الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رد على كلمة الرفيق سعود قبيلات في تونس

عبدالرزاق دحنون
كاتب وباحث سوري

2024 / 2 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


قد يقول قائل: لماذا تحشر أنفك بين البصلة وقشرتها؟ يا سيدي هل تسمع بالمثل القائل: طفح الكيل. نعم، طفح الكيل، فكان هذا الرد، وليعذرني الرفيق العزيز سعود قبيلات الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني.

يا سيدي هذه المادة منشورة في موقع درج أمس الأول باسم الصحفي والكاتب الفلسطيني "ماجد كيالي" تحت عنوان:( ضياع الفلسطينيين بين زمنَي “فتح” و”حماس”) هي وجهة نظر على كل حال، كما كانت كلمتكم في تونس وجهة نظر. حيث تقول: (أنا لا أستهين بأهمِّيَّةِ الكلمةِ.. الكلمةُ بقوَّةِ الرَّصاصةِ، إنْ لم تكن في بعضِ الأحيانِ أقوى منها؛ وإلَّا فلماذا يعمدُ الطُّغاةُ دائماً إلى معاقبةِ أصحابِ الكلمةِ الحُرَّةِ الشُّجاعةِ، ويصلُ الأمرُ أحياناً إلى حدِّ الحُكمِ عليهم بالإعدامِ؟)

اقرأ ما كتبه الفلسطيني ماجد كيالي برويّة ولا تحشره في زمرة الخونة والعملاء هو فلسطيني ومن حقه أن يقول كلمته.

منذ انطلاقتها (1/1/1965)، قبل 59 عاماً، تميزت الحركة الوطنية الفلسطينية بغلبة الروح الشعاراتية، الحماسية والعاطفية والرغبوية، في معظم خطاباتها وأدبياتها، حتى إن ذلك شمل مقررات مؤتمرات كل كياناتها السياسية.

في ذلك، احتلّت ثقافة الكفاح المسلّح مكانة الصدارة، بل والقداسة، في تلك الخطابات، مع ما تنطوي عليه من مبالغات، تتمثل في الانفصام بين الإمكانات والشعارات، والواقع والتمنيات، علماً أن الحديث يتعلق بحركة وطنية، اتّسمت بالعفوية والتجريبية، وظلّت تفتقد استراتيجية سياسية وكفاحية، واضحة ومستدامة وممكنة، بخاصة أنها اعتمدت في مواردها على الخارج، وليس على شعبها، الذي يخضع لهيمنة عدد من السلطات والأنظمة السياسية والقانونية، ما أثّر كثيراً على قدراتها في صراعها ضد عدو يتفوق عليها، ويتمتع بفائض قوة إضافي من كونه نشأ، أصلاً، نتيجة لمفاعيل دولية، وسمحت به ظروف عربية.

هكذا عاش الشعب الفلسطيني مع شعارات: “ع القدس رايحين شهداء بالملايين”، و”يا جبل ما يهزك ريح” و”شعب الجبارين” (التي اشتهر الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بتكرارها)”، و”لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”، و”النظرية تنبع من فوهة البندقية”، و”كل السلطة للمقاومة” (والأخيران للفصائل اليسارية).

اشتهرت حقبتا الكفاح المسلح الفلسطيني في الأردن ولبنان بالأغاني الحماسية التي كانت تُبثّ من إذاعة “صوت العاصفة”، مثل: “طل سلاحي من جراحي… ولا يمكن قوة في الدنيا تنزع من أيدي سلاحي”، و”عهد الله ما نرحل… نجوع نموت ولا نرحل”، و”أنا صامد صامد إن قتلي ابني انا صامد ان هدموا بيتي يا بيتي في ظل حيطانك انا صامد”، و”ثوري ثوري يا جماهير الأرض المحتلة… لا بنساوم ولا بنهادن لا لا… على حبة رملة”، و”ع الرباعية ع الرباعية واحنا ما بنام ع الغلوبية نادي يا منادي يوم استشهادي فوق ارض بلادي تحلى المنية”، و”جابوا الشهيد… جابوه… جابوا العريس… جابوه… بعلم الثورة… لفّوه… يا فرحة إمه وأبوه”. وهي أغان حماسية، لعبت دوراً في رفع الروح المعنوية، والاستقطاب للكفاح المسلح، في البدايات، بيد أن معظمها ينطق كلمات لا تتطابق مع واقع الشعب الفلسطيني الضعيف والمقيّد، ولا مع واقع حركته الوطنية، ببناها الهشة والمبعثرة والضعيفة.

كانت هذه مقدمة ضرورية لتأكيد أن خطابات حركة “حماس”، منذ تصدّرها المشهد الفلسطيني، إنما هي امتداد طبيعي لروحية ما كانت طرحته “فتح”، باعتبارها الكفاح المسلح، كطريق لتحرير فلسطين، ورهانها على “التوريط الواعي” للأنظمة العربية في معركة التحرير، واعتبارها أن “فلسطين هي القضية المركزية للأمة العربية”، وذلك كله لم يثبت في أي مرحلة، لأن تلك الأمة (على مستوى الشعوب) مقيدة بالأنظمة السائدة، ثم هي غير موجودة كذات فاعلة، حتى من أجل قضاياها الخاصة، وأيضاً لأن الواقع العربي اشتغل بالضد من تلك الفكرة، ولا يزال، بدليل اختفاء فكرة الصراع العربي ـ الإسرائيلي، جملة وتفصيلاً، منذ عقود، وقد حصل ذلك مع “حماس” في رهانها على “وحدة الساحات”، التي رُوّج لها كفكرة لأغراض التلاعب والمواربة والاستهلاك والابتزاز، كما ظهر بخاصة في حرب، أو في نكبة، غزة.

والحال، فإن تناول المقولات أو الشعارات التي طرحتها “حماس” على لسان قيادييها، والتي تقارب ما كانت تطرحه “فتح” في بداياتها، بطريقة نقدية، ينطلق من مسؤولية إسرائيل عن الحرب الدائرة، واستغلالها هجوم “حماس” (في 7/10/2023) كفرصة سانحة لها، لشن حرب إبادة تتوخّى من خلالها وأد مقاومة الفلسطينيين بكل أشكالها، من النهر إلى البحر، وترويعهم وإخضاعهم لإملاءاتها السياسية، وتحويل غزة إلى مكان غير صالح للعيش، وصولاً الى التخفّف من ثقلهم الديمغرافي، بدفع أعداد منهم الى الهجرة القسرية أو الطوعية، إن أمكن.

بيد أن جرائم إسرائيل، الناجمة عن طبيعتها كدولة استعمارية واستيطانية وعنصرية، لا تحجب مسؤولية “حماس” عما حصل، نتيجة مبالغتها في قدراتها، وتحميلها غزة مهمة تحرير فلسطين، أو دحر الاحتلال من الأراضي المحتلة عام 1967، وتوهمها بقدرتها على تحريك الشارع الفلسطيني، بل والأمتين العربية والإسلامية، بحسب خطاب محمد الضيف لحظة الهجوم (كرره إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لـ حماس في خطابه في مؤتمر لنصرة غزة عُقد في الدوحة في 9/1/2024).

جاء في خطاب الضيف: “قاتلوا والملائكة سيقاتلون معكم… ابدأوا بالزحف اليوم وليس غداً، نحو فلسطين، ولا تجعلوا حدوداً ولا أنظمة ولا قيوداً تحرمكم شرف الجهاد… من عنده بندقية فليخرجها… ومن ليس عنده فليخرج بساطوره أو بلطته أو فأسه أو زجاجته الحارقة، بشاحنته، أو جرافته أو سيارته، اليوم، اليوم”.

بيد أن تلك الدعوات لم تلقَ استجابة، لا في مناطق 48 ولا في الضفة والقدس ولا في البلدان العربية أو الإسلامية، في حين أتت غالبية الحراكات الشعبية المؤثرة من مواطني البلدان الغربية؛ ما يعني أن قراءة قيادة “حماس” الوضع الفلسطيني والظروف المحيطة كانت قاصرة وذاتية ورغبوية.

من ناحية أخرى، في ذلك الهجوم، وعلى رغم كل الاستعداد العسكري والإعلامي له، والذي نجم عنه تكبيد إسرائيل خسائر بشرية ومعنوية، هي الأكبر في تاريخها، فإن حماس انزاحت من المقاومة الشعبية طويلة الأمد، التي تقتصد بالطاقات ولا تبددها، وتجنّب شعبها ردات فعل فوق طاقته على التحمّل، من عدوها، إلى نهج الحرب جيش لجيش، وبالضربة القاضية.

مع ذلك، فإن جماعات المقاتلين التي اقتحمت المستوطنات، عادت إلى قواعدها داخل غزة في اليوم نفسه، بخلاف ما أوحى الضيف في خطابه، ثم أخذت إسرائيل المبادرة بشنها هجوماً وحشياً، استباحت فيه البشر والشجر والحجر في ما بات يُعرف بحرب إبادة، وضعت الشعب الفلسطيني في نكبة جديدة، بحيث لا يمكن بطولات المقاتلين وصمودهم، أن تغطي عليها، أو تخفف منها، ناهيك بأن الشروط العربية والدولية الراهنة لا تمكّن، أو لا تسمح، للفلسطينيين، مع ضعفهم واختلافاتهم وظروفهم، من حصد عوائد سياسية مهما بلغت تضحياتهم وبطولاتهم؛ علماً أن مطالبة “حماس” بوقف عدوان إسرائيل على غزة (وهو أمر صحيح طبعاً) أتى على خلاف روح خطاب الضيف، أيضاً، عن لحظة الخلاص من إسرائيل.

في السياق ذاته، ظلّت قيادات “حماس” تؤكد يومياً أن “المقاومة بخير”، فيما كان كل سكان غزة في العراء، من دون نقطة ماء أو لقمة خبز أو حبة دواء، ومن دون كهرباء، مع دمار معظم البيوت كلياً وجزئياً، ومع بناها التحتية، علماً أن لا شيء يعيب “حماس” أن تتحدث عن الواقع كما هو، بسلبياته وإيجابياته، بنقاط قوته وضعفه، إذ لا أحد يحمّلها مسؤولية هزيمة الجيش الإسرائيلي، وحدها وفي هذه الظروف. المعنى أنه بدل إبداء تفاخر في غير محلّه، يفيد القول بـ”صمود المقاومة”، وإنها تخسر وتضحّي، مثلما أن “العدو يخسر”، فما معنى أن المقاومة بخير، في حين الشعب يعاني أهوال نكبة جديدة؟.

هذا يشمل مقولة “إن إسرائيل لم تحقّق أهدافها في الحرب”، فمن المفهوم أن الاشتباكات مع الجيش الإسرائيلي مستمرة، مع ذلك لم يحرر الجيش رهينة واحدة، وهذا كله صحيح، لكن ماذا عن اقتلاع قرابة مليوني فلسطيني من بيوتهم، وتدمير معظم بيوت غزة وعمرانها وبناها التحتية؟ وماذا عن أكثر من 100 ألف ضحية بين قتلى وجرحى ومعتقلين ومفقودين تحت الركام؟ فهل هذا يخص شعباً في قارة أخرى؟ أليس الشعب الفلسطيني على رأس أهداف إسرائيل، وهو الأصل، والعنوان، والقضية؟! ثم ألا يخدم ذلك الكلام ادعاء إسرائيل بأنها تستهدف “حماس” فقط ولا تستهدف الفلسطينيين المدنيين؟

أيضاً، يلفت الانتباه تشديد “حماس”، وغيرها، على أزمات إسرائيل، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتخبطها عسكرياً، وضغط عائلات المحتجزين على حكومة العدو، لوقف الحرب، وهذا صحيح، بيد أنه في المقابل ماذا عن أحوالنا، كفلسطينيين، أو كعالم عربي (وإسلامي تبعاً لخطابات “حماس”)، فهل هي بخير، وخالية من أي نوع من الأزمات والتخبطات تلك؟! وعليه ربما يجوز هنا طرح نوع من تمنٍّ بمقايضة مع إسرائيل، بأن يكون لدينا مثل قوتها وأزماتها، وأن تحل أزماتنا عليها؟ ومثلاً، فإذا كان الناتج الإجمالي لإسرائيل 500 مليار دولار سنوياً، فهل خسارتها عشرين أو خمسين مليار دولار، كخسارتنا كفلسطينيين عشرة مليارات مثلاً؟ (فضلاً عن تعويض إسرائيل من الدول الغربية).

هذا ينطبق على التباهي بإجبار إسرائيل على إخلاء مستوطنات الشمال وغلاف غزة، كأن ذلك الإخلاء، إلى فنادق ومنتجعات مع تأمين كل الحاجات ووسائل الرفاهية للمستوطنين، يشبه تشريد الفلسطينيين بعد خراب بيوتهم، مع كل الأهوال والمآسي، غير المسبوقة، التي اختبروها، في واقع افتقد فيه الفلسطينيون أي جهاز مدني لحكومة “حماس” في الحرب.

كل ما تقدّم يعبّر عن لا مبالاة قيادات الحركة الوطنية الفلسطينية، بالتضحيات والمعاناة التي يكابدها شعبها، للأسف، وهو تقليد قديم، من زمن “فتح،” إلى زمن “حماس”، إذ يتطابق شعار: “ع القدس رايحين شهدا بالملايين”، مع شعار: “إنه جهاد فإما نصر أو استشهاد”، تبعاً لمقولة: المرأة الفلسطينية “ولّادة”؛ وبينما يفترض أن الفصائل قامت من أجل الشعب، لكنها أضحت حاجة في ذاتها، كأنها هي القضية والشعب، من دون مراجعة أو مساءلة عن خياراتها.

لعل موسى أبو مرزوق (رئيس أول مكتب سياسي لحركة حماس)، كان عبّر عن ذلك في ردّه على سؤال (على فضائيتي روسيا اليوم والبي بي سي)، عن نجاح حركته ببناء أنفاق في غزة، في حين لم تفكر بما يمكن أن يحمي أهل غزة، إذ أجاب: إن ذلك “ليس مهمة “حماس”، التي مهمتها حماية مقاتليها، لأن فلسطينيي غزة هم في غالبيتهم لاجئون، ومسؤوليتهم تقع على عاتق الأمم المتحدة، وعلى دولة الاحتلال”!

ملاحظة أخيرة، باتت “حماس” تطرح وقفاً للحرب بشرط إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، ما يتناقض مع فلسفتها ومبرر وجودها، والسؤال: إذاً، على ماذا حصل الانقسام والاقتتال الفلسطيني؟ هل على السلطة فقط؟ وهل من أجل ذلك وصلنا إلى هنا؟ ومن المسؤول؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات بحث تحت الأنقاض وسط دمار بمربع سكني بمخيم النصيرات في


.. مظاهرات في تل أبيب تطالب بإسقاط حكومة نتنياهو وإعادة المحتجز




.. رغم المضايقات والترهيب.. حراك طلابي متصاعد في الجامعات الأمر


.. 10 شهداء في قصف إسرائيلي استهدف منزلا في حي النصر شمال مدينة




.. حزب الله يعلن قصف مستوطنات إسرائيلية بعشرات صواريخ الكاتيوشا