الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤية للخروج من أزمة الشلل القيادي الفلسطيني

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2024 / 1 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


أو
خارطة طريق لتغيير وتجديد المؤسسة القيادية الموحدة للشعب الفلسطيني
نهاد أبو غوش
من أكثر العبارات التي تتردد، وتلخص تأثير ما جرى في عملية طوفان الأقصى على كل الأطراف المرتبطة بالصراع، وعلى المنطقة بأسرها. وربما على مجمل النظام الدولي القائم، عبارة " ما بعد السابع من أوكتوبر ليس كما قبله". وهذه العبارة تعكس بلا شك الأهمية الفائقة التي مثلتها عملية كتائب القسام في السابع من أوكتوبر والتي مثلت لطمة لا سابق ليس للجيش والأجهزة الأمنية ومعها الحكومة الإسرائيلية فحسب، بل لكل مفاهيم الهيمنة والتفوق والاستعلاء التي سعت إسرائيل لتكريسها في عقول خصومها والدول المحيطة بها ولجمهورها وصولا لزبائن صناعاتها العسكرية والتكنولوجية. طبيعي أن لكل طرف ما يقصده ويرمي إليه من هذه العبارة، فما تريده إسرائيل من حربها الشاملة وردود فعلها الانتقامية هو سحق الوطنية الفلسطينية، والقضاء على طموحات الشعب لفلسطيني في قيام دولته المستقلة ضمن حقوقه في العودة وتقرير المصير(وهذه قالها بنيامين نتنياهو حتى قبل السابع من أوكتوبر) وترجمة التفوق العسكري الإسرائيلي في الحروب إلى حلول سياسية نهائية تحسم الصراع المديد. في المقابل ثمة من الأطراف الإقليمية والدولية من تنبه إلى الخطيئة الكبرى في إهمال حل القضية الفلسطينية طيلة العقود والسنوات الماضية، وترك الأمور لمشيئة إسرائيل وحكوماتها المتعاقبة تتحكم بها وتعيد هندستها وفقا لأطماعها، ما أدى إلى انفجارها على هذا النحو المزلزل. في المحصلة تبدي إسرائيل وأطراف إقليمية ودولية عديدة اهتمامها الفائق بمرحلة ما بعد الحرب على غزة، فتطرح إسرائيل سيناريوهات متعددة وتعيد تكييفها وصياغتها بناء على معطيات الميدان وردود الفعل الدولية.
أما أبرز السيناريوهات الدولية فهو ما طرحته الإدارة الأميركية من فكرة السلطة الفلسطينية المتجددة التي ستتولى المسؤولية عن الضفة وغزة في نهاية المطاف كما ورد في مقال الرئيس جو بايدن الشهير في الواشنطن بوست. اللافت في كل ما يجري هو غياب الرؤية الفلسطينية الموحدة، وسيادة موقف انتظاري لدى القيادة الفلسطينية الرسمية، وموقف غامض ومبهم لدى قيادة المقاومة المنشغلة بالحرب، واضطراب رؤى ومواقف القوى والحراكات التي يمكن أن تشكل الطرف الثالث في هذه المعادلة.
من المعروف أن الانقسام الفلسطيني بدأ سياسيا وعمليا قبل سنوات طويلة من حزيران 2007، وارتبط ذلك بالخيارات السياسية لقيادة منظمة التحرير وبخاصة بعد مؤتمر مدريد واتفاق أوسلو. لكن الانقسام تكرس وتمأسس بعد سيطرة حركة حماس على مقاليد الأمور في قطاع غزة في العملية التي أسمتها "الحسم العسكري" وعدّتها قيادة منظمة التحرير والفصائل المنضوية في إطارها انقلابا على الشرعية. ولا شك أن الانقسام الفلسطيني الفلسطيني لقي إسنادا من أطراف إقليمية مؤثرة، وكانت إسرائيل هي أبرز داعميه والمستفيدين منه بحسب إقرار بنيامين نتنياهو الذي برر السماح بنقل حقائب الأموال من قطر لحركة حماس بالقول ان الاتقسام "يمثل مصلحة استراتيجية إسرائيلية". وليس من قبيل المبالغة القول أن أطرافا فلسطينية ( شرائح ومراكز قوى وأفراد) استفادت لاحقا من هذه الانقسام وعملت على تكريسه وإدامته وصد اي محاولة جدية لإنهائه، وفي هذا السياق تعاونت عوامل فئوية وانتهازية، وحسابات المصالح والأوهام المعلقة على إمكانية الحصول على شيء من الأميركي والإسرائيلي من خلال التمسك بخيار السلام والمفاوضات ونبذ العنف، مع عوامل أخرى معاكسة تصل إلى حد تخوين أطراف فلسطينية والرفض المطلق للتعاون معها سواء في النضال الجماهيري في الميدان أو بإظهار الاستعداد للتجاوب مع مبادرات إنهاء الانقسام. كل ذلك أدى إلى إطالة أمد الانقسام وتكريسه إلى درجة التسليم به وهو ما ترك اثره حتى على صيغ اتفاقيات المصالحة التي ظلت حبرا على ورق.
جلسات كثيرة استضافتها عدة عواصم ومدن عربية وعالمية ناقشت قضايا الخلاف والمصالحة وأعادت "اجترار" ما اتفقت عليه مرارا وتكرارا، لكن قوى الشد العكسي كانت أقوى، ومع مرور الوقت واستمرار الانقسام تضاءلت الفرص الواقعية لإنهاء الانقسام عبر الحوار والتفاهمات، إلى أن جاء الاختراق الأهم عبر تفاهمات الرجوب - العاروري (الشهيد الشيخ صالح العاروري الذي يمكن احتسب توجهاته الوطنية وتقاربه أطراف الحركة الوطنية أحد اسباب اغتياله) مع التي شقت طريقها العملي للتنفيذ من خلال مراسيم إجراء الانتخابات في مايو/ ايار 2021، لكن هذه الفرصة أجهضت تماما بقرار إلغاء الانتخابات الذي اتخذه الرئيس محمود عباس في أواخر أبريل 2021 قبل أيام من انفجار معركة سيف القدس.
ظل أمل انهاء الانقسام يداعب الوطنيين الفلسطينيين الحريصين على إنهاء هذا الفصل البغيض من التنافر الفلسطيني الداخلي الذي يبدد طاقات الشعب الفلسطيني، ويستنزفها فيما إسرائيل ماضية في مخططاتها لتصفية القضية ومعها الحقوق الوطنية الفلسطينية، ورغم تراجع الآمال بقرب إنهاء الانقسام فقد شكل اجتماع العلمين في أواخر تموز 2023 الفرصة الواقعية الأخيرة للملمة الوضع الفلسطيني، وتجميع شتاته، وحل أزماته المتفاقمة بالاتفاق على صيغة لإنهاء الانقسام واعتماد برنامج حد أدنى للعمل المشترك وتنسيق المواقف، وبخاصة أن ذلك الاجتماع انعقد في ظل هجوم إسرائيلي شامل لحسم الصراع في الضفة، في موازاة اعتداءات إسرائيلية متكررة على قطاع غزة. لكن الاجتماع انتهى إلى فشل ذريع، لم ينجح حتى في إصدار بيان ختامي أو إيجاد آلية عملية لإدارة الخلاف الفلسطيني الفلسطيني بما يمكن من مواجهة خطة "حسم الصراع" التي تبنتها حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف. أضيف فشل اجتماع العلمين إلى فشل لقاء لم الشمل في الجزائر في أوكتوبر 2022 الذي خرج ببيان ختامي عام لكن ذلك البيان خلا من اي خطوة عملية ذات شأن، وبخاصة مسألة حكومة الوحدة الوطنية التي كانت في مسودات المشاريع لكنها سحبت من التداول بسبب إصرار فريق السلطة على وضع اشتراطات على أي حكومة مقبلة من قبيل الموافقة على قرارات الشرعية الدولية، وهو نفس المنطق الذي ما زال قائما حتى الآن ( أي بعد معركة طوفان الأقصى وما يتخللها من حرب إبادة) بوضع اشتراطات تعجيزية أمام انضمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي لمنظمة التحرير.
