الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هادي العلوي: جدلية الفكر الديني

رشيد عبد الرحمن النجاب
كاتب وباحث

(Rasheed Alnajjab)

2024 / 2 / 1
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


ولد هادي العلوي عام 1932 في ضاحية "كرادة مريم"، من ضواحي بغداد الفقيرة. شب في بيئة فقيرة عزا تخلفها للعثمانيين، واستقى الثقافة، بدءاً من مكتبة جده سلمان، وكانت تزخر بالمصادر الإسلامية المهمة، تخرّج في كلية التجارة والاقتصاد في بغداد عام 1955 واشتغل في ميادين كثيرة، ثم استقرمدة في دمشق إلى أن توفي ودفن فيها عام 1998.
تعرّف هادي العلوي إلى المثقف اللبناني جورج حنا، وتأثر بكتابه "ضجة في صف الفلسفة"، حيث بدأ بالتعرف إلى التقسيمات الطبقية في المجتمع وكيف يسمح بها الإسلام، فشرع في نقد التراث، والكشف عن الوجدان القمعي والطبقي الدفين في تاريخه الطويل مستخدماً المنهج المادي التاريخي، والمادي الجدلي، الذي مكنه من سبر أغوار ذلك التاريخ، والكشف عن المستتر منه وغير المنطوق به.
تحدث هادي العلوي في كتابه "شخصيات غير قلقة في الإسلام" عن حياة سلمان الفارسي، وكيف هاجر من فارس إلى العراق، فبلاد الشام، وكيف أصبح مسيحياً على المذهب النسطوري، ثم يتحدث عن إسلامه وعلاقته المميزة بالرسول، إذ كان ينفرد به ساعات طويلة. واستدل هادي العلوي من ذلك أن الرسول كان يعرف الفارسية أو السريانية لأن لغة سلمان العربية كانت ضعيفة ولا تكاد تُفهم.
ورجح هادي العلوي أن مسألة تحريم الاكتناز في الإسلام وقعت بتأثير من سلمان، ثم انتهى الأمر إلى نسخها بتأثير من أغنياء الصحابة، وقد أرسله عمر بن الخطاب لولاية المدائن بعد فتحها، وقد عاش حياة زاهدة، كان يوزع راتبه لأنه التزم العيش من كد يده انصياعاً لتوجيه نبوي، فكان يصنع السلال من الخوص ويبيعها فيعتاش منها.
وحلل العلوي في ضوء هذا النهج افكار عددا من الشخصيات الإسلامية منهم على سبيل المثال عامر البصري، والفرزدق، والحسين، وزيد، وأبي حنيفة، وغيرهم، فكان يربط فكرهم بواقع عصـرهم، ويضعهم في سياق تاريخي متصل يدلل فيه على أن التاريخ يصاغ من خلال الصـراع القائم بين طموحات الفئات السياسية المتناحرة، وأن تطور التاريخ يقوم على علاقة جدلية متصلة بجميع الفئات الاجتماعية في ظروف عصرها الداخلية والخارجية.
وقد رأى هادي العلوي في الفكر الديني فكرا طبقياً، وألقى الضوء على حركة الفكر الجدلية في التاريخ الإسلامي ابتداء من ظهور النبوة، وكشف عن الأعداء الحقيقيين للشعب. ففي كتابه "من تاريخ التعذيب في الإسلام،" توصل إلى كيفية تطور تطبيق الأحكام، وقد جاء ذلك من خلال مناقشة الحدود في الإسلام، والكيفية التي تمكن الفقهاء من خلالها تطويع مرونة الدين للدلالة على أن إثبات مخالفة بعض الحدود مسألة في غاية الصعوبة. ومثال ذلك: الزنا، وشرب الخمر، ومعاملة العبيد، وعقوبة قاطع الطريق.
و رأى هادي العلوي أن العوامل المكونة للسلوك الديني فاشية المزاج، وتقوم على أساس أن الوازع الديني فيه ترهيب، إذ يحذر رجالُ الدين المؤمنين من غضب الإله، ويمارسون العقوبات على تارك الصلاة، وعلى المرأة والعبيد، بل ويتعالون على سائر المؤمنين باعتبارهم أوصياء عليهم، وأنهم أقرب إلى فهم الله من البشر العاديين، تماماً كما كانت تفعل الكنيسة في العصور الوسطى.
وتناول العلوي في كتابه "من تاريخ التعذيب في الإسلام" تاريخ القمع في الإسلام مشيرا إلى أنه كان مرتبطاً بالشخصيات الدّينيّة المتزمتة، ففي الخلافة الراشدية كان عهد عمر بن الخطاب و عهد علي بن أبي طالب أكثر عدالة من عهدي أبي بكر وعثمان بن عفان. أما في العهد الخلافة الأموية فقد اتخذ العلوي مثالا شديد الوضوح متمثلا في الحجاج بن يوسف الثقفي؛ فمن ناحية لم يشـرب الحجاج الخمر، ولم يستمع إلى غناء، ولم يعرف الزنا، وكان يتمسك بالفرائض والعبادات ويؤديها على أحسن وجه، وفيما كان أهل الفقه يشيدون به وبأفضاله فإنهم كانوا يتناسون جرائمه التي طالت أكثر من مئة ألف نفس قتلاً، وأكثر من ذلك بكثير تعذيباً. وكان عصـر العباسيين أكثر دموية، فقد عرف عن الرشيد كثرة الحج والولع بالمواعظ، إلا إنه كان يمارس التعذيب بدموية نادرة.
وخلص هادي العلوي في كتابه "من تاريخ التعذيب في الإسلام إلى أن كل فئة من الفئات المتحاربة، على أساس مذهبي أو طبقي كانت تعتبر نفسها الفرقة الناجية، فعند "أهل الدين أن المسلم إذا لم يكن من أهل الأهواء (خارجي أو معتزلي أو باطني) فهو مستحق للغفران، ولا يجوز لذلك الحكم عليه بشيء من أفعاله، لأن الإيمان لا يضر معه شيء".

و كشف هادي العلوي في كتاب "الاغتيال السياسي في الإسلام" عن مهارة بحثية رفيعة بالاستناد إلى تنوع كبير في المراجع والأسانيد التراثية المهمة، واستعرض في هذا الكتاب تسعة اغتيالات تمت في الفترة الواقعة ما قبل صلح الحديبية وبعده، نجحت جميعها باستثناء محاولة اغتيال أبي سفيان في مكة. كما بحث الكتاب في حوادث الاغتيال الشهيرة في الخلافة الراشدية، وكشف عن التحالفات والانشقاقات السياسية في زمن الراشدين، ففي حين حجر عمر بن الخطاب الأرستقراطية العربية الجديدة في المدينة، فإن عثمان بن عفان رفع الحجر عن قريش فتنقلوا في الأمصار المفتوحة، وجمعوا الأموال الكثيرة، وصار لكل منهم حاشية وأتباع. ومن هنا فقد فسّـر العلوي مقتل عمر على يد أبي لؤلؤة بأنه صراع سياسي طبقي داخلي أكثر منه حقداً فارسياً عربياً على هدم الإمبراطورية الساسانية. علما بأن أبو لؤلؤة كان عبداً للمغيرة الثقفي المرتبط بالأرستقراطية الجديدة.
أما بشأن الاغتيالات عند الأمويين، فأشار العلوي إلى أن عمر بن عبد العزيز مات مسموماً، على الأرجح، بعد حكم دام أقل من سنين ثلاث، ورأى أن أحد أسباب ذلك كانت سياسية لها علاقة بتحالفات كان عمر على وشك إنجازها مع الخوارج، كما أشار إلى أسباب اقتصادية مرتبطة بزهده الذي أغضب حتى زوجته، وهي ابنة عمه فاطمة بنت عبد الملك.
أشار العلوي إلى اغتيالات العصر العباسي (132هـ - 656 هـ)، ابتداء من قتل المتوكل بتدبير من قبل ابنه المنتصـر احتجاجا على الوصاية بولاية العهد لأخيه الأصغر بدلا منه ، فاغتالته الحاشية التركية القائمة على رعايته، فتمت بذلك السيطرة على الخلافة العباسية بإزاحة آخر الخلفاء الأقوياء. وتتكرر الاغتيالات العنيفة في أصقاع الإمبراطورية كافة، حال الإمبراطوريات الواسعة المماثلة، وصولاً إلى الأندلس.
لقد رأى هادي العلوي ضرورة تأسيس علاقة بين الإسلام والماركسية، بوصفهما قوى مضادة للاضطهاد والعدوان والجشع. ولتحقيق ذلك كان لابد من المصالحة بين مفاهيم، مثل: "المسلم" و"المؤمن"، فمن هو المسلم؟
المسلم وفقا للعلوي هو:" وصف يضم صفة أولئك الذين عاشوا في العصور الإسلامية كافة، وأخذوا بحضارة الإسلام، بغض النظر عن معتقداتهم الإسلامية أو المسيحية أو اليهودية أو الإلحادية"، فصاحب حضارة الإسلام هو المسلم، فلا يجوز إقامة التفرقة بين المعتقدات والمذاهب كافة، كما لا يجوز قبول استحواذ بعض العمائم الإسلامية على التفسير والفتاوى، إذ ينبغي متابعة محاولات الإصلاح الديني، التي بدأها جمال الدّين الأفغاني، ومحمّد عبده، ومحمّد رشيد رضا، وغيرهم، والاستنارة بمحاولات المتنورين العرب في القرن العشرين، ابتداءً من شبلي الشميّـل، وطه حسين، وعلي عبد الرازق، وعلي الوردي وسلامة موسى وحسين مروّة ومهدي عامل، وانتهاءً بمحمّد شحرور، ونصـر حامد أبو زيد وغيرهم.
ورأى العلوي أن التصوّف ليس طقوساً، فلا تأتي الطقوس إلا عندما ينتكس التصوّف ليغدو بعد ذلك دروشة. ووجد هادي العلوي أن أقرب المذاهب إلى التصوّف الإسلامي هي التاوية الصينية، وهي أقرب إلى الفلسفة منها إلى الدين، وكلاهما يدعوان إلى المشاعية، والكفاح ضد سلطة الدولة. وقد ترجم كتاب "التاو"، الذي يكشف عن هذه النزعات المشتركة، وعن اندماج المتصوف بروح الكون، أي التاو عند الصينيين، وهو الحق. وقد سخر هادي العلوي التصوّف لتحقيق غاياته التي سعى دوماً من أجلها، بما في ذلك حب الطبيعة والحيوان، فهو يتفق مع أبي العلاء المعرّي في عدم أكل اللحم، ولكنه يخالفه في أكل منتجات الحيوان لأنها لا تقتل الحيوان.
وتناول العلوي وحدة الوجود المتمثلة في اتصال المتصوف مع الحق، أو الله، وهي تعطي أهمية عظيمة للطبيعة، كما أنها تتخلص من إشكاليات كثيرة تعاني منها النفس البشـرية، كالخوف من الموت، إذ أن الموت، بالمفهوم الصوفي، هو استكمال لتطور البشر صوب الإنسان الكامل. ولذلك يقوم التاويون بالغناء لموتاهم ولا يبكون عليهم. كذلك لا يخاف المتصوف من الفقر، لأن مفهوم الفقر عنده هو شرط نشدان الحرية وتحقيقها.
وفي الختام اعتقد هادي العلوي بضرورة تخليص الفكر الديني من الأفكار اللاجدلية التي تقف عثرة أمام تطور المسلمين، وبالتالي لتنفتح آفاق تحرر عقول الناس، ولجعل الإسلام أداة لتحرير الوطن من الاستعمار الخارجي، والاستبداد الداخلي، وذلك من خلال رؤية فكرية تلقي الضوء على المسافة الفاصلة بين العدل والواقع، وتحديد مدى الهوة العميقة والاتساع الكبير الذي كان يتمدد ويتقلص أفقياً وعمودياً في فترات الحكم السياسي في الإسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هدنة غزة تسابق اجتياح رفح.. ماذا حمل المقترح المصري؟ | #مراس


.. جنود أميركيون وسفينة بريطانية لبناء رصيف المساعدات في غزة




.. زيلينسكي يجدد دعوته للغرب لتزويد كييف بأنظمة دفاع جوي | #مرا


.. إسرائيليون غاضبون يغلقون بالنيران الطريق الرئيسي السريع في ت




.. المظاهرات المنددة بحرب غزة تمتد لأكثر من 40 جامعة أميركية |