الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل ثقافة جماهيرية بديلة-اصول الفلسفة الماركسية-بوليتزر10

عبدالرحيم قروي

2024 / 2 / 1
الارشيف الماركسي


أصول الفلسفة الماركسية
الجزء الأول
تأليف جورج بوليتزر، جي بيس وموريس كافين
الحلقة العاشرة

الدرس الثالث
ميزة الجدلية الثانية
كل شيء يتحول
قانون التحول الشامل أو النمو المستمر
---------------------------------
1 – مثال
2 – ميزة الجدلية الثانية
3 – في الطبيعة
4 – في المجتمع
5 – الخلاصة
---------------------------------
1 - مثال
يروي الفيلسوف فونتونيل قصة وردة كانت تعتقد بأن البستاني مخلد. لماذا؟ لأن الوردة لا تذكر أنها رأت غيره في البستان. وهكذا يفكر الميتافيزيقي فهو ينكر التغير. ومع ذلك تعلمنا التجربة أن كل بستاني هالك كما تهلك الورود. ولا شك أن هناك أشياء تتغير بصورة أبطأ من الوردة، فيستنتج الميتافيزيقي من ذلك أنها خالدة لا تتغير، فيجعل من ثباتها الظاهري شيئا مطلقا، فهو لا يرى من الأشياء الا جانبها الذي تبدو فيه أنها لا تتغير. فتظل الوردة وردة ويظل البستاني بستانيا. أما الجدلية فهي لا تكتفي بالظاهر بل تدرك الأشياء في حركتها، فلقد كانت الوردة برعما قبل أن تصبح وردة فإذا ما نمت تغيرت من ساعة لأخرى بالرغم من أن العين لا ترى شيئا من هذا التغيير، كما أنها ستفقد أوراقها حتما وستتولد وردات أخرى محلها تتفتح بدورها هي أيضاً.
نستطيع أن نجد في حياتنا اليومية ألف مثال على أن كل شيء يتحرك ويتحول.
تبدو هذه التفاحة ثابتة لا تتحرك فوق الطاولة. ومع ذلك سيقول الجدلي: "مع أن هذه التفاحة تبدو ثابتة فهي متحركة وهي لن تكون في عشرة أيام ما هي عليه الآن. كانت زهرة قبل أن تصبح تفاحة خضراء، كما أنها ستتحلل مع الزمن وتتساقط بذورها التي إذا ما زرعها البستاني نشأت منها شجرة تحمل عدة تفاحات. كان لدينا في البدء تفاحة واحدة ولدينا الآن العديد من التفاحات. وهكذا يصبح القول بأن الكون لا يعيد نفسه بالرغم من جميع المظاهر.
ومع ذلك يتكلم الكثير من الناس كما تكلمت وردة فونتونيل فيقولون "ليس من جديد تحت الشمس"، ولسوف يكون هناك دائما أغنياء وفقراء" "كما سيكون هناك دائما مستغِلون ومستَغلون" "وأن الحرب أبدية" الخ... ولا شيء أمر إلى الاضلال من هذه الحكمة الواهية، ولا شيء أشد خطر منها، فهي تدعو إلى السلبية والعجز والاستسلام. أما الجدلية فهي تعلم، على العكس، أن التغير صفة لازمة للأشياء تلك هي الميزة الثانية للجدلية التي تقول بأن التغير يشمل الكون وأن النمو مستمر.

2 – ميزة الجدلية الثانية
لا تنظر الجدلية، على عكس الميتافيزيقا، إلى الطبيعة على أنها حالة من الهدوء والثبات، والركود وعدم التغير، بل تنظر إليها على أنها حالة من الحركة والتغير الدائمين، والتجدد والنمو المستمرين، حيث يولد كل شيء بينما ينحل شيء آخر ويزول.
ولهذا تريد الجدلية أن لا ينظر إلى الظواهر فقط بالنسبة لعلاقاتها وترابطها بعضها بالبعض بل ينظر إليها أيضاً بالنسبة لحركتها وتغيرها ونموها في ظهورها واختفائها .
ولقد رأينا أن كل شيء مترابط: وتلك هي ميزة الجدلية الأولى. ولكن هذا الواقع المتوحد هو حركة أيضا. فليست الحركة مظهرا ثانويا من الواقع وليس هناك الطبيعة يضاف إليها الحركة، أو المجتمع يضاف إليه الحركة بل أن الواقع هو الحركة. تلك هي حال الطبيعة والمجتمع.

3 – في الطبيعة
تشمل الحركة بالمعنى العام، كشكل من أشكال وجود المادة وصفة من صفاتها، جميع التغيرات وما يحدث في الكون من مجرد تغيير المكان حتى التفكير نفسه .
والحركة عند ديكارت هي فقط تغيير المكان كالمركب الذي يتحرك أو التفاحة التي تتدحرج على الطاولة. تلك هي الحركة الميكانيكية الآلية. ولكن حقيقة الحركة لا تقتصر على ذلك. فالسيارة تسير بسرعة ستين كيلو مترا في الساعة وهذه حركة آلية (ميكانيكية) ولكن السيارة التي تتحرك تتحول ببطء؛ إذ يبلى محركها آلاتها ودواليبها كما أنها من ناحية ثانية تتأثر بالمطر والشمس. الخ.. وكل هذه أنواع من الحركة. وهكذا ليست السيارة التي قطعت ألف كيلو متر كأول أمرها، بالرغم من أننا نقول بأنها "نفس السيارة" إذ سوف يأتي وقت تجدد فيه قطعها ويعاد إصلاح هيكلها، الخ... حتى تصبح هذه السيارة لا تصلح للاستعمال.
وكذلك شأن الطبيعة إذ نجد للحركة فيها أوجها متعددة، كتغيير المكان وتحول الطبيعة وكذلك تحول صفات الأشياء (ككهربة جسم من الأجسام أو نمو النباتات وتحول الماء إلى بخار، والكهولة).
كانت الحركة عند نيوتن (1642-1727) العالم الإنجليزي الكبير عبارة عن حركة آلية (ميكانيكية) هي تغير المكان. وهكذا كان الكون أشبه بساعة حائط كبيرة تعيد باستمرار نفس الحركة؛ ولهذا كان يعتبر مدارات الكواكب خالدة. ولقد أدى تقدم العلوم منذ القرن الثامن عشر إلى غنى فكرة الحركة، وقد بدأ ذلك أولا بتحويل الطاقة في مطلع القرن التاسع عشر.
ولنعد إلى مثال السيارة التي تسير فهي إذا ما انطلقت مسرعة في سيرها ارتطمت بشجرة واشتعلت فيها النار. فهل زالت المادة، كلا. إذ أن السيارة المشتعلة هي حقيقة واقعة مادية كالسيارة التي كانت تسرع في سيرها، فهي مظهر جديد للمادة وصفة جديدة لها. لأن المادة لا تزول بل هي تتغير وتتحول، وما تحولاتها هذه سوى تحولات الحركة التي تكون مع المادة شيئا واحدا. فالمادة حركة والحركة مادة، وتعلمنا الفيزياء الحديثة أن الطاقة تتحول لأن الطاقة، وهي كمية من الحركة، تبقى بالرغم من تحولها واتخاذها أشكالا متنوعة.
أما في مثال السيارة التي التهب زيتها بتأثير الضغط فقد تحولت الآن الطاقة الكيميائية، التي كانت تتحول في المحرك إلى طاقة حركية، إلى حرارة (طاقة حرارية). ويمكن للطاقة الحرارية، بدورها، أن تتحول إلى طاقة حركية فتتحول بذلك حرارة القاطرة إلى حركة تدفع القاطرة
ويمكن للطاقة الآلية أن تتحول إلى طاقة كهربائية فيدير السيل المحرك الكهربائي الذي ينتج الطاقة الكهربائية، كما تتحول الطاقة الكهربائية (التيار) إلى طاقة ميكانيكية تدير المحركات أو أن الطاقة الكهربائية تتحول إلى طاقة حرارية فتمدنا بالتدفئة الكهربائية. كما أن الطاقة الكهربائية تمدنا بالطاقة الكيمائية فيقوم التيار الكهربائي، في بعض الحالات، بتحليل الماء إلى أوكسجين وهيدروجين. وكذلك يمكن للطاقة الكيمائية، بدورها، أن تتحول إلى طاقة كهربائية (البطارية الكهربائية) أو إلى طاقة حرارية (حرق الفحم في الموقد).
وما هذه التحولات الا صور للمادة المتحركة: وهي كما نرى أشد غنى من الانتقال البسيط أو تغيير المحل وأن كانت تحتوي عليهما .
وهناك عدا اكتشاف فكرة تحول الطاقة اكتشاف فكرة التطور التي أغنت فكرة الحركة كثيراً.
وقد بدأ ذلك بتطور الكون الفيزيائي أولا؛ فقد اكتشف كل من كانت ولابلاس منذ نهاية القرن الثامن عشر أن الكون له تاريخ. وهو بدلا من أن يعيد نفسه، كما كان يعتقد نيوتن، يتغير ويتحول وما النجوم (ومنها الشمس) والكواكب، (ومنها الأرض) سوى ثمرة تطور هائل لا يزال مستمرا. ولا يكفي القول إذن، مع نيوتن، أن أجزاء الكون تنتقل بل يجب القول بأنها تتحول.
وهكذا يكون للأرض، وهي جزء صغير من الكون، تاريخ طويل (ما يقارب الخمسة مليارات من السنين) يدرسه علم طبقات الأرض (geologie)
وكذلك فأن النجوم تتكون وتنمو وتموت. فقد اكتشف العالم الفلكي الفيزيائي أمبر تسموميان أن هناك نجوما تولد باستمرار.
ولما كان الكون يتوالد باستمرار فهو ليس بحاجة "لمحرك أول" كما كان يعتقد نيوتن. بل يحمل في أحشائه إمكانياته الخاصة في الحركة والتحول، فهو حركة ذاته.
أما المادة الحية فهي تخضع أيضا لعملية تطور مستمرة. فلقد تكونت، ابتداء من أول مراحل الحياة الفقيرة، أنواع النبات والحيوان. ولذا لم يعد بالإمكان الاعتقاد بالخرافة التي نشرها الدين منذ مئات السنين بأن الله خلق الأنواع مرة واحدة فهي لا تتغير. وبرهن العلم بفضل داروين (في القرن التاسع عشر) أن هذا العديد من الأنواع الحية قد تولد عن عدد صغير من الكائنات البسيطة والعلقات ذات الخلية الواحدة (الخلية هي الوحدة التي ينتج عنها بالتعدد والاختلاف النبات والحيوان ) ولقد تكونت هذه العلقات من مضغة البومينية لا شكل لها تغيرت الأنواع ولا تزال تتغير بتأثير التفاعل بينها وبين البيئة . ويخضع الجنس البشري لقانون التطور العظيم.
فلقد نشأ عن الحيوانات الأولى مختلف أنواع الحيوانات وفصائلها حتى انتهى بها الأمر إلى الحيوانات التي يبلغ فيها النظام العصبي أكمل نموه وهي الحيوانات الفقرية؛ ومن ثم أدركت الطبيعة ذاتها في الإنسان .
وهكذا تكون الطبيعة – سواء كانت فيزيائية أم حيَّة- عبارة عن حركة. وذلك لأن الحركة هي الصورة التي توجد عليها المادة. ولهذا لم توجد قط مادة بدون حركة ولا يمكن أن توجد قبل هذه المادة. فالحركة موجودة في فضاء الكون وفي الحركة الميكانيكية، واهتزازات الجسيمات في صورة حرارة أو تيار كهربائي أو مغناطيسي، وكذلك نجد الحركة في التحليلات والتركيبات الكيمائية، وفي الحياة العضوية؛ إذ تشارك كل ذرة من المادة في الكون، في كل لحظة، بصورة من صور الحركة هذه أو بعدة صور في نفس الوقت.. ولهذا لا يمكن تصور المادة بدون الحركة كما لا يمكن تصور الحركة بدون مادة .
وهكذا فان موضوع العلم يظل واحدا وهو الحركة سواء كان علم فلك أو فيزياء، أو كيمياء، أو علم حياة (بيولوجيا).
ولكن ربما قال قائل: "فلماذا، إذن، لا يؤمن جميع العلماء بالمادية الجدلية؟".
كل باحث جدلي في تجربته العيانية؛ فهو لا يستطيع فهم الواقع الا إذا أدركه في حركته. ولكن هذا الباحث الجدلي في التطبيق، يصبح غير جدلي إذا ما فكر في العالم أو إذا ما فكر في تأثيره على العالم لماذا؟ لأنه يعود فيخضع عندئذ لتأثير نظرة ميتافيزيقية عن العالم كالدين أو الفلسفة التي تعلمها في المدرسة. وتعتمد هذه النظرة على السنة القديمة وهي خليط من المعتقدات الذائعة التي تؤثر في العالم دون أن يشعر ولو خيل إليه بأنه "حر في تفكيره". وهكذا نجد أن أحد الفيزيائيين لا يحتاج إلى فكرة الله في دراسته التجريبية للذرات ثم إذا به يعود إلى هذه الفكرة عند مخرج مختبره، لأن هذه العقيدة، بالنسبة إليه، لا مجال للشك فيها: كما نجد بيولوجيا آخر خبيرا بدراسة الأجسام الصغيرة.(micro-orgamismes) تتملكه الحيرة كالطفل أمام أقل مشكلة سياسية. هذا البيولوجي وذاك الفيزيائي كلاهما فريسة لتناقض بين الناحية العملية التطبيقية عند العالم وبين نظرتهما إلى العالم. فالناحية العملية جدلية (لأنها لا يمكن أن تكون فعالة إلا إذا كانت جدلية) بينما لا تزال نظرتهما للعالم ميتافيزيقية، ولا تستطيع إلا المادية الجدلية التغلب على هذا التناقض. فهي تمد العالم بنظرة موضوعية عن الكون (الطبيعة والمجتمع) على أنه كل دائم الصيرورة؛ وبهذا يتيح للعالم أن يجعل الناحية العملية عنده في كل مترابط الأجزاء.
يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة تعتقل متظاهرين في جامعة -أورايا كامبس- بولاية كولوراد


.. ليس معاداة للسامية أن نحاسبك على أفعالك.. السيناتور الأميركي




.. أون سيت - تغطية خاصة لمهرجان أسوان الدولي في دورته الثامنة |


.. غزة اليوم (26 إبريل 2024): أصوات القصف لا تفارق آذان أطفال غ




.. تعمير - مع رانيا الشامي | الجمعة 26 إبريل 2024 | الحلقة الكا