الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصف اربيل و جامعة الدول العربية

مهران موشيخ
كاتب و باحث

(Muhran Muhran Dr.)

2024 / 1 / 27
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


مقدمة ضرورية كمدخل

منذ سقوط الصنم على يد المحتلين بقيادة الولايات المتحدة الامريكية فقد العراق كل مقومات الدولة العراقية، لا جيش ولا دستورولا حكومة منتخبة. الاحتلال عين مجموعة من الاشخاص المتعاونين معه منذ عقدين من الزمن ومن مختلف الاحزاب والقوميات والاديان والمذاهب , وشكل منهم " حكومة عراقية " على اساس المحاصصة برضى وترحاب جميع الاشخاص ورؤساء الاحزاب الذين انتظموا فيها. هذه التشكيلة الحكومية سميت "مجلس الحكم" وكان لغالبية اعضائه علاقات ود وتعاون مع قادة دول وقادة اجهزة المخابرات والاستخبارات ووزارء خارجية الدول الرئيسية التي احتلت العراق بقيادة الولايات المتحدة الامريكية. اضف الى ذلك كان اغلبية اعضاء مجلس الحكم يحملون جنسيات دول الاحتلال وجنسيات من ساند الاحتلال منهم ايران وتركيا ودول الخليج العربي الخ، ومن الطبيعي في هذه الحالة ان يكون هؤلاء ولائهم لقوانين ودساتيرتلك الدولة التي ينتمون اليها، حقوقهم وواجياتهم تخضع لقانون المواطنة المكرسة في دساتير تلك البلدان. بكلمة اخرى انهم مواطنو امريكا او كندا اوبريطانيا او فرنسا او السويد الخ ولكنهم منتدبون للعمل في العراق بمنصب رئيس جمهورية ورئيس وزراء ووزراء وحكام وقادة عليا للتشكيلات العسكرية والامنية والاستخباراتية والمخابراتية ومدراء البنك المركزي. ولو تطلب الامر يوما ما الى انهاء وظيفتهم او منصبهم في العراق فانهم يلتحقون بعوائلهم في " الوطن الام"، امريكا او كندا او بريطانيا على سبيل المثال، شانهم في ذلك شان اي سفيردبلوماسي منتدب للعمل في دولة اجنبية. ولهذا فقد العراق سيادته منذ التحرير/ الاحتلال واصبح دولة عارية يديرها اجانب من اصول عراقية ينفذون اجندات اسيادهم الاجانب بعباء قومي او ديني اومذهبي، وبذلك اصبحت جميع مفاصل العراق الحيوية العسكرية والمخابراتية والحكومية بقبضة المحتل منذ " التحرير" الى يومنا هذا

لا توجد دولة في العالم اعضاء الحكومة فيها ينتمون الى عدة دول اجنبية في آن واحد ويحملون جنسيات تلك الدول مثلما هو الحال في العراق، ففي منظومة الاستعما، القديم منها او الحديث، نجد ان الجهاز الحكومي للدولة تابعة للدولة المستعمرة فقط، كما هو حال المستعمرات الفرنسية في افريقيا والبريطانية في قبرص مثلا او العراق في زمن النظام الملكي. اما في العراق، فان غالبية المفاصل الحكومية الحساسة فيها كان ولا يزال يتحكم بها فريق من حملة الجنسيات الاجنبية المختلفة بدء من رؤساء الجمهورية ونوابهم ورؤساء الوزراء ورؤساء البرلمان والوزراء والنواب والسفراء والمراتب العسكرية العليا والاجهزة الامنية والمخابرات والاستخبارات ووسائل الاعلام. ومن لم يحمل بعد جنسية دولة اجنبية فهو مناصروخادم امين لسيده المباشروربما لسيدته الاجنبية

ان هذه التشكيلة الحكومية المتعددة الجنسيات المحاصصاتية والمتناحرة في ستراتيجياتها والتي تضم 200 مجموعة سياسية تتمحور واجباتهم جميعا في تنفيذ اجندات المحتل في القضاء على الدولة العراقية وتحويلها الى دولة اللادولة مقابل حفنة من الدولارات. لقد نجح الاحتلال في تحقيق خطته في هذا المجال حيث انتقلت الصلاحيات الادارية للدولة العراقية الى يد عصابات مسلحة تنتمي لاحزاب دينية شيعية و سنية بل وحتى ازيدية و مسيحية ، اما السيادة فقد استلمتها العشائر والقبائل كل في منطقة تواجدها. و بالنتيجة انتهت وجود وفاعلية الدولة وباشرت عصابات الجريمة المنظمة في ممارسة الاغتيالات والاختطاف وسرقة اموال وممتلكات الدولة وسرقة سلاح وعتاد الجيش العراقي وتهريب قادة الارهاب من السجون دون اي رادع. وكل فريق تحصن بعبائة الاحزاب القومية والدينية والمذهبية والعشائر. وما الصراعات حول منصب رئاسة البرلمان ورئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية والنواب والوزراء الا صراع بيوتات مافيا والتي تصل غالبا الى حد الاغتيالات دون محاسبة القائمين بتنفيذ الاغتيالات او سرقات بمليارات الدولارات . كل هذا يجرى امام اعين الناس وفي وضح النهار وتتناوله جميع وسائل الاعلام منذ ما يقرب من 20 عاما والسبب يكمن في ان المافيات لم تكتفي في اختراق اجهزة الدولة وانما اصبحت هي التي تحكم العراق بالمعنى التام للكلمة، بطبيعة الحال يبقى الحبل دائما بيد العم سام يطيله او يقصره متى ما استوجب الامر
من هذا العرض المقتضب لمسيرة 20 عاما نجد ان انتهاك سيادة العراق لم يجرى بقصف ايران قبل ايام لاحدى المساكن في اربيل وسقوط 10 قتلى وجرحى ، لا وانما انتهاك السيادة مستمرة منذ 20 عاما على مختلف الجبهات والاصعدة من اقصى الشمال الى غور الجنوب ومن الشرق الى الغرب بدون اي رادع، ولهذا السبب تشظت السيادة العراقية وتلاشت الدولة العراقية

الاعلام والقصف الايراني الاخير على اربيل

من يتباكى على انتهاك السيادة من قبل ايران في قصفها الاخير لاربيل عليه ان يبكي على فناء الدولة العراقية منذ 20 عاما ومحاكمة الذين قاموا بالتنفيذ. منذ 20 عاما والاخوة الاشقاء من دول الجوار ما انفكوا مستمرين في انتهاك سيادتنا من
جميع الجبهات وعلى مختلف الانشطة سواء في ارسال السيارات المفخخة اوارسال الانتحاريين او القيام بتدريب و تسليح الميليشيات المتوحشة و تنفيذ عمليات تفجيرضخمة والسطو على المؤسسات العسكرية والامنية والمصرفية والبنوك ودور
العبادة من جوامع و كنائس، وكذلك زراعة وترويج المخدرات داخل العراق وتصديرها وتهريبها الى الخارج وقائمة جرائمهم طويلة. طبعا لم يكن بالامكان تحقيق هذه الجرائم الا بموافقة ومساهمة القوى المتنفذة قي العراق عربا واكرادا وتركمان سنة وشيعة والمحتل
واغرب ما في الامراستمرار قصف ايران وتركيا لمواقع مدنية وعسكرية داخل العراق مسببة سقوط قتلى و جرحى منذ 20 عاما و باعذار مختلفة والحكومات العراقية تكتفي بالتنديد والاستنكار بين فترة واخرى. عن اية سيادة نتحدث و تركيا لها العديد من القواعد العسكرية في العراق وتقصف برا و جوا من سنجار غربا الى السليمانية شرقا متى ما ارادت دون ان تتحرك المشاعر الوطنية تجاه سيادة البلد لا من الحكومات المتعاقبة ولا من الاحزاب الموالية لايران ولا من ابواقهم الاعلامية، والتيار الصدري خارج المعادلة حاليا لانه لم يستيقظ بعد من سباته السياسي، اما الاحزاب السنية فانهم منشغلين بصراعاتهم الداخلية حول اختطاف كعكة رئاسة البرلمان. وهنا لا بد من التذكير بالكاتيوشات التي كانت تطلقها على المنطقة الخضراء عناصرمجهولة الهوية، و ابغضها قصف القصر الرئاسي في المنطقة الخضراء اثناء المؤتمر الصحفي المشترك للمالكي مع السكرتير العام للامم المتحدة بان كي مون، وكالعادة لم تذرف دمعة على انتهاك السيادة العراقية. ان قيام امريكا وقوات التحالف من اطلاق الصواريخ على افراد او مواقع مسلحين داخل العراق هو ايضا انتهاك صارخ لسيادة العراق باعتبارمهمة تواجدهم العسكري في العراق هي للاستشارة والتدريب فقط
لماذا اذن قامت الدنيا هذه المرة ولم تقعد عند قصف اربيل من قبل ايران مباشرة . السوداني اعلن عن امتعاضه الشديد من مؤتمر دافوس ، وزير الخارجية الكوردي فؤاد حسين لوح من دافوس بتقديم شكوى الى الامم المتحدة التي سارعت هي بدورها هذه المرة في ادانة عملية قصف اربيل، بل وحتى بابا الفاتيكان تدخل بشكل عاجل على الخط وانتقد العملية، في الوقت الذي التزم بابا بينيدكس جانب الصمت قرابة مائة يوم رغم سقوط اكثر من 20 الف ضحية و 50 الف جريح في غزة. اما سكوت ذيول ايران عن القصف هو دليل على الرضى والارتياح. ان انتهاك سيادة العراق في القاموس الوطني للمالكي مثلا هي عملية عزف نشيد موطني على الكمان من قبل فتاة امام جمهورغفير في ملعب الشعب، اما احزاب السنة فسكوتهم ناجم عن انشغالهم العميق بكعكة رئاسة البرلمان. اختم هذه الفقرة وانا مستغرب من الصمت المطلق للمرجعيات الدينية الشيعية وعلى راسهم السيستاني (ان كان لا يزال قادرا على الحديث او الكتابة) متسائلا، هل الرابطة المذهبية مع ملالي ايران هي اسمى من سيادة العراق و دماء الشعب رالعراقي


حيثيات القصف الاخير لمبنى سكني في اربيل

هل المبنى الذي كان هدفا للقصف هو مقر الموساد. المعروف عن مقرات المخابرات الدولية العتيدة والمشهورة في العالم ومنها الموساد لا يعلم بها احيانا حتى بعض العاملين بها ، وان عدد العاملين في المقر رجالا و نساء يكون كبيرا ويضم ضباط امن و مخابرات ومسؤلين كبار في الحكومة ومهندسين خبراء كفؤين في نقل المعلومات بشفرات خاصة الى المركز، وكذلك عدد من الصحفيين المعتمدين من وزارة الداخلية الى جانب فريق من الحماية باسلحة مخفية واجهزة الكترونية دقيقة مخفية لمراقبة الصوت والصورة، وكذلك عدد كبير من اجهزة الكومبيوترووسائل اتصالات معقدة تخصصية. كل هذه الحقائق يجري تغطيتها تحت لافتة شركة استيراد وتصديراو مركزاستشاري للمقاولات العامة او معرض لبيع اخر الابتكارات في مجال الروبوتات وما الى ذلك. ان المبنى الذي قصفته ايران هو بعيد كل البعد عن هذه المواصفات ، فالمسكن هو مقر الاقامة الدائمة لعائلة الفقيد الثري مع الخدم . وما التبريرات الايرانية الهزيلة بانعقاد اجتماع فهي مدعاة للسخرية، اي اجتماع لقادة موساد هذا يعقد بين صديقين احدهما قدم الى اربيل من بغداد وهو مقيم دائم في بريطانيا، ثم كيف عرفت ايران بتاريخ وموعد الاجتماع ، هل تريد بعث رسالة بان المخابرات الاسرائيلية مخترقة من قبلها
هل الضحيتين هما من عناصر الموساد. من السذاجة ان يقوم اي شخص او اية جهة على نفي او اقرارهذا التوصيف الايراني للضحيتين ببساطة، لان العاملين في المخابرات في العالم المتحضر هم مجهولي الهوية حتى امام زوجاتهم، و بعكسه يفقدون مناصبهم. هل تعلم ايران عدد واسماء ومواقع نشاط رجال ونساء الموساد المتواجدين على اراضيها او في العراق او في سوريا او لبنان او بقية الدول العربية
لماذا جاء رد فعل الحكومة العراقية هذه المرة سريعا و ميدانيا. القصف الايراني على الاراضي العراقية ليست وليدة قصف المبنى السكني لعائلة الفقيد بشرو دزيي وانما هو امتداد لسياسة الاعتداء على العراق و انتهاك للسيادة العراقية على امتداد عقدين من الزمن. منذ ايام الراحل جلال الطالباني عندما كان رئيسا للجمهورية كانت السليمانية دائما تحت القصف الايراني، وكانت الحجة انذاك مطاردة مجاهدي الخلق . قبل بضعة اسابيع وقعت السليمانية تحت قصف تركي بالطائرات بحجة قصف مقرات ال ب ك ك . الاسابيع الاخيرة كثفت ايران و معها الميليشيات الموالية لها من هجماتها بالصواريخ والمسيرات مستهدفة مطاراربيل والقنصلية الامريكية في اربيل والقواعد العسكرية لامريكا وقوات التحالف في العراق
الا ان القصف الايراني الاخير لاربيل والذي ادى الى مقتل ثري كبير مستثمرفي مقاولات البناء والعقارات جاء هذه المرة كصاعقة نسفت صبرحكومة اربيل ونسفت صبر وزير الخارجية الكوردي فؤاد حسين وصبر السوداني والاسدي من جهة وصبرالادارة
الامريكية من جهة اخرى. نعم المرحوم بشرو دزيي كان شخصية معروفة ومحترمة ومحبوبة وذو شهرة واسعة في اربيل، ونشاطه العمراني ترك بصماته العميقة افقيا وعموديا على البناء العصري الحديث لمدينة اربيل. من الطبيعي ان تكون شخصية اي فرد بمنزلة بشرو دزيي الاجتماعية والعمرانية والمالية موضع احترام وتقدير متميزمن قبل قادة الحكومة المحلية في اربيل، حيث حضر رئيس الاقليم شخصيا مراسيم دفن بشرو دزيي وقد اعلن 3 ايام حداد، وحضر رئيس الحكومة نيجرفان برزاني مراسيم العزاء.
رغم الخصائل الحميدة للفقيد هناك سؤال يفرض نفسه الا وهو السؤال، هل ان الثراء وطيبة الخلق وحده هو الذي استقطب الاهتمام الاستثنائي لقيادات حكومة اربيل و بغداد بالحدث الاليم و دفع بمستشار الامن القومي الاسدي (القريب من ايران) بترك مهامه في بغداد والانتقال فورا الى اربيل الى موقع القصف للاطلاع ميدانيا على الدمار الذي سببه القصف وكذلك قيامه بزيارة زوجة وابن الفقيد في المستشفى . عدنان الاسدي نفى بالصوت والصورة امام عدسة الكاميرات وجود اي شىئ يدل على ان المبنى هو مقر للموساد مؤكدا عدة مرات من ان المجمع ما هو الا مبنى سكني لعائلة الفقيد بشرو دزيي, ربما مهمته وراء الزيارة كانت الادلاء بتصريح ينفي تواجد الاسرائيليين في اربيل

الجامعة العربية بدورها ادانة العملية واستنكرتها بسرعة في سابقة يلفت الانتباه، وكذا الحال استنكار وتنديد بابا الفاتيكان بينيدكس السريع والغير المالؤف قد اثارا الشكوك حول دوافع رد الفعل السريع والاهتمام المبالغ بمقتل رجل اعمال كوردي في اربيل من قبل صواريخ انطلقت من ايران، في حين العشرات من القتلى العراقيين سقطوا في الاشهر الاخيرة نتيجة القصف الايراني او التركي او الامريكي في مناطق مختلفة من العراق بما فيها العاصمة بغداد ولم نسمع اي مواساة منه او من الآخرين

الاطار التنسيقي بشقيه السني والشيعي التزم جانب الصمت وكان القصف استهدف جزيرة في المحيط الهادئ وليس ارض الجغرافيا السياسية لحليفهم في ائتلاف ادارة الدولة . واخيرا يستغرب المرء من تجاهل الطالبانيين للقصف ، يا ترى هل السليمانية اقرب الى ايران من اربيل سياسيا، وهل الموقف الوطني والقومي الصادق يتطلب الصمت

الخلاصة
يبدو ان بشرو دزيي كانت له علاقات تجارية و اقتصادية ضخمة مع اسرائيل منها تسويق نفط وغازالاقليم الى تل ابيب عبر تركيا الى جانب علاقات و روابط مالية و مصرفية مع مؤسسات مالية اسرائيلية ضخمة ضمن كارتل جبار، وربما كان هوامبراطورهذا الكارتل في اربيل ونشاطه كان يشمل كامل الرقعة الجغرافية للعراق
بغض النظرعن كل التحليلات المتباينة والاراء المختلفة التي تمس شخصية الفقيدين ضحايا القصف الايراني الاخير لاربيل، علينا التاكيد دائما وابدا من ان سيادة العراق خط احمر إذ لا يحق لاي طرف سياسي قومي او لاي طرف سياسي ديني اولاي طرف من قوات التحالف الدولي او لاية حكومة ان تبرر انتهاك السيادة العراقية سواء من الجانب الايراني او التركي او الامريكي او اي طرف اخرمهما كانت الاسباب والدوافع. على حكومة السوداني العمل بجد في استعادة السيادة المغتصبة والتوجه نحو ترسيخ اسس بناء الدولة العراقية العصرية ، وعليه ان يحاكم كل من تسول نفسه الابتهاج ومباركة انتهاك السيادة الوطنية شرقية كانت ام شمالية

النمسا
25.01.2024








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صحن طائر أو بالون عادي.. ما هي حقيقة الجسم الغريب فوق نيويور


.. دولة الإمارات تنقل الدفعة الـ 17 من مصابي الحرب في غزة للعلا




.. مستشار الأمن القومي: هناك جهود قطرية مصرية جارية لمحاولة الت


.. كيف استطاع طبيب مغربي الدخول إلى غزة؟ وهل وجد أسلحة في المست




.. جامعة كولومبيا الأمريكية تؤجل فض الاعتصام الطلابي المؤيد لفل