الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ديكتاتورية غريبة: في نقد فيفيان فوريستير لليبرالية المتوحشة... 8 من 8‏

عبداللطيف هسوف

2006 / 11 / 28
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


لنبدأ بإعطاء بعض الأمثلة التي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية على شكل تنبؤات في ديسمبر 1998 ‏على صفحات نيويورك تايمز والفينانشل تايمز، وهي تتعلق بتسريحات العمال بالجملة نتيجة شراء شركات من ‏قبل شركة ضخمة أو اندماج بعضها الآخر. ‏
‏‍‍‍‍‍‍‍1 - تسعى" الدوتش تليكوم" إلى حذف 20000 منصب عمل .‏
‏2 - إلحاق موبيل بإيكسون سيتسبب في حذف 9000 منصب عمل.‏
‏3- مشروع شراء بانكرز تروست من قبل الدوتش بانك سيتسبب في حذف 5500 منصب عمل.‏
‏4 - تعلن شركة ستي كروب عن حذف 10400 منصب ، أي 6 بالمائة من إجمالي عدد عمالها.‏
‏5 - تكساكو، كونوكو، شيل و شفرون ، برتيش بترولم و أموكو تتنبأ بتسريح 6000 عامل مباشرة بعد ‏اندماجها.‏
كل هذه التسريحات تمت أو ستتم بطريقة عادية باسم (إعادة البناء) أو (عقلنة التسيير).‏
هذه العمليات تظهر لنا أن الإنتاج نفسه أصبح ثانويا ومتجاوزا وأن الأمر أصبح يتعلق بإدماج شركات أو ‏مجموعات في مجموعة أضخم. كل هذه التضحيات التي تتم باسم التنافسية تصب في اتجاه شراء مقاولات لدمجها ‏في مجموعات أقوى. عن هذا الاندماج تنتج أرباح شخصية ستمول بدورها شراء مقاولات جديدة لدمجها من ‏جديد في مجموعات أكبر، وهكذا دواليك. وللعلم، فإن هذه الظاهرة الجديدة آخذة في الاتساع. إنها لا تمثل فقط ‏تهديدا بالإقصاء، بل هي تمثل مرحلة جديدة في عقد الليبرالية المتوحشة. إنه عهد آخر يشخص الطفرات التي ‏تعرفها الحضارة المعاصرة، إنها تعمل على تعزيز وتقوية هذا النظام رغما عن أنف المنتخبين الذين لا يتوفرون ‏سوى على دور ثانوي.‏
هذه الاهتزازات في توزيع الثروات لا تخضع لبعض الدول التي تتوفر على حق فيتو ضعيف، بحيث لا تستطيع ‏فعل شيء يذكر سوى تسهيل خلق أقطاب رأسمالية قوية أو لنقل قطب رأسمالي وحيد (يتمثل في الولايات المتحدة ‏الأمريكية). ويمكن هذا التجمع من السيطرة على العالم عبر نادي ليبرالي قوي يتشكل ذاتيا يوما بعد يوم. إن هذا ‏النظام الجديد يتأسس على صرح منظمات كبيرة خلقتها هذه القوة الاقتصادية ذاتها، منظمات لا تختلف مع ‏الليبرالية المتوحشة وتعمل على تطبيق إرادتها. نذكر من بين هذه المنظمات صندوق النقد الدولي، البنك العالمي، ‏المنظمة الدولية للتطوير، والمنظمة العالمية للتجارة. هذه المنظمات لا تعتمد البتة الأسس الديمقراطية ، شأنها في ‏ذلك شان المجلس الأوربي في بروكسيل. أعضاؤها لا ينتخبون كلهم. لماذا ينتخبون؟ فهم لا يسيرون شؤون ‏العالم، بل يسيرون شؤون عالم الأعمال الذي يعينهم بطريقة أو بأخرى. كما تعمل هذه المنظمات على ترويج ‏وتطبيق ديكتات نظام الليبرالية الفائقة الذي يمسك بزمام الحكم الحقيقية. أما المسؤولون السياسيون في الدول فهم ‏تحت سيطرة إيديولوجيا مهيمنة: إنه انتقال فعلي من الديمقراطية المزعومة إلى الديكتاتورية. ‏
وبالإضافة إلى أغلبية السياسيين، كل هذه المنظمات، الحكومية والغير الحكومية، تعمل على الحفاظ، بوعي أو ‏بغير وعي، على عدم التوازن هذا، في حين أن مسؤوليتهم الرسمية هي السهر على توازن العالم عبر توزيع ‏عادل للثروات. إنه استغلال للشعوب ولبعض الدول الفقيرة تحت غطاء اسمه الإنسانية. و ليس غريبا أن نرى ‏صندوق النقد الدولي يفرض فلسفته السياسية ويملي توجيهاته، بل و يتدخل في الشؤون الداخلية والخارجية للدول ‏التي تعجز عن تسديد مديونياتها. إنه استعمار جديد وفرض للحماية من قبل أغنياء العالم على الدول الفقيرة. ‏
ماذا ينتج عن كل هذا؟ إنها هيمنة نموذج وحيد على جميع الشعوب: تقليص كل محددات المجتمع لتعويضها ‏بالمردودية لصالح المقرضين، اتباع سياسة التقشف، التخلي عن كل طموح شعبي، اقتصاد في الأجور، تقليص ‏البنيات التحتية الاجتماعية ...إلخ. حان الوقت كي يثور المنتخبون ضد هذه الديكتاتورية الغريبة، فرغم لعبة ‏الديمقراطية، نجد الحكومات تسلك نفس الطريق و نفس المنطق الذي يدافع عن مصالح نفس الأشخاص. لا يرتبط ‏ذلك بما يسمونه العولمة، بل إنه يرتبط بإيديولوجية الاقتصاد الحر .‏
لا يمكننا اليوم أن نحلل السياسة والاقتصاد إلا بإبعادهما عن هذه المصالح [...]، فعلى الرأي العام أن يلعب ‏دورا هاما في إطار ديمقراطي، على الحكومات والبرلمانيين أن يرفضوا الخضوع لهذا النظام [...]. هذا الدور ‏الذي يجب أن يلعبه الرأي العام يعد مهما جدا، فهو يمثل مقاومة كونية لهذا الرعب الاقتصادي. لنذ كر مثلا أيام ‏سيتل في نهاية سنة 1999 بالولايات المتحدة الأمريكية التي وقفت حجز عثرة أمام انعقاد اجتماع وزاري لمنظمة ‏التجارة العالمية [...]‎‎‎‎‎.‏


‏------------------------‏
ملحق:‏
‏-------‏
فيفيان فورستير‎( VIVIANE FORRESTER )‎‏ روائية في الأصل، كاتبة وناقدة في صحيفة لوموند ‏الفرنسية وعضوة في لجنة تحكيم جائزة فيمينا ‏‎( Prix Fémina )‎‏. أصدرت عدة كتب أدبية منذ سنة 1970: (فان ‏غوغ أو الدفن في حقول القمح)، (عنف الصمت) ، (هذا المساء، بعد الحرب)، (عين الليل)، (أيادي)...إلخ. لكنها ‏قررت سنة 1996 مساءلة الأفكار الاقتصادية والتوجهات السياسية بكتابها الذي حاز شهرة واسعة : (الرعب ‏الاقتصادي). كتاب حصل في نفس السنة على جائزة ميديسيس ‏‎( Prix Médicis )‎‏ وترجم بعد ذلك إلى 24 لغة.‏‎ ‎في شهر فبراير سنة 2000، يصدر لفوريستر كتاب آخر ينتقد الليبرالية في شكلها المعاصر تحت عنوان: ‏‏(ديكتاتورية غريبة). ‏
تقول فوريستير: إننا نعيش اليوم تحت سيطرة ما يسمى بالعولمة ونرزح تحت ثقل نظام سياسي كوني وأحادي ‏التوجه. هذا النظام يتخفى تحت غطاء الليبرالية المتوحشة التي تتحكم في العولمة وتستغلها لصالح عدد محدود ‏وضد مصالح الفئات الشعبية الواسعة. تنتقد فوريستر في هذا الكتاب الفكرة القائلة بأن الاقتصاد يهيمن على ‏السياسة، و تبين أن هذه السياسة المهيمنة والأحادية التوجه تخرب اليوم الاقتصاد لصالح المضاربة، لصالح الربح ‏الذي أصبح متعارضا مع توفير الشغل، مع كل ما يتعلق بالمجال الاجتماعي (الصحة، التربية والتعليم... الخ)، بل ‏ضد كل ما يرتبط بالحضارة الإنسانية. ترد فيفيان فورستير على الدعاية الغربية التي تروج خطأ بأن البطالة تكاد ‏تنعدم في الولايات المتحدة الأمريكية فتقول : (نعم لقد تقلصت البطالة مقابل ارتفاع عدد الفقراء، حتى وإن كانوا ‏يتوفرون على شغل. إنهم في الحقيقة يمولون بطالتهم وفقرهم). إنها دعوة لمقاومة هذه الديكتاتورية الغريبة التي ‏تقصي عددا كبيرا من الاستفادة من التقدم الذي حققته الإنسانية. نعم يمكن مقاومتها لأنها تحافظ رغم ذلك على ‏تمظهراتها الديمقراطية: إنه في آن واحد الفخ والأمل المنشود.‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أمام إسرائيل خياران.. إما رفح أو الرياض- | #مراسلو_سكاي


.. استمرار الاعتصامات في جامعات أميركية.. وبايدن ينتقد الاحتجاج




.. الغارديان: داعمو إسرائيل في الغرب من ساسة وصحفيين يسهمون بنش


.. البحرين تؤكد تصنيف -سرايا الأشتر- كيانا إرهابيا




.. 6 شهداء بينهم أطفال بغارة إسرائيلية على حي الزهور شمال مدينة