الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فلسطين المحاصرة والأحزاب اليمنية المُناصِرة!

منذر علي

2024 / 2 / 1
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


كشفت الأحداث الأخيرة في فلسطين والجرائم الصهيونية والإبادة الجماعية التي تقترفها الدولة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني والمواقف الغربية المتحيزة لإسرائيل، أنَّ العالم العربي برمته مهدد بتمدد وسيطرة القُوَى الصهيونية والغربية الاستعمارية عليه وإعادة تقسيمه على أسس عرقية وجهوية وقبلية وثقافية واقتصادية بما يتوافق مع الهيمنة الصهيونية والإمبريالية في شكلها الجديد.

وإذا كان اليمنيون، بكل مكوناتهم السياسية، وهوياتهم الجهوية والطائفية والقبلية، يتعاطفون بقوة مع الشعب الفلسطيني، ويدركون المخاطر المحدقة بقضيته الوطنية والتحررية العادلة، ويحرصون على وحدة أبناء الشعب الفلسطيني وتعاضدهم، وهو شرطٌ جوهري، لانتصار قضيتهم، إلَّا أنَّهم في هذا الجانب بالذات، وأعني محور الإدراك السياسي، فانَّهم يعانون، بشكل مأساوي، من الانفصام السياسي، Political schizophrenia.
إذْ كيف يمكن لهم أنْ يحرصوا على وحدة الشعب الفلسطيني ويحثوه على التعاضد، وتصويب جهده الكفاحي الجماعي ضد الكيان الصهيوني الغاصب، وهم مفككون؟ وكيف لهم أنْ يطلبوا من الشعب الفلسطيني أنْ يتوحد، وهم مُمزقُون ماديًا، ونفسيًا؟ وكيف لهم أنْ يسعوا إلى مساعدة الشعب الفلسطيني في تحقيق تلك الغاية النبيلة، وهم متباينون على صعيد الوعي، ويعانون من التنافر المعرفي*، Cognitive dissonance؟ وكيف لهم أن يحثوا الآخرين على التناغم الكفاحي لنيل الحرية، وهم متخاصمون ويستعينون بالقوى الأجنبية لتساعدهم على الفتك ببعضُهم بعضًا؟ كيف يمكن لهؤلاء العاجزين عن مساعدة أنفسهم على التحرر من الهيمنة الخارجية أنْ يساعدوا أشقاءهم في فلسطين على التحرر من الهيمنة الصهيونية والإمبريالية؟
وبتعبيرٍ مجازي، كيف يمكن للعاري في وطنه الصغير أن يستر عورة أخيه العاري في الطرف الآخر من الوطن العربي الكبير؟ كيف يمكن للمجنون أنْ يحث الآخر على التعقل؟ وكيف يمكن للمُستأْجَر من قِبَلِ الحكومات الخليجية المجاورة، المتآمرة في غالبيتها على الشعب الفلسطيني، أنْ يناصر الشعب الفلسطيني؟ وكيف يمكن للعاجزين عن توحيد مكامن قوتهم وتصويب كفاحهم الوطني المشترك من أجل صيانة وطنهم، أنْ يحثوا الآخرين على التوحد ومساعدتهم على التحرر وصيانة وطنهم؟

وهذا يعني أنَّ على اليمنيين، الذين تحركهم قيم عربية وإسلامية وإنسانية نبيلة، ويسعون لمساعدة أشقائهم، أن يتجاوزوا الصراعات الداخلية، ويوحدوا جهودهم في المقام الأول لمساعدة أنفسهم، والاستعداد لمجابهة الأخطار المحدقة بوطنهم من الخارج.
وفي هذا الصدد، يسرني أن أوجه أربع رسائل لأربعة تنظيمات سياسية يمنية على النحو التالي:

الرسالة الأولى لأنصار الله:

