الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نمط كلاسيكي في مواجهة كتل سمنتيّة

يوسف المحسن
كاتب، روائي

(Yousif Almouhsin)

2024 / 2 / 1
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


بيت تراثي يستقبل الزائرين بعد شهور من العمل المتواصل ليفتح ابوابه امام الفعاليات الثقافية والفكريّة، الافتتاح الذي اعقب عملية ترميم وبناء حافظت على الهوية التراثية والقيمة الفنية المعمارية للبيت وبمبادرة شخصية من مالكه المعلم المتقاعد والذي تحمّل تكاليف الترميم تاركاً خلف ظهره المغريات المالية التي قدمت له كون الدار واقعة في الوسط التجاري للمدينة.
البناؤون السماويون من الجيل الاوّل حرصوا على خلق صلة انسجام بين فنون العمارة الاسلاميّة والغربيّة والشرقيّة، وخيالاتهم التصميميّة انحازت الى استلهام الطبيعة المحيطة من زخارف نباتيّة واقواس تنسجم مع التغيّرات المناخيّة في المدينة ذات الحرارة العالية في فصل الصيف والبرودة النسبيّة في فصل الشتاء، وبدى ذلك جليّاً من خلال تصميم الشبابيك العالية واستخدام الاخشاب واعمال الحفر والمشبكات، وغالبا ما تزجج الشبابيك التي تطل على الايوان الوسطي للبيت بالألوان الزاهية وتسوّر بالزخارف الجبسيّة، فيما الشبابيك الخارجيّة والمرتفعة نسبيّاً عن الارض او في الطابق الثاني صممت للتحكّم بإدخال كميّة كافية من الاضاءة دون الاضرار او التأثير على درجة الحرارة في داخل المنزل وذلك من خلال استخدام المشبكات.
عن قصة البيت يتحدّث مالكه الحاج عبد اللطيف الجبلاوي المولود في مدينة السماوة قائلاً "هو بيت اسرتنا الكبيرة قبل اكثر من مئة عام، يتوسط المدينة القديمة التي توسعت اليوم كما تلاحظون، انا واخوتي ولدنا في هذا البيت وكبرنا وغادرناه كل منّا الى بيته الخاص وبقي بيت العائلة متروكاً يواجه مصيره، وكنت ازوره من فترة الى اخرى واسترجع ذكريات طفولتنا التي تركت اجمل الاثر في روحي وقلبي، كل ركن فيه وكل قطعة خشب او طابوق تشكل جزء من الايام السابقة، لقد تحوّل في رأسي الى كائن حي بفعل السنوات الطويلة والايام التي قضيتها فيه لذلك قررت ان احافظ عليه لأنه شاخص حضاري وانساني ومعلم اجتماعي يعكس مراحل من تقدم العمارة في هذه المدينة".
ويتابع ابو مراد حديثه وهو يحدّق في بئر الماء الذي تم حفره في البيت وكان مصدراً للماء العذب في العقود الماضية قبل ان تصل محطات التحلية الى المدينة "اينما التفت وفي كل زاوية من المنزل ثمة ذكرى، لقد كان تحفة معماريّة سبقت مثيلاته، وكان محط اعجاب الشخصيات والاهالي الذين يزورون المدينة والتي كانت في وقتها صغيرة، اليوم المدينة زحف عليها الطراز الحديث في البناء وتحولت المنازل الى كتل سمنتيه جامدة لا حياة فيها، ثم يضيف قائلاً الجبلاوي "الخطوة الاولى هي الحفاظ عليه من الهدم والاندثار ثم استعنت بطاقم متخصّص من البنائيين والمعماريين لإعادته كما كان وباستخدام ذات المواد التي شُيّد منها حتى انني استعنت بالصور القديمة وما خزنته الذاكرة من تفاصيل زخرفيّة ونقوش وتوزيع للأثاث، والاكيد ان العملية صعبة ومكلفة ماليّاً وكان الاولى بحسب آخرين ان احوله الى مركز تجاري وانتهى لكنني قطعت عهداً بآن احافظ عليه وابقيه شامخاً وشاهداً على حقبة زمنيّة كان فيها كل شيء ذي طعم مميز".
ومع شروع السلطات المحلّية بإخلاء مبنى البيت الثقافي التابع الى وزارة الثقافة وبانتظار الحصول على مقر جديد، صار البيت التراثي مكاناً لأولى الفعاليات الثقافية والتي شهدت حضورا اكتظت به باحة المنزل وزواياه وكانت امسية شعريّة تم فيها ايضا الاستماع الى عزف على آلة القانون حيث قدّمت وصلات موسيقية من التراث العراقي امتزجت مع الطبيعة التراثية للمكان، ليستمر البيت مفتوحاً امام النشاطات والاماسي والمعارض الفنّيّة والتشكيليّة والاصابيح الثقافيّة وبالتعاون مع الاتحادات المهتمّة بحركة الثقافة والتراث، وهي الخطوة التي نالت اعجاب واستحسان المبدعين واهالي مدينة السماوة، ويعود تاريخ بناء دار الجبلاوي في المحلة القديمة لمدينة السماوة الى مئة وعشرين عاما، شركة متخصصة بالاستشارات الهندسية والمعمارية اشرفت على تنفيذ الاعمال والتي حصلت على جوائز دولية من مؤسسات علمية تعنى بفن العمارة والحفاظ عليه، ويتألف البيت من طابقين وعدد كبير من الغرف المسقوفة بالأخشاب، فيما تحتوي جدرانه على نقوش وزخارف واعمال نحتية بالغة الدقة لتعكس جوانب من مهارة البنائين السماويين الذين استلهموا افكارهم من خيال واسع ورغبة واضحة لإظهار مميزات الفن المعماري .
وتعد الشناشيل العراقية بشكل عام والسماويّة المستوحاة منها بشكل خاص الركن الاساسي في فن العمارة الشرقي والتي اثرت وتأثرت بالحراك المجتمعي والمعرفي والديني، فهي اطلالات على الدروب والجادات والشوارع من زوايا عدّة وبما تمثله قيم ومزايا جماليّة وفوائد سبقت استخدام الاجهزة والوسائل الحديثة في التكييف والتهوية، وقد روعيت هذه الميزات في تصميم وتنفيذ الكثير من البيوت السماوية ومن بينها بيت الحاج ابو مراد، حيث تضاف الحواجز والمسوّرات الخشبيّة المخرمة او المفرغة من الطابوق والآجر وبأشكال مربعة ومثلثة ودائريّة تمنح البناء فخامة وعمقاً وتناسقاً عمرانيّاً، اضافات حوّلت البيت التراثي في السماوة الى ملاذ اخير للطراز الكلاسيكي في البناء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الحالة الرابعة لنزع حجاب المتظاهرات.. هل تتعمده الشرطة ا


.. استشهاد طفلين وإصابة آخرين إثر غارة إسرائيلية استهدفت منزلا




.. طلاب جامعة بيرزيت يطردون السفير الألماني من المتحف الفلسطيني


.. نتنياهو: سنواصل الحرب حتى تحقيق أهدافها كافة بما في ذلك تنفي




.. باتيل: إذا لزم الأمر سنحاسب مرتكبي الجرائم بقطاع غزة