الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حق تقرير المصير لأكراد العراق .... بين الحقيقة و الوهم (2)

آدم الحسن

2024 / 1 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


معظم شعوب العالم تتألف من قوميات و أعراق مختلفة , من غير الصحيح ربط مفهوم الشعب بقومية أو بعرق او بدين , اذ لا يوجد شعب متجانس و من مكون واحد , لذا فأن حق تقرير المصير قد تكون كلمة باطل يراد بها باطل خصوصا اذا كان ورائها مشروع قومي أو ديني .
يستخدم حق تقرير المصير في الكثير من الحالات كأداة بيد الدول الاستعمارية المهيمنة على مصائر الشعوب حيث تتحكم هذه الدول من خلال امتلاكها لوسائل اعلام عالمية نشطة تجعل من هذا الحق مشروعا ضروريا و ممكنا اذا توافق تطبيقه مع مصالح هذه الدول و يعزز من هيمنتها على الدول الاخرى , و في حالات اخرى تجعل منه مشروعا مرفوضا يتعارض مع وحدة و سيادة الدول اذا كان تطبيقه يتعارض مع مصالحها و هنالك عدد كبير من الأمثلة التي تؤكد هذا الاستنتاج .
بعض الحركات القومية ربطت مشروعها القومي بمصالح الدول الاستعمارية المهيمنة على منطقتنا و تطوعت للدفاع عن مصالح هذه الدول ضنا منها أن هذا الاقتران و الترابط بين اهدفها القومية و مصالح الدول الاستعمارية هو علاقة دائمة , لكن سرعان ما تنهار مثل هذه العلاقات بمجرد حصول تغير بسيط في خارطة المصالح الاستعمارية , الحركة القومية الكوردية في العراق هي من بين هذه الحركات التي اعتمدت على القوى الاستعمارية لتحقيق مكاسب لمشروعها القومي و الدليل على ذلك هو عدم قدرة الأحزاب القومية الكوردية في العراق اعلان دولتهم القومية دون حصولهم على ضوء اخضر امريكي , و التجارب السابقة اكدت أن مثل هذا الضوء الاخضر سوف لن يضاء لهذه الاحزاب لا في هذه المرحلة و لا في المستقبل .
يمكن جعل الصورة اوضح من خلال تناول الأسئلة التالية :
لماذا لا يعلن قادة الأحزاب القومية الكوردية في العراق انفصال اقليم كوردستان العراقي عن العراق ...؟ ما الذي ينتظرونه ...؟ ما الذي يجب أن يحصل كي تقرر هذه الاحزاب سحب رئيس جمهورية العراق و الوزراء و النواب و كل الموظفين التابعين لهم الذين يشغلون حاليا مناصب مهمة في بغداد كجزء من هيكل الدولة الاتحادية العراقية بموجب حصتهم التي حددتها معادلات المحاصصة السياسية الجارية في العراق و يطلبوا ايضا من السفراء و الموظفين الذين يشغلون وظائف في السفارات العراقية كجزء من حصتهم في هذا القطاع التابع للحكومة الاتحادية ترك عملهم فيها ...؟ و الأهم من كل هذه الأسئلة , متى يمتنعوا عن استلام اي جزء من ايرادات العراق النفطية و غير النفطية و يكتفوا بما موجود في الإقليم من ثروات و موارد ...؟ هل ممكن أن يفعلوا كل ذلك بقرار قطعي ليس فيه لف و لا دوران ...؟
إن لم تستطع الاحزاب القومية الكوردية في العراق اتخاذ مواقف واضحة و حاسمة تجاه مسألة الانفصال و تأسيس الدولة الكوردية فليتوقفوا عن التلويح بالانفصال و حق تقرير المصير و ما الى ذلك و يتركوا هذه التهديدات الفارغة و الشعارات الشعبوية الغير مفيدة ...!
إذا ارادت الأحزاب القومية الكوردية جعل قضية انشاء الدولة الكوردية بحدودها الافتراضية التي رسمتها هذه الأحزاب اكثر جدية فليقنعوا القيادة التركية و كذلك اخذ مباركة الولي الفقيه في ايران و التأكد من استعداد تركيا و إيران الاعتراف بدولتهم القومية عندها قد يكون العراق أول دولة تعترف بدولتهم الكوردية ضمن حدود الخط الازرق على أن لا يتم التجاوز على هذا الخط بشبر واحد .
لتتذكر قيادة الأحزاب القومية الكوردية ما حصل بعد نجاح مؤامرة سقوط الموصل حين سعوا لفصل إقليم كوردستان العراقي عن العراق عندما دخلت ميليشيا البيشمركة الكوردية كركوك و المناطق التي يطلقون عليها المناطق المتنازع عليها دون أية مقاومة من جانب قوات الحكومة الاتحادية بعد أن استفادت و استغلت هذه الميليشيات ما حدث للقوات العسكرية الاتحادية من انهيار و تفكك للعديد من وحداتها الموجود في تلك المناطق و كيف أن الحكومة الاتحادية وجدت انه ليس من الحكمة و الصواب في تلك الفترة الدخول في معركة جانبية مع البيشمركة الكوردية , فمثل هذه المعارك الجانبية كانت ستكون في صالح الدولة الداعشية , لكن بعد أن تمكنت القوات الاتحادية من اسقاط دولة الخلافة الداعشية التي اتخذت من مدينة الموصل العراقية عاصمة لخلافتها تحركت هذه القوات و طردت ميليشيا البشمركة من تلك المدن و المناطق و توقفت عند الخط الأزرق باستثناء منطقة فيشخابور التي هي عبارة عن مثلث صغير تلتقي عنده الحدود العراقية و التركية و السورية .
كان اغرب ما حصل في مرحلة تراجع البيشمركة الى داخل حدود اقليم كوردستان هو سرعة ذلك التراجع و كأنه انصياع و تنفيذ لا وامر صدرت من جهة عليا , لا شك أن تلك الجهة العليا هي الادارة الامريكية و ذلك لعدم وجود جهة اخرى في تلك المرحلة لديها تأثير مباشر و كبير على قرارات قادة الأحزاب القومية الكوردية غير امريكا .
من انعكاسات الفترة التي اعلن فيها رئيس اقليم كوردستان السيد مسعود البرزاني اجراء استفتاء في اقليم كوردستان و المناطق المتنازع عليها حصول شجار بين بعض النواب العرب و بعض من النواب الكورد تحت قبة مجلس النواب العراقي و الذي تخلله صراخ و اشتباك بالأيادي و التراشق بقناني الماء مما اعطى ذلك المنظر دلائل و مؤشرات عديدة اهمها :
1- توحد موقف العراقيين من العرب الشيعة و السنة ازاء مستقبل العراق و رفضهم تقسيم العراق .
2- انتهاء ما كان يسمى التحالف الكوردي الشيعي الذي تمتد جذوره الى زمن المعارضة العراقية التي عملت على اسقاط النظام الصدامي في العراق بالتعاون مع المحتل الامريكي .
3- انتهاء مبرر وجود نواب من اقليم كوردستان ضمن مجلس النواب العراقي لا يؤمنون اصلا بوحدة العراق الاتحادي ( الفدرالي ) .
4- انتهاء مبرر وجود رئيس لجمهورية العراق مرتبط سياسيا بأحزاب كوردية تعمل على تقسيم العراق و لا تؤمن بوحدته كدولة اتحادية ( فدرالية ) كما ينص عليها الدستور العراقي الحالي و الذي صادق عليه سكان محافظات الإقليم الثلاثة , اربيل و السليمانية و دهوك , بنسبة عالية جدا .
في المرحلة التي اعقبت انهيار الدولة الداعشية دلت الكثير من المؤشرات على أن حكومة حيدر العبادي التي اسقطت الدولة الداعشية و دفعت بقوات البيشمركة الكوردية الى داخل الخط الأزرق أنها لم تكن ترغب اللعب في الرقعة الرمادية , فقد اعتمدت سياسة العبادي على اسلوب الحسم " يا ابيض يا اسود " حيث كان من الممكن جعل فك ارتباط اقليم كوردستان بالدولة العراقية اكثر الحلول ترجيحا و الذي قد يختاره رئيس الوزراء حيدر العبادي في التعاطي مع علاقة اقليم كوردستان المشوهة بالحكومة الاتحادية و يضع حد لاستحواذ اقليم كوردستان لإيراداته و منها النفطية دون مشاركة باقي المحافظات العراقية بهذه الايرادات و في نفس الوقت يشارك باقي المحافظات العراقية بإيراداتها النفطية و غير النفطية حيث وصف هذه الحالة احد المحللين للشأن العراقي الأستاذ الراحل الدكتور باسم سيفي : أن هذا السلوك يشبه سلوك الشخص الذي يأكل من ماعونين , ماعونه و ماعون صاحبه و لا يسمح لصاحبة فعل نفس الشيء , فإقليم كوردستان يأكل لوحده من ماعون ثروات الإقليم و يشارك باقي العراقيين بماعون إيرادات و ثروات باقي المحافظات العراقية .
منذ 2003 و لحد الان يتصرف اقليم كوردستان و كأنه دولة أو دويلة داخل الدولة العراقية , و هذا التصرف لا علاقة له بأي شكل من اشكال الأنظمة الفدرالية اطلاقا , قيادة الاحزاب الكوردية تدرك جيدا هذه الحقيقة , لذا يجب ان تتوقف هذه المهزلة .
إن سبب فشل النظام الفدرالي في العراق هو النزعة الانفصالية لدى الأحزاب القومية الكوردية خصوصا لدى حزب السيد مسعود البرزاني , فالحالة العراقية حالة شاذه تماما و لا تشبه أي نظام فدرالي في العالم , و الدستور العراقي الحالي دستور مريض , و لو اعيد الاستفتاء عليه فسوف يُرفضْ من قبل غالبية العراقيين .
قد يكون الحل الذي لا بد منه لتصحيح الوضع السياسي القائم في العراق هو العودة الى المربع الأول بإسقاط الدستور الحالي من خلال وقف العمل به بقرار من الحكومة الاتحادية و إعطاء محافظات اقليم كوردستان الثلاثة , اربيل و السليمانية و دهوك , خيارين لا ثالث لهما , إما اعترافهم بدستور عراقي جديد يضمن التزام الإقليم بوحدة العراق بشكل تام و غير قابل للتأويل و التأكيد على سيادة الحكومة الاتحادية على كامل الارض العراقية بضمنها الاقليم أو اتباع الخيار الثاني و هو اعلان الانفصال عن العراق , و إن لم يقبلوا بدستور جديد ينظم العلاقة بين الإقليم و بغداد على اسس فدرالية ( اتحادية ) طبيعية حالها حال الأنظمة الفدرالية الأخرى في العالم و رفضوا ايضا اعلان الانفصال عن العراق , عندها لا يبقى امام حكومة بغداد سوى حل اخير هو فك ارتباط هذه المحافظات الثلاثة عن الدولة العراقية .
لا شك أن حالة الكيان الكوردي المنفصل عن الدولة العراقية ستشبه الى حد كبير الحالة التي كان عليها قبل 2003 , لكن دون حصول هذا الكيان على حصة من النفط او من الموارد العراقية الاخرى و سيكون مجبرا على الاكتفاء بخيراته و موارده فقط .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار التظاهرات الطلابية بالجامعات الأميركية ضد حرب غزّة|


.. نجم كونغ فو تركي مهدد بمستقبله بسبب رفع علم فلسطين بعد عقوبا




.. أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يبحث تطورات الأوضاع


.. هدنة غزة على ميزان -الجنائية الدولية-




.. تعيينات مرتقبة في القيادة العسكرية الإسرائيلية