عصفت معركة طوفان الأقصى وما تلا العملية من حرب إبادة وتهجير وتدمير ضد قطاع غزة، بكل المعادلات التي كانت تحكم العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية من جهة، والعلاقات الداخلية الفلسطينية من جهة أخرى، كما أثرت بشكل كبير جدا على المعادلات الداخلية في إسرائيل ومستقبل علاقات إسرائيل بدول المنطقة. بل أثارت اسئلة استراتيجية حادة حول مكانة إسرائيل كدولة وموقف الجمهور الإسرائيلي العريض من مؤسساته الحكومية وجيشه. اللافت أن إسرائيل التي استشعرت بكل مكوناتها أهمية التحولات الكبيرة وخطرها فسارعت تياراتها الرئيسية إلى وضع معظم خلافاتها البينية جانبا، وشكلت – كعهدها في كل حرب تخوضها- مجلسا موحدا للحرب عبر انضمام حزب المعسكر الوطني برئاسة بيني غانتس لمجلس الحرب الوزاري، أما الوضع الفلسطيني الذي يواجه خطرا أكبر بكثير مما تواجهه إسرائيل في ضوء حرب الإبادة والتهجير، فلم يبادر إلى التقاط هذه الفرصة، لا بإعلان اي صورة من صور الوحدة الوطنية ولا حتى باعتماد برنامج طوارئ لإنقاذ الشعب في غزة من المقتلة اليومية، ولمنع التهجير والقيام بالحد الأدنى من الجهود الإغاثية والسياسية والدبلوماسية المطلوبة، مع العلم أن الشعب الفلسطيني في الضفة – حيث مقرات السلطة والمنظمة وقيادتها- يواجه مخاطر لا تختلف من حيث الجوهر ( التهجير وتصفية الحقوق الوطنية) عما يواجهه الشعب في غزة حتى وإن اختلفت وسائل الإجرام الإسرائيلي.
في مواجهة هذه التحديات والمخاطر تواصل قيادة السلطة والمنظمة اعتماد سياسات ومواقف انتظارية وأخرى سلبية أقصى ما فيها بيانات الشجب والاستنكار، وفي أحيان كثيرة لا تخلو هذه البيانات من مواقف منفرة تعمق من الأزمة، في المقابل تبدو حركة حماس منشغلة بالمواجهة وتطورات المعركة والمعاناة الإنسانية الهائلة للشعب في غزة وما يتطلبه ذلك من تركيز جهودها السياسية على شروطها لعقد صفقة تقود إلى وقف الحرب.
إزاء هذا الواقع المعقد، واستشعارا لخطورة المراحل المقبلة من المواجهة حتى لو كانت بأدوات السياسة الناعمة كما يرد بالسيناريوهات الإسرائيلية لمرحلة ما بعد الحرب، فإن مهمة كل الوطنيين الفلسطينيين يجب أن تتركز على إعادة بناء أطر العمل الوطني الفلسطيني الموحدة بما يشمل طرق بنائها وتكوينها وآليات عملها والرقابة عليها، مع التسليم بأن الأطر القائمة وطريقة قيادتها وإدارتها وصلت إلى طريق مسدود ولم تعد مؤهلة للاضطلاع بقيادة الشعب للمرحلة المقبلة، ومن أجل الوصول إلى هذه الغاية، وبناء على أن الشعب الفلسطيني وطلائعه الوطنية المناضلة والواعية هي الأحرص على تجديد أطرها ومؤسساتها وإعادة بنائها قبل ان يملى عليها أي وصفة يراد منها التواؤم مع شروط الاحتلال، تنطلق هذه الرؤية من المحددات والثوابت التالية:
- إن منظمة التحرير الفلسطينية بتكوينها الائتلافي الواسع والشامل والديمقراطي، هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، واي صيغة مقترحة ينبغي أن تمثل تطويرا لبنى منظمة التحرير القائمة وليست انقلابا عليها
- من المهم دائما التمييز بين منظمة التحرير، كصيغة تمثيلية وككيان رمزي واعتباري يوحد الفلسطينيين، وبين قادة المنظمة أو مواقف قيادتها، التمييز وإظهار الفارق ضروري دائما لأنه مثل الفارق بين بلد ما وبين من يحكم البلد، وبالتالي من الطبيعي أن ينتقد المرء قيادة المنظمة أو موقفا لها، بينما سيكون انتقاد المنظمة عينها كمن ينتقد بلده ووطنه.
- كل الصيغ القائمة هي صيغ منقوصة ليست مؤهلة للاضطلاع بمسؤوليات تاريخية للتعاطي مع التحديات والمخاطر الماثلة ولا مع تطلعات الشعب للبناء على ما جرى من أجل الحرية والاستقلال.
- اي حديث عن وحدة وطنية ينبغي أن يتجاوز الصيغ القائمة حتى الآن بحصر النقاش بين فصائل سياسية بعضها بات مجرد تذكار رمزي لما مضى، ومن المشكوك فيه أن يتجاوز معظمها نسبة الحسم في اي انتخابات مقبلة، ولذلك فإن اي صيغة للحوار والتوافق الوطني يجب أن تشمل الأجسام والحراكات التي أفرزتها السنوات الأخيرة من قوائم انتخابية، إلى حركات شبابية وجهوية إلى ممثلي الجاليات ومنظمات المجتمع المدني والنقابات والاتحادات ومجالس الطلبة التي تجري انتخاباتها.
- إعادة تشكيل وبناء مؤسسات الشعب الفلسطيني يجب أن تكون عبر الاحتكام للشعب وبالانتخابات وحدها عبر صندوق الاقتراع، ولكن نظرا للمهام الاستثنائية الجسيمة التي تفرض نفسها من لملمة جراح غزة وإعادة إعمار وغسكان النازحين وما يرتبط بذلك من مهام، يفضل أنتسند هذه المهمة إلى هيئة انتقالية مؤقتة يتم تشكيلها بالتوافق من شخصيات مهنية ووطنية مشهود بنزاهتها وكفاءتها، بحيث تتولى هذه الهيئة التركيز على إعادة الإعمار وتهيئة الظروف لإجرء انتخابات شاملة في الوطن والشتات.
- يجري في موازاة الهيئة المعنية لإعادة الإعمار وتهيئة الظروف للانتخابات ، التوافق على تشكيل هيئة وطنية للقيام بالأعمال التحضرية للانتخابات، عبر الاستعانة اللوجستية بلجنة الانتخابات المركزية، تتولى هذه الهيئة افشراف على إجراء الانتخابات للتجمعات الفلسطينية في الخارج بناء على نظام خاص يحدد حصة كل تجمع، وطريقة فرز مندوبي كل تجمع في حال تعذر إجراء الانتخابات في أي منها.
- الصيغة لتي سبق أن أقرت في جلسات الحوار الوطني تمثل أرضية مناسبة ليصغة المؤسسات القيادية المقبلة بحيث يجري انتخاب مجلس تشريعي بحيث يكون أعضاؤه (132 عضوا) هم حصة الداخل من المجل الوطني الفلسطيني، ويجري اختيار بقية الأعضاء بانتخاب عدد مماثل (132) من قبل التجمعات الفلسطينية المختلفة، وإبقاء حيز لا يزيد عن ثلث إجمالي أعضاء المجلس الوطني، لتمثيل مناسب للفصائل التاريخية للثورة الفلسطينية، وللاتحادات الشعبية بما في ذلك الاتحادات والنقابات والهيئات الأكاديمية والهيئات المنبثقة عن الأسرى المحررين، وغرق التجارة والصناعة ولجان المخيمات وغير من أطر شعبية منتخبة.
- لا يملك اي فرد او هيئة أو سلطة حق تعطيل الانتخابات باي شكل من الأشكال، وفي حال وجود عوائق جدية من الاحتلال أو غيره، وفي هذا الإطار فإن الصلاحيات المركز بيد الرئيس يجب أن تنتقل بسلاسة، وفق مرسوم أو قرار بقانون يكون الأخير من نوعه، إلى هيئة قيادة جماعية تتخذ قراراتها بشكل ديمقراطي .
- إن التقدم نحو إيجاد صيغة وطنية وديمقراطية جديدة تكون محل ثقة الشعب، هي مهمة لن تتحقق بمجرد التراضي والاقتناع، فقد تشكلت مصالح وامتيازات، ونشأت اصطفافات، أنتجتها بيئة الانقسام وسيكون من الصعب التضحية بها من أجل اعتماد اي صيغة جديدة، ولذلك سيكون من الأهمية بمكان توليد ضغط شعبي وثقافي نخبوي وتجميع الحراكات والمبادرات القائمة، والعمل لخلق وإنشاء جبهة عريضة لمواصلة الضغط من دون هوادة على جميع القوى والمؤسسات والمراكز والأفراد لإلزامهم جميعا بالاستعداد للتحول والتغيير الذي سيؤدي أي تلكؤ أو مماطلة في الإقدام عليهن إلى مزيد من المعاناة والخسائر في صفوف شعبنا وتبديد الكثير من إنجازاته وتضحياته وحتى تبديد أشكال التضامن العالمي مع نضاله وحقوقه الوطنية.
- هذه الخارطة المقترحة هي للأدوات السياسية وليس للبرنامج السياسي وبشأن البرنامج فإن المنطق يقتضي البناء على ما هو مشترك بين مختلف القوى والفصائلن ولا يمكن لي طرف ان يملي رؤيته الفردية والفئوية على الآخرين شرطا لقبول العمل معهم، مع ضرورة ملاحظة أن تطورات السنوات الأخيرة أظهرت مساحة واسعة للاتفاق على برنامج عمل وطني يستند إلى قرارات المجالس الوطنية والتطورات التي اعلنتها حركة حماس.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -