الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعالوا إلي يا جميع المتعبين (2)

علا مجد الدين عبد النور
كاتبة

(Ola Magdeldeen)

2024 / 1 / 26
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


(رحلتي إلى السعادة)

في طفولتي ، كنت أسعد بكل شيء ، كوب الحليب الدافئ، لوح شوكولا ، لعبة جديدة ، تجمع العائلة كان كل ما حولي يستحق الإحتفاء
ثم كبرت قليلاً ولاحظت زميلاتي في المدرسة ، كيف أن المتفوقات يتمتعن بمعاملة خاصة وتقدير من الجميع ، فبدأت رحلة اللهث خلف العلامات ، منحني التفوق شعوراً لحظياً بالسعادة لا يستمر أكثر من ساعات ، ثم أعود من جديد للبحث عن تحدي يشعرني بالتميز .
كبرت قليلاً و ظننت أن السعادة في الحب الرومانسي ، فأحببت وأيضاً لم يستمر هذا الشعور
إلتحقت بالجامعة ، ثم تخرجت وعملت ، لازلت أذكر فرحتي بأول راتب أحصل عليه .
تزوجت وأنجبت صغاراً رائعين ، ومع ذلك أيضاً كان الشعور بالسعادة لا يدوم .
وهنا بدأت أتساءل ، لم لا نجد السعادة أبداً ؟


قبل أن اجيبك على هذا السؤال ، يجب أن نزيل اللبس عن تعريف السعادة والتي ارتبطت بالمتعة إلى حد كبير، و الفرق بين السعادة والمتعة هو :
أن المتعة نوع من الاشباع قصير المدى ، حسي أو خارجي إلى حد كبير ويرتبط بالأخذ وامتلاك الأشياء المادية ، وفي نهاية المطاف تسبب الإدمان.
كمتعة الجنس ، الأكل ، التسوق أو حتى المديح ممن حولك .
في حين أن السعادة طويلة المدى ، تلمس الجانب الروحي أكثر ، ولا تتطلب امتلاك اي شيء محدد وتزداد بالعطاء، وبالطبع لا تخلق اي شكل من اشكال الإدمان .

ويقدم الدكتور "إيهاب حمارنة" تعريفاً للسعادة يختلف عمّا كنت اعتقد سابقاً أنه سعادة ، ممثلاً في متعة وراحة وإثارة مستمرة لا تنتهي ، بل يعرفها بالتوقف عن المعاناة حتى ولو كنت تختبر مشاعر الألم والحزن .
السعادة من وجهه نظر د. إيهاب حمارنة هو "أن يكون بداخلك فضاء من الأمان يسمح لك أن تعيش كل تجارب الحياة بكل ما تحمله من مشاعر وخبرات تساعدك في التعرف أكثر وأكثر على ذاتك ، ويكمل د. إيهاب : هذه السعادة لا تأتي من حالة ولا تتغير بإحساس ، هذه السعادة تأتي من معرفتك بنفسك !!)

دعني أخبرك أن معرفتنا بذواتنا هي عملية مستمرة ولا نهائية تبدأ منذ ولادتنا وتستمر معنا ربما حتى بعد الموت و السعادة في الاستمتاع بالرحلة وليس الإحتفال بالوصل.
مثال : كأن تذهب برفقة أصدقائك في رحلة إلى واحدة من المدن الساحلية تبعد عن مكان إقامتكم عدة ساعات ، فمتى تبدؤون الاستمتاع ، هل عندما تصلون إلى المدينة؟ ، أم عندما تسبحون في البحر ؟
أراهنك على أن المتعة تبدأ فور تخطيطكم للذهاب في هذه الرحلة ، إنكم تشعرون بالسعادة حتى وإن واجهتكم بعض التحديات ، كإنفجار إطار السيارة على الطريق !! .


السعادة قرار

لقد سمعت هذه العبارة كثيراً أن السعادة قرار ، وعلى الرغم من أنها أصبحت عبارة مستهلكة ، إلا انني لا أجد أصدق منها طريقاً يوصلنا جميعاً الى السعادة .
فأنت تصبح سعيداً عندما تقرر :
_ (أنك المسؤول عن واقعك وما تعيشه من أحداث).

إن لعب دور الضحية لن يوصلك إلى شيء،سوى مزيد من التعاسة ، توقف فوراً عن إلقاء اللوم على من حولك ، سواء كانوا أصدقاء أو أهل أو ظروف اقتصادية ، وليس معنى كلامي أنه لايوجد ظلم في العالم أو ظروف تقهرنا وتغير مصائرنا ، ولكن تعاملنا مع هذه المواقف هو ما يحدد تأثيرها علينا .
فبدلاً من طرح أسئلة مثل "لماذا حدث لي هذا؟"
يمكنك طرح أسئلة مثل "كيف يمكنني تخطي هذه العقبة؟، "ما نقاط قوتي حتى في هذه الظروف العصيبة؟". إن ذلك يساعد في جعل القبول أكثر سهولة ومن ثم تجاوز مواقف الحياة الصعبة.



_ (أن تخرج من دائرة راحتك )

جزء كبير من إحساسنا بالسعادة يرتبط بشكل وثيق بالإنجاز ، الأبحاث العلمية تتحدّث عن نسبة دوبامين السعادة الذي يُفرَزُ في الجسم بعد ممارسة الرياضة الصباحية ، فإذا أردنا أن نتقدم في حياتنا ونحقق الإنجازات فلا بد لنا من الخروج من دائرة الراحة (Comfort Zone)، هذه الدائرة التي اقترنت بالسهر والاستيقاظ المتأخر والأكل دون حساب ومشاهدة التلفاز وقضاء الكثير من الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي .
ولا أريدك أن تظن أنه يجب على الجميع أن يضع أهداف وخطط كبيرة حتى يحصل على السعادة ، يكفي أن تخلق سبباً يدفعك للاستيقاظ كل صباح ، حتى ولو كان ممارسة الرياضة وإطعام حيوانك الأليف !!!
بإمكانك أيضاً خداع عقلك بإعداد قائمة بالمهام التي عليك فعلها كل يوم ولتكن مثلاً :
* الصلاة
* التأمل
* ممارسة الرياضة
* ري النباتات
* الذهاب للعمل
* زيارة صديقك المريض ... وهكذا
المهم أن تكون القائمة مكتوبة على ورقة ، وبعد إنجاز كل مهمة ضع علامة (✔️) أمامها ، وصدقني مجرد أن تضع هذه العلامات وتنتهي من قائمة إنجازك اليومي ستشعر بالكثير من الرضا عن نفسك.
ويمكنك أيضاً أن تضع قائمة مهام شهرية أو حتى سنوية لتحقيق أهدافك الكبيرة .

_ (أن تتوقف عن مقارنة نفسك بالآخرين)

من الصعب أن تشعر بالرضا عن حياتك اليومية عند النظر إليها باستمرار من خلال عدسة تجارب الآخرين
ومع المقارنة المتاحة بسهولة من خلال هواتفنا المحمولة، يقع العديد من الأشخاص في حلقة غير منتهية من العذاب ، فهذا إمتلك بيتاً جديداً وهذه تكرم لتفوقها ، و يعاني معظم الأشخاص من مستوى معين من الإلهاء للسبب نفسه الذي يجعل المقارنة مشكلة منتشرة؛ إنها الأجهزة الإلكترونية. الإلهاء قادر على أن يزيل مشاعرنا الحالية على الفور، وذلك يخلق تبديلا سريعا للفكر، والتبديل المستمر في التفكير يؤدي إلى انخفاض في الإنتاجية ويتسبب في الشعور بالإرهاق، كما أن الإلهاء المستمر يجعل من الصعب جدا تجربة تقدير السعادة المتجذرة في الحاضر.
إننا عندما نشاهد إنجازات غيرنا ففي حقيقة الأمر أننا نطالع الصفحة الأخيرة من سلسلة تضحيات وجهد ومثابره قاموا بها للحصول على ما نراه في لقطة سريعة ( لاشيء في الحياة بالمجان) هذا ما عليك معرفته.
ويؤدي إفراطنا في مقارنة أنفسنا بالآخرين إلى التعاسة وعدم الرضا عن حياتنا وإحتقار ذواتنا كما يشعرنا بالغيرة والغضب واليأس من أنفسنا لأننا "لسنا جيدين بالشكل الكافي"، وهو ما قد يؤدي إلى الإصابة بالقلق المفرط أو الاكتئاب.

إن شعورك بالغيرة أو الحزن بسبب إنجازات من حولك يرسل للكون رسالة قوية أن تحقيقك لمثل ما فعله غيرك هو أمر مستحيل ويزيد إحساسك بالعجز ، في حين أن فرحتك ومباركتك لما تراه من خير يصيب غيرك يفتح عليك إحتماليات أن يصيبك نفس الخير بدخولك السعيد في دوائرهم الطاقية .

_ (أن تتوقف عن وضع شروط للسعادة)

خلق الله الحياة على البساطة واليسر ، أما ما تراه في الحياة من تعقيدات فهي إختراعات بشرية بإمتياز ، فالسعادة مجانية ومتاحة للجميع ولكن البعض يضع لنفسه شروطاً صارمة حتى يستحق السعادة ، كأن تقول سأفرح حين ألتحق بكلية الطب ، أو سأبدأ في الاستمتاع بحياتي بعد أن أتقاعد من العمل .
عزيزي لم تؤجل السعادة ، يمكنك أن تستمتع وتسافر قبل إلتحاقك بالكلية و قبل التقاعد ، يمكنك أن تشعر بالسعادة في أي وقت .
أما الكارثة فهي عندما تخلق بيدك (عقدة طاقية)، أو إرتباط شرطي يجعل الكون كله يعمل لتحقيقه ، كأن تقول: "لن أشعر بالراحة ولن أتذوق طعم الفرح إلا إذا إشتريت شقة أحلامي ، أو لو تزوجت ( فلان أو فلانة)" ، وصدقني في هذه اللحظة أنت تدعو الحياة وكل ما فيها لأن تحرمك من السعادة ومن كل ما طلبت .
بإختصار : تمتع بكل يوم في حياتك وأطلب من الله ما تريد دون أن تضع له الشروط أو ترسم له الطريق ، وهو وحده يعلم متى وكيف يفاجئك بما تتوقع وأكثر مما تتوقع .

_ (أن تخلق مساحة الأمان والتقبل في قلبك)

إن الإحساس بالأمان يولد من الانغماس في اللحظة الحالية ، فإذا كنت تفكر في المستقبل فأنت دائماً تعيش القلق من أشياء لا وجود لها ، كما أن تفكيرك في الماضي يجعلك أسيراً للحسرة والندم على أحداث لن تستطيع أن تغيرها ، فالسعادة بطريقة ما ترتبط ارتباطاً وثيقاً بعيش اللحظة الحالية .
وهي ببساطة أن تكون حاضراً بكل جوارحك ، أن تستمتع ببروده الهواء التي تلامسك في ليلة صيف ، أن تتذوق طعامك بكثير من الامتنان لهذه النعمة ، بل وحتى الاستمتاع بالماء المنساب على جسدك وقت الاستحمام .
أما التقبل ، فهو شعورك بالرضا والثقة في الله بأن كل ما حدث و يحدث وسوف يحدث هو خير لك وأنه حتى لو واجهتك تحديات قد تراها صعبة فإنها بلا شك تحمل في داخلها خير قد لا تراه في لحظة وقوعه .


_ وأخيراً .......... (أن تتعلم كيف تحزن)

حتى تشعر بالسعادة الحقيقية عليك أن تتعلم كيف تحزن ، وأنا لا أدعوك هنا لأن تكون شخص كئيب يجتر الأحزان طوال الوقت ، ولكني أقصد أن تتقبل وتحترم شعور الحزن عندما يصادفك ولا تقاومه بل وتعيشه و تلاحظه وتبحث في أسبابه .
لأن مقاومة الحزن تزيد من الكآبة وتخلق بداخلك صراع قد يستمر لأشهر وربما لسنوات في حين أن تقبل الحزن ومعرفه أسبابه الحقيقية يعجل بظهور الحلول وبالتالي عودتك السريعة إلى حالة السلام والرضا .

(يتبع)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بهجمات متبادلة.. تضرر مصفاة نفط روسية ومنشآت طاقة أوكرانية|


.. الأردن يجدد رفضه محاولات الزج به في الصراع بين إسرائيل وإيرا




.. كيف يعيش ربع سكان -الشرق الأوسط- تحت سيطرة المليشيات المسلحة


.. “قتل في بث مباشر-.. جريمة صادمة لطفل تُثير الجدل والخوف في م




.. تأجيل زيارة أردوغان إلى واشنطن.. ما الأسباب الفعلية لهذه الخ