الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


زابيل يسايان صوت ضمير المرأة الأرمينية في الأدب الأرمني

عطا درغام

2024 / 2 / 5
الادب والفن


عاشت زابل يسايان مع آلام شعبها واستطاعت أن ترى تعذيب الأرمن ، والدليل الواضح على ذلك هو إرثها الأدبي وأنشطتها العامة. لقد كانت فنانة حقيقية ، وكانت أفكارها للجمال تزين الإيمان بالإنسان والناس .
واستطاعت أن تخلق بإبداعاتها روحًا جديدة في الأدب الأرمني في بداية القرن العشرين ، لأنها كانت شاهدة في أهم مراحل تاريخ الأمة الأرمنية الجديد، ونجت من مذابح قيليقيا ، والإبادة الجماعية للأرمن عام 1915 ، وشهدت ولادة أول جمهورية أرمنية ،وتشكيل الشتات الأرمني.لقد جاءت إلى الوطن، وسرعان ما أصبحت واحدة من ضحايا استبداد ستالين.
وتربعت بمكانتها الدائمة في كوكبة العظماء الأرمن ، ليس فقط ككاتبة موهوبة وسيدة كبيرة في صحافة التحليل النفسي ، ولكن أيضًا كشجاعة ومتحركة لحماية حقوق المرأة الأرمينية ، وخاصة المساواة بين الجنسين .
المولد والنشأة
ولدت زابيل يسايان في 4 فبراير 1878، في ضاحية سلحدار في منطقة سكودار في إسطنبول،والتحقت في العاشرة من عمرها عام 1888 بمدرسة الصليب المقدس، مدرسة أرمينية مجاورة لمحل إقامتها، حيث تزايد اهتمامها باللغة والأدب.
انتقلت إلي باريس في ديسمبر 1895، والتحقت بجامعة السوربون ودرست الأدب الفرنسي والفلسفة ،وعند عودتها إلي إسطانبول بعد سبعة أعوام، تعرضت حياتها لتغير جذري،و تزوجت وأنجبت طفلين، ونجحت في أن تصبح كاتبة مرموقة في الأدب الأرميني الغربي.
في عام 1909، عادت إلي إسطنبول بعد ثورة تركيا الفتاة ،وذهبت مع مجموعة من السياسيين والمثقفين إلى أضنة لدراسة الأحداث على الفور والحصول على معلومات مباشرة ، وخلال ثلاثة أشهر قضتها جمعت مشاهداتها وأبحاثها وشهادات وقصص ضحايا أضنة في كتابها "بين الأنقاض" الذي نشرته في إسطانبول عام 1911 .
وفي الرابع والعشرين من أبريل عام 1915 ، صدر قرار بالقبض علي المفكرين والمثقفين الأرمن لتنفيذ سيناريو الإبادة، وكان إسم زابيل يسايان هو اسم المرأه الوحيد في قائمة أسماء الرجال المطلوب اعتقالهم وترحيلهم عن تركيا ،لأنهم من الأرمن المثقفين ,وصدر القرار، لكن زابيل تجنّبت الاعتقال،واختبأت في إحدي المسنشفيات،وقدمت نفسها أولاً على أنها امرأة تركية ثم كصانعة صنج يونانية ، ثم هربت إلى بلغاريا، ثم إلى القوقاز.
وفي عام 1917 ،عملت مع اللاجئين على توثيق روايات شهود العيان عن الأعمال الوحشية التي وقعت خلال مذابح الأرمن.
وفي عام 1918 غادرت باكو لمساعدة الآلاف من الأيتام الأرمن المنتشرين في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وسافرت إلي باريس عام 1921، وعملت كمحرر لمجلة "يريڤان". ورأت ، الأدب كقوة مؤثرة ومخاطبة القراء: " لقد حان الوقت لاعتبار الأدب أقوى رباط لإبقاء شعبنا المشتت في مكان واحد والتصرف وفقًا لذلك"..
وبين عامي 1926 -1927، زارت زابيل يسايان موسكو وأرمينيا السوڤيتية ،و في عام 1933 تنتقل يسايان إلى أرمينيا،وتنضم إلى مجلس إدارة اتحاد الكتاب الأرمن، وتدرس الأدب الأرمني الغربي في جامعة ولاية يريڤان.
النهاية
خلال فترة التطهير الأعظم التي دبرها ونفذها ستالين في الاتحاد السوڤييتي بين عامي 1936 _ 1938 بقيام سلطاته بحملات منظمه من القمع والاضطهاد السياسي التي شملت عمليات قتل واسعه لمسؤولي الحزب الشيوعي والحكومة والفلاحين وقيادات الجيش الأحمر , والمراقبه البوليسيه الصارمه وتوجيه تهمة ( التخريب ) للمواطنين دون قيد أو شرط والتي تكون عقوبتها التعذيب والنفي والإعدام.
وفي عام 1937، تم توجيه تهمة التعصب القومي إلى زابيل يسايان ،وقامت السلطات الروسيه باعتقالها وسجنها , ومنذ عام 1943 اختفت أخبارها تمامًا , ويُقال أنها غرقت في سيبيريا لكن ذلك ليس مؤكداً.
زابيل ياسيان ، الناشطة الدعية إلي السلام المناهضة للحرب
كانت زابيل داعية للسلام وكارهة للحرب ، فكتبت عن السلام تقول: " في جميع أنحاء العالم ، وبصورة مستقلة تمامًا عن بعضها البعض ، هناك رغبة متزايدة في السلام. تنتقل هذه الفكرة حول العالم ، وتزداد قوة طوال الوقت وتصبح فكرة مثالية عالمية لا تقاوم. هذا هو الأمل الكبير للأشخاص الذين هم مرهقون وخائبو الأمل بسبب الحروب بين الأمم والفئات الاجتماعية. يحتاج المنتصرون والمهزومون على حدٍ سواء إلى إنهاء الأعمال العدائية.(...) من يدمر بذور العداوات الماضية في عقل الطفل الرقيق ويهيئها لحياة مشرقة لا متناهية سلام الروح. إنها بالطبع أم الطفل. (...) يتكون العمود الفقري للحركة النسوية في فرنسا من النساء اللواتي يجتمعن لتحقيق السلام من خلال التعليم وهذه الحركة تحدد أيضًا الاتجاه الذي اتخذته الحركات النسوية في دول أخرى بفروعها وداعميها المختلفين ".
وعن رأيها في الحرب الدائرة في البلقان تقول:" (...) تم إعلان الحرب.. نحن ندرك جيدًا أننا في خضم حرب، لكننا ما زلنا نواصل حياتنا الهادئة والرتيبة.
(...) تنشر الكارثة بظلالها القاتلة حتى في أكثر المنازل هدوءًا في العاصمة. (...] لكن كل عائلة لا تفكر إلا في جنودها ،وتبحث عن طرق لإبقائهم في مأمن من خطر الموت.الجميع ينظر إلى هذه المحنة على أنها كارثة شخصية،لا أحد ينظر إلى الموقف ككل، ويستوعب حجم الرعب. لا أحد يدرك أن هناك حربًا بالفعل ،وأن الدماء تسفك طوال الوقت.ما الذي يهمني في الألعاب الرسمية أو غير الرسمية لدبلوماسية خادعة؟ في هذه اللحظة بالذات يتم إراقة دماء آلاف الفلاحين وآلاف الأبرياء من كلا الجانبين"
الصوت الأنثوي ضمير المرأة
شكلت زابيل صوتًا أنثويًا عبر إبداعاتها فتقول: " لم تأت المرأة إلى العالم فقط لتكون ممتعة ،تولد المرأة لتنمية ذكائها وخصائصها العقلية والأخلاقية والجسدية. لا ينبغي أن يكون هدف جميع النساء اللواتي يحترمن أنفسهن هو أن يكن فقط لطيفات ، ولكن أن يصبحن فاعلات خير لبلدنا ".
قدمت زابيل يسايان ، مثل النساء المستنيرات في ساحله الفكري المعاصر ، بشكل أعمق دور المرأة في الجهود المبذولة لبناء مجتمع صحي، وبالتالي أمة صحية. وفي الروايات والقصص القصيرة ، أصبحت الاتجاهات التي تحلل نفسية المرأة مهمة وروح المرأة خفية ، وأحيانًا لا يمكن تفسيرها ، وعميقة وغامضة ، مما يميزها عن الرجل ، لكنها لن تعارض أو تدخل في تناقض في العلاقة بين الرجل والمرأة.
وتطرقت إلي موضوع الزواج ، وكانت تري أن الجو العائلي الصحي يبدأ بالاختيار الصحيح لأزواج المستقبل لتشهد الأسرة الاستقرار الطبيعي لها.
وبحثت عن مشاعر المرأة الرقيقة ،وتغلغلت بعمق في ثنايا نفسيتها الرقيقة، وعبَّرت عن معاناة المرأة الصامتة ودموعها الخفية كما في عمل "منفى روحي" تعرض بتقارب عميق الحالة الذهنية للفنانة،حيث لم تحظ المرأة بالاهتمام اللازم ، أصبحت موضع لامبالاة المجتمع ، بينما أرادت الفنانة أن تكون موضع تقديركفنانة
وعملت علي حماية مصالح الجنس الأنثوي للإمبراطورية العثمانية ،كما ناضلت لإصلاح الحالة الأخلاقية والفكرية للمرأة من خلال كتاباتها وأنشطتها العامة، ورأت أنه يجب على المرأة الأرمينية أن تكرِّس كل قدراتها لتحسين المجتمع وشفائه ، وعدم الانجراف في المكياج الخارجي ، وعدم الحكم على الرجل من خلال ملابسه وأثاث المنزل والمجوهرات التي يرتديها.
أدبها
نشرت العديد من القصص القصيره والمقالات والمترجمات باللغتين الفرنسية والأرمنية أثناء إقامتها في باريس ، وظهر أول عمل لها في السابعة عشرة ،قصيدة بعنوان ( أغنية ليل ) عام 1895 متأثرة فيها بالأدب الرومانسي الفرنسي .
وقبل إعلان الدستور العثماني في عام 1908 ، أثناء إقامتها في باريس ، نشرت أعمالها الأولى في مجلتي "زهرة" و "أناهيت" لأرشك شوبانيان ، وكذلك في الدوريات الفرنسية عملين رائعين في تلك الفترة هما روايتي "في غرفة الانتظار" (1903) و " الناس مع النعمة " (1907)، ورواية "العباقرة الزائفون"(1909)، تسخر فيها من المثقفين الأرمن ، لكن بما أن أسماء الشخصيات في الرواية حقيقية ، فقد تركتها غير مكتملة.
وخلال زيارتها لأضنة كتبت رواية "من بين الأطلال" والتي نقلت من خلالها أهوالاً وجرائمًا ارتُكبت بحقّ الأرمن هناك، إذ هُدمت منازلهم، والأحياء التي كانوا يقيمون بها، واعتمدت الكاتبة في نقل ذلك على شهادات لعدد من الأرمن الذين نجوا بأنفسهم أحياءًا من بين الأنقاض. واستطاعت الكاتبة بعيدًا عن التحليلات العنصرية والدينية للمشهد السياسي، أن تتناول الموضوع من خلال نظرتها الأدبية، وتعرض من خلالها مآسي الأرمن وآلامهم في ظل حكم العثمانيين.
وتناولت الإبادة العثمانية للأرمن عام 1915 في عمل آخر لها يسمى بـ"النفس الأخير لشعب ما" تحدثت عن الإبادة العثمانية للأرمن عام 1915.
وبين عامي 1917-1921 ، توجهت لتقديم المساعدات في الشرق الأوسط لتنظيم نقل اللاجئين والأيتام ،وفي هذه الفترة كتبت مجموعات قصصية تضمنت «الكأس الأخيرة» ((1916 و«روحي المنفية» ((1919) و«قوى متقهقرة» ((1923 وتناولت فيها الحياة الاجتماعية والسياسية في تركيا والأراضي الأرمنية. حيث عرضت في هذه القصص العديد من المظالم التي شهدتها
وعند عودتها لباريس مرة ثانية عام 1921، قامت بنشر روايتيها "القدح الأخير"، و"روحي في المنفى". وصدر لها عام 1928 عملها الموسوم بـ" بروميثيوس الحر" الذي تحدثت فيه عن انطباعاتها بخصوص الاتحاد السوفيتي، وإشادتها به.
وفي عام 1933،عندما هاجرت هي وأطفالها إلى يريڤان عاصمة أرمينيا،صدر لها عملين هما "قميص من نار"، و"حدائق سلحدار".
تعاملت يسايان في كتاباتها ورواياتها مع عدم المساواة الاجتماعية بين الجنسين ،وحللت التناقض بين الحرية الفردية والتوقعات التقليدية للمجتمع.
سطّرت كتبها في ظلّ ظروف مختلفة تنوعت بين حروب، ومجازر ومنفى اضطرت للعيش فيه هربًا من مصير مجهول. فهي تُعدّ بحق نموذجًا للمقاومة الحرة، إذ لم تتوانَ عن الكتابة، والنضال بكافة الأشكال، ولم يشغلها عن ذلك حياتها الزوجية، وكونها أمًا لثلاثة أطفال ، ظلّت تقاوم وتناضل حتى الرمق الأخير من حياتها، ومن ثم فإن الأدب الذي قدمته لنا يتمتع بقيمة كبيرة لما يجسّده من أحداث تغطّي معاناة المظلومين والمضطهدين من الشعوب في فترة ما من الزمن.
تنطوي أعمالها على عدد من القيم والسمات المختلفة مثل دفاعها عن حقوق المرأة، والعمل على إبراز مكانتهن بالمجتمع،إلى جانب انتقادها لحياة السجن التي كنّ يعشنها وهنّ حبيسات المنازل التي لا يخرجن منها، وتسليطها الضوء على حياة وآلام المضطهدين.
ولعل الحافز الأكبرفي اتجاه زابيل يسايان للكتابة، هو ما عانته هي بصفة شخصية، وأبناء عصرها من ظلم إبان عهد الدولة العثمانية، وذلك من خلال أسلوب أشبه ما يكون بالأسلوب الواقعي الذي جسَّدت من خلاله كافة الأحداث بشكل يلامس قلوب القرّاء ويجعلهم يتعاطفون مع أبطال تلك الروايات من الضحايا الذين راحوا جرّاء ما تعرضوا له من ظلم آنذاك.
برعت زابيل يسايان في قصصها ورواياتها في أن تكون كاتبة لديها القدرة على إيصال ما خفي عن القراء فيما تكتب، من خلال صوت خفي يسلط الضوء على ما خفي من أحوال الروح البشرية. نعم قد يكون الأسلوب والحبكة قويان، لكن لا يمنع هذا من أن هناك بعض الأحوال التي قد لا يصل إليها القارئ بمفرده، وإنما يكون بحاجة إلى صوت خفي أو طرف خيط يوصله لذلك ،وهذه هي مهارة الكاتب التي لا جدال فيها. ولا شكّ أن المشاعر التي تتغير باستمرار، وتتسع لتتخطى حدود المكان، بشكل يوحي بأنها لا حدود لها، تعتبر في حقيقة الأمر من أهم العناصر اللازم تواجدها من أجل تجسيد أي اضطراب أو ألم يعتصر الإنسان بأي زمان ومكان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد أربع سنوات.. عودة مهرجان عنابة للفيلم المتوسطي بمشاركة 7


.. بدء التجهيز للدورة الـ 17 من مهرجان المسرح المصرى (دورة سميح




.. عرض يضم الفنون الأدائية في قطر من الرقص بالسيف إلى المسرح ال


.. #كريم_عبدالعزيز فظيع في التمثيل.. #دينا_الشربيني: نفسي أمثل




.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع