أن يفعل غير ما فعل. إذ كان يجب معرفة الأنواع الحية، أولا، والتمييز بينها بعناية، وتصنيفها لمعرفة أن النبات ليس حيوانا وأن الحيوان ليس نباتا. كما كان يجب في علم الفيزياء فصل الحرارة عن النور والكثافة.. الخ، خوفا من الخلط بينها والتكرس لدراسة أبسط الظواهر. وهكذا لم يستطع العلم، مدة طويلة من الزمن، تحليل الحركة، أيام جاليلي وديكارت بل أكتفى بأبسط صور الحركة وهي تغيير المكان.
غير أن تقدم العلوم حمل العلماء على الخروج عن نطاق الميتافيزيقا الضيق.
حتى إذا ما تقدمت دراسة الطبيعة وأمكن الانتقال لدراسة التغييرات التي تخضع لها الأشياء ضمن الطبيعة بصورة منظمة أزفت ساعة أفول الميتافيزيقا القديمة .
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Politics vs Religion - To Your Left: Palestine | فلسطين سياس


.. ماذا تريد الباطرونا من وراء تعديل مدونة الشغل؟ مداخلة إسماعي




.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل