الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حديث البيدق/ طوفان الأقصى.. حتى لا ننسى (17)

نورالدين علاك الاسفي

2024 / 2 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


الحديث في العقل؛ على وجه التجريد المحض؛ بادراك يتغيى ذاته و حقيقته؛ لا يعدم الحوط بآليات اشتغاله؛ و مراعاة عتبات تمظهراته؛ برهان تصفير حدي القضايا في طروحاته. أما النظر في العقل بالحال؛ على وجه العرض؛ متخارجا عن الحقيقة. لا يستعيض عن الفعل و الانفعال بواقع الأمر؛ و ما يعتمل في المآل. و قد غدا مفارقا لأول الفكر نهاية العمل، أو صار محايثا لبداية العمل نهاية الفكر.

أما رصد البيدق على هدى تحركه و مراقبة مساره على الرقعة المتراصة؛ و هو يعارك الحال بعين على المآل؛ تتحسس الوضع في الخندق. و تختبر أبعاد المربع؛ حيث انحشر؛ مستشرفا تطلعات حركته؛فلا ناصر له اليوم من روي محض أو من تفكير بحت سيكبحان من نقلته المرتبكة. باضطرار أصاب أو على اللزوم خاب. و تلزمه بالخروج عن طوعه فيطلق العنان للعند الذي يأخذه إلى أبعد حدود العته؛ حيث لا ملاذ له؛ فما لم يكن يحسب له حسابا وقع و ما له في باله وارد حدوث طرأ .

البيدق المعتوه؛ و بوازع الأهواء لا يستنكر صافي رهاناته لما يدعم نصاب مراميه. لكن سرعان ما يتنصل منها و يسقطها من غامر تقديره أو اعتباره لما تسقط معالم مصالحه من ضافي حساباته. و في باله يستحضر أنه " خلال القرن الذي مضى حاولت القوى العظمى مرارا التصرف على الرغم من الفلسطينيين؛ و بتجاهلهم و بالتفاوض بدلا عنهم أو من فوق رؤوسهم، أو بادعاء عدم وجودهم، غير أن الفلسطينين في مواجهة احتمالات قوية ضدهم قد اظهروا قدرة عنيدة على مقاومة هذه الجهود لحذفهم سياسيا و تفريقهم في الجهات الأربع." [1]

فالحدس بالقادم يقلل بشكل كبير من التعقيد الاندماجي و لا يمكنه استنفاد ثراء واقع يمور أحداثا جسام. الحسم فيها مرهون بصراع عقول؛ المرونة و الإبداع في ذاتهما له غاية، يأتي بهما على القوة الغاشمة.

البيدق لا يراجع ذاكرته إلا لتقره على ما يرفضه. فقد مرّت أكثر من عشرة أعوام على الكشف عن أول نفق بالقرب من معبر إيرز في سنة 2005، قبل أن تبدأ المؤسسة الأمنية بأعمال إنشاء العائق تحت الأرض، الذي يجمع بين حواجز خرسانية عميقة وأجهزة استشعار جيو صوتية. انتهى العمل على إقامة العائق في نهاية سنة 2021، مع وعود كبيرة، وكانت القيادة الأمنية متأكدة من أنه سيمنع أي هجوم واسع النطاق على الأراضي الإسرائيلية. من هنا، لم يشعر أحد بإلحاح العمل ضد الأنفاق في داخل قطاع غزة.

"حماس" أدركت بفطنة لافتة أن " العائق أدى إلى تراجُع موضوع الأنفاق في داخل القطاع في سلّم أولويات الجيش الإسرائيلي. هذا لا يعني أننا لم نهتم بذلك. لكن كان هناك انطباع في المؤسسة الأمنية أنه ما دامت هذه الأنفاق لم تتجاوز الحدود، فإنها لا تشكل تهديداً لنا". لكن العائق لم ينجح في الاختبار في 7 أكتوبر، وتم التخلي عن الجدار فوق الأرض، والأنفاق في داخل القطاع ابتلعت أكثر من 150 مخطوفاً.[2]

يتعين على المؤسسة الأمنية الاعتراف بأن تدمير الأنفاق كان منذ البداية هدفاً غير واقعي. ربما في إمكان الجيش مواجهتها كتهديد عسكري، لكن هذه الأنفاق ستبقى تحت غزة.

المهندس المائي يائير رامتي؛ الذي لم يعالج قط الأنفاق، لكنه يُعتبر أحد مؤسسي المشروع الدفاعي الإسرائيلي ضد الصواريخ؛ اختصر القناعة الفاصلة "في السماء، ستكون إسرائيل دائماً متفوقة تكنولوجياً. لذلك، ستحاول "حماس النيل منا من تحت الأرض".

و هذا ما علق عليه غالانت ببصيرة تستشرف غير المرغوب: إذا لم يفكّك الجيش الإسرائيلي قدرات حركة "حماس" بالكامل، فلن يكون في الإمكان العيش في إسرائيل. معاريف18 يناير 2024[3]

فالصدام بين القوى المتعارضة؛ دافعه قضية عادلة وإيمان عقائدي و حراك زئبقي. و كفيله عبارة متبصرة من رشيد الخالدي بحق الكيان البيدق و مستوطنيه حيث أن" قلقا غير معلن بأن واقعا تم صنعه بحذر و واقع استعماري مبرر يعيشون فيه قد ينهد فجأة.[4] فإن حاصله لا يعدم إقرار أن ما جرى ليس مسوغا لوضع عابر، يلزم التأقلم مع متغير الحاصل. بل في حقيقته يوطن قناعة على رغمه. لقد "خسرنا – المشروع الصهيوني - بسبب الغطرسة والتكبر".[5]

-------------
[1] رشيد الخالدي؛ حرب المائة عام على فلسطين، الدار العربية للعلوم ناشرون. الطبعة الأولى 2021. ص336
[2]أنشيل بابر. 3 أشهر من القتال أثبتت أن الأنفاق تحت غزة لا تزال هنا، وستبقى هآرتس22 يناير 2024
[3]غالانت: إذا لم يفكّك الجيش الإسرائيلي قدرات حركة "حماس" بالكامل، فلن يكون في الإمكان العيش في إسرائيل. معاريف18 يناير 2024
[4] رشيد الخالدي؛ حرب المائة عام على فلسطين، ص 346.
[5] من فيديو حوار مع الباحث الإسر ائيلي إلياهو يوسيان. . 2024-01-18 ترجمة عن العبرية. د. أحمد سليم. Youtube.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. متضامنون مع غزة في أمريكا يتصدون لمحاولة الشرطة فض الاعتصام


.. وسط خلافات متصاعدة.. بن غفير وسموتريتش يهاجمان وزير الدفاع ا




.. احتجاجات الطلاب تغلق جامعة للعلوم السياسية بفرنسا


.. الأمن اللبناني يوقف 7 أشخاص بتهمة اختطاف والاعتداء -المروع-




.. طلاب مؤيدون للفلسطينيين ينصبون خياما أمام أكبر جامعة في الم