الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النظام المخزني السلطاني يتودد ويستعطف الدولة الموريتانية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2024 / 1 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


ان المتمعن في طبيعة العلاقات السياسية والدبلوماسية بين النظام السلطاني المخزني ، وبين الدولة الموريتانية ، سيلاحظ ان طبيعة العلاقات هذه ، بسبب النظرة الفوقية والاستعلائية ، ليست هي نظرة النظام المخزني والسلطاني ، للدولة الجزائرية . وهي نفس النظرة ظهرت جليا في اول لقاء ، وفي جميع لقاءات ( القادة ) المغاربيين في اطار الاتحاد المغاربي الذي كانت حسابات الأنظمة سببا في افشاله من اوله ، حيث كانت مكانة الرئيس الموريتاني والرئيس التونسي ، في اقصى اليمين او في اقصى اليسار . فالنظام حين كان ينظر الى دولة موريتانية ، والى حكامها ، كان ينظر لها باستعلاء وبعجرفة ، سيما وانها كانت محطة نزاع بالأمم المتحدة ، من حيث مناشدتها بالدولة الموريتانية ، التي تدعو الى استقلالها كدولة ذات سيادة ، لا علاقة تجمعها بالنظام السلطاني المخزني غير الحدود التي يجب ان تتغير مستقبلا ، لان الساسة الموريتانيين ، ينتظرون فرصة تغيير الحدود ، انتظار الظمآن للماء . وقد دلل على هذه الرغبة المخطط او مشروع ،اعتراف الرئيس الموريتاني محمد ولد الغزواني في اكثر من مرة ، بان اعتراف موريتانية ب " الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطي " هو بالخيار الاستراتيجي .
ان الخطورة في هذه الوضع الذي كان جليا ، وكانت القيادة الموريتانية ، والقيادة التونسية تشعران به .
ان توظيف النظام العلوي لسمعة وتاريخ الامبراطورية ، انعكس على طبيعة العلاقات مع النظام الموريتاني ، فكان حين كان يخاطب الدولة الموريتانية ، يخاطبها من أعلى ، وباستعلاء ، ومن زاوية السلطان الحاكم للسلطنة ، ومن زاوية المخزن كنظام امبراطوري تاريخي بالمنطقة . بل ان النظام السلطاني المخزني ، في علاقاته الفوقية مع الدولة الموريتانية ، استعمل الدين ، واستعمل ( الانتساب ) الى النبي محمد ، حتى يسهل له وبواسطة الدين من السيطرة والاستيلاء على الشعب الموريتاني المعروف بكثرة انتسابه الى الدين ..
ففي الوقت الذي كان النظام العلوي ، يصارع الدولة الفرنسية ، بخصوص مسؤوليتها المباشرة عن الاوضاع التي أصبحت مفروضة بالمنطقة ، سيخرج اول رئيس لدولة عربية ، هو الرئيس التونسي " الحبيب بورقيبة " ، بقرار الاعتراف بالدولة الموريتانية ، التي لولا حواس الحسن الثاني الذي بدا له الوضع خطيرا على نظام حكمه ، ما تجرأ ولا خاطر بالاعتراف بالدولة الموريتانية التي كان يدعي انها جزء منه . ومثل استعمال نزاع الصحراء الغربية ، في الذود والدفاع عن العرش العلوي ، استعمل نفس العرش / القضية الموريتانية ، لإغلاق كل منافد التهديد بإسقاط النظام . فقضية الهَبّة التي قام بها ثائر الصحراء احمد الهيبة ماء العينين ،واوصلته للاستيلاء على مراكش التي جعلها عاصمة دولته ، منتفضا على خيانة السلطان عبدالحفيظ ، ورافضا لاتفاقية الحماية ، هي من دفع بالحسن الثاني الاعتراف بالجمهورية الموريتانية ، بعد ان عارض هذا الاعتراف سابقا . وهو نفسه الموقف وقفه محمد السادس من نزاع الصحراء الغربية ، عندما تقدم بمقترح حل الحكم الذاتي ، وبعد فشله المُعلن ، سينتقل الى الاعتراف ب " الجمهورية الصحراوية العربية الديمقراطية " امام العالم ، ونشر اعترافه بها ، عندما اصدر ظهيرا وقعه بخط يده ، يقر فيه بهذا الاعتراف ، ونشره بالجريدة الرسمية للدولة العلوية في يناير 2017 . عدد : 6539 . فكما تفادى الحسن الثاني انقلابا ، في ما لو ظل يتردد ولم يحسم في قضية موريتانية ، كذلك سيجد نفسه محمد السادس ، غارقا في وحل الصحراء ، دون ان يخرج منه بسلام . فالصحراء لا تزال تلقي بظلالها على طبيعة الحكم بالمغرب ، مثلما كان نفس الموقف للدولة الموريتانية ، من استقرار النظام المخزني الذي تهدده الصحراء ، بالسقوط .
لذا فحين كان ينظر النظام القبائيلي العلوي الى الدولة الموريتانية ، كانت نظرته سلطانية ، ومخزنية ، وتاريخية ، ولم تكن نظرة دولة الى دولة أخرى . وطبعا كانت درجة النظرة والاستعمال والتعامل ، تتأثر بنوع القادة الموريتانيين ، وبين العلاقة العادية ، والعلاقة المتشنجة .
ان طبيعة ونوعية العلاقات بين النظام كنظام مخزني سلطاني ، وبين الأنظمة السياسية التي مرت بحكم موريتانية ، ستعرف صعودا نحو الحيطة والحذر ، خصوصا عندما لوح السلطان المخزني ، بنوع الخطورة على النظام الموريتاني ، التي تنتظر النظام الموريتاني ، كما انتظرت وتنتظر النظام السلطاني من خلال نوعية تعامله مع قضية الصحراء الغربية .
ان تفكير وتذكير النظام الموريتاني ، بالمطالب السلطانية ، التي كانت لا تزال تنظر ولو من بعيد ، لإشكالية الدولة الموريتانية ، التي تعيش الرعب خوفا من الامتداد الامبراطوري ، سيعجل بالقيادة الموريتانية الى التنسيق مع السلطان المخزني ، لسد الفراغ الذي سيحدثه بناء دولة صحراوية ، حدودها تفصل بين حدود المغرب ، وبين حدود موريتانية الغير محددة ، وستزيد القضية الصحراوية ، ونزاع الصحراء الغربية ، من احتمالات اسقاط كل الدولة الموريتانية ، واسقاط الدولة السلطانية المخزنية ، لفائدة دولة ستصبح حدودها متجاورة مع حدود الإمبراطورية السلطانية ، وليس مع حدود الجمهورية الصحراوية .. فلتفادي الخطر الكاسح ، وتجاوزا ، بل اعتداء على القانون الدولي ، سيتخذ السلطان المغربي الامبراطوري ، قرار الدخول الى الصحراء ، وتوريط القيادة الموريتانية التي ستجد نفسها ، بين مقلب النظام المغربي الذي ورطها في نزاع باسم التاريخ ، وباسم القانون الدولي ، وستصبح موريتانية الدولة ، في صراع مع الجيش الشعبي الصحراوي ، الذي كاد ان يبسط سيطرته على الدولة الموريتانية ، سيما وان القيادة الموريتانية كانت تتصرف بمعزل عن الشعب الذي ظل ، ولا يزال يحتفظ بروابط الصحراء ، خاصة الاجتماعية مع الشعب الصحراوي الذي اعترف به الملك محمد السادس في يناير 2017 . ان درجة القرابة بين الصحراويين وبين الموريتانيين ، اقوى بكثير من درجة القرابة بين الموريتانيين وبين رعايا السلطان ، وبين الموريتانيين والصحراويين ، وبين رعايا الدولة السلطانية ، وبين الصحراويين والموريتانيين . فحتى الصحراويين الموجودين باراضي ما قبل 1975 ، تحن في عيشها اكثر لصحراويي الجبهة .
طبعا ستتعرض موريتانية لعدة هجمات كانت جد مؤلمة وموجعة للجيش الموريتاني ، وعلى القيادة الموريتانية التي ستعرف بسبب حرب الصحراء الغربية ، عدة انقلابات عسكرية ، كلها كانت لها مواقف من نزاع الصحراء ، التي اعتبروها غير موريتانية .
الوضع لن يقف عند هذا الحد ، بل انه سيعرف تحديا مخالفا للقانون الدولي ، لان الأمم المتحدة منذ سنة 1960 تاريخ القرار الشهير 1514 ، وهي تبث في كيفية معالجة نزاع الصحراء الغربية ، وتركز في قراراتها على حل تقرير المصير والاستئناف ، والتي أصبحت تسمى مع قرارات مجلس الامن ، بالمشروعية الدولية ، التي تدعي جميع اطراف النزاع تمسكها وتشبثها بها .
ان دخول موريتانية الى الصحراء لتتسلم إقليم " وادي الذهب " ، وهي حصة صغيرة مقارنة مع حصة " الساقية الحمراء " ، جعل الحرب تشتد ، وتزيد سعارا ، وستجد الجزائر سببا معقولا عند رفضها قسمة ووزيعة الصحراء الغربية كغنيمة ، وطريدة ، وملوحة بموقفها المنادي فقط بالاستفتاء وبتقرير المصير .ان اتفاقية مدريد الثلاثية La convention de Madrid ، الموقعة بين الدولة السلطانية المخزنية ، والدولة الموريتانية ، واسبانيا الكاثوليكية الأوروبية " الديمقراطية " ، كان العامل الذي سيزيد من سخونة الحرب التي ستزيد اشتعالا ، خاصة عندما اصبح نزاع الصحراء الغربية ، من الملفات الخاصة التي اصبح يعالجها مجلس الامن منذ سنة 1975 ، وعالجته الأمم المتحدة منذ سنة 1960 ، السنة التي صدر فيها القرار 1514 الذي ينص على حل الاستفتاء وتقرير المصير ، ونتيجة الاستفتاء طبعا ، هي من سيحدد جنسية الأراضي المتنازع عليها . وهنا .لا بد من التذكير ، ان القرار الذي خرجت به محكمة العدل الدولية ، في 16 أكتوبر1975 ، كان الاستفتاء ، وكان تقرير للمصير . أي ان قرار محكمة العدل الدولية ، وقرارات مجلس الامن ، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وبما فيهم قرارات محكمة العدل الأوروبية ، وقرارات البرلمان الأوروبي ، والاتحاد الأوروبي .... الخ . كلها تقف موقف الحياد من النزاع الدائر، وكلها تأخذ نفس المسافة من اطراف النزاع ، دون ميل لاحدهما على الاخر . فعندما تؤكد المنتديات الدولية ، والقارية " الاتحاد الأوروبي " ، و " الاتحاد الافريقي " ، على حل الاستفتاء وتقرير المصير ، فموقفهم هذا هو موقف حياد ، في انتظار نتيجة الاستفتاء التي ستحدد وحدها جنسية الصحراء الغربية .
ان هذه المواقف الغير مفهومة ، خاصة وان موريتانية استوعبت حقيقة الصراع الذي لم يضمن للقادة الموريتانيين ، الاستقرار ولا السلم ، واتضحت مواقف النظام السلطاني من النزاع ، منها حين قسمها قسمة الصعاليك في الصحراء ، استولى فيها السلطان على " الساقية الحمراء " ، من الحصة الغير قانونية التي آلت الى موريتانية ، ومكنهم النظام العلوي من الاستيلاء على " وادي الذهب " ، وهي حصة اصغر بكثير من حصة ، الساقية الحمراء ، وبقي ثلث الأراضي المنتمية الى أراضي ما قبل سنة 1975 ، وتعد بالمنطقة العازلة التي يجب ان تخضع لرقابة مجلس الامن ، خارجا عن سيطرة النظام الموريتاني ، وخارجا عن سيطرة النظام السلطاني المخزني العلوي .. ، أصبحت القيادة الموريتانية تشعر بهول تصرفها الخارج عن القانون ، عندما وقعت ، وبالأوامر السلطانية المخزنية ، اتفاقية مدريد الثلاثية التي تخلت عنها اسبانيا ، وسيزيد ارتباك القيادة الموريتانية بالخطر المحدق بالنظام ، وقد يشمل كل الدولة الموريتانية التي دخلت علاقات مرفوضة من قبل القضاء الدولي ، والقضاء الاوروبي ، ومن قبل هيئة الامم المتحدة التي اعتبرت التقسيم بالوزيعة وبالغنيمة ، وبالجريمة الموصوفة القائمة الاركان .
لكن ورغم هذه المراجعة الموريتانية ، من الوضع الذي اصبح يعم صراع الصحراء الغربية ، فان ما اعطى الحجة والدليل للقيادة الموريتانية ، وباقتناعها بعدم مشروعية كل الخطوات التي باركتها اتفاقية مدريد الثلاثية ، وهي اتفاقية غير قانونية على الاطلاق ، فان من اعطى للقيادة الموريتانية الدليل الساطع على عدم مغربية ، وعدم موريتانية الصحراء ، هي المواقف المتضاربة للسلطان المخزني العلوي ، عندما اصبح تائها في رمال الصحراء ، دون امساكه بمقود الاتجاه الصحيح في إبّانه ، لأنه اليوم اصبح متجاوزا ، خاصة عندما اعترف السلطان الحسن الثاني ، وبملء فمه ، وفي مرات عديدة ، وامام العالم ، بالاستفتاء وتقرير المصير . ورغم ان الفضيحة ، كانت تُحلّله من وعوده ، لإنهاء نزاع الصحراء الغربية . فعندما شاهد القادة الموريتانيون ، تقلبات مواقف النظام المغربي ، الذي يريد ويجهد في الحفاظ على الأراضي التي كانت له من اتفاقية مدريد ، ستقتنع القيادة الموريتانية بحقيقة النزاع ، وتقتنع بعدم مشروعيته ، واعتبرت ان تواجدها بأراضي " وادي الذهب " ، هو تواجد غير قانوني . وهنا فان المستهدف من الموقف الموريتاني ، المناطق التي آلت الى النظام السلطاني المخزني . فهي غير قانونية ، وتوصف بالاحتلال ، سيما وان الأمم المتحدة ، تعالجها كل سنة ضمن اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار ، أي ان الأمم المتحدة والدولة الموريتانية ، يعتبران تواجد جيش السلطان المخزني ، بالتواجد الاستعماري ، او بتواجد احتلال .. والدولة الموريتانية هنا ، وحتى تصلح زلة الدخول الى الصحراء ، واقتسامها مع السلطان المغربي ، بادرت الى الاعتراف ب" الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية " ، وكادت ان تسلمها أراضي 1975 ، أي " وادي الذهب " ، لو لا تفطن النظام السلطاني للخرجة الموريتانية ، التي كانت مقابل غزو موريتانية للصحراء ، واقتسامها قصمة الصعاليك في الصحراء .
والسؤال الذي طرحته القيادة الموريتانية لتبرير انسحابها من الصحراء . هل الصحراء مغربية ، او موريتانية ؟. او هي مغربية وموريتانية في نفس الآن ؟ . ام انها مغربية بعد سنة 1979 ؟ . وهل ثلث الأراضي المسماة بالمناطق العازلة ، هي مناطق سلطانية ؟ او كانت سلطانية وموريتانية ، ولم تعد منذ الانسحاب الموريتاني في سنة 1979 .
واذا كانت الصحراء حقا سلطانية ، ولم تكن موريتانية ، لماذا اقتسمها السلطان المخزني العلوي قدس الله روحه قسمة الصعاليك في الصحراء ؟ .
اذا كانت الصحراء مغربية سلطانية ، كذلك ، لماذا تنازل السلطان عن أراضي 1975 ، وحتى 1979 للدولة الموريتانية ، ولا يزال الى الآن ملف النزاع مطروحا امام مجلس الامن ، ومطروح امام الجمعية العامة للأمم المتحدة ، التي تعتبره من الأقاليم التي تنتظر الاستفتاء ، لتحديد وضعها القانوني ، ومصيرها ، وجنسيتها ؟ . أي تنظر في الملف اللجنة الرابعة لتصفية الاستعمار .
ان تعامل السلطان مع الدولة الموريتانية ، كدولة مستقلة ، ذات سيادة ، وعضو بالأمم المتحدة ، وعضو بحضيرة الاتحاد الافريقي .. كان يتم بعنجهية ، وبعجرفة ، وباستعلاء قد يصل حتى الدونية ، عند حصول تطور ، او القيام بتصرف من قبل النظام الموريتاني ، الذي كان النظام ينظر اليه ، كجزء من الإمبراطورية العلوية . لذا ففي نواكشوط تجد سفيرا برتبة عامل ، يعمل بالعاصمة نواكشوط ، لما يزيد عن العشرين سنة ، له مخبرون ، ولوبيات ضغط ، وصندوق السفارة الأسود ، قد يصل ميزانية الدولة الموريتانية او يتعداها..
ان تلك النظرة الاستعلائية التي كانت لنظام السلطان العلوي ، ستتغير بدرجة 160 ، حين أصبحت تطورات جديدة ، تتحكم في كل خيوط اللعبة بالمنطقة .
فإذا كان النظام السلطاني التائه ، عجز في حسم الصراع ، الذي بدأ يفوقه ويتعداه ، خاصة مواقف الاتحادات القارية ، الاتحاد الأوروبي والاتحاد الافريقي ، وقرارات الأمم المتحدة ، ومجلس الامن .. وبدا النظام تائها عندما كان يتناقض مع شعاراته وتصريحاته ، سيما وانه دعا الى الاستفتاء وتقرير المصير ، اكثر من مرة ، وفي محطات مختلفة ... هنا الطرف الموريتاني تيقن انه كان ضحية خدعة توريط في نزاع لم يكن يوما موريتانيا ، وزاد من يقينيته فشل النظام السلطاني من حسم صراع بدا ضعيفا ، واصبح قويا ، وأصبحت تتصرف في تحديد شروطه ، المشروعية الدولية منذ سنة 1960 والى اليوم ..
وحتى تصلح الدولة الموريتانية جريمة احتلال الصحراء ، التي اعترف بدولتها الملك محمد السادس امام العالم في يناير 2017 ، ستتخذ القيادة الموريتانية قرار الانسحاب من إقليم " وادي الذهب " في سنة 1979 ، وستقْدم على خطوة ابتزازية ، وليست قانونية ، عندما قررت الانسحاب من " وادي الذهب " ، من دون اخبار النظام السلطاني المغربي .
القيادة الموريتانية قدمت نقدا ذاتيا ، اوصلها الى قرار الانسحاب ، واوصلها الى قرار الاعتراف بالجمهورية الصحراوية . لكن السؤال . اذا كانت القيادة الموريتانية اعتبرت وجودها ب " وادي الذهب " ، بالاحتلال ، فما موقف موريتانية من " الگويرة " التي كانت جزءا من وادي الذهب الذي تخلت عنه القيادة الموريتانية في سنة 1979 ، لكنها عوض إتمام الانسحاب الموريتاني الكامل من " وادي الذهب " ، ستظل تحتفظ ب " الگويرة " التي كانت جزءا من " وادي الذهب " .
فهل بقاء موريتانية ب "الگويرة " هو تدليل على الوضع القانوني الذي كانت عليه كل الصحراء الغربية ، وليس فقط الگويرة ، وهذا يزكي الاعتراف بالتواجد الموريتاني السابق بالصحراء كوجود احتلال . وهنا . هل تعتبر موريتانية وضعها ب "الگويرة " سليما ، وهي التي طعنت في مشروعية تواجدها بوادي الذهب . امْ انّ هناك اتفاق سري بين القيادة الموريتانية ، وبين " " الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي " الذهب " ، وبغطاء جزائري ، حيث قد يكون الاتفاق محكما بالتنازل الاوتوماتيكي الموريتاني عن "الگويرة " ، في التسوية الأخيرة للنزاع ، وبإشراف الأمم المتحدة . بل وسنذهب بعيدا في تحليلنا . هل ستصبح " الگويرة " ، يوما سببا في حرب قد تندلع من اجل جنسية " الگويرة " ، بين الدولة الصحراوية المنتظرة ، وبين الجمهورية الموريتانية ، اذا قررت عدم تسليم " الگويرة " ، او التنازل عنها . وهي نفس الحرب ستبقى منتظرة بين النظام السلطاني العلوي ، الذي دخل الى إقليم وادي الذهب ، لكن " الگويرة " لا تزال تحتلها موريتانية ، التي طعنت في تواجدها ، وفي احتفاظها بها ، لأنها اعتبرت تواجدها هناك ، بالاحتلال المرفوض بمقتضى القانون الدولي . ومرة أخرى . هل ستصبح " الگويرة " سببا في حرب موريتانية صحراوية ، وحرب بين موريتانية وبين الدولة السلطانية العلوية ، اذا حسمت الصراع لصالح مغربية الصحراء إن " الگويرة " كانت جزءا من وادي الذهب ، وعندما خرجت منه موريتانيا بعد النقد الذاتي الذي قامت به ، ظلت تحتفظ ب " الگويرة " بعد انسحابها من وادي الذهب ، فقضية رجوع " الگويرة " الى النظام السلطاني ، او الى الدولة الصحراوية ، تبقى مسألة وقت سيتم حسمه ، طبقا للنتيجة النهائية التي ستصل اليها التسوية ، او الحرب .
ان الوضع الذي تتواجد فيه الجمهورية الموريتانية ، من كل نزاع الصحراء الغربية ، وليس فقط وضعها الشاد ، والخارج عن المألوف في قضية " الگويرة " ، قد حكم وعرى على الوضع الموريتاني المنحاز ، وليس الوضع المحايد الذي يجب ان يقف نفس المسافة من اطراف الصراع .
من حق موريتانية كدولة ذات سيادة ، ان تتصرف بما تمليه حقوقها ومصالحها . لكن عند تحليلنا للوضع الموريتاني ، وبعد الانسحاب في سنة 1979 ، لم تبق موريتانية وكما تدعي ، بالدولة المحايدة . بل ومثل الجزائر ، ودول عربية أخرى ، تخندقت الى جانب القوة ، ولم تتخندق الى جانب الحق والقانون .
ان تصريح الرئيس الموريتاني مرتين خلال سنة 2023 ، باستراتيجية اعترافه بالدولة الصحراوية ، وانّ الاعتراف لا تنازل عليه ، هو موقف لا علاقة له مع الحياد الذي تدعيه موريتانية . ان الاعتراف الموريتاني بالدولة الصحراوية ، هو تصرف ضد الدولة السلطانية ، سيما وانّ احتفاظ موريتانية ب " الگويرة " ، الهدف منه سياسي ، اكثر منه قانوني ، لأنه يريد ان يعرّي على الوضع الذي يحتله جيش السلطان بالساقية الحمراء ووادي الذهب . أي انه وضع احتلال ، والشاهد طبعا طرف في النزاع " وشهد شاهد من أهلها " ، لم يعد كما كان قبل 1975 ، وبعد الانسحاب في 1979 ، ومع ذلك لا يزال يمثل تواجده ب " الگويرة " بالاحتلال ، كما تعكس ذلك المشروعية الدولية .
ولو كانت موريتانية تلتزم حقا الحياد ، وهو حياد مردود عليه ، لكان لها الالتزام بالمشروعية الدولية ، وبقرارات مجلس الامن ، وقرارات الامم المتحدة ، ومحكمة العدل الدولية ، وقرارات محكمة العدل الاوربية ، اضافة الى الاتحاد الاوربي .. فالحياد يقتضي التزام نفس المسافة من اطراف النزاع ، خصوصا وانّ النزاع مطروح بيد مجلس الامن للاختصاص ، الذي ينتظر تنزيل المشروعية الدولية . وعند تحليلنا للمشروعية الدولية ، نجد فقط التنصيص على الاستفتاء ، ولا اشارة واحدة اشارت الى الدولة الصحراوية . وموريتانية حين تتجاوز المشروعية الدولية ، لتنتقل لتبَنّي قرارات لم تنص عليها المشروعية الدولية ، كالاعتراف بالجمهورية الصحراوية التي لا تنص ولا تشير اليها المشروعية الدولية . هنا تكون القيادة الموريتانية قد اختارت ، واختيارها ضد المشروعية الدولية . لقد اعترف النظام السلطاني العلوي بالجمهورية الصحراوية ، وامام العالم في يناير 2017 ، مثلما اعترف بالجمهورية الموريتانية بعد ان كان يعارض ذلك الاعتراف ، ورغم ذلك تجاهل هذا الاعتراف مثل تجاهله حل الحكم الذاتي ، وبقيت المنظومة الدولية تردد ولا تزال تردد ، حل الاستفتاء وتقرير المصير . فإذا تم تنظيم الاستفتاء ، وتحت اشراف مجلس الامن ، سيكون استقلال موريتانية في الستينات ، يختلف عن استقلال الصحراء الغربية . فموريتانية استقلت من دون استفتاء وتقرير للمصير ، الذي ستخضع له المنطقة ، اذا قرر مجلس الامن ذلك ، وعالج اشكالية نزاع الصحراء الغربية ، إمّا باللجوء الى الفصل السابع من الميثاق الاممي ، او عالجه برضى اطراف النزاع ، بما يمكن الصحراويين من تقرير مصيرهم النهائي . وطبعا ، فان كل هذه التحولات التي ستعرفها المنطقة ، واياً كانت الوسائل المستعملة لحل النزاع ، فان كل التطورات اللاحقة ، ستخضع لرقابة مجلس الامن ، ورقابة الجمعية العامة للامم المتحدة ، فيما اذا قرر المجتمع الدولي ذلك .
فالجمهورية الموريتانية عندما اعترفت الاعتراف الخطأ بالدولة الصحراوية ، وضدا على المشروعية الدولية ، تكون الدولة الموريتانية قد تخندقت ضد كل المغرب ، وليس فقط ضد مغربية الصحراء . والخطير ان تصرف القيادة الموريتانية ، هو تصرف يفتقد الشرعية القانونية ، التي هي المشروعية الدولية التي عكستها قرارات مجلس الامن منذ سنة 1975 ، وعكستها قرارات الجمعية العامة للامم المتحدة منذ سنة 1960 التي اصدرت حينها القرار 1514 الشهير ، والغني عن التعريف . كما عكسها قرار محكمة العدل الدولية في 16 اكتوبر 1975 ، وعكسها قرارات محكمة العدل الاوروبية الابتدائية والاستئنافية ، وطبعا قرارات الاتحاد الاوربي ، وقرارات البرلمان الاوروبي ..
اما قرارات الاتحاد الافريقي ، فلا يجب الاخذ بها ، لأنها قرارات منحازة ، وقرارات ضد الشرعية القانونية ، وضد المشروعية السياسية التي تنص فقط على المفاوضات ، بين اطراف النزاع ، ومن دون شروط مسبقة ، للتوصل الى حل يرضي جميع الأطراف ، ويمكن الشعب الصحراوي من التعبير عن ارادته بشكل ديمقراطي ، وطبعا تحت الاشراف المباشر للأمم المتحدة . لذا فان ما قامت به " منظمة الوحدة الافريقية " OUA ، واستمر في تزكيته " الاتحاد الافريقي " UA ، هو تصرف خارج عن السياق القانوني الذي تبنته الأمم المتحدة منذ ان طرح عليها النزاع في سنة 1960 ، وهو نفس السياق القانوني والسياسي ، التي درج مجلس الامن يبني عليه قراراته .
ان الاعتراف بالدولة الصحراوية ، هو تصرف ضد قرارات المنتظم الدولي ، التي لا علاقة لها بالدولة الصحراوية . ان أي كيان يتم الإعلان عنه ، من خارج المشروعية الدولية ، كالجمهورية الصحراوية ، سيكون كيانا ساقطا من فوق ، ولن يكون وراءه الشعب الصحراوي الذي اختلط عليه مشروع الاستفتاء وتقرير المصير ، ومشروع الدولة الصحراوية الحلم ، الذي لن يكون له كائن ، من دون المرور عبر المشروعية القانونية التي تنطق بها القرارات والاحكام التي صدرت في الشأن . وهذا طبعا ما يفسر موقف المجتمع الدولي ، الذي تجاهل بالكامل اعتراف النظام السلطاني المغربي في يناير 2017 بالجمهورية الصحراوية ، مثلما تجاهل المنتظم الدولي حل الحكم الذاتي الذي طرحه النظام للحفاظ على عرشه في ابريل 2007 .
الآن ومن خلال نتائج تحليلنا لكل التطورات بالمنطقة ، سنجد ان الكفة ، أي كفة الصراع ، قد مالت الى الدولة الموريتانية ، ومالت الى جبهة البوليساريو كمنظمة تحريرية ، وليست منظمة إرهابية كما حاول البوليس السياسي المغربي بثه ، لكنه فشل الفشل الذريع .
فالتطور الدولي من نزاع الصحراء الغربية ، وامام مواقف الدول الكبرى من الصراع ، التي وصلت الى الاعتراف الأمريكي والاوروبي بجبهة البوليساريو كحركة تحرير . تكون القيادة الموريتانية قد تخلصت من عقدة الانفصال في بداية ستينات القرن الماضي ، وتكون قد نجحت في فرض ذاتها كمخاطب نداً للندِّ مع النظام السلطاني ..
فان يصرح الرئيس الموريتاني مرتين في سنة 2023 ، باعتراف موريتانية بالجمهورية ، واعتبر هذا الاعتراف بالاستراتيجي ، ليس سهلا . ولو كان عندنا محللون لخطاب القادة والرؤساء ، لكان اعتبار تصريح الرئيس الموريتاني ، رسالة موجهة لرأس النظام المغربي ، بخصوص الندية في العلاقات وفي المعاملات . كما ان فرض موريتانية للضرائب على الصادرات المخزنية ، لم يكن بريئا ، بل كان رسالة يجب قراءتها في الزمكان ، زمانها ومكانها .
كما ان ميل النظام الموريتاني تجاه النظام الجزائري عدو النظام السلطاني ، ليس بالامر الهين والعادي ، لان ما يجهل النظام المخزني ، ان ميل النظام الموريتاني تجاه النظام الجزائري ، وتجاه النظام التونسي والليبي والمصري ، هو كيان جغرافي يحضر له ، بمعزل عن النظام السلطاني ، المهدد بالعزل ، وبالهامشية التي قد تنتقل الى حجب السلع و الحاجيات ، والتوسع في فرض الجمرك للأنظمة ، خاصة نظام محمد السادس ، الذي غير علاقاته بالانتقال من (مساند) للعرب ، الى صديق اكثر من الحميم مع إسرائيل .. التي تبارك كل خطواته ، وتحولاته بالمنطقة . فظهور العلاقات المتينة مع الدولة اليهودية ، كان على حساب الخطاب ( القومي ) الذي فشل الفشل الذريع ، وليعوضه خطاب المصالح الجيو-استراتيجية ، التي تنتصر للحضارة ، ولا تنتصر للشوفينية ..
ان عزل النظام السلطاني العلوي بالمنطقة ، لن يضره في شيء ، بل قد يريحه ، ويجنبه المشاكل الضيقة ، التي كانت في وقت مضى تتم بتفجير المؤتمرات ، وبالانقسامات ، باسم فلسطين ، وفلسطين باعها أصحابها من محمود عباس فتح ، الى حماس الاخوان ، الى الجهاد التكفير ، والى الشعبية والديمقراطية ، والشعبية القيادة العامة .. فخطاب موريتانية والجزائر وتونس وليبيا ومصر ، يتناغم مع خطابات المؤامرة ، بسبب العقلية الانقلابية العروبية ، وخطاب البراغماتية و الاقتصاد والتجارة يتناغم مع تل ابيب وواشنطن وباريس ... ولو لا هذه الحقيقة . هل كان ينتظر يوما ان تصبح الدولة البوليسية السلطانية ، تترأس مجلس حقوق الانسان بالأمم المتحدة Genève ؟ ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل