الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العودة المستحيلة !

عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث

2024 / 2 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


أثبت قانون التطور، وأساسه حركة الحياة الدائبة واتيانها بالجديد المستجد دائمًا، صلابته وصلاحيته ليكون مُنطلق قوانين علوم الاجتماع الإنساني. للتدليل على هذا التقديم، نتخير أمثلة تربط بين ماضينا نحن العرب وحاضرنا، ما يزال بعضها موضع جدل لم يُحسم حتى يوم الناس هذا. نبدأ بحلم العودة إلى أزمان السَّلَف، حيث يفرض نفسه السؤال: هل ما كان صالحًا لأزمانهم يناسب حاضرنا؟! في الإجابة، نستحضر مبدأ "إذا بويع لخليفتين فاقتلوا واحدًا منهما"(صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء). أما اليوم، فالديمقراطية حلم الشعوب، وأحد أبرز عناوين العصر، ومن أهم معايير التقدم وعناصر القوة في زمننا. في زمن السلف، طاعة الأمير واجبة، حتى لو فجر وظلم، ومعارضته خروج على وحدة الصف،"فاسمع للأمير حتى لو ضرب ظهرك وأخذ مالك"(حديث صحيح). في بيئة السلف البدوية القاسية، لا يمكن توحيد القبائل، وحتى القبيلة الواحدة، إلا بقوة غلاَّبة قاهرة. وعليه، قامت فلسفة السياسة على أن ظلم السلطة لرعاياها عقوبة ربانية تأديبية، من واجبهم تحملها والصبر عليها. عن عبدالله بن عمر:"إذا كان الإمام عادلًا فله الأجر وعليك الشكر، وإذا كان جائرًا فعليه الوِزر وعليك الصبر، فهذا امتحان من الله يبتلي به من يشاء من عباده، فعليكم أن تتقبلوا امتحان الله بالأناة لا بالثورة والغيظ". وفق هذا المنطق، الظلم ليس ظُلمًا، فالحاكم ظل الله في الأرض ومندوب السماء، وبالتالي، من حقه تأديبنا بغض النظر عن مؤهلاته على صُعُد القدرات المعرفية والتوازن النفسي والسلوكي، وعلينا في المقابل أن نصبر ونتقبل الإمتحان الإلهي عن رضى وطيب خاطر. بمعايير العصر، نحن هنا أمام منطق بدائي يبرر قهر الإنسان وظلمه بالقدر الذي يبرئ ذمة المستبد السفاح.
من أهم معايير الديمقراطية بمفهومها الحديث، التداول السلمي للسلطة. أما في أزمان السلف، "إذا مات الإمام، فتصدى للإمامة من جَمَعَ شرائطها، من غير استخلاف ولا بيعة، وقهر الناس بشوكته وجنوده، انعقدت خلافته لينتظم شأن المسلمين، فإن لم يكن جامعًا للشرائط، بأن كان فاسقًا أو جاهلًا، فوجهان: أصحهما انعقاد الخلافة لمن ذكرنا، وإن كان عاصيًا بفعله". بالنسبة للسلف، وشروط واقعهم المادي بأبعاده الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كانت هذه المرجعية السياسية ضرورة لضمان استمرار تماسك ما يسميه مفكرنا الكبير الراحل، سيد القمني، "التوحد القبلي الكونفدرالي"، وما يزال دعاة "الدولة الدينية" في مجتمعاتنا اليوم في القرن الحادي والعشرين يتمسكون بها. أما بمعايير الحاضر، فهناك وصف واحد لهذه المرجعية: اغتصاب السلطة !
حيث تسود فلسفة سياسية كهذه، المعارضة ممنوعة بل ملعونة، والتعددية والديمقراطية من أرجاس الشيطان، والرأي المختلف هرطقة. الحاكم هنا، هبة السماء للأرض، يفهم في كل شيء، ويفكر عن رعاياه، ويعرف مصالحهم أكثر منهم. وفوق هذه كلها، لا تفتأ أبواقه، وفي مقدمهم فقهاء السلاطين، تبرر للحاكم المُلهم الضرورة جمع السلطات كلها بيده، للحفاظ على وحدة الصف ومنع الفتن ما ظهر منها وما بطن.
هذا غيضٌ من فيض ما يمكن إيراده لتأكيد حقيقة أن ما كان صالحًا لأزمان السلف، يستحيل الأخذ به في زماننا. هذه القاعدة تحيلنا إلى عناصر النهوض والتقدم في حاضرنا، ونعني ثالوث العقل والعلم والديمقراطية. العقل، أي أن يكون هو مناط الحكم على الأشياء وليس النص الديني. فالأمم تتقدم بعقولها وأفكارها، وليس بأديانها. العلم، أهم منتجات العقل. العلم المقصود، كما حدده غاليلو، ينهض على الابتكار والإبداع والإختراع. أما الديمقراطية، فمن أهم معاييرها وشروطها التعددية والتداول السلمي للسلطة. وأهم ثمارها دولة المواطنة وليس الرعايا، والفرق بين المفهومين كبير. المواطنة تعني ضمن أهم ما تعنيه، اختيار المواطنين من يحكمهم ويمثلهم في انتخابات حرة نزيهة. ليس انتخابه فحسب، بل متابعة إدائه على صعيدي التقييم والتقويم، ومساءلته ومحاسبته وصولًا إلى إقالته إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك. بهذا يكون المواطنون مواطنين، أما إذا كانوا يُساسون بمبدأ "أسيادكم في الجاهلية أسيادكم في الإسلام"، فإنهم رعايا بمعايير العصر الحالي وليسوا مواطنين.
ونختم بما نرى أنه جديرٌ بالإشارة، ونعني الربط الخاطئ في أذهان الكثيرين في مجتمعاتنا بين الديمقراطية ودول الغرب الاستعماري العنصري. الديمقراطية ثقافة أولًا، يفرضها مستوى متقدم للواقع المادي اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا. وهي في الأصل، إرث إنساني بدأت تجربتها الأولى في أثينا، خلال القرن الخامس قبل الميلاد. ولا تخفى على الباحث الموضوعي النابه عناصر الديمقراطية في كل ثقافة، متمثلة بالإضافة إلى التداول السلمي للسلطة بالعدل وتكافؤ الفرص واحترام حقوق الإنسان وكرامته وسيادة القانون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ظاهرة غريبة.. السماء تمطر أسماكا في #إيران #سوشال_سكاي


.. مع تصاعد الهجمات في البحر الأحمر.. تعرف على أبرز موانيه




.. جنود الاحتلال يحتجزون جثمان شهيد من المنزل المستهدف في طولكر


.. غارة إسرائيلية استهدفت منزلا بمنطقة الصفطاوي شمال غزة




.. قائمة طويلة من لاعبين بلا أندية مع اقتراب فترة الانتقالات ال