الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لكوابيس الغزاوية

شوقية عروق منصور

2024 / 2 / 7
مواضيع وابحاث سياسية


الكوابيس الغزاوية
لا أستطيع وضع الصور في علبة ورميها في البحر ، لعل يوما ما تعلق العلبة بشبكة صياد ويفتحها ليجد صوراً لا يعرف قراءة تفاصيلها، بل يتعجب ويبكي زمناً ، قهراً ، وجعاً ، دموعاً ، ذلاً ، جوعاً ، عطشاً .. !!
في الكوابيس الغزاوية لا مجال لوضع الصور في العلب، ولا مجال لحمل المقص وقص بعض الوجوه والأماكن خوفاً على المشاعر التي ستبكي وتلعن وتحصي صفحات التاريخ التي سجلت أسماء من كانوا يعانون من انفصام في الاخلاق والمواقف والشعارات ، يلعنون شيزوفرنيا العربية والدولية التي امتدت على طول الصفحات ، حيث تبين أن الانسان الأول في الغابات كان ينقصه فقط بدلة وربطة عنق ، لأنه عاد يصطاد الرؤوس البشرية وهو بكامل الثياب العصرية وأمام الميكروفونات .
كثيرة هي الصور التي خرجت من بين أنياب الخراب والدمار والبيوت التي انهارت وسقطت على رؤوس أصحابها ، ولكن هناك كوابيس لا أستطيع نزعها من رأسي ، إنها أشبه بالخيال .
الكابوس الأول
ذلك الصبي ابن العاشرة الذي وجد نفسه بلا بيت ، ينام في الشارع وحوله اخوته السبعة ، هو الآن المسؤول الوحيد عنهم لأن والده قُتل بيد قناص وأيضاً والدته قتلت بينما كانت تركض وهي حاملة أخته الصغيرة .
الصبي يحمل أخته، طفلة ابنة عدة أشهر يقوم باحتضانها بحرص وحنان من برد الشتاء ، يمسك قنينة الحليب ويطعمها ويغني لها . كيف يمكن أن يعيش أب في العاشرة من عمره ، في زمن ووقت الكل يركض يريد أن ينفذ بجلده ، ولا أحد ينتبه لأحد.
الكابوس الثاني
تلك الأم التي تنتظر بلهفة مجنونة الشباب وهم يرفعون الأنقاض ، يرفعون الحجارة بالأيدي لكي يصلوا إلى الأبناء وبعد ساعات يحملون الأشلاء .
الكابوس الثالث
تلك الحفر المستطيلة على مد النظر ، قد تحسبها حفراً لزراعة الأشجار أو لإقامة أبنية لكن تكتشف أنها قبوراً جماعية .
الكابوس الرابع
أصبح اللون الأبيض يثير حزني ، تلك الأكفان البيضاء التي تحمل ليس فقط الأجساد ، الاشلاء ، إنها ذكريات وأحلام ودماءً كانت تغلي لتصل إلى الأهداف .
كل جثة ملفوفة كانت تحلم بأن تعيش مائة عام ، لكن وجدت نفسها في حفرة حُفرت على عجل، سرب طويل أشبه بحزن لم يترك لشهامة الموت مكاناً ، لأن الأسماء ضاعت والوجوه المغطاة رسائل قد نقرأها بعد انتهاء الحرب .
ومن المهازل أن يُسجل على الكفن الأبيض اسم الميت - المقتول - كأن الحبر سيقوم برعاية الحروف ، لم يعرفوا أن الحبر سيذوب مع أول قطرة ماء .
الكابوس الخامس
امرأة حامل على وشك الولادة ، جاءها المخاض ، صراخها يختلط بأزيز الرصاص وأصوات المدافع وقصف الصواريخ ، لا أحد جانبها ، تلد لوحدها ، تحضن طفلها تبكي حزناً على مصيره ، إن لم يمت بالقصف سيموت من البرد .
الكابوس السادس
طوابير الدخول إلى المرحاض - من السخرية أن يُطلق عليه مرحاض - صديقتي الغزاوية على الفيس قالت لي مشكلة قضاء الحاجة من أكثر المشاكل التي تواجهنا ، لقد وقفت في الطابور وأنا محشورة ، شعرت أنني سأموت وأختنق ، ولم أجد نفسي إلا سقطت وغبت عن الوعي والمصيبة أنني عملتها في ثيابي ، خجلت من نفسي، ولكن لم أجد السخرية في عيون الذين حولي ، بل وجدت البكاء الصامت .

الكابوس السابع
بكاء الرجال ، عندما يبكي الرجل أشعر أن العالم وقف على قدم العجز وان الروح قد انطفأت ، يبكي الأب لأن دم أولاده غسل الأرصفة تغلغل في التراب ، ويقف الآن وحيداً دون بيت ودون عائلة .
الكابوس الثامن
عيون الأطفال ، هناك أساطير وخرافات وحكايات ، ولكن لم أجد من يصف عيون الأطفال المذعورة المحدقة في الفضاء ، لم أجد من يصف تلك النظرات الحائرة ، الخائفة ، التي لا تعرف لماذا ؟ و كيف؟ كل الذي يعرفه الطفل أنه الآن لا شيء .. !!
الكابوس التاسع
اين تلك البنت الصغيرة صاحبة العيون الخضراء ، صاحبة الوجه المليء بالغبار والوحل الملتصق على أنفها ، سألها المذيع أنت مع مين هون ؟؟ قالت وهي تبتسم له ابتسامة خجولة ، تلملم بقايا كبرياء طفولتها .
- أنا ما بعرف وين أمي ؟؟ ابوي قتل مع أخي!! وأنا لحالي ...!!

الكابوس العاشر
ذلك الزحام ، الشارع يختنق من الزحام ، يمشون، يسرعون في مارثون غزة للبحث عن مكان آمن ، الوجوه متعبة من المشي ، ماتت الخرائط والشوارع والأزقة والحارات ، لا مكان آمن ... انتحرت البوصلات ، أي بوصلة ستتجه إلى مكان آمن ، على أي وعد سيكون تبادل الحياة بالحياة ، هنا في غزة فقط يكون الوعد بالموت قتلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل 5 أشخاص جراء ضربات روسية على عدة مناطق في أوكرانيا


.. هل يصبح السودان ساحة مواجهة غير مباشرة بين موسكو وواشنطن؟




.. تزايد عدد الجنح والجرائم الإلكترونية من خلال استنساخ الصوت •


.. من سيختار ترامب نائبا له إذا وصل إلى البيت الأبيض؟




.. متظاهرون يحتشدون بشوارع نيويورك بعد فض اعتصام جامعة كولومبيا