الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب غزة الكاشفة (1 من 2)

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2024 / 2 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


نهاد أبو غوش
لكل حرب سماتها وملامحها، وتأثيراتها المباشرة والبعيدة المدى، مبرراتها ومقدماتها ثم ما تحفره عميقا في وعي الأجيال كما فعلت حرب حزيران 1967 في أجيال متلاحقة من العرب، إلى جانب ما في الحروب عبر التاريخ من مشتركات. غالبا تجتمع في الحروب عوامل القوة والعنف والتوحش مع نتائج تأثيرات ذلك كله على الكيانات والبشر من نشوة الانتصار ومذلة الهزيمة، آلام ومعاناة وتشريد ودمار ودموع وبطولات وعجز وخذلان. كل ذلك يجتمع الآن في حرب الإبادة المستمرة على غزة، معركة طوفان الأقصى، والتي أسمتها إسرائيل "السيوف الحديدية" ثم اختارت لها اسما توراتيا ينم عن التأسيس والإرساء وهو "سفر التكوين" لإسباغ طابع ديني عليها، مع أن الاسم لم يشق طريقه بسلاسة في عالم الإعلام. أما الحرب فهي "ما علمنا وذقنا" في كل المعارك والوقعات التي عرفناها أو قرأنا عنها، ولكنها في غزة تكتسب أبعادا وطنية وإقليمية وكونية لا سابق لها، فإلى جانب وجهيها المتلازمين المتكاملين: المأساة والكارثة الإنسانية والعذابات الهائلة من جهة، مع الصمود البطولي للشعب والمقاومة من جهة أخرى، فإنها غدت حربا كاشفة لكل عيوب وعورات النظام الدولي السائد ومعاييره المزدوجة، ودور النظام العربي ومؤسساته، ولطبيعة إسرائيل الدولة والمجتمع، ولدور الأفكار والإيمان بها في المواجهات التي تقع بين أطراف غير متكافئة في قواها المادية، وغير ذلك كثير مما أظهرته أيام الحرب الطويلة، وما سوف يظهره المستقبل والفحوص المدققة لما جرى ولتداعياته البعيدة الأثر.
لعل أبرز ما كشفت الحرب النقاب عنه هو الوجه الحقيقي لإسرائيل، هذه الدولة التي أنشئت وقامت على جرائم الإبادة والتطهير العرقي، وطوال تاريخها استخدمت المجازر والمذابح كأدوات لتنفيذ أهدافها السياسية من تهجير للسكات الأصليين، وردع للخصوم، وكانت وما زالت تتصرف وكأنها فوق القانون وخارج نطاق أي مساءلة أو محاسبة من المجتمع الدولي وأدواته القانونية.
حرب غزة أزالت مساحيق التجميل التي أخفت وجه إسرائيل الحقيقي، حيث نجحت في تضليل أوساط واسعة في الغرب كما في المحيط العربي والإسلامي، وتقديم نفسها كدولة ديمقراطية وليبرالية متحررة، ومعجزة صناعية وتكنولوجية، ودولة ترغب في التعايش والسلام. كثير من المجازر التي اقترفتها إسرائيل كانت بحاجة إلى دراسات وجهود استقصائية واستنطاق من بقي من الشهود، وكشف بعض الوثائق بعد مرور وقت كافٍ الذي يمتد أحيانا لنصف قرن من الزمان أو أكثر. لكن جرائم اليوم تنفذ على الملأ بالبث الحي والمباشر، وبالصوت والصورة، وتشهد عليها المنظمات الأممية بعشرات التقارير الموثقة.
لقد بدا واضحا منذ الأيام الأولى للحرب أن إسرائيل ترتكب عدة أنواع من جرائم الحرب مجتمعة وهي جريمة الإبادة الجماعيو لمجموعة عرقية أو قومية هي الشعب الفلسطيني، وجريمة فرض العقوبات الجماعية من خلال منع دخول الطعام والماء والدواء والوقود لجميع السكان من دون تمييز، وجريمة التطهير العرقي والتهجير، ومضت إسرائيل في اقتراف هذه الجرائم دون أدنى خوف من عقاب أو حساب، وراح مسؤولوها يحرضون على ارتكاب المزيد، بما في ذلك دعوات إلقاء قنبلة ذرية لحسم الصراع واختصار الزمن، وتهجير الفسلطينيين إلى أي دولة تقبل باستيعابهم من كندا إلى الكونغو وصولا لاقتراح بناء جزيرة صناعية لاستيعاب هذا الكم البشري الذي تنظر له إسرائيل، لا بوصفهم بشرا وشعبا مجاورا ترتبط قيادته معها باتفاقيات سلام، بل كمجموعة من المشاكل الإنسانية والإرهابية والديمغرافية. من الواضح أن هذه النزعة المنفلتة من كل الاعتبارات تراجعت قليلا بعد قبول محكمة العدل الدولية دعوى جنوب افريقيا، وإخضاع كل ممارسات إسرائيل للمساءلة والفحص، لكن لغة "الحل النهائي" المستوحاة من أدبيات النازية ما زالت حاضرة بقوة في الخطاب الإسرائيلي الرسمي والأهلي.
أظهرت الحرب، كما لم تفعل قضية عالمية أخرى، مدى إجحاف وظلم النظام الدولي، وازدواجية المعايير التي يستخدمها سادة هذا النظام، في تطبيق القوانين الدولية، التي يجري تكييفها ومواءمتها بحسب جنسية الجاني والضحية ولونهما وهويتهما العرقية والدينية، وليس أدل على ذلك من مواقف الإدارة الأميركية، التي ما زالت تتصرف بوصفها رئيسة هذا النظام الدولي وشرطي العالم، والمفارقة أنها ما زالت تعتبر نفسها الراعي الحصري لمسيرة "السلام" و"التسوية" بين الفلسطينيين وإسرائيل. فهذه الإدارة ترى ما تريد وتغض النظر عما لا يروقها ولا ينسجم مع مواقفها، تتلقف الحج والأعذار الإسرائيلية من دون الحد الأدنى من عمليات التحقق والتدقيق. ينفطر قلب الرئيس الأميركي – كما قال- لدى سماعه أنباء مقتل اسير يحمل الجنسية الإسرائيلية، وهو في الواقع جندي في الجيش الإسرائيلي، ويشكك في أرقام الضحايا الفلسطينيين، ويصم أذنيه عن الإحصائيات المفزعة لوكالات الأمم المتحدة جميعها التي تؤكد مقتل ما معدله مئة طفل فلسطيني في اليوم – قياسا بطفل أوكراني واحد خلال الحرب الدائرة منذ عامين-. أما الناطق باسم الخارجية الأميركية مايك ماثيو، والذي تدعي أجهزة إدارته معرفتها بحركة الطائر والفراشة على سطح الكوكب، فقد بدا كشخص مغفل أمام هجوم الصحفيين وهو يدعي عدم معرفته بنسف الجامعات والمستشفيات والمساجد والكنائس والبيوت والمنازل والمقابر والطرقات وكل معالم الحياة في قطاع غزة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -