الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-أصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر8

عبدالرحيم قروي

2024 / 1 / 30
الارشيف الماركسي


أصول الفلسفة الماركسية
الجزء الأول
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
الحلقة الثامنة

2 – ميزة الجدلية الأولى
لا تنظر الجدلية، على عكس الميتافيزيقا، إلى الطبيعة على أنها عبارة عن مجموعة من الأشياء والظواهر المنفصل بعضها عن البعض بل على أنها كل موحد منسجم حيث تتصل الأشياء والظواهر اتصالاً عضويا ويرتبط كل منها بالآخر.
لهذا يرى المنهج الجدلي أنه لا يمكن تفسير أية ظاهرة طبيعية إذا نظرنا إليها على حدة خارج الظواهر المحيطة بها، لأنه يمكن تحويل أية ظاهرة في أي مجال من الطبيعة إلى شيء لا معنى له إذا ما نظرنا إليها في منأى عن الظروف المحيطة بها وفصلناها عن هذه الظروف ، كما أنه، على العكس، يمكن فهم أية ظاهرة وتفسيرها إذا نظرنا إليها من خلال علاقتها بالظواهر المحيطة التي ترتبط بها.
تدل الميزة الأولى للجدلية على طابعها العام، وتتحقق هذه الميزة بصورة شاملة في الطبيعة وفي المجتمع.

3 – في الطبيعة
تفصل الميتافيزيقا المادة الخام عن المادة الحية وعن الفكر. لأن الميتافيزيقا تعتبر أن هذه مبادىء ثلاثة منعزل كل منها عن الآخر.
ولكن هل يوجد الفكر في الذهن؟ وهل يوجد بدون الجسد؟ كما أن علم النفس (وهو علم يدرس النشاط الفكري) يستحيل إذا ما جهلنا علم وظائف الأعضاء (وهو علم وظائف الكائن الحي) كما أن هذا العلم وثيق الاتصال بالبيولوجيا (علم الحياة عامة). وكذلك تستعصي الحياة على الفهم إذا جهلنا العمليات الكيمائية كما أن الكيمياء تكتشف تركيب الجسيمات (molecules) الذري، ودراسة الذرة خاصة بالفيزياء. فإذا ما أردنا اكتشاف أصل هذه العناصر التي تدرسها الفيزياء، أفلا يؤدي بنا الأمر إلى علوم الأرض التي تظهر لنا طريقة تكوينها؟ ومن ثم ننتقل إلى النظام الشمسي (علم الفلك) الذي تكون الأرض جزءا منه؟
وهكذا نرى أنه بينما تقف الميتافيزيقا في وجه التقدم إذا بالجدلية تعتمد على العلم في وجودها. ولا شك أن هناك فروقا بين العلوم، إذ تدرس علوم الكيمياء والحياة ووظائف الأعضاء والنفس ميادين مختلفة سوف نعود إليها فيما بعد. ولكن هذه العلوم تكون، مع ذلك وحدة أساسية تعكس لنا وحدة الكون. لأن الواقع كل. هذا ما تعبر عنه الميزة الأولى للجدلية.
ولا شك أنه من المفيد توضيح التفاعل والترابط بين الأشياء بواسطة الأمثلة.
أمامنا رقاص معدني. فهل يمكننا أن ننظر إليه في منأي عن الكون المحيط به. كلا لأن هناك رجالا قاموا بصنعه (المجتمع) من معدن استخرجوه من الأرض (الطبيعة). ولنتأمل هذا الرقص جيدا. فهو في سكونه ليس مستقلاً عن الظروف المحيطة: كالثقل والحرارة والصدأ إذ يمكن لهذه الظروف أن تؤثر فيه ليس فقط في وضعه بل في طبيعته (الصدأ). ولندل قطعة من القصدير فإذا بقوة تؤثر على الرقاص وإذا به يتمدد وإذا بشكله يتغير إلى حدا ما، فيؤثر الوزن في الرقاص ويؤثر الرقاص في الوزن لأن بينهما تفاعلاً متبادلا، وأكثر من هذا أن الرقاص مكون من جسيمات ترتبط فيما بينها بتأثير قوة جاذبة فإذا ما بلغ الرقاص وزنا معينا عجز عن التمدد وانكسر فتنقطع العلاقة بين بعض الجسيمات. حتى إذا ما سخنا الرقاص تغيرت العلاقات بين الجسيمات بطريقة أخرى (التمدد). نقول إذن ان الرقاص مكون بطبيعته وتغيراته من تفاعل ملايين الجسيمات التي يتكون منها. كما أن هذا التفاعل مشروط هو نفسه بعلائق الرقاص (في مجموعه) بالوسط المحيط به. لأن الرقاص والوسط هما كل واحد، يقوم بينهما فعل متبادل. فإذا ما جهلنا هذا الفعل أصبح صدأ الرقاص وانقطاعه واقعتين لا معنى لهما. ولقد علق ستالين على ميزة الجدلية الأولى بقوله: "لهذا يرى المنهج الجدلي انه لا يمكن فهم أية ظاهرة طبيعية إذا ما نظرنا إليها على حدة. خارج الظواهر المحيطة بها ".
ومن ابلغ الأمثلة على التفاعل الرباط الذي يربط بين الكائنات الحية وبين ظروف حياتها و "بيئتها". فنرى النبتة، مثلا، تمتص الأكسجين من الهواء وتدفع بغاز الكربون وبخار الماء. وهذا التفاعل يغير كلا من النبتة والبيئة. وتستخدم النبتة الطاقة التي يمدها بها نور الشمس فتقوم، بواسطة عناصر كيمائية تمتصها من الأرض، بتركيب للمواد العضوية يسمح لها بالنمو. فهي في نموها تغير الأرض أيضا كما تغير ظروف نمو نوعها في المستقبل. وهذا يعني أن النبتة لا توجد إلا متحدة مع وسطها الذي تنمو فيه. وهذا التفاعل بينهما هو أساس كل نظرية علمية عن الكائنات الحية لأنها الشرط العام لوجودهما. إذ يعكس نمو الكائنات الحية تغير الوسط الذي تعيش فيه وهذا هو مبدأ العلم عند ميتشورين وسبب نجاحه. فلقد عرف ميتشورين، بعد أن فهم أن الحي والوسط كل لا يتجزأ، كيف يغير الأنواع بتغيير بيئتها.
كما أنه لم يكن باستطاعة عالم وظائف الأعضاء الكبير بافلوف أن يؤسس علم نشاط الأعصاب لو أنه جهل الاتحاد الوثيق بين الجسم والبيئة. ويجري هذا التفاعل بينهما في القشرة الدماغية (Cortex) ولهذا كان مجموع الجسد تحت تأثير القشرة الدماغية، كما أن هذه القشرة الدماغية تتأثر بدورها بالإثارات الماضية والحاضرة التي تصدر عن الوسط الخارجي (وعن الجسم). وهكذا تتعلق جميع الظواهر التي تحدث في الجسد (كالمرض مثلا) بنشاط الأعصاب الذي يشرف على مختلف الوظائف، والذي يتأثر بالظروف المسيطرة في البيئة الطبيعة وفي المجتمع.
ولقد كان هذا المبدأ في وحدة تفاعل الظواهر ضروريا لتقدم جميع العلوم. ويمكننا أن نعدد الأمثلة عليه ولنكتف هنا باكتشاف الضبط الجوي على يد توريشلي (1644).
فنحن إذا قلبنا أنبوبا مملوءا بالزئبق على وعاء مملوء بالزئبق أيضا، رأينا أن الزئبق لا يهبط في الأنبوب إلى ما تحت ارتفاع معين ويظل على ارتفاع أعلى من مستوى الزئبق في الوعاء.
ونحن طالما عزلنا هذه الظاهرة عن ظروفها لم نفهمها ولكن إذا لاحظنا، على العكس، أن سطح الزئبق (في الوعاء) الذي غمسنا فيه الأنبوب ليس منعزلا بل هو على اتصال بالجو، وأن هناك تفاعلا بين ما يجري في الأنبوب والظروف المحيطة تبين لنا تفسير ذلك: يظل الزئبق معلقا في الأنبوب لأن الهواء يضغط (الضغط الجوي) على صفحة الزئبق الذي يحتويه الوعاء ولذا قال توريشلي يجب أن ننظر إلى الوعاء كما لو كان في قعر محيط من الهواء
ولن نستطيع القيام باكتشافات علمية إذا ما اعتدينا على القانون الأول في الجدلية، فعزلنا الظاهرة التي ندرسها عن ظروفها المحيطة بها.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزيرة ترصد مطالب متظاهرين مؤيدين لفلسطين في العاصمة البريط


.. آلاف المتظاهرين في مدريد يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بمواص




.. اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين في تل


.. مراسلة الجزيرة: مواجهات وقعت بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهري




.. الاتحاد السوفييتي وتأسيس الدولة السعودية