الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين محكمة العدل الدولية ، والمحكمة الجنائية الدولية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2024 / 1 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


ما ان أعلنت " محكمة العدل الدولية " ، قرارها في الشكاية التي رفعتها دولة جنوب افريقيا ، حتى خرج المهتمون العرب على اختلاف درجاتهم ، يصفقون ، ويصيحون بأعلى صوتهم الخافت المجروح والمبحوح ، زاعمين الانتصار لأول مرة على دولة إسرائيل التي تعرف كيف تتحرك ، وكيف تتعامل مع كل الخطوات العربية ، بما لا يلحق الأذى بالمصالح الإسرائيلية ، وبالدولة الإسرائيلية اليهودية .
إسرائيل ، وبمجرد اعلان المحكمة عن قرارها ، وامام التطبيل والتزمير العربي ، وهنا نخص " النخبة " التي تشتغل بالشأن العام ، سارعت الى ابداء ( غضبها ) ، معتبرة القرار اجحافا في حقها ، وتحيزا لرافعي الدعوى ، جنوب افريقيا ، ومعها الجزائر ، و( قيادات ) منظمة ( التحرير الفلسطينية ) ، وبعض المُهرجين كعبدالباري عطوان المعروف بكذبه . ان ابداء إسرائيل غضبها من حكم محكمة العدل الدولية ، هو كياسة في السياسة الكبيرة لتل ابيب ، ومن وراءها واشنطن ، وكل الدول الغربية من دون استثناء ، التي تعاملت مع الأوضاع بعد السابع من أكتوبر ببراغماتية . وبعد ان أصدرت المحكمة قرارها ، ولترتاح الجزائر ، وجنوب افريقيا ، وقيادة ( منظمة التحرير الفلسطينية ) ، حيث قادتها من محمود عباس ، وحسين الشيخ ، والبقية على الجرار ، يتعاونون مع البوليس السياسي الإسرائيلي ، في شقه " الموساد " في الدول الأوروبية وبأمريكا ، او في شقه الداخلي مع " الشاباك " ، ومع الجيش الإسرائيلي عندما تقضي الضرورة بذلك . فلولا إسرائيل لكانت السلطة في خبر كان ، ولكانت الساحة الفلسطينية تسيطر عليها منظمات " الإسلام السياسي " كحماس ، والجهاد ، وفتح المجلس الثوري .. الخ ..
اذن . ان غضبة إسرائيل من حكم محكمة العدل الدولية ، وهو غضب مصنوع ، اظهر إسرائيل كدولة عدل وعدالة ، وزاد على ذلك بكثير، عندما تمكنت دعوى جنوب افريقيا ، من الارتقاء بالدولة الإسرائيلية وبكل مؤسساتها ، الى دولة الحق والقانون ، كما يفرض ذلك القانون الدولي ، ويفرضه الانتساب الى الأمم المتحدة ، والى المؤسسات المنبثقة عنها ..
ان إسرائيل في القضايا الاستراتيجية ، كالذود والدفاع عن دولة إسرائيل الديمقراطية ، في رقعة تملئها الأنظمة الدكتاتورية ، كان بالعمل المتقون ، حين أعربت الدولة العبرية عن غضبها من حكم محكمة العدل الدولية ، واعتبرته مجحفا في حقها . ولأكاد اجزم ، ان طرق دولة جنوب افريقيا أبواب محكمة العدل الدولية ، كان ورائه جهة ، هي من حركت جنوب افريقيا ، لرفع دعوى في حق إسرائيل ، بدعوى الإبادة الجماعية ، ولم تكن الفكرة بطرق أبواب محكمة العل الدولية ، فكرة محض جنوب افريقيا . لكن ما اثار الاستغراب ، انّ تدعم الجزائر التي تدعم المبادرة الجنوب افريقية ، رغم انها تجهل نهايتها ، التي ستخدم دولة إسرائيل بدعاية بعيدة كل البعد عن الدمار الذي أصاب غزة . ولنا ان نتساءل . هل من فرق بين همجية حماس في حق الإسرائيليين الذين اختطفتهم ، وهمجية إسرائيل في القطاع بعد الضربة الحمساوية التي عادت بالنفع على الدولة اليهودية ، عند تحسين صورتها عبر العالم ، كدولة عدالة ، ودولة ديمقراطية ، ودولة حقوق الانسان ..
والسؤال . هل كان لإسرائيل ومعها واشنطن ، والغرب وعلى رأسه فرنسا ، ان يلزموا الصمت والسكوت ، لو ان جنوب افريقيا رفعت دعوتها امام المحكمة الجنائية الدولية ، التي قراراتها وبخلاف قرارات محكمة العدل الدولية ، المسؤول عن تنزيلها مجلس الامن ، ولو باستعمال الفصل السابع من الميثاق الاممي ، اذا رفضت الجهة التي صدر في حقها حكم المحكمة الجنائية الدولية تنفيذه ؟
ان موضوع الدعوى التي رفعتها دولة جنوب افريقيا ، تتعلق بتهمة " الإبادة الجماعية " ، مثل إبادة اليهود من طرف النازية ابّان الحرب الكونية الثانية . فخطورة الدعوى تقتضي طرق باب محكمة الاختصاص لتنزيل العقوبة التي نزلت على ضباط النازية الألمانية . والمحكمة الجنائية ، ومثل محكمة Nuremberg تبقى صاحبة الاختصاص المكاني ، لعقد جلساتها من دون التقيد بمكان وجودها كهولندا ..
اذن . هل كان بالإمكان ان تنعقد المحكمة الجنائية الدولية ، للنظر في دعوى ضد الدولة الإسرائيلية التي كان اليهود ضحيتها اثناء الحرب العالمية الثانية ؟
لا يمكن لأيّ دولة ، وكيفما كانت قوتها ، ان تحاكم الدولة اليهودية امام المحكمة الجنائية الدولية ، بتهمة " الإبادة الجماعية " ، لان المحكمة المختصة وحدها بالنظر في مثل هذه الدعوى الخطيرة ، تبقى هي المحكمة الجنائية الدولية ، وليس محكمة العدل الدولية .
فاختصاص المحكمة ، تحدده طبيعة ودرجة التهمة الموجهة الى دولة ما . وبما ان المحكمة الجنائية الدولية ، حين تصدر احكامها ، يتوجب ان تدخل تلك الاحكام حالا حيز التنفيذ .. وبما ان احكام وقرارات المحكمة الجنائية الدولية ، تتصف بطابع الجبر ، والقوة القاهرة ، حيث يصبح مجلس الامن وحده المختص في اختيار طريق التعامل مع نص الحكم او القرار ، فان مجلس الامن هنا ، سيتصرف طبقا للمادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة ، أي استعمال القوة على درجات ، حتى ينصاع الطرف الذي صدر قرار ، او حكم المحكمة الجنائية الدولية ضده . وطبعا يمكن تنزيل حكم او قرار المحكمة سلميا ، اذا شرع الطرف الذي صدر الحكم او القرار ، في تنفيذه ..
فالأحكام هذه ، تتسم بالجبرية ، وبالضبط ، وباستعمال القوة المفرطة ، اذا لزم الامر ذلك .. والسلطة التي ستهِب الهيْبة لقرارات المحكمة الجنائية الدولية ، تبقى وحدها ، مجلس الامن ..
فأمام هذه الحقيقة . هل كان لإسرائيل ، وحلفاءها ، واشنطن ، باريس ، مدريد ، المانيا .... ، ان يسمحوا لجنوب افريقيا او لغيرها ، برفع دعوى جنائية ، امام المحكمة الجنائية الدولية ، ليصبح مستقبل الدولة العبرية معرضا لأخطار ، قد يكون مصدرها مجلس الامن كسلطة تنفيذية ؟
ان محكمة الاختصاص للنظر في الدعوى الجنائية ، التي عنوانها " الإبادة الجماعية " ، تبقى وحدها المحكمة الجنائية الدولية ، وليس محكمة العدل الدولية التي تصدر قرارات واحكام مجرد استشارية ، أي احكام وقرارات لها طابع بالأخلاق ، وبالمدنية ، دون ان تمتلك محكمة العدل الدولية السلطة والجبر والالزام ، بتنفيذ الحكم الذي سيبقى معلقا في رفوف خزانة المحكمة ، او في رفوف منظمة الأمم المتحدة ..
واذا كانت هذه هي الحقيقية ، فلماذا التزمير والتطبيل لقرار مجرد استشاري ، وليس بالقرار الضبطي ، والجبري في حق من صدر الحكم ضده ..؟
ان رفع الدعوى امام محكمة العدل الدولية ، بإسرائيل الدولة اليهودية ، دولة شعب الله المختار ، الذي يجتهد للقاء في ارض الميعاد ، الغير معروفة حدودها ، والغير معروفين جيرانها ، لم يكن يمس الدولة العبرية ، سوى في جانب الاخلاق ، وفي جانب الحياة المدنية .
اما التعويل على قرار ، او حكم محكمة العدل الدولية ، لانزال اشد عقاب بالدولة الصهيونية ، فهو تصرف إذا كان قصدا ، فهو دال على الغباوة ، غباوة أصحابه من جنوب افريقيا الى الجزائر التي لا تزال وحدها تحن الى " جبهة الصمود والتصدي " ، التي ما تصدت لاحد ، ولا صمدت نحو آخر ، وانتهت وكأنها لم تكن ابدا ..
او ان من حرك جنوب افريقيا لتحريك دعوى " الإبادة الجماعية " ، ورط جنوب افريقيا التي ناصرتها الجزائر ، بطرْق أبواب محكمة مدنية ، محكمة العدل الدولية ، في ان عنوان الدعوى الذي يناسب التهمة الموجهة " الإبادة الجماعية " ، تبقى وحدها المحكمة الجنائية الدولية . وفرق شاسع بين الاحكام التي تصدرها محكمة العدل الدولية ، وتلك التي تصدرها المحكمة الجنائية الدولية .
لكن لنذهب الى الامام في تحليل الإشكالية المستعصية ، من عدم طرق جنوب افريقيا أبواب المحكمة الجنائية الدولية ، وبخلاف محكمة العدل الدولية ، انّ أي طرف وكيفما كان ، يبقى غير مخول حق الترافع امام المحكمة الجنائية الدولية ، اذا لم يكن عضوا ومنتسبا اليها . أي انْ يكون قد وقع على قانون انشاءها . فالدول التي وقعت على قانون المحكمة الجنائية الدولية ، تبقى لها وحدها حق التقاضي امام المحكمة ، دون غيرها . فكل دولة ترفع بها دولة أخرى ، دعوى امام المحكمة الجنائية الدولية ، اذا لم تكن تنتمي للمحكمة بتوقيعها على قانون انشاءها ، تبقى المحكمة الجنائية غير مختصة في النظر فيها ، لان هذه الجهة لا تعترف بوجود او عدم وجود المحكمة ..
لكن ليست هذه الخاصية ، بالقاعدة العامة التي تبقى وحدها جائزة التطبيق . بل هنا سنجد اختصاص مجلس الامن ، يعطيه حق التقاضي ضد طرف ليس عضوا بالمحكمة . او مباركة بإصدار قرار يقضي بإحالة الدعوى على انظار المحكمة ، رغم ان طرفا النزاع ، او احدهما ، لا ينتمي ، ولا يعترف بالمحكمة الجنائية الدولي . لكن هل يستطيع مجلس الامن التصرف ، اذا كان احد الأطراف مثلا كالولايات المتحدة الامريكية ، قد ارتكب جرائم تقتضي طرق باب المحكمة الجنائية الدولية . فهل يستطيع مجلس الامن ان يصدر قرارا يحيل احد الجنود الأمريكان ، على انظار المحكمة الجنائية الدولية ؟ . وهو نفسه السؤال يطرح اليوم بعجز كل من يحاول مقاضاة إسرائيل امام المحكمة الجنائية الدولية ، والاكتفاء بطرق باب محكمة العدل الدولية ، الغير مختصة للنظر في القضايا الجنائية الكبيرة ، مثل قضية Nuremberg ، وقضية Slobodan Milosevic ، قادة بلغراد Belgrade ... الخ .
لكن رغم ان دكتاتور السودان السابق عمر البشير، ليس عضوا بالمحكمة الجنائية الدولية ، فالمحكمة وليس مجلس الامن ، شرعت في اعداد المساطر لمحاكمة عمر البشير ، لأنه ( عربي ) و ( مسلم ) ، ورئيس سابق للسودان ... وهذا دليل على ان القانون الدولي ، هو مع الكبار الأقوياء ، وليس ، بل لم يكن مع الضعفاء ..
ودائما في اطار اللعبة ، فإسرائيل قبلت التقاضي امام محكمة العدل الدولية ، لأنها مرتاحة من قرارها الذي لن يتعدى مجال الاخلاق ، أي قرار استشاري وليس بالقرار الملزم .. لكن رغم اظهار غضبها ، فالقرار خدمها كدولة ديمقراطية ، دولة عدالة ، ودولة حقوق الانسان .. لكن هل كان لإسرائيل ولكل الغرب ، ان يسمح بمحاكمة إسرائيل امام المحكمة الجنائية الدولية ؟
ان حكم وقرار محكمة العدل الدولية ، هو قرار وحكم ، مجرد استشاري وليس الزامي ، وكما قلت يرتبط بالإخلاق وبالمدنية ، ولا يتعدى هذا التأثير الذي خدم الدولة الإسرائيلية حين رحبت به ، وقبلت التقاضي على أساسه .
وهنا سأذكر بالقرار الاستشاري الذي خرجت به محكمة العدل الدولية ، في نزاع الصحراء الغربية ، وهو القرار الصادر في 16 أكتوبر 1975 . فالقرار وبعد التّحْييت ( وحيث وحيث وحيث ..) ، لم يفرض على الملك شيئا ، بل ظل قرارا استشاريا ، غير متوفر على سلطة الضبط ، والقمع ، والضبط .. ورغم مرور تسعة وأربعين سنة من صدوره ( 49 ) ، لا يزال القرار جامدا في مكاتب La Minurso ، وبالأمم المتحدة .. بل ان الحسن الثاني لم يبالي لا بالقرار ، ولا للداعين لتطبيقه ، وكأنه تحدى قرارات المحكمة الجنائية الدولية . بل ان الحسن وبعد صدور القرار ، تحدى العالم عندما فرض عليه سياسة الامر الواقع ، عندما نظم المسيرة ، وقسم الصحراء ، وعاد وشفع وادي الذهب بعد انسحاب موريتانية ... والى الآن لا يزال قرار المحكمة معلقا ، ويتم طرحه من الجانب الأخلاقي ، وجانب الضمير ، ومن جانب المجتمع المدني .. ومثل النهاية التي انتهى اليها قرار محكمة العدل الدولية ، فنفس النهاية تنتظر الحكم الذي خرجت به محكمة العدل الدولية ..
ومرة أخرى أكاد اشك في الجهة التي تكون قد ورطت جنوب افريقيا في هذه المهزلة .. لأن نهايتها بائنة وواضحة للعلن بدون نظارات " الشّوف " .
فإذا كانت جنوب افريقيا قد تصرفت من تلقاء نفسها ، ودون معرفة نهاية القرار الذي كانت ستصدره المحكمة ، فالسؤال . هل جنوب افريقيا تفتقر الى القانونيين الذين كان عليهم معرفة هذه الحقيقية بدل جهلها ، اوانّ كانت جهة ما هي من دفعت جنوب افريقيا في مغامرة الدعوى المرفوعة ضد إسرائيل . فهنا احتمالين : 1 ) الاحتمال الأول الذي أراد اكل التوم بفم جنوب افريقيا ، فتخفى وراءها بدفعها لرفع الدعوى ، وحتى لا تعرف تل ابيب لترد له الصاعين بألف صاع وليس بصاعين .. او ان تلك الجهة كانت تبحث عن مخرج لإسرائيل ، تقبل فيه التقاضي امام محكمة العدل الدولية ، وفي نفس الوقت ستتجنب أي قرار قد يصدر بحقها ، كقرارات المحكمة الجنائية الدولية ، ذات الطابع الضبطي ، ، والجبري ، والتنفيذي .. لان القرار الاستشاري يبقى كذلك دون ان يرتقي الى القرار الالزامي ..
لقد انتصرت إسرائيل في حرب غزة ، لان جيشها بقلب غزة ، وانتصرت عندما عرّت على الوجه الداعيشي لحماس وللجهاد ، وأصبح وضعهما اكثر من صعب ، والحرب لن تتوقف الا بالقضاء النهائي على الإسلام السياسي .. وتكون حماس الاخوانية قد خدمت إسرائيل بحماقاتها التي لم تكن محسوبة بدقة ، وتكون خرجة السابع من أكتوبر 2023 ، قد اعطى لإسرائيل كل ما كانت تبحث عنه .. فمن المسؤول عن آلاف الضحايا من المدنيين الذين سقطوا صرعى ، دون ان يتسببوا في ما قامت به حماس الاخوانية ، والجهاد القرآنية ؟
ملاحظة : هل حقا ان قرار محكمة العدل الدولية ، شكل انتصارا تاريخيا على دولة إسرائيل اليهودية ؟ .
وهل التزمير والتطبيل العربي القومجي للقرار الذي خرجت به محكمة العدل الدولية ، يستحق التطبيل والتزمير ، كما ذهب اليه عبد الباري عطوان ؟
وهنا أساس السؤال لمعرفة حقيقة الواقع : هل يعد انتصارا ،القرار الذي خرجت به محكمة العدل الدولية : " محكمة العدل الدولية تطالب إسرائيل ب " منع الإبادة الجماعية في غزة " ، و " ترفض طلب وقف اطلاق النار الفوري " .. اذا كان هذا هو الانتصار ، فهو انتصار عبد الباري عطوان ، ونعم الانتصار ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فخر المطعم اليوناني.. هذه أسرار لفة الجيرو ! | يوروماكس


.. السليمانية.. قتلى ومصابين في الهجوم على حقل كورمور الغازي




.. طالب يؤدي الصلاة مكبل اليدين في كاليفورنيا


.. غارات إسرائيلية شمال وشرق مخيم النصيرات




.. نائب بالكونغرس ينضم للحراك الطلابي المؤيد لغزة