الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قلم اللاجئ في مواجهة العنصرية

حسين أحمد

2024 / 1 / 29
الادب والفن


صدر لمختار الشعراء خلف علي الخلف ( لنكتب عن السويد) عن دار جدار للنشر. و قد صُنف الكتاب كيوميات شعرية.

لست بشاعر و لا بناقد شعري، و لا أفهم في الشعر الحديث و لست خبيراً في تصنيف الفنون الأدبية، و لا تستهويني القوالب و التعريفات الجامدة حيناً و المطاطة أحياناً أخرى للفنون الأدبية. لذلك فأنا حر من أي قوالب عندما أكتب، و لا يهمني تصنيف الكتاب أدبياً عندما أقرأ.
ما دفعني لقراءة الكتاب حتى الصفحة الأخيرة؛ هو أسلوب الكاتب الذي يتفرد به، في رصف الجمل، و سكب الكلمات فيها، فتشعر بخرير الكلمات كموسيقى تصويرية ترافقك و أنت تقرأ. فلا تجد تكلفاً و لا عصراً للمخزون الثقافي للكاتب، بل ترجمة صادقة لتجربة الكاتب، و ما اعتلج في صدره لسنوات.

إذا كانت بعض النصوص تداعب المشاعر، فإن ( لنكتب عن السويد) تلكم و تطرق و تعجن مشاعر كل من عانى في لجوئه من العنصرية. لكن ليس كل من يعاني و عانى من العنصرية قادر على سرد معاناته، فالكتاب يتحدث عنا و لو بنسب متفاوتة.

الكتاب زاخر بالصور التعبيرية الجميلة رغم بشاعة العنصرية موضوع الكتاب، و هنا يتضح لك علو كعب الكاتب عندما تراه يأتي أيضاً بتراكيب تبعث على الضحك رغم جدية الموضوع و مأساويته.

قد جاء الكاتب من "بلد يعبد طغاتها الصمت، حتى أن صوت الضحية و هي تتألم تكدر نوم أطفالهم. لذلك فهم يكتمون أي صوت".
عند خروجك من السجن للمنفى الذي يصفه بالعدم الواسع فأنت تتحول إلى "جثة متروكة، فلا تعود بحاجة شيء سوى القليل من التعاطف و لو بحفرة قبر. فتلك الجثث المتروكة لا تريد سوى أيادٍ تلمسها فقط".

رغم سيئات المنفى و السوداوية التي ينظر إليها بفعل تجربته الشخصية، تسمع نجواه: "أناس كثر غرقوا بينما كانوا يتخيلون الوصول إلى الجنة التي أنت فيها الآن، و تسميها منفى"؟!
لكنه يستدرك كالمتسائل بعد عدة صفحات عن فائدة الوصول إلى البر الأوربي كلاجىء " دون جروح جسدية بليغة خلفتها الحروب، نجى من الغرق في البحر فيطارده السويدي الأبيض ليغرقه في اليابسة! ".
فيعتزل مجتمعه الجديد و يآثر السير وحيداً في المقبرة لأنها " المكان الوحيد في السويد الذي لا يعاملني سكانه بعنصرية".
ثم يطالب منظمة الصحة العالمية بإدراج رهاب اللغة السويدية ضمن أمراض الرهاب المعترف بها؛ لأنه يعاني من أعراض الرهاب عندما يحدثه أحدهم باللغة السويدية، لدرجة شعوره بأن المتحدث سيأكله أو سيعضه حال انتهائه من جملته الأولى.
يدفعه هذا إلى الحنين ل"تلك البلاد الفقيرة و الخربة و المدمرة التي يحكمها الطغاة". و يتخيل نفسه " جرّة ربابة أو ضربة عود أو نقرة دف أو على الأقل صدى جرس في كنيسة مهجورة لم يعد يؤمها المصلون". لكن السويدي "لا يصدق رغبتك في العودة تاركاً هذي البلاد الديموقراطية الجميلة التي تزدهر فيها العنصرية الملونة كحقول التوليب دون سماد عضوي".
جذب انتباه الكاتب أو استبق تساؤلنا: ألم تجداً شيئاً جميلاً في السويد؟! فيقول بلى:
"في السويد يبدو كل شيء جميلاً
كأنه رسم بدقة عبر برنامج الفوتوشوب
الطبيعة، الأشجار، الشوارع، البيوت، النساء، العواطف، الابتسامات، العنصرية أيضاً".
و يرى بأن " السويد جنة للأطفال
الأطفال فيها مهذبون و نظيفون
يبتسمون دائماً للغرباء
لكنهم للأسف عندما يكبرون
يصبحون سويديين".
فالجمال في السويد يغلف القبح و الجيد يواري السيء خلفه ف"السويدي شخص لطيف جداً
يبتسم في وجهك دائماً
حتى و هو يطعنك في ظهرك
لا يتخلى عن ابتسامته".
و يصف بدقة و جمال مواكب البط، و كيف تقوم الشرطة بإيقاف حركة السير لتأمن عبورها، لكن يتم استخدام كل ذلك من قبل السلطات عبر تسخير الإعلام للتغطية على أمور أهم و لجذب الرأي العام. لدرجة أن "هناك شيوعيون سابقون ممن حلموا بعالم يتساوى فيه البشر مع البط و الجرذان يلامس هذا المشهد أحلامهم المتبخرة فيقومون بتوزيعه بدلاً عن السلطات السويدية كدليل على صحة أفكار لينين".
هذا لأن المناهج الدراسية و شعارات الحزب الحاكم تنتج للشعب عواطف و مشاعر إنسانية معلبة، فيحتاجون للمآسي و الكوارث عند اقتراب انتهاء مدة صلاحيتها، لذلك فهم "بحاجة تلك البلاد المنكوبة و ضحاياها
فهي تشكل مصلحة أو مصحة نفسية حقيقية لهم
فأكثر ما يمكن أن يعطيه السويدي للمنكوبين بسخاء
هو العواطف المعلبة
التي شارفت صلاحيتها على النهاية
بدل أن يرميها في النفايات".
لهذا تركوا الاهتمام بالبط و انتقلوا للخطابة في قضية اللاجئين، و بعد مللهم من مسرحية اللاجئين و تصاعد موجة الكراهية ضدهم، يطرح الكاتب بسخرية سبب هذه الكراهية:
"صعد الخطيب الذي رحب باللاجئين من قبل، قال و هو يغالب دموعه:
يا شعبنا العظيم
أيها الشعب المحب للآخرين و السلام
اكتشفنا أن هولاء اللاجئين
يأكلون البط"!
يصور الكاتب ردة فعل المخاطبين بطريقة درامية، و كيف بدأت السلطات تلقي اللوم في كل شيء على آكلي البط، من ارتفاع نسبة البطالة إلى ارتفاع نسبة الكوليسترول في أبدان الرشيقات. حتى وصل الحال إلى أن يتدخل حزب معارض للاجئين و يطالب الحكومة بالحديث و إلقاء اللوم على اللاجئين لساعة واحدة في اليوم عوض أربع و عشرين ساعة!

ما يثير حفيظته و سخريته أيضاً أن السلطات ترى نفسها أعلم بمصلحته و تتعامل كأب شرقي، و عليك الإذعان كطفل يرى بأن أباه لن يفعل ما يضر به، و يستشهد بمكتب العمل عبر عدة أمثلة منها فيما لو كنت "طبيباً سيقترح عليك أن تعمل كسائق قطار! قد لا يبدو لك ذلك منطقياً؛ لأنك قادم من بلاد لا تعرف التفكير خارج الصندوق، و لأنك ملوث بأفكار منطقية بالية تتبول في سراويلها؛ فهذه المهنة تتيح لك تأمل الطريق كل يوم و مشاهدة الأشجار الخضراء و كيف تتقافز الغزلان من بعيد، مما يجعلك تفكر باختراع دواء لمرض ما في أحلامك التي لن تنقطع".
ثم يتحدث و يورد الحجج على لسان السلطات ربما، عن تركيبة و عقلية العائلة اللاجئة، و يتساءل "هل تتخيلون أن طفلاً غضاً يعيش في بلد ديمقراطي نتركه ليأكل الپاچة"؟!
لهذا فهي "تنتزع الأطفال من أسرهم التي ترهبهم بأن الذئب سيأكلهم إن لم يطيعوا أمهاتهم، ماذا يضير هذه الأسر أن تربي أطفالهم أسر سويدية بيضاء تتقن الإيجابية!"؟
و لافتقار السويدية للمجاز في اللغة فإن قول الأم لابنها: "يا الله يا حلاتك، تعال آكلك" قد تكفي ليتدخل السوسيال و ينتزع الطفل منها؛ لأنهم "لا يعرفون المبالغة في التعبير عن حبهم لأطفالهم، كما أن هناك تاريخ طويل من الاتهامات الإنكليزية للفايكنغ بأنهم يأكلون لحوم الأطفال".
هذا الاهتمام الكبير بالأطفال و كأن السلطات مسخرة لهم يدفعه إلى القول: " يا لسوء حظ أطفال الشرق، لو عاشوا في السويد لتمت مصادرتهم جميعاً من أمهاتهم، و أعطوا لأسر بيضاء كي يتربى وحيداً دون إزعاج من بقية أخوته الكثر الذين يسلبونه ألعابه دائماً. و لناموا في أسرّة وثيرة من إيكيا، بدلاً من فراش العيلة الذي كانوا ينامون فيه جميعاً ".

رفض المجتمع الجديد للاجئ يدفع الكاتب إلى السخرية من مفهوم الاندماج و من الذين يدّعون الاندماج أو يعملون عليه دون تفكير، فيصور مندمجاً عادياً "لم يعد يشطف مؤخرته بعد دخول المرحاض....... و يعلق حلقاً في خصيتيه......... من أجل التماهي الفاعل مع ألوان النشيد الوطني الأبيض".
ثم ينتقل إلى مندمج متطرف يؤمن بأن عدم التشطف " يؤدي لتزايد البكتيريا حول فتحتها التي تتفاعل بينياً و ترفع معدلات الذكاء! ".
يبدو أن اندماج الكاتب مع مجتمعه الجديد أو تقبلهما لبعضهما يبوء بالفشل فيقرر أن يتركها "لقد جئت إلى السويد علمانياً ليبرالياً، و بعد قليل سأخرج منها نحو الشرق، علمانياً ليبرالياً؛ متقززاً من الليبرالية السويدية؛ و الشعارات التي يرفعون راياتها على شكل قيم لإخفاء سيوف العنصرية تحتها، تلك التي نحرت أيامي. "
سيغادر السويد واصفاً حبه لها بأنه حب "يمشي على ساق واحدة، لشدة حبي لها لا أريد أن أموت فيها، كي لا ألوث هذه البلاد النقية بجثتي".
أخيراً يختم بما يشي و يلخص معاناته بأمنية " إذا كان للمرء لعنة واحدة فقط فليرسلها بطرد بريدي هديةً لدولة السويد ".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرحة للأطفال.. مبادرة شاب فلسطيني لعمل سينما في رفح


.. دياب في ندوة اليوم السابع :دوري في فيلم السرب من أكثر الشخص




.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع