الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محدودية الاهتمام بقضايا تغير المناخ في البلدان العربية: الأسباب والتبعات

محمد عبدالمغني
صحفي وباحث سياسي

(Mohammed Abdulmoghni)

2024 / 2 / 7
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر


يُقال إن الطبيعة تنتقم من البشر؛ إنه التعبير المجازي الأكثر رعبًا، خاصة بعد الكوارث الطبيعية الهائلة التي حلّت في عدة دول حول العالم خلال السنوات الماضية، أهمها إعصاري كاترينا وهايتي في كل من الفلبين والولايات المتحدة، وزلزال تسونامي في كل من اليابان والهند وإندونيسيا، وحرائق الغابات في أستراليا والجزائر والبرازيل، والزلازل التي عاشتها كل من سوريا وتركيا والمغرب، وغيرها من كوارث التغير المناخي العديدة التي أسفرت عن فقدان كبير للأرواح والممتلكات، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية والتسبب في اختلال توازن النظام الإيكولوجي في كوكب الأرض.

برودة الطقس بشكل غير معتاد في المناطق الاستوائية، وارتفاع درجة الحرارة في المناطق الباردة و نزول الثلج في فصل الصيف في المناطق الحارة، وارتفاع نسبة التصحر وجفاف الأرض بالإضافة إلى الأعاصير والكوارث الاخرى، ليست مجرد علامات بسيطة ، بل إننا أمام بداية قد تكون أكثر سوداوية على البشرية وجميع الكائنات الحية بشكل عام، مالم تلتزم كافة دول العالم في التخفيف من الأعباء على الطبيعة.

الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أظهرت في تقريرها الصادر في أكتوبر 2018، أن الاحتباس الحراري العالمي سيصل إلى 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2030، وهو ماسيهدد بحصول كوارث طبيعية غير مسبوقة ، مثل ارتفاع منسوب مياه البحر وانخفاض الغطاء الثلجي وزيادة هطول الأمطار والجفاف والحرائق وانتشار الأمراض.
لهذا، فإن هناك دول باتت تتخذ إجراءات عديدة للحد من أسباب الكوارث الناتجة عن تغير المناخ أو ظاهرة الاحتباس الحراري، منها على سبيل المثال لا الحصر: ألمانيا وفرنسا والسويد والمملكة المتحدة والدنمارك. لكن هذه الجهود بحسب خبراء بيئيين غير كافية إذا لم تتفاعل بقية دول العالم بشكل جدي، وخاصة دول الشرق الاوسط، للحد من تبعات التغير المناخي، وذلك بناءً على المؤشرات والتوقعات المستقبلية الخطيرة التي سيتعرض لها كوكب الارض.
وعلى الرغم من خطورة الوضع الحالي والمستقبلي، إلا أن الإجراءات المتبعة لمنع تفاقم آثار التغير المناخي في اغلب البلدان العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لا تزال ضعيفة جداً ويمكن أن يعود سبب هذا الاهتمام المحدود أو المتراجع إلى عوامل عدة، يمكن تلخيص أهمها في التالي:


• غياب الخطط والسياسات الفعالة لمواجهة تغير المناخ

تفتقر العديد من الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى استراتيجيات وسياسات واضحة لمجابهة تغير المناخ والتصحر على المستويين المحلي والإقليمي. فالعديد من الخطط والبرامج والمشاريع التي تم إطلاقها، سواء من قبل الحكومات أو المنظمات المحلية والإقليمية الفاعلة في هذا المجال، تعاني من نقص في التنسيق والتكامل والمتابعة والتقييم والمراقبة والمساءلة. وفي المقابل، هناك اشكاليات أخرى متعلقة في تزايد الاستهلاك السكاني للمواد الضارة بالبيئة، خاصة في الدول التي تشهد أيضاً تقلبات مناخية وكوارث طبيعية متكررة، مثل مصر والكويت والسعودية واليمن والمغرب، وهي دول تواجه مخاطر عالية من الجفاف والفيضانات والارتفاع في درجة حرارة الأرض والبحر والانخفاض في مستوى المياه الجوفية والتنوع البيولوجي والإنتاج الزراعي والأمن الغذائي، بحسب تقارير دولية¹.


• الصراعات والتغيرات السياسية والأمنية

تعيش بعض الدول العربية في الشرق الأوسط حروب وصراعات داخلية و خارجية متعددة ، ادت الى انعدام الاستقرار وزيادة ضعف المؤسسات الرسمية وغير الرسمية. لذا فان هذه الصراعات تجعل من الصعب على المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني تحديد أولوياتها وتخصيص مواردها وتنفيذ سياساتها في مجال تغير المناخ، كما أنها تقلل من فرص التعاون والتنسيق بين الدول المجاورة والفاعلة في قضايا البيئة والتغير المناخي أو الشركاء الدوليين الآخرين.
ومن أمثلة هذه الصراعات والأزمات السياسية القائمة والمستمرة تلك التي تعيشها كل من اليمن وسوريا والسودان. وهي دول تشهد حروبا أهلية منذ سنوات وتعاني أيضا من أزمات إنسانية خطيرة وتواجه بحسب تقارير أممية تهديدات عديدة في مواردها المائية والغذائية والصحية. ويتوقع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في آخر تقاريره زيادة معدلات الفقر في اليمن على وجه الخصوص إذا لم يتم اتخاذ إجراءات مناخية جادة. ومن المتوقع بحسب البرنامج أن يفقد اليمن 93 مليار دولار تراكمي في الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2060، وأنه سيعاني 3.8 مليون شخص إضافي من سوء التغذية في البلاد².


• الاعتماد شبه الكلي على النفط والطاقة الاحفورية

تعتمد البلدان العربية بشكل كبير على النفط والوقود الاحفوري كمصدر رئيسي للدخل والطاقة. هذا الاعتماد يقلل من فرص التحول إلى الطاقة المتجددة ويتسبب في زيادة ارتفاع شدة الظواهر الجوية الخطيرة مثل الأعاصير والفيضانات. وفي هذا السياق، يشير التقرير المعني بأداء تغير المناخ لعام 2024 والصادر عن منظمة "جيرمان ووتش" ومعهد "نيو كلايميت" إلى تراجُع جهود الدول العربية -خاصةً المُنتجة للنفط - في مجال مكافحة أزمة المناخ؛ إذ تذيلت السعودية الترتيب العالمي محتلةً المركز 67، في حين جاءت الإمارات بالمرتبة 65، والجزائر (54)، ومصر (22) , فيما شهدت الإمارات ارتفاع نصيب الفرد من الانبعاثات إلى (25.9 طنًّا) وانخفاض حصة الطاقة المتجددة الى (أقل من 1٪)، في حين تزايد نصيب الفرد من الانبعاثات في المملكة العربية السعودية على نحوٍ مطَّرد، كما أن حصتها من الطاقة المتجددة بإجمالي إمدادات الطاقة الأولية تقترب من الصفر³.


• عدم الالتزام الجاد بالاتفاقيات الدولية

وقعت العديد من الدول العربية على معظم الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بتغير المناخ والتصحر، مثل اتفاقية باريس المناخية، واتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، واتفاقية مكافحة التصحر، لكنها بحسب تقرير أممي صدر في فبراير 2021 لم تفي بتنفيذ التزاماتها ووعودها مع الكثير من الدول الأخرى غير العربية بشأن خفض الانبعاثات وزيادة التكيف خاصة فيما يخص اتفاق باريس للمناخ 4.
ويظهر التقرير الصادر عن اتفاقية الأمم المتحدة بشأن التغيّر المناخي في فبراير 2021 أنه في حين أن معظم الدول رفعت سقف طموحها الفردي لتقليل انبعاث غازات الاحتباس الحراري، إلا أن التأثير المشترك يضعها على طريق خفض الانبعاثات فقط بنسبة 1% مع حلول عام 2030 مقارنة بمستوياتها في العام 2010 5. لكن في المقابل لم تستفد الدول العربية، وخاصة الفقيرة والضعيفة منها بشكل كاف من الفرص والآليات المتاحة للحصول على الدعم والتعاون الدولي في مجال العمل المناخي، وذلك بحسب بعض التصريحات الصادرة من ممثلين عن صندوق النقد الدولي 6


• تراجع التوعية البيئية ونقص المصادر والمعلومات المحدثة

لا يزال هناك جهل أو تشكيك بشأن حجم وخطورة التغير المناخي وتأثيراته على البيئة والمجتمعات والاقتصادات في المنطقة العربية، ويقول بعض خبراء المناخ إن العالم العربي لا يولي التغيرات المناخية الاهتمام اللازم وذلك جهلا بخطورة التغيرات التي قد تؤدي لكوارث طبيعية لا يمكن حصرها7.
كما أن هناك نقصا في المعرفة والتثقيف وعدم اهتمام وسائل الإعلام العربية المحلية كثيرا بمناقشة قضايا البيئة ومفهوم الحلول القائمة على الطبيعة وكيفية تصميمها وتنفيذها ورصدها بشكل مستدام.
وفي هذا السياق، شدد خبراء إقليميون في تقرير لمنظمة اليونسكو اصدر بمارس 2022 على الحاجة إلى زيادة الاستثمارات في العلوم المتعلقة بالحلول القائمة على الطبيعة والوصول المفتوح إلى المعلومات لتحسين المعرفة والوعي في البلدان العربية لهذه الحلول بما في ذلك النُهج المبتكرة ، فضلاً عن التعاون المتعدد التخصصات وإشراك أصحاب المصلحة المتعددين 8.


يُعَتَبَرُ التغيّر المناخي إحدى أهم التحديات التي تواجه العالم في السنوات الأخيرة. وفي الوقت الذي تحذر فيها المنظمات الدولية والدراسات المناخية من أن السنوات القادمة ستشهد العديد من الكوارث الطبيعية، يغرق الناس ووسائل الإعلام في البلدان العربية بمناقشة معظم قضايا الصراع السياسي والأولويات الاخرى مما يُشغلهم كثيرا عن الاهتمام بمناقشة قضايا البيئة.

وبناءً على ذلك، أصبح من الضروري على جميع دول العالم العربي بلا استثناء التحرك للحد من انبعاثات الغازات التي تسبب التغير المناخي، والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة والبديلة، وتخصيص مساحات عديدة للتوعية والنقاش حول الخطط والاستراتيجيات التي تهدف إلى الحد من كوارث التغير المناخي واتباع الكثير من الاجراءات التي يمكن توضيح اهمها في التالي:

• زيادة الضغط على القادة وصناع القرار لتضمين القضايا البيئية في السياسات والخطط المستقبلية، ورفع المشاركة في النقاشات والفعاليات والمبادرات المتصلة بالبيئة والتغير المناخي.

• التعاون والتنسيق بين المؤسسات الحكومية ووسائل الإعلام والمنظمات المحلية والدولية، والاكاديميات، لتبادل الخبرات والمعلومات حول قضايا البيئة.

• رفع الوعي العام من خلال نشر المعلومات البيئية وتنظيم برامج وحملات دورية توضح أسباب ومخاطر تغير المناخ.

• الاستفادة من ورشات العمل والبرامج والدورات التدريبية والتأهيلية المتخصصة في مجال الإعلام البيئي والمناخي،و تطوير مهارات الصحفيين واعتماد أحدث الأساليب في هذا المجال.

________________________________________________________________________________

• المصادر :

(1)
التغير المناخي .. مشاهد قاتمة من دول عربية – DW – 2021/12/14

(2)
تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: توقعات تبين الآثار المدمرة لتغير المناخ على التنمية البشرية في اليمن | برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
(undp.org)
https://www.undp.org/ar/yemen/press-releases/tqryr-brnamj-alamm-almthdt-alanmayy-twqat-tbyn-alathar-almdmrt-ltghyr-almnakh-ly-altnmyt-albshryt-fy-alymn

(3)
ترتيب الدول العربية بمؤشر أداء تغير المناخ 2024 – مقالات - Nature Middle East (natureasia.com)
https://www.natureasia.com/ar/nmiddleeast/article/10.1038/nmiddleeast.2023.279

(4)
أبرز نقاط اتفاق باريس التاريخي حول المناخ – DW – 2015/12/12

(5)
تقرير أممي: الحكومات بعيدة عن تحقيق أهداف اتفاق باريس للمناخ | أخبار الأمم المتحدة (un.org)
https://news.un.org/ar/story/2021/02/1071592

(6)
البلدان الفقيرة والضعيفة تحتاج إلى الدعم حتى تتكيف مع تغير المناخ (imf.org)
https://www.imf.org/ar/Blogs/Articles/2022/03/23/blog032322-poor-and-vulnerable-countris-need-support-to-adapt-to-climate-change

(7)
دراسات وخبراء يرصدون كوارث مناخية واقتصادية تهدد دولا عربية بسبب التغير المناخي | علوم | الجزيرة نت (aljazeera.net)

(8)
الحلول القائمة على الطبيعة للحد من المخاطر في الدول العربية وسياق السياسات وفرص الاستيعاب | UNESCO
https://www.unesco.org/ar/articles/alhlwl-alqaymt-ly-altbyt-llhd-mn-almkhatr-fy-aldwl-alrbyt-wsyaq-alsyasat-wfrs-alastyab








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استمرار التظاهرات الطلابية بالجامعات الأميركية ضد حرب غزّة|


.. نجم كونغ فو تركي مهدد بمستقبله بسبب رفع علم فلسطين بعد عقوبا




.. أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني يبحث تطورات الأوضاع


.. هدنة غزة على ميزان -الجنائية الدولية-




.. تعيينات مرتقبة في القيادة العسكرية الإسرائيلية