الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المخبر

مختار سعد شحاته

2024 / 2 / 1
الادب والفن


تمنيتُ لو أنّ الله خلقني مخبرًا، يرفعُ التقاريرَ إلى ربّ العباد، ويذيّل التقارير في الداخل بتقبيل أيادي "ولي النعم"، وعلى طرف المظروف أكتبُ "سري جدًا"، فلا تجرؤ عينُ ساعي البريد، ولا عين المعينين بالواسطة أن يفتحوا المظروف...
تمنيتُ لو أكتبَ التقارير عن مدرس الابتدائية الذي يصلبُ الأطفالَ في صليب ثورة العساكر والـ"يناير"، كأنه يطهرنا من الذين ضحوا، فنحن لا نستحق شرف الانتماء...
سأكتبُ في تقرير خاصٍ جدًا، أنَّ جارنا النطعَ الذي كلما مارس الجنسَ مع امرأته غصبًا، يشتمها ويخدش حياء الزعيم المُفدّى في لحظة النشوة بألفاظ بذيئة سيحمر وجهُ زعيمنا المؤدب متى يسمعها بأي حال...
لن أنسى الذين يصلون همزة القطع أو يقطعون همزة الوصل، ويكتبون الفعل "هزأ" بتحريف إلى (هزق)، في ادعاءِ تباسطهم السخيف، وهؤلاء الجالسين على البارات يسمعون الشعر ويزومون افتعالا...
سأكتب تقاريرَ في كل شيءٍ، في الماء، والكهرباء، والهواء، والمواصلات العامة، وطابور المدارس، وموظفي البصمة في المجالس المحلية بالقرى والمدن البعيدة، وفي باب المستشفيات، وفي كلاب الشوارع الواسعة، وسور كورنيش الإسكندرية البغيض، وآلاف البنات اللائي حررن شعورهن على المشاع عند سفح الهرم...
لن أنسى أطفال الشوارع، وباعة المناديل الصغار في الإشارات، والراغبين في النسيان في البارات، والمقتولين غدرّا على الأسفلت...
سأكتب في تقارير كثيرة عن الاقتصاد، وعبيد الدرهم والدينار، والذين غطسوا في براميل السخام، وما ماتوا، سأسب دين الدولار ومزارع شبعا المحتلة، وحزب الله والحشيش المغشوش، وكل الرتوش التي ظهرت في وجه عجوز ماتت من الرقص على باب لجان الانتخاب...
سأكتب تقاريرَ في الهواء الثقيل على صدور الفقراء، وفي الحياة التي تحاول أن تستقيم، وكيف لا تريد التوبة عن هذا الاعوجاج!!
سأكون مخبرًا مؤمنًا يصلي الجمعة والعيدين بانتظام، ويمسح وجهه بكفيه عند الدعاء، سألعب الطاولة، وأدخن الشيشة في انسجام واقتناع تامٍ أن الله اصطفاني لهذا الواجب المقدس، وكتابة مصير هؤلاء الناس...
ربما، أتزوج سرًا من امرأة تدَّعي الإخلاص للذين راحوا، وتُعاتب الأنذال على الدوام، وبين صلاتها ونهدها تنبتُ أمسيات من محال، تحاول أن تثبت للرجال قدرتها على الإغواء الطازج مثل طزاجة صوت طفل ينطق لأول مرة الكلام...
سأكون أنا المخبر الذي كلما نقلوا الكلام عنه استعاذوا بالله من النفاق، ورخص أيامنا التي ملَّت، سيفرح الناس كلما يجيء وكلما يمضي، سأكون المخبر السري الأول الذي يعرفه الجميع ولا يبالي...
سأكون قوادًا، سأكون صحافيًا، سأكون مدير بنك، وأحيانًا موظفًا في السجل المدني، ولن أمانع التدريس في فصول الكبار، أو الجلوس في جلسات فضّ النزاعات، سأمنح البراءات لمن يدفعوا ثمني، ولا أموت، فالمخبرون صاروا فكرة لا تموت...
سأكون سرمديًا، يمشي إلى جوار الدجال حين يأتي، ويكتب تقريره الأخير إلى عيسى، وربما المهدي، سأكتب التقارير في أهل النار، والشهداء، والصدِّيقين والأنبياء، سأكتب التقارير فيهم كِلهم، ولا أستثني أحدًا، حتى إذا رفعتْ الأقلامُ وجفّتْ الصحفُ، سيبقى تقريري أنا وحدي لوحًا محفوظًا وشاهدًا على العباد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عام على رحيل مصطفى درويش.. آخر ما قاله الفنان الراحل


.. أفلام رسوم متحركة للأطفال بمخيمات النزوح في قطاع غزة




.. أبطال السرب يشاهدون الفيلم مع أسرهم بعد طرحه فى السينمات


.. تفاعلكم | أغاني وحوار مع الفنانة كنزة مرسلي




.. مرضي الخَمعلي: سباقات الهجن تدعم السياحة الثقافية سواء بشكل