الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب (جميل حمودي والحروفية في الفن)

قيس كاظم الجنابي

2024 / 2 / 6
الادب والفن


-1-
في سلسلة "فنانون عراقيون) وبرقم(10) صدر عن (جمعية الفنانين التشكيلين العراقيين) للناقد ماجد صالح السامرائي، كتابه الجديد(جميل حمودي والحروفية في الفن) ببغداد عام 2023م،،وكان قد أصدر كتاباً عن الفنان محمد مهر الدين؛ ومن طبيعة مثل هذه الإصدارات ان تجمع بين السيرة والدراسة، ولان جميل حمودي (1924-2002م) يعد من الجيل الثاني بعد جيل الرواد في الحركة التشكيلية العراقية، بالمقارنة مع جواد سليم ومجايليه وطلابه وأقرب الفنانين الى تجربته الغنية، فان تجربته تتصف بالتفرد بتوظيف الحرف العربي التي اشبعها فيما بعد شاكر حسن آل سعيد ،لهذا يرى الناقد بان حمودي "قد اتخذ لحياته ،مساراً تمثل في خطين متوازيين هما: الرسم والكتابة في شؤونه والقضايا المثارة من خلاله"[ص7] ففي الرسم ومعه النحت، يحقق الفنان ما كان يصبو اليه من تفرد وتميز وجمال.
لقد كان توظيفه المبكر للحرف العربي نقطة تحول أكسبت أعماله الفنية بشقيها(الرسم والنحت) خصائص لها أبعادها، يؤكدها توظيفه للبيئة البغدادية، التي شهدت ولادة عدد كبير من الفانين، مع اطلاعه على الفن الأوربي مباشرة، بعد مكوثه في فرنسا ردحاً من الزمن سلحته برؤى ومواقف وتفاصيل، كان لها أثرها في تجربته حتى أن (آندريه بارينو) أحد مدرسي فنه رأى فيها انه كان" من الفنانين الذين بدأوا حركة الفن الحديث ،والذين فكّوا عقدة المفهوم الضيق الذي كان معروفاً في الماضي كفلسفة متبعة وتقليد، من أجل أن تتفرد ديناميكية جديدة للحياة ،وللروح المبدع".[ص10]
-2-
حاول جميل حمودي منذ معرضه الأول (1950- باريس) ومن خلال تجاربه الفتية الأخرى، أن يعطي للحرف العربي قيمة إبداعية، فكان من الفنانين المولعين بالثقافة والادب، فكان هذا الجانب له أثره الكبير في تحوير بعض ملامح الثقافة العربية نحو الفن التشكيلي، فصار تأثيره واضحاً على تجارب شاكر حسن آل سعيد ،في الانتقال من الشكل الى المحتوى، حتى يمكن ان يقال ان تقنيات جميل حمودي كانت متقدمة في فهم اللوحة، كعمل له شروطه الحروفية، ومناخه الداخلي ،وعمله يتميز بفهم لحروفيات العمل الفني ،وقد تقيّد بالاتجاه التجريدي وراح ينسج عليه غالبية أعماله دون تجديد أو تطوير ، ودون تفكير بالأساليب الأخرى، أو في التجارب الهم الحرفي لصالح القلق الإبداعي بمعناه الشمل والرصين.[الحركة التشكيلية المعاصرة في العراق، مرحلة الرواد: عادل كامل، وزارة الاعلام، دار الحرية للطباعة(بغداد،1980م)، ص195-196]
لا يمكن فصل فن جميل حمودي عن جيله والاقرب الى فنه، من أمثال جواد سليم ،وفائق حسن، وعلاقتهما بالفنان والكاتب جبرا إبراهيم جبرا، وقدرته على تشخيص قدراتهما الفنية والابداعية؛ فقد كان توظيف الحرف في اللوحات التشكيلية، بمثابة اختراق لمعطيات كانت سائدة ،أشبعتها سيرته التي عاشها في بغداد خلال عقد الاربعينات من القرن الماضي، ثم سفره الى باريس، واطلاعه على منابع الفكر الغربي، بحيث استطاع ان يكوّن لنفسه (حداثة فنية)، جعل للحرف بعداً ذا دلالة، وأسلوباً جديداً في البناء التشكيلي، فركز على جمالية (اللون الصافي)؛ولهذا بقي السؤال هنا، يتعلق بمدى استطاعته الجمع بين معطيات الحرف والعمارة البغدادية، فاسهم في تكوين التجمعات الفنية المعروفة؛ "كانت جماعة الرواد في الفن التشكيلي قد تكونت كأصدقاء منذ عام 1941- 1942م،وكان من أوائل المنتمين اليها عام 1942م هو إسماعيل الشيخلي ، فكانوا يلتقون في بيت فائق حسن.[1/122 فصول من تاريخ الحركة التشكيلية في العراق: شاكر حسن آل سعيد، دار آفاق عربية للطباعة - دائرة الفنون الثقافية العامة ،وزارة الثقافة والإعلام ( بغداد، 1983م).]
وأسس جميل حمودي مجلة الفكر الحديث عام 1945م،أي بعد سنتين من تأسيس جماعة الرواد، فأصدر (رسائل فنية تحت اسم استديو)؛ فلما تخرج في معهد الفنون الجميلة عام 1946م، حاول ان يجعل من مجلته تلك بوقاً للحركة الفنية في العراق وهي منطلقها الجديد خلال الحرب العالمية الثانية، مستكتباً بعض الأقلام داخل العراق وخارجه، ومعرفاً الجمهور العراقي والفنان العراقي الحديث بالفن الحديث.[فصول،1/117] وفي شهادته التي نشرها سامي مهدي في كتابه(المجلات العراقية الريادية) كأول شهادة في ملاحقه للكتاب، يشير الى انه أصدر مجلة مخطوطة باليد ونسخة واحدة اسمها (عشتروت)، ثم حصل على إجازة محلية لمجلته(الفكر الحديث) التي لم يصدر الا في عام 1945م،وتوقفت عن الصدور عام 1947م، بعد سفره الى باريس لدراسة الفن.[ص122-14/ المجلات العراقية الريادية ودورها في تحديث الأدب والفن 1945-1958: سامي مهدي، دار الشؤون الثقافية العامة ( بغداد، 1995م).]

-3-
في تقديري الشخصي ان جميل حمودي عاش مشبعاً بالواقع الثقافي العراقي، وبالذات أجواء بغداد، وخلال الاربعينات نشطت الحركة التشكيلية العراقية بفعل مجموعة من الفنانين كان من أبرزهم جواد سليم، وتأسس فيها معهد الفنون الجميلة ، فكثرت المعارض والنشاطات الفنية، فرأى ان من واجبه توظيف الهوية العربية المتمثلة بتوظيف الحرف العربي والعمارة في رسم لوحاته، فصار بإمكانه ان يحدد منطلقاته وتوجهاته من خلال الرسم، ولكنه لم يستطع أن يؤسس له نظرية خاصة تصبح مدرسة فنية خاصة ميدانها توظيف الحرف ،ويمكن العودة الى جهود الصگار وشاكر حسن آل سعيد وبعض الخطاطين الذي مزوا بين اللوحة الفنية والخط العربي ومنهم ضياء العزاوي.
لقد قدّم الناقد ماجد صالح السامرائي رؤيته عن جميل حمودي، من خلال متابعاته لما كتب عنه وما انجزه من أعمال مهمة نالت انتباه النقاد الفرنسيين ،وخصوصاً وان حمودي كان يطمح الى توظيف قدراته الفنية الانطباعية بوضوح، ويميل الى تكوين رؤية موضوعية بإمكانها ان تصهر المعطيات التشكيلية الجديدة التي لاحظها ،في الفن التشكيلي الغربي والموروث العربي، بأشكاله المختلفة؛ مما يكشف عن وجود رؤية تمتلك خصوصيتها وتطورها، في استثمار الحرف وعلاقته بالمكان بتأثير سفره الى باريس، ودراسته في معهد الفنون الجميلة ،ومن هنا جمع الناقد في دراسة فن حمودي بين سيرة الفنان وفنه.
-4-
يؤكد الجانب الفني على أهمية الدلالة البصرية للحرف، وعلى البعد التراثي له، بحيث تجتمع الحداثة مع التراث في اطار واحد، وبما يؤكد البعد الثقافي والبعد الفني، ولهذا اقترن مع الفنان شاكر حسن آل سعيد، في هذا الجانب من حيث البعد التكويني والدلالات المرتبطة به، لأنه نابع من أصول حيّة تخدم الكتاب شكلاً ومنطلقاً. فاستطاع حمودي ان يركز على القيمة التشكيلية في الحرف وفي دلالته اللا زمنية، وان كان قد ولد في الماضي، ولكنه تفاعل وانغمس في جوهر الماضي محاولاً تأسيس نظرية خاصة(في الحروفية) لكنها في حقيقة الامر بقيت مجرد امنيات، لان قوام عمله هو التأليف بين الشكل واللون، والرمز الحروفي ، لأن النظرية تحتاج الى أُسس فلسفية تدعمها وهذا ما لم يستطع ان تتوفر عليه طروحات جميل حمودي، وان حاول آل سعيد ذلك، لكنه وظف النزعة الصوفية كفلسفة روحية متجذرة على الارتفاع بالجانب الروحي، ولا يستطيع أن يتوغل في الجانب المادي والتصويري والتشكيلي؛ مما يحدث نوعاً من الاصطدام بين جانبين مختلفين.
أما حمودي، فقد وظف في اعماله الفنية (الرسم والنحت) الواقع والمؤثرات الحروفية ، متخذاً صيغة تكوينية، غالباً ما تشكل التوأم الرمزي في لوحاته ،فاتخذ الحرف العربي أبعاداً دلالية متعددة في أعماله في:
1- نسق تشكيلي له خصوصية.
2- مكون موضوعي له دلالته.
3- استعارة قائمة بنظام تخييلي.[ص 21]
ما تبقى من جميل حمودي هو تراثه التشكيلي، وما قدمه للفن التشكيلي من منجزات، من حيث الأسلوب والرؤى التي تحكم لوحاته، وترسم صورة حية لمرحلته وما تلاها من مراحل أخرى، كان أبرزها توظيف الحرف، واللون والرسوم التي تعبر عن حضور الاقواس الإسلامية التي تتعلق بحضارة لها علاقة بالحرف العربي، وكذلك استخدام الزوايا والأسهم والدوائر والتحولات التي تحكمها؛ فضلاً عن التكوينات الشعبية للأمكنة ومواد الطبيعة كالطيور والنخيل والمساجد والبيوت ومواقع الاتصال كالجسور والابواب والنوافذ والقناطر، الى جانب الصور التجريبية التي تقوم على رسم الاشكال الهندسية والتكوينات والحواجز، أما المرأة فهي تمثل الانوثة المتوهجة والمسالمة في آن واحد ،والتي تبدو غير متحفظة أو مأسورة بالموانع والمصدات والتي تقترن بنوع من البهجة والانطلاق لمعانقة الطيور والفضاءات.
سؤال الفن الذي يطرحه الكتاب على بعدين:
1- الثقافي.
2- الفني.
وكان حمودي قريباً من التجمعات الفنية وحركتها وتواصلها؛ فكان توجهه ينسجم مع طروحات آل سعيد ، في ادراك الحرف واهميته في اللوحة التشكيلية، حيث مهّد الطريق أمام جيل الستينات في توظيف التكوينات الفنية التي كان لها أثرها وخصائها عند كل فنان من هذا الجيل ،لأنه ركز على القيمة التشكيلية للحرف، وجعله معياراً فنياً في التوازن بين (الشكل) و(الفكرة)، فاتخذ لنفسه تعبيره الشخصي الذي يعكس تصوراته الفنية في أهدافه ومراميه كعضو مهم في الحركة التشكيلية العربية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الاسئلة المتوقعة فى امتحان اللغة العربية.. المراجعة النهائية


.. محمود رشاد مخرج -أم الدنيا-: الفنانة سوسن بدر مدرسة كبيرة في




.. محمد صابر عرب كان وزير ثقافة في أربع حكومات.. ولكن هل كان مح


.. أعظم لقطات السينما المصرية صورها سعيد الشيمي ??




.. إزاي تصور جوه الأتوبيس بكاميرا سينما.. مهمة مش سهلة خالص ??