الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المخرج - كين لوتش- يَدْعُوَ للتضامن مع اللاجئين السوريين وعمال المناجم المهمشين في فيلمه (البلوط القديم)

علي المسعود
(Ali Al- Masoud)

2024 / 1 / 26
الادب والفن


المخرج " كين لوتش" يَدْعُوَ للتضامن مع اللاجئين السوريين وعمال المناجم المهمشين في فيلمه (البلوط القديم)


الفيلم الذي ختم به المخرج البريطاني (كين لوتش) مسيرته الاخراجية "البلوط القديم " ، العنوان يمثل الحانة الوحيدة في القرية الواقعة في مقاطعة دورهام شمالي شرق إنجلترا . وتمثل مركزاً للقاء الأهالي وتبادل الأحاديث حول أوضاع القرية ، ويديرها "تي جيه بالانتين" (ديف تيرنر) الرجل الطيب والهادئ الذي يتشارك مع رواد الحانة همومهم و شكواهم من الحالة الاقتصادية المتدهورة للمدينة وأهلها الذين كانوا يعملون بالمناجم ولم يعد لديهم مصدراً آخر للدخل ، إضافة الى الإنخفاض الكبير في قيمة بيوتهم مع دخول شركات استثمارية واستغلالها في شراء البيوت بأسعار زهيدة . في يوم تستقبل المدينة حافلة تنقل لاجئين سوريين ومن بينهم الشابة "يارا" (إيبلا مرعي) وحمل في يدها كاميرا توثق اللحظات الفارقة في حياتها وحياة مواطنيها المذعورين . لكنها يصدمها تصرف أحد الرجال العنصريين الرافضين وجودهم في القرية حين يخطف الكاميرا منها ويكسرها وبعدها يشتبك معها ويشتمهم .
الفترة الزمنية لأحداث الفيلم صيف من عام 2016 ، العام الذي قررت فيه بريطانيا الخروج من الأتحاد الأوروبي وهذا القرار له أثار مدمرة على الأقتصاد البريطاني. بعد وصول اللاجئين السوريين، يزداد الجدل داخل الحانة حول طبيعة الوافدين الجُدد ؛ فتُطرح إشكاليات عِدة حول جدوى وجودهم وتأثيرهم على القرية المُحافظة ذات المجتمع الناقم على الحكومة البريطانية وسياستها بعد إغلاق المنجم ، كذالك معاناة السكان من أزمة اقتصادية خانقة دفعت العديد من الشباب للرحيل عن القرية بحثًا عن الرزق ، فيما يشعر الباقون بالغضب تجاه حكومتهم التي "تخلّت عنهم"، بحسب ما يرونه من سوء أوضاع القرية وتردّي سُبُل العيش بها ويضعون اللوم على اللاجئين باعتبارهم أحد أسباب الأزمة الاقتصادية ، ولهذا يرفض الجميع وجودهم ، الوحيد المرحب بهم والمتعاطف معهم كان صاحب الحانة "تي جيه".
تدخل الشابة السورية "يارا" الى الحانة، وتطلب من صاحبها أن يدلها على الرجل الذي كسر الكاميرا، ليتحمل قيمة إصلاحها، وقد كان شاهدا ويعرف المعتدي. يلاحظ "تي چيه بالانتين" أنها تتحدث الإنكليزية بطلاقة ولباقة ويعجب بشخصيتها واعتزازها بنفسها . تخبره بقيمة الكاميرة بالنسبة لها حين ساعدتها على تحمل الرحلة القاسية بعد فرارها مع أسرتها من الجحيم تاركة والدها المعتقل، ولا زالت العائلة تترقب خبراً عن والدها المحتجز في سجون النظام السوري . تنشأ علاقة إنسانية بين الشابة السورية وصاحب الحانة (تي جيه) حيث كلاهما يعاني مرارة الفقد والغربة . تزور "يارا" (المسلمة) برفقة صاحب الحانة كاتدرائية دورهام لغرض مساعدة اللاجئين . تتأثر عندما تسمع أن هذا المبنى الأثري عمره ألف عام ، فتعلق بحزن "لن يرى أبنائي أبدا معبد تدمر الذي بناه الرومان ودمرته الدولة الإسلامية عام 2015". وفي أكثر المواقف المؤثرة حين تشاهد " يارا" صوراً توثق إضراب العمال في الثمانينيات على جدران مخزن "تي جيه"، فتأتي لها فكرة تقديم وجبات مجانية في هذا المكان لدمج اللاجئين مع السكان، يوافق البريطاني صاحب الحانة الطيب بلا تردد، ويفتح مخزنه ويقوم بإصلاحه؛ ويتناول الجميع الطعام الذي أعدته السوريات البارعات في الطهي وهكذا يتم التعارف واللقاء ويذوب الجليد . في حواراً تحدث المخرج البريطاني كين لوتش قائلاً : "لم أكن أعرف شيئاً عن السوريين حقاً، قبل أن أبدأ هذا الفيلم، لكنني اكتشفت كل شيء أثناء إخراجه، لحظات الكرم الصغيرة التي لا تُقدر والتي لم تكن موجودة في النص، إنهم الأشخاص الذين يفاجئونك بمحبتهم وكرمهم ". في مشاهد عديدة يبرز المخرج لوتش كرم السوريين وحسن ضيافتهم، وكان تأثره بكرم الضيوف العرب واضحاً جداً في الفيلم الذي كان ختاماً راقٍياً لمسيرة عظيمة انحاز فيها إلى الفقراء والمهمشين والطبقة العاملة ومدافعاً عن البسطاء. وفي نفس الوقت ، ينتقد العنصرية الأنكليزية إزاء اللاجئين القادمين حين يصور التحامل وسوء المعاملة التي يلقاها اللاجئون السوريون في بريطانيا على يد الفقراء من الطبقة العاملة الذين يرون في القادمين تهديدا لثقافتهم ولدخلهم القليل .
المخرج" لوتش" وإن كان رافضاً بشكل قاطع وصارم لسلوك ورؤية هؤلاء العنصريين، لكنه يوضح أن هؤلاء هم الفئة الضالة القليلة وسط الطبقة العاملة. يعلق لوتش إن أغلب الطبقة العاملة من الضحايا والمقهورين، يماثل قهرهم ما يتعرض له اللاجئون من فقر وشظف في العيش ، هؤلاء الإنكليز الذين يعيش الكثير منهم على الكفاف لا يجدون متنفسا لمظالمهم إلا في اضطهاد من هم أقل منهم حظا وهم اللاجئون . ويكشف دور الجمعيات الخيرية ومساعدات الكنائس في دعم اللاجئين السوريين، بالمقابل يلاقون الفقراء واللاجئون الأهمال والتجاهل من الدولة . القصة مكتوبة بتعاطف كبير مع محنة اللاجئين من قبل الكاتب "بول لافيرتي " وصور مكابدات اللاجئين السوريين وأهوالهم وصدمتهم المستمرة بحساسية وتعاطف من خلال إبراز كرم الضيافة وأملهم في مواجهة نكبة النزوح . وصول اللاجئين السوريين إلى القرية الفقيرة تصبح هي اللحظة الكاشفة لجوهر الكثيرين من أهل القرية، وبالتالي تمنح المخرج لوتش الفرصة للإعراب عن رؤيته الأنسانية لمظالم الطبقة العاملة ومعاناة اللاجئين في آن واحد . يلتقط لوتش الصراع الذي ينشأ عندما يرى السكان الأصليون كيف يتلقون اللاجئون السوريون المساعدات . كما يظهر في أحد مشاهد الفيلم حين تحصل طفلة سورية لاجئة على دراجة مستعملة تبرع بها أحدهم، عندها يعلق صبي من أهل القرية وهو يراقب الطفلة بحسرة ، إنه كان على الدوام يأمل في الحصول على دراجة !.
مركز ألاحداث هو ‏‏الحانة‏‏ القديمة ، ومنزل العائلة السورية ، الحانة تقع في وسط القرية. والرجل الذي يديرها هو شخص بدأ كعامل منجم ، ثم اشترى ‏‏الحانة‏‏ وعمل على جمع الناس معا، ومع انهيار القرية تراجعت آماله . لكنه يحاول أن يكون متفائلا في تلك الظروف . يصور المخرج لوتش ببراعة الروابط والصراعات المختلفة والرغبة في خلق وتعزيز التواصل من خلال الطعام وهذا ما يجمع السوريين ومضيفيهم المترددين معا. يتناول الفيلم الحرمان والاغتراب والإهمال من قبل السياسيين والحزب اليميني و‏‏المحافظون‏‏ لأهالي القرية ، كما ذكر المخرج لوتش "لقد عانى سكان تلك المناطق من إهمال على مدى السنوات ال 40 الماضية ". على الرغم من ذالك يؤكد المخرج على روح التضامن التي لاتزال موجودة عند عمال المناجم القدامى، وفي تلك المنطقة التي زحف اللاجئون الهاربون من الحرب السورية الذين يواجهون صعوبة في الإندماج لكون معظمهم لا يتحدثوا الإنكليزية. كتابة الفيلم من قبل " بول لافيرتي" الذي تعاون مع لوتش في أكثر من مرة ، قدم لنا قصة مجتمعين مصابين بصدمات نفسية بعد وصول حافلة تنقل مجموعة من اللاجئين السوريين الى قرية في شمال شرق إنكلترا. إعتمدا الكاتب ( لافيرتي) والمخرج ( كين لوتش) في سرد القصة على عدة مصادر ، أولا من خلال الاستماع لقصص اللاجئين السوريين بعد سنوات من البحث والتقصي من أجل الوصول إلى مجموعات من اللاجئين في الشمال الشرقي، ثانياً االمناقشات وألاحاديث مع المنظمات الانسانية والمتطوعين الذين يدعمون هذه المجتمعات . يضيف كاتب القصة" لافيرتي" ( نظرا لأنها ثقافة مختلفة ولغة مختلفة، لذلك نحن نحترم بشدة المكان الذي جاؤا منه الأشخاص الذين لديهم وجهات نظر مختلفة .البطل" ديف تيرنر" في دوره تي جي ، يصف مشهد تناوله الشاي حين ضيفته العائلة السورية في بيتها ،" كانت الضيافة هائلة والطريقة التي عاملوه بها والتحدث اليهم مؤثرة جداً ، جعلتنا نفهم أن الطعام الذي يقدمونه وكرم الضيافة التي يظهرونها عميقة جداً في تلك الثقافة " .
"البلوط القديم " له أهمية خاصة في التاريخ الإنجليزي وهو رمز الاستقرار والقوة والأمن. وهذا توصيف للحانة الوحيدة في القرية. في ماضيها كانت غرفتها الخلفية مركز الترفيه والنشاطات ليلة الجمعة والسبت لكثير من الناس . وأصبحت الآن مجرد ملتقى للكبار السن لأجترار ماضيهم والتذمر من حاضرهم ولعن اسراب الجراد كما يصفون اللاجئون السوريون . يصف المخرج المخضرك كين لوتش فيلمه " الفيلم يتعلق بنضال الأمل وكفاح الناس من أجل رؤية الأمل ، لا يمكننا أن نكون في وضع أكثر كارثية مع انهيار المجتمع المدني من حولنا ، الصحة والتعليم والإسكان وديون الطلاب والفقر والجوع وزيادة عدد المتشردين . كل جانب من جوانب حياتنا ينهار، مع الخطر الإضافي الناجم عن كارثة المناخ. إذن أين تجد الأمل ؟ هذا هو السؤال الكبير. الأمل ستجده في تصميم الناس على المقاومة وغريزتنا وأعتقد أنها غريزة – للتضامن ". ألأسئلة التي طرحها المخرج في فيلمه كيف يرتبط هذان المجتمعان؟ وكيف يجدان طرقا للترابط ؟ وهل سيكون هناك عداء؟ كيف سيعيد تقليد التضامن القديم أيام التعدين ؟، أحد الاستثناءات البارزة الممثلة السورية (إيبلا ماري) التي تحاول سد الفجوة بين مجتمع التعدين السابق المضطهد واللاجئين السوريين الذين استقروا ، وتبرز عدوانية وعنصرية السكان المحليون بالرغم من وجود بعض النشطاء من المتطوعيين في الجمعيات الخيرية والمتعاطفين مع ظروف هؤلاء الهاربين من مدن الخراب او الدمار وربما الاعتقال . هذا التضامن الانساني الذي اكد عليه لوتش شئ مميز ورائع لضمان عدم جوع الناس .
كما هو الحال مع العديد من أفلامه السابقة إستعانة لوتش بالممثلين غير المحترفين وبعددٍ من اللاجئين الحقيقيين للتمثيل أمام الكاميرا، مثل السورية حسناء (46 عاما) التي تعرضت عائلتها لقصفٍ في سوريا عام 2012 ، وعلى أثره فقدت زوجها وطفليها وساقيها وهربت إلى إنكلترا، وتعيش ألآن في مقاطعة "دورهام" منذ ست سنوات . فيما كشفت الأخت الصغرى ربيع، أن دورها في السيناريو لا يختلف كثيرًا عن تجربتها الحياتية، فهو يستكشف كيفية وصولها إلى إنكلترا وكيف تعيش، وكيف تعاملت مع الأشخاص الطيبين والأشرار في البلدة التي قررت العيش بها . الممثلة ( إيبلا ماري) لعبت دور الشابة السورية يارا ، تعمل مدرسة مسرح في مرتفعات الجولان قبل الفوز بالدور ، كان أداءها متميزاً وخاصة في المشهد الذي يتم فيه طردها من المنزل بعد مساعدة تلميذة جائعة .
يتعامل الفيلم مع القضايا الصعبة حقا التي تواجه الطبقة العاملة ومجتمعات اللاجئين في قرية في شمال شرق إنجلترا دمرها اقتصاديا الوحش الرأسمالي بعد التخلي عن هذه المجتمعات التي استقبلت لاجئين أكثر من أي منطقة أخرى ، في الوقت الذي لم يكن هناك استثمار أو أهتمام والذي سبب في نشوء عنصرية وكراهية للأجانب وبتشجيع الاحزاب والصحافة اليمينية التي أججت نيران العنصرية والكراهية ، رغم تأكيد المخرج على إن القصة مليئة بالأمل حين يجد مجتمع اللاجئين الفارين من الحرب أرضية مشتركة مع سكان المنطقة التي دمرتها عقود من الإهمال الحكومي .
رسالة الفيلم حول التضامن مع عمال المناجم المهمشين واللاجئين السورين الفارين من الحرب واستكشاف ما يحدث في الفضاء بين هذين المجتمعين عندما يتم جمعهما ، دراما كين لوتش تكشف جانب من العنصرية البريطانية ، كذالك يلفت الانتباه إلى الطريقة التي يتم بها استخدام المساكن الرخيصة لإيواء اللاجئين في شمال إنجلترا واسكتلندا ، على الرغم من نقص الدعم للبنية التحتية في مكان إستقرارهم مما يضفي على الفيلم الطابع الإنساني على الديموغرافية الإنجليزية في المدن الصغيرة ، و مشاعر الأهمال واليأس اللذان يولدان العنصرية وكراهية الأجانب .
يظهرالمخرج المخضرم مجتمعان في الفيلم، اللاجئون السوريون المنكوبون بالحزن والحرب والبريطانيون الفقراء من الطبقة العاملة المحرومون من أبسط مستلزمات الرفاهية . أحدهما تم التخلي عنه، والآخر عانى من صدمة الحرب وتعرض الكثيرون للتعذيب ودمرت المنازل . هل يمكن لهذين المجتمعين أن يجدا طريقة للعيش جنبا إلى جنب، أم أن العنصرية والكراهية تحول دون ذالك ؟ . يتجسد التضامن مع معاناة السكان المحليين الذين يعانون من الفقر في نهاية الفيلم بعد إقتراح من الشابة السورية اللاجئة (يارا) في تنظيم تناول وجبات الطعام السوري مع السكان المحليين ، مستوحية الفكرة من كلمات والد صاحب الحانة (بالانتاين) العامل النقابي "عندما تأكلون معا، تلتصقون ببعضكم البعض"، الكلمات تمثل تضامن إضراب عمال المناجم عام 1984 في أشارة للظروف التاريخية التي مر بها السكان المحليين .

كاتب عراقي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟


.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعود أحمد يكشف سر حبه للراحل ط