إنني على يقين، أنَّكم متحمسون للقضية الفلسطينية، مثل بقية اليمنيين، وتريدون فك الحصار عن غزة وتحرير فلسطين، ولكن من يحاصر شعبه في الوطن ليس في مقدوره أن يفك الحصار عن غزة وتحرير غيره خارج الوطن. إذن حتى لا يغدو كلامكم، مجرد قنابل صوتية، فكوا الحصار عن تعز ومأرب، وشبوة، واسحبوا قواتكم من مناطق الصراع الملتهبة في مأرب والضالع ويافع الحد وتهامة، وتصالحوا مع خصومكم المحليين على قاعدة المصلحة الوطنية العليا. تخلوا عن التعالي العنصري على أبناء الشعب اليمني، واقبلوا بمبدأ القرآني العظيم وهو "إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم"، وليس أقواكم، بسبب الانتماء القبلي أو الطائفي والارتهان للقوى خارجية طامعة، لكي تكونوا أقويا بحق، وتكون رغباتكم في فك حصار غزة وتحرير فلسطين صادقًة وفعالة، ومعبرة عن الشعب اليمني، وتكون مواقفكم القومية الخارجية، منسجمًة مع مواقفكم الوطنية الداخلية وتعبير عنها.

الرسالة الثانية للمجلس الانتقالي:
أعلم أنَّ الغالبية العظمى من قواعدكم في الانتقالي ليست واقعة في أسر "اتفاقية إبراهام" مثل قياداتها العليا. فقواعد الانتقالي، مثل بقية إخوانهم اليمنيين، يتعاطفون بقوة مع الشعب الفلسطيني. وهم، مثل بقية إخوانهم اليمنيين، يدينون التخاذل العربي والتواطؤ والـتآمر والمشاركة الأمريكية والغربية في الحرب الصهيونية العنصرية العدوانية على العرب وخصوصًا على الفلسطينيين، وهم حريصون على وحدة الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية. وهم، مثل بقية أشقائهم، يرون أنَّ وحدة الشعب الفلسطيني، من شأنها أنْ تمكن الشعب الفلسطيني الموحد من تحرير أرضه، وبناء دولته الفلسطينية المستقلة والدفاع عنها، وتحقيق التطلعات الكاملة والمشروعة للشعب الفلسطيني.

غير أنَّ الموقف الخارجي القومي العظيم لقواعد الانتقالي، لن يكون فعالًا إلَّا إذا كان متناغمًا مع الموقف الوطني الداخلي. إذْ ليس من العقل في شيء أن تدعو قواعد الانتقالي لوحدة الشعب الفلسطيني، وفي نفس الوقت تتناغم مع قيادتها العمياء التي تدعو لانقسام الشعب اليمني إلى شمال وجنوب. ولا يعقل أنْ تدعو قواعد الانتقالي المناضلة إلى تأييد الشعب الفلسطيني في مواجهة القُوَى الصهيونية التوسعية الغادرة، وفي نفس الوقت، تسير خلف قياداتها الحمقاء لتي تدافع عن الإمارات والسعودية والبحرين المتواطئة مع الدولة الصهيونية. ولا يُعقل أن تدعو قواعد الانتقالي النبيلة إلى تحرير فلسطين من الاحتلال الإسرائيلي، وفي نفس الوقت تقبل أن تدافع قيادتها العميلة والرذيلة عن الاحتلال الإماراتي والسعودي لوطننا. إذًا يجب على الانتقالي، قيادة وقواعد، وبشكل عاجل، أنْ يتجاوز حالة التشوش والارتباك، ويتخذ مواقف سياسية نوعية، ناضجة، متناغمة على المستوى الوطني لكي يتمكن من المساهمة الكفاحية على الصعيدين القومي والإنساني.

الرسالة الثالثة للمؤتمر الشعبي:

في البَدْء، من المهم الإشارة مجددًا إلى أنَّ المؤتمر الشعبي، مثل كل التنظيمات السياسية في البلاد، وأعضاء المؤتمر مثل كل اليمنيين، يتعاطفون بقوة مع الشعب الفلسطيني.
ولئن كان الوجود السياسي والجماهيري لأنصار الله والمجلس، الانتقالي ينحصران في الشمال على أساس طائفي شيعي- زيدي وجهوي شمالي وقبلي، أو في الجَنُوب على أساس طائفي سني وجهوي جنوبَي وقبلي، فالمؤتمر كيان سياسي وطني.

المؤتمر الشعبي العام تنظيم كبير، له قواعد وحضور شعبي واسع في كل أرجاء اليمن؛ وأعني في الشمال، والجنوب، والشرق، والغرب وداخل كل محافظة يمنية. وهذا البعد الجغرافي والسياسي، عامل قوة، فضلًا عن أنه مِيزة وطنية كبرى، تُحسب للمؤتمر الشعبي.

ولكن هاتين الميزتين اللتين يتمتع بهما المؤتمر الشعبي: وأعني مِيزة القوة الكَمَيَّة وميزة الامتداد الوطني، تفتقران للبعد النوعي. لقد تحولت ميزتي القوة إلى ضعف. وبتعبير أوضح، فانَّ ميزتي القوة تحولتا إلى ضعف، بسبب تهلهل بنية المؤتمر التنظيمية، وانقساماته السياسية، وافتقاره لتجربة النضال من خارج السلطة، وطبيعة تكوينه التنظيمي والهرمي القيادي.

المؤتمر لم يتكون في معمعان النضال السياسي من موقع المعارضة، ولم ينبثق من قاع المجتمع، بشكل تدريجي كالأحزاب التقليدية، اليسارية والدينية والقومية، في اليمن، ولكنه لملم أعضاءه، بعجل، وجمع الصالح والطالح إلى صفوفه، حينما كان في الحكم.

لقد لملم المؤتمر أعضاءه من البيروقراطية المدنية والعسكرية والقبلية، المنضوية في جهاز الدولة الفاسدة، وفتح أبواب الانتساب إليه على مصراعيها.

وبذلك، التحق به قلة من ذوي التوجهات السياسية الوطنية المستنيرة، سواءً بسبب "كاريزمية الزعيم “أو بسبب رغبة الملتحقين في الحفاظ على المكتسبات الوطنية وإحداث تحولات إيجابية في بنية المجتمع اليمني. وفي ذات الوقت التحقت بالمؤتمر قطاعات واسعة، بسبب أغراء المناصب والمكاسب، ولم تكن ذات توجهات أيديولوجية وطنية صارمة.

ولذلك، حدث ما كان متوقعًا، فعقب سقوط المؤتمر، ومقتل زعيمه، وانطفاء مركز الولاء الثلاثي الأبعاد، وأعني الزعيم والسلطة والمال، تعددت موالاة المؤتمريين للخارج، وانحصرت بين الإمارات والسعودية بدرجة أساسية، وبدرجة أقل، بسبب قلة الحيلة والتعقيدات الظرفية، بين إيران، وقطر وتركيا.

ومع ذلك، يمكننا القول أنَّ المؤتمر، في سياق نشاطه السياسي والتنظيمي، تمكن من ضم عناصر سياسية نشطة إلى صفوفه، عناصر ذات ميول قومية ويسارية وليبرالية، لها توجهات وطنية، وأعني بذلك، عناصر متمسكة بالفكر الجمهوري وبوحدة الوطن ولديها ميول ديمقراطية. ولكن لا يبدو أنَّ المؤتمر الشعبي، كتنظيم سياسي، قد استفاد من أخطاء تجربته السابقة في الحكم، وقدم رؤية نقدية لماضيه، وتعلَّم كيف يكون جمهوريًا، وكيف يكون وحدويًا، وكيف يكون ديمقراطيًا.
واليوم، انحصرت توجهات المؤتمر في نقد الحوثي، والحديث العاطفي عن الزعيم المغدور به، علي عبد الله صالح، وعن حِقْبَة الزمن الجميل، التي حَكم فيها، ولكن هذه رؤى سياسية قاصرة للماضي ولن تحقق المأمول في المستقبل.

ولذلك، ولكي يتجاوز المؤتمر حالة الانفصام السياسي، يجب عليه أنْ يتوحد تنظيميًا وسياسيًا، ويجب عليه أن يتحرر من الولاءات الخارجية المشبوهة، وخصوصًا للسعودية والإمارات، ويجب عليه أنْ يعترف بأخطائه السابقة، وأن يسعى لتخطيها. ويجب عليه أن يتجاوز نزعاته الثأرية من خصومه السياسيين، ويقيم صلات سياسية عميقة مع كل القُوَى السياسية اليمنية، بمختلف مشاربها الفكرية والسياسية، ويجب عليه أن يستغل الظروف السياسية القائمة، ويتفاعل بمسؤولية مع التوجهات الجديدة، الداعية للمصالحة الوطنية، لكي ينتصر لليمن، ويتمكن من نصرة أهلنا في فلسطين المحتلة.

الرسالة الرابعة لحزب الإصلاح:

أعرف أنكم متعاطفون مع قضية فلسطين، مثل بقية اليمنيين، ولكن يجب ألَّا تتوهموا أنَّ صلابة جماعة حماس في غزة وسائر المدن الفلسطينية، وحماسها وتفانيها دليل على صلابتكم وإخلاصكم وتفانيكم لقضية فلسطين دون بقية اليمنيين، لمجرد إسلامية المنطلقات الأيديولوجية لجماعتكم التي تتشابه مع جماعة حماس، وأنَّ خطابات عبد الله العديني، المشغول بنقد رواد السينما والممثلات، والهجوم على مرافقي البنات في الجامعات، مثل خطابات أبو عبيده، المهموم بإبراز البطولات وفضح آفات الذين يدنسون المقدسات.
إذْ يجب أنْ تدركوا أنَّ جماعة حماس، على النقيض منكم، نضجت في معمعة نضالها السياسي، وتعلمت من أخطائها، وهي اليوم منفتحة على كل الفصائل الفلسطينية والعربية الأخرى: الإسلامية، بشقيها السني والشيعي، ومنفتحة على القُوَى القومية واليسارية. ولذلك، لكي تكون مواقف حزب الإصلاح متناغمة وعقلانية، يجب على حزب الإصلاح أن يتحرر من الرؤى المشوشة التي تحكم توجهاته. وعليه أنْ يتحرر من التبعية للسعودية، التي تستغفله أو، بتعبير أدق، تستغفل قسمًا وازنًا من قياداته. فالسعودية تسعى للتطبيع مع إسرائيل وتعمل على تمزيق اليمن وبسط سيطرتها عليه وتقاسمه مع الإمارات.

كما أنَّ على حزب الإصلاح أنْ يتجاوز النزعات الثأرية، وأنْ يفتح باب الحِوار الداخلي في إطاره، ويسمح بالتجديد الفكري، فلا يعقل أنْ تكون القيادة العليا تقليدية، تنتمي إلى الماضي البعيد وغارقة في أفكار ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، والقيادات الوسطية وقواعد الإصلاح، منفتحة، ومهمومة بقضايا العدالة والحرية، وأقرب في تفكيرها إلى توجهات على ببيجوفيتش.
كما أنَّ على حزب الإصلاح أن يتواصل مع الجماعات الوطنية اليمنية خارجه، وعليه أن يعيد ترميم علاقاته بالمكونات السياسية المحلية: كالانتقالي، والاشتراكي، َّوالجماعات القومية، وأنصار الله والمؤتمر الشعبي. ذلك أن تجاوز الانقسامات الوطنية، َسيُمكِّنَه، مع المجموعات الوطنية الأخرى، من مجابهة الأخطار المحدقة باليمن، ومن ثم الدفاع عن قضية فلسطين، وعن مجمل القضايا القومية والإنسانية المشروعة.

خلاصة القول: إنني أُوجِّهُ رسائلي لكل التنظيمات السياسية اليمنية وأقول: تجاوزوا مثالبكم الوطنية الكثيرة، وصونوا وطنكم، واستروا عوراتكم السياسية، وتدثروا بالقيم العقلانية والوطنية، وتخلصوا من حالة الانفصام السياسي لكي تتمكنوا من المساهمة في نصرة القضايا القومية والإنسانية العادلة.

* التنافر المعرفي، مصطلح في علم النفس، يشير إلى الانزعاج النفسي، أو التوتر الذي ينشأ عندما يكون هناك تناقض بين معتقدات الشخص، أو مواقفه أو قيمه وتجاربه أو سلوكياته الفعلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البرازيل.. سنوات الرصاص • فرانس 24 / FRANCE 24


.. قصف إسرائيلي عنيف على -تل السلطان- و-تل الزهور- في رفح




.. هل يتحول غرب أفريقيا إلى ساحة صراع بين روسيا والغرب؟.. أندري


.. رفح تستعد لاجتياح إسرائيلي.. -الورقة الأخيرة- ومفترق طرق حرب




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا قصفت مباني عسكرية لحزب الله في